الأربعاء، يناير 26، 2011

"المقاهي الثقافية" بالمغرب تعرف تطورا رغم الإكراهات

تعاني من غياب الدعم وطغيان هاجس الربح لدى أصحاب المحلات
هل عندنا مقهى ثقافي بالمغرب؟ إنه السؤال الذي يكاد المتتبع والمهتم بالشأن الثقافي ببلادنا، لا يجد له جوابا شافيا، بل إن من يرى بأن التكنولوجيا من جهة، وطغيان هاجس الربح التجاري من جهة ثانية، يكادان يكونان العنصرين الأكثر تحكما في أرباب المقاهي، ولذلك فإن من النادر أن تجد صاحب مقهى يرحب باستضافة نشاط ثقافي ينظمه مثقفون في إطار ما يعرف بـ"المقهى الثقافي"

نورالدين اليزيد

كما هي العادة دائما، بهذه المقهى، أشخاص يدخنون ويرتشفون قهوتهم السوداء وهم يتبادلون أطراف الحديث، ويخوضون في مواضيع شتى، فتارة يناقشون موضوع تعديل حكومي وشيك، وتارة أخرى يتقاسمون اللؤم نفسه الموجه إلى المجلس البلدي المحلي الذي ترك المدينة تغرق في أوحالها، في ما اشرأبت أعناق آخرين إلى شاشة التلفاز الضخمة والمسطحة التي تنقل مباراة كرة قدم بين فريقين أوروبيين..وأما آخرون فقد انخرطوا في تلصص غير مسموع يبدو من غير أدنى ريب أنه نميمة وتقوُّل في أشخاص، بينما فضل البعض الجلوس بالخارج على مقربة من الرصيف وهاجسهم النظر إلى الأجساد النسائية الذاهبة والرائحة في الشارع المقابل..وفي أحد أركان المقهى الفسيح كان أشخاص منهمكين على تغطية طاولتين، جمعوهما إلى بعضهما البعض، بستار داكن، وكان أحدهم يحمل ميكروفونا سرعان ما وضعه على الطاولتين اللتين باتتا أشبه بالمنصة.

زوار غير مألوفين!

جلس أربعة رجال خلف المنصة تلك، في اللحظة نفسها، بدا زوار يُعدلون من جلستهم، قبل أن يخترق صوت الميكروفون القاعة: "أيها الحضور الكريم..!"، إنهم مثقفون جاءوا إلى المقهى ليتقاسموا مع روادها التحليق في عالم الثقافة، في محاولة لتغيير واقع الرتابة المملة الذي بات يسكن معظم المقاهي، ومحاربة، قدر الإمكان، تلك "العادات الخبيثة" التي يتحلق حولها معظم مرتشفي القهوة! هي صورة أصبحت تأخذ طريقها إلى الاعتياد، في مقاهينا؛ وجوه ثقافية وفنية وموسيقية معروفة حينا، وأحيانا غير مألوفة من طرف رواد المقهى، لكن بمجرد بدء النشاط/الفعل الثقافي، حتى يتسرب إلى الحضور، رصيد المحتفى به؛ هو صاحب كتب أو روايات أو قصص أو دواوين عدة، وقد يكون واضع تأليفات موسيقية، أو ممثلا شارك في أعمال سينمائية مغربية ودولية، لكنه حضر إلى ها هنا، حيث لا أضواء كاشفة ولا ماكياجا مبالغ فيه يُخفي حقيقة الصورة..هاجس الجميع هو كَمٌّ من الأسئلة التي يحاولون الإجابة عنها؛ هل يمكننا أن نُحول المقهى من فضاء للترفيه إلى آخر للتثقيف؟ لماذا نظل ننتظر الإعلام الرسمي، السمعي البصري بالخصوص، الذي قد يأتي أو لا يأتي، من أجل الاحتفاء بالرُّواد؟ ماذا لو تحول، على الأقل، نصف مقاهينا إلى مقاه ثقافية؟ ألن نُعدَّ من الدول المتقدمة؟

المقهى الثقافي بالمغرب..يتطور!

بغض النظر عما إذا كانت التسمية هي "ثقافة المقهى" أو "المقهى الثقافي"، فإن المصطلح بات يغزو كثيرا، في الآونة الأخيرة، مجامعنا الخاصة وداخل الصالونات التي تتناول الشأن الثقافي، وإن كان الأمر يتعلق في الغالب بأحاديث موسمية تصادف افتتاح مهرجان هنا أو هناك، أو حفل توقيع كتاب بهذه المدينة أو تلك، أو بمناسبة قراءات شعرية أو قصصية في هذا البهو أو هذا المسرح، رغم كل ذلك فإن المتفق عليه هو أن مصطلح "المقهى الثقافي"، له جذور ضاربة في التاريخ، وترجع على الأقل إلى القرن الثامن عشر، عندما كان مقهى لوبروكوب الشهير نقطة تجمع المثقفين، من أمثال فولتير وديدرو للخوض في المناقشات الفلسفية التي ما تزال تحفظها أمهات الكتب. وبالمغرب تعود أولى تجارب "ثقافة المقاهي" إلى فترة قديمة نسبيا، ولا يمكن الحديث عن بعض تجارب "المقهى الثقافي"ببلادنا، إلا خلال فترة السبعينات، كما يتحدث عن ذلك بعض الذين اتخذوا من الثقافة مجالا للعمل الجمعوي، وهي الفترة التي عرفت فيها بعض التجارب تقليدا لتجارب عربية أخرى إقليمية، خاصة منها التجربة المصرية.

في منتصف التسعينات بات لافتا قيام عدة أنشطة ثقافية تحت يافطة "المقاهي الثقافية"، وهنا يمكن الإشارة إلى التجارب التي دشنها اتحاد كتاب المغرب وفروعه ببعض المدن المغربية، خاصة فرعه بالدار البيضاء، على عهد رئاسة الشاعر حسن نجمي، الذي أحيا ربيع الكتاب في مقاهي حديقة الجامعة العربية بالدار البيضاء، في تلك الفترة. كما نظم المكتب المركزي للاتحاد، قبل سنتين، لقاءات في إطار تخليد اليوم العالمي للكتاب في عدد من مقاهي العاصمة الرباط، كمقهى"باليما"، ومقهى "كموفل"، ومقهى "الفن السابع". ويحتضن مقهى حديقة منتزه حسان في قلب العاصمة، سنويا، اللقاءات الثقافية والأمسيات الشعرية المقامة في إطار مهرجان الرباط الثقافي.

تنوع أمام إكراهات!

امتدت التجربة إلى مدن أخري، ففي بني ملال أشرف فرع اتحاد كتاب المغرب علي تنظيم مقهى أدبي، وكذلك الشأن بالنسبة لمدينة تازة، التي نظم بها فرع الاتحاد مقاهي أدبية تضمنت قراءات شعرية وجلسات ثقافية. وشهدت العديد من المدن الأخرى تجارب تستحق التنويه، كان من وراء ظهورها فروع اتحاد كتاب المغرب، أو فعاليات جمعوية تنشط في المجال، كما الأمر بالنسبة لجمعية الشعلة للتربية والثقافة. وهكذا لاحظنا ملامح خارطة مقاه بمجموع مدن المملكة، حيث تم افتتاح المقهى الثقافي "لاكوميدي" بفاس، التي يشرف عليها الأستاذ عز العرب الكغاط، شقيق الفنان الراحل محمد الكغاط، وظهور المقهى الأدبي بآسفي، ومقهى "مازغان" بالجديدة، ومقهى "الياقوت" بالقنيطرة، والمطعم الأندلسي بأصيلا، والصالون القصصي بالبروج. وفي طنجة، وبمبادرة من جمعية النهضة الثقافية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، تأسس الصالون الأدبي الأول بطنجة، الذي تم افتتاحه في ماي سنة 2002، بمقهى شانز إليزيه، وحضر الافتتاح وقتها عدد من رموز الأدب الثقافة، منهم الباحث عبد الرحيم العلام، والناقد عبد الحميد عقار، والكاتب عبد القادر الشاوي، والشاعر المهدي أخريف. ومؤخرا افتتحت سيدة هولندية برفقة زوجها الأميركي، في مراكش، "مقهى الكتاب"، التي تجاور فيها كتب الأدب المشروبات وأطباق الأكل وقطع الحلوى، وفيها يمكنك أن تطلب مشروبك الذي تهوى، بل ووجبة سريعة كذلك، وأنت تتصفح المجلات والكتب المعروضة للبيع، التي قد تختار اقتناء بعضها أو أحدها قبل المغادرة، إن شئت. كلها مقاه لبست لبوس الثقافة برغبة من عدد من المثقفين المسكونين بنشر رسالة هذا الشيء الجميل الذين يواجهون منافسة شرسة من قبل التكنولوجيا التي باتت تأسر رواد المقهى، بشاشات عملاقة وأجهزة استقبال تنقل آخر وأسخن الملتقيات الرياضية والأفلام، والجهاز الموزع للإنترنيت "الويفي" الذي يسمح للزبناء المتوفرين على حواسيب بولوج العالم الافتراضي طيلة فترة زيارتهم للمقهى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يصطدم دعاة المقهى الثقافي بغياب الدعم من طرف المسؤولين المركزيين والمحليين، وبندرة أرباب المقاهي المستعدين لفتح مقاهيهم لهؤلاء الضيوف غير المألوفين.

طُموح رغم ذلك..

نماذج المقاهي الثقافية التي ذكرنا، بالإضافة إلى أخرى، يحاول أصحابها، رغم ما كل يجدونه من صعوبة في ولوج مقاهي الخواص، ومن قلة أو غياب تام للدعم، التأسيس لعُرف نقل التداول في الشأن الثقافي من الصالونات المغلقة، إلى فضاءات المقاهي المفتوحة على شرائح مختلفة من المواطنين، وجعل الثقافة فرجة أكثر منها تحليلا تخصصيا. كما يسعى رواد المقاهي الثقافية، وهو ما يتماشى مع سياسة اتحاد كتاب المغرب، إلى توسيع قاعدة الاستهلال الثقافي بالبحث عن جمهور واسع، ونشر المعرفة أكثر ما يمكن، عبر دمقرطة العلاقات الثقافية، وتقريب رموز الإنتاج الثقافي والفني من قاعدة الجمهور. وفي هذا السياق، يقوم تصور اتحاد كتاب المغرب، الذي يريد البحث عن جمهور آخر، والابتعاد عن منتديات الصالونات المغلقة، ولذلك وقع الاتحاد شراكات مع عدد من الجمعيات التربوية والثقافية. لكن مع يذلك يظل غياب الدعم، سواء من طرف الحكومة أو المجالس المنتخبة، لهؤلاء الذين يِؤرقهم هاجس نشر الثقافة، أكبر تحدٍّ من إقناع رواد المقاهي للإقلاع عن عوائدهم تلك القبيحة، والانخراط في ملامسة قضايا الثقافة والمثقفين، من خلال طرح السؤال مباشرة على المثقف، ونزع الوظيفة تلك، ولو مؤقتا، من الاختصاصي أو الصحافي.

+++++++++++++++++++

يرى الناشط الثقافي وعضو جمعية الشعلة للتربية والثقافة، نورالدين أقشاني، أن ظاهرة المقاهي الثقافية بالمغرب تعود إلى سنوات السبعينات، لكنه يستطرد بالقول أن انتشارا واسعا عرفته هذه الظاهرة لم يبدأ إلا مع بداية الألفية الثالثة، مضيفا أن تطور المقهى الثقافي ببلادنا، وإن كان قليلا على المستوى الكمي، إلا أنه يعتبر قيمة متميزة على مستوى تحويل المقهى من مكان للترفيه إلى مكان للتثقيف

الناشط الثقافي اعتبر أن أرباب المقاهي يتحكم فيهم الهاجس التجاري

"المقاهي الثقافية" بالمغرب تجارب قليلة كَميا لكنها متميزة

حاوره: نورالدين اليزيد

كيف ترى واقع المقاهي الثقافية بالمغرب؟

أظن أن ظاهرة المقهى الثقافي ليست بالأمر الجديد على المغرب، بل إن هذا النوع الثقافي عُرف ببلادنا منذ السبعينات، حيث اشتهرت وقتئذ كل من مقهى "باليما" و"كاموفل" بالرباط بأنشطتهما الثقافية المتنوعة، والتي كانت تستقطب كتابا مغاربة وأجانب. لكن هذه المقاهي لم تعرف انتشارا كبيرا إلا مع بداية الألفية الثالثة، حيث ظهرت مجموعة من التجارب بجميع أنحاء المغرب. وبالنسبة لنا نحن في جمعية الشعلة للتربية والثقافة، أطلقنا تجربة المقهى الثقافي المنال بحي يعقوب المنصور، حيث نظمنا خلال سبع سنوات فقط أزيد من 50 لقاء ثقافيا، جمعت بين ما هو فني وشعري وأدبي وموسيقي، وتمكّنا من استضافة عدد من الأسماء المغربية والعربية والغربية، في شتى المجالات.

هل يمكن القول أن لدينا تراكما بخصوص "المقهى الثقافي"؟

بالفعل من خلال تجربتنا المتواضعة، استطعنا القيام بالعديد من الأنشطة ودعوة العديد من الأسماء ذات الصيت المحلي والإقليمي والدولي أيضا. وبالمناسبة يكفي أن نذكر أن من بين ضيوف مقهانا الثقافي، كان هناك وزراء تولوا حقيبة قطاع الثقافة، من بينهم محمد الأشعري، ومحمد الكحص. بالإضافة إلى استضافة كل من ثريا جبران بصفتها رئيسة فرقة مسرح اليوم، قبل أن تصبح وزيرة لنفس القطاع، وكذلك المفكر بنسالم حميش قبل أن يتقلد هو الآخر نفس المهمة. هذا علاوة على العديد من نجوم الفن والأدب والموسيقى والإعلام. وبالرباط دائما هناك تجارب ومقاه أخرى كذلك، كمقهى "الرّندا" الثقافي، ومقهى "طُلة" و"شرق غرب". كما ظهرت مقاه أخرى بعدد من المدن، حيث توجد المقهى الثقافي "لاكوميدي" بفاس، التي يشرف عليها الأستاذ عز العرب الكغاط، شقيق الفنان الراحل محمد الكغاط، والمقهى الأدبي بآسفي، ومقهى "مازغان" بالجديدة، ومقهى "الياقوت" بالقنيطرة، والمطعم الأندلسي بأصيلا، والصالون القصصي بالبروج. لقد قمنا بجمعية الشعلة للتربية والثقافة، بتنظيم الندوة الوطنية الأولى للمقاهي الأدبية، في فبراير سنة 2009، ودعوة المشرفين على باقي المقاهي الثقافية من أجل التدارس في ما بيننا. واحتفاء بمرور ثمان سنوات على تجربتها في المقاهي، وفي شهر يونيو الماضي، نظمت جمعيتنا الندوة الوطنية الثانية للمقاهي الثقافية بالمغرب، بدعم من وزارة الثقافة وبشراكة مع المديرية الجهوية للثقافة بجهة الرباط، وبتعاون مع مجلس مقاطعة يعقوب المنصور، وذلك بالمقهى الثقافي بمؤسسة شرق غرب. وهو اللقاء الذي أسفر عن تأسيس شبكة تضم العديد من المقاهي الثقافية، الهدف منها هو تبادل التجارب من خلال اللقاءات والزيارات والتنسيق بينها في ما يتعلق بتوجيه الدعوات للضيوف، وكذا من أجل إقامة أنشطة مشتركة. ويمكن القول أن تجربتنا، وإن كانت من حيث الكم قليلة نوعا ما، إلا أنها تجربة ثقافية متميزة، تضيف قيمة لدور المقهى بالإضافة إلى دورها التقليدي في ارتشاف قهوة أو شاي، بحيث نسعى إلى نشر ثقافة عبر هذه الأماكن، التي ألِف الناس أن يرتادوها فقط لأغراض الترفيه، بحيث تصبح أيضا فضاءات للتثقيف.

ما موقع المقهى الثقافي في زمننا الحالي، حيث أن تكنولوجيا المعلوميات قادرة على تقديم زخم كبير من المعلومة الثقافية، في أي مكان وفي أي زمان؟

أكيد بأن وسائل التكنولوجيا الحديثة قادرة على لعب دورها هي الأخرى في تثقيف الناس، لكن دور المقهى الثقافي لا يقل أهمية عن هذه الوسائل، على الأقل من حيث كون الأنشطة الثقافية تُخرج الناس من تلك الأجواء التي عرفت بها المقاهي، كالنميمة السياسية والاجتماعية، إلى الانخراط في الشأن الثقافي. ويمكن القول أن هناك دول مثلا سبقتنا كثيرا ولها تاريخ وتقاليد في المقاهي الثقافية، كألمانيا وفرنسا ومصر، على المستوى العربي. ونحن وإن كنا لسنا في مستوى هؤلاء، فإننا نسعى إلى وضع أقدامنا في مصاف البلدان الرائدة في هذا المجال، رغم الإكراهات المادية وغياب الدعم. وللأسف فإن غالبية أرباب المقاهي ورجال الأعمال المستثمرين لا يولون أهمية للجانب الثقافي، وبدلا من ذلك فإنهم يركزون على الجانب التجاري والربح، لكن مع ذلك فإن هناك بعض ذوي النيات الحسنة، الذين يقبلون ركوب المغامرة وفتح أبواب مقاهيهم لنا مشكورين، إيمانا منهم بمساهمتهم في تثقيف الناس.

++++++++++++++

المغاربة كانوا يرتادون "مقاه ثقافية" من دون يافطات

"المقهى الثقافي" عُرف بالمغرب منذ بدايات القرن العشرين


رغم صعوبة التأريخ لتجربة المقاهي الثقافية بالمغرب، ومعرفة البدايات الأولى لظهورها كتجربة تنقل مناقشة الشأن الثقافي من الصالات المغلقة إلى فضاء المقهى، حيث يسود جو الترفيه قبل التثقيف، إلا أن التجارب الشخصية للعديد من الكتاب والمؤلفين المغاربة والفنانين، تشير إلى أن "المقهى الثقافي" عُرف بالمغرب منذ بدايات القرن العشرين، وازداد انتشارا مع انتقال المغرب من عصر الاستقلال والحرية إلى فترة الحماية الفرنسية، سنة 1912، حيث بالإضافة إلى جلسات السمر التي كانت العديد من المقاهي، سواء في المدن أو القرى، تستقبلها على إيقاع الموسيقى الشرقية والأغاني المغربية القديمة، وخاصة منها الشعبية، بالإضافة إلى سرد حكايات "ألف ليلة وليلة"و"سيف ذي بن يزن" وغيرها، فإن عددا من الأدباء المغاربة والممثلين، كانوا يأبون إلا أن يعرضوا نماذج من أعمالهم أمام زوار المقاهي الشعبية، حتى وإن لم يكن ذلك تحت يافطات، كما هو الشأن حاليا، بالنسبة للمقاهي الثقافية.

وقد كانت التجربة، في مراحلها الأولى، في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، كما تنقل ذلك بعض التجارب الشخصية، محاكاةً لبعض التجارب ببلاد الشرق العربي، خاصة مصر وسوريا، والتي نقلها مغاربة سمحت لهم ظروفه بالتنقل إلى تلك البلاد المشرقية.

وكان المغاربة يحتشدون داخل مقاه، كانت عبارة أحيانا عن خيام، يتناولون كؤوس الشاي المنعنع وقد افترشوا الحصير، من أجل تتبع حكايات تمثيلية أو أغاني كلاسيكية لرواد الفن العربي، القادم من ذاك المشرق. وأحيانا يستمتعون بحكايات أحد الرواة الشعبيين، الذي كان في الغالب ينتقل ليلا من "الحلْقة" إلى فضاء المقهى، ليتابع سرد حكاياته التاريخية، بينما كانت مقاه أخرى توجد بالمدن في الغالب، تشهد تقديم قراءات شعرية وزجلية تمتدح حب الوطن، وتميط اللثام عن تجارب عاطفية واجتماعية شخصية تثير إعجاب الحاضرين وتعاطفهم، في زمن ندرة وسائل الترفيه.

وفي الوقت الذي لا يختلف فيه اثنان حول دور المقهى، بصفة عامة، وذاك المقهى الذي كان يلتقي فيه أعضاء المقاومة الوطنية، بمن فيهم الكتاب والشعراء والفنانون، من أجل التداول في الشأن الوطني والاحتلال، في التطرق إلى قضايا مصيرية، علاوة على تأدية رسالة تثقيفية، فإن التاريخ المغربي يذكر تجارب مقاه بعينها شهدت تاريخيا أحداثا مهمة، في إطار نشاطاتها الثقافية، تماما كما هو الشأن بالنسبة لمقهى لا كوميدي في الدار البيضاء، ومقهى "باليما" التابعة لفندق يحمل الاسم ذاته، والذي يتوسط شارع محمد الخامس بالعاصمة أمام مقر البرلمان.

وحسب مسؤولي الفندق فإن هذا الأخير، وخاصة مقهاه الملحقة به، استقبلت العديد من الشخصيات، في شتى المجالات. ومن الأسماء التي اتخذته مقرا لتأليف أبرز أعمالها، الأديب المغربي الراحل، محمد خير الدين، الذي لم يغادر الفندق إلا إلى المستشفى، ثم إلى قبره. ومن المقاهي الرباطية المعروفة تاريخيا أيضا باستقبال أسماء معروفة، مقهى "المثلث الأحمر"، الذي ما يزال يستقبل العديد من الفنانين والأدباء، ومنهم بالخصوص الكاتب المغربي الكبير إدريس الخوري وغيره، الذين يحملون هم الثقافة والمثقفين أينما راحوا وارتحلوا، فتجدهم لا يبخلون بالحديث مع هذا أو ذاك، حول عوالمهم، حتى وإن لم يعلن عن إقامة "مقهى ثقافي".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق