السبت، مايو 16، 2009

الولاءُ للإمبراطورية التُّركْعُثمانية

نورالدين اليزيد

لم يتقبل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مقاطعة الصحافي المشرف على تسيير جلسة من جلسات ملتقى دافوس الاقتصادي، عندما انبرى رئيس الوزراء التركي إلى محاولة الرد على كلمة شيمون بيريز وكذا على الذين صفقوا له كثيرا، وهي الكلمة التي حاول فيها بيريز تبرير الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة وسياسة الأرض المحروقة التي نهجتها الصهيونية، قبل ذلك، لإبادة شعب فلسطين بعد عام ونصف العام من حصار تجويعي قضى فيه الحرث والنسل. وقرر أردوغان الانسحاب مِن على المنصة لكن ليس قبل أن يوجه كلمات رغم قِلّتها فإنها كانت أدلَّ من كل الكلام الذي قاله بيريز في مدة تعدّت العشرين دقيقة. فرغم مناوشات الصحافي، مُسَير الجلسة، الذي يبدو أنه فطِن منذ الوهلة الأولى لجسامة كلام أردوغان، إلا أن حفيد السلطان عبد الحميد العثماني الذي قاد الإمبراطورية العثمانية في زمن تكالُب القوى عليها وكان رافضا إقامة دولة لليهود على الأرض العربية، أبى إلا أن يُسارع في تمرير ذاك اللوم الشديد اللهجة الذي أربك الرئيس الإسرائيلي، فبدا الأخير حائرا بين أن يزيل السماعتين اللتين تحملان إليه كلام أردوغان الصادِم المترجم فوريا، وبين أن يستمر في السماع رغم شدة وقْع الكلمات، التي نزلت على رئيس اليهود كالصواعق؛ نظرا لكونها هي المرة الأولى، بعد محرقة النازية لأجدادهم، حيث لم يستطع حتى زعماء الدول الكبرى في العالم على مجرد توجيه لوم بسيط في حضور رؤساء وحكام الدولة العبرية رغم عديد المجازر والمحارق التي ارتكبوها منذ تأسيس دولتهم على أنقاض بلاد فلسطين، وفي تلك الصورة أكثر من قراءة لما يشكله اليهود من قوى ضغط عالمية تشرف على الاجتماعات والندوات والمؤتمرات العالمية برمتها، حتى وإن اختلفت دواعيها ما بين اجتماعية واقتصادية وسياسية.
الصدمة لم تُفاجئ بيريز وحده والحاضرين بقاعة الاجتماعات بمنتجع دافوس السويسرية، ولكن صدَمتْ كذلك ولِحد الطامّة الكبرى ملايينَ العرب الذين تابعوا الحدث البارز والمشرِّف، هذه الأيام، الذي وقَّعه هذا الرجل بأحرف قلائل، في هذا الزمن الجبان حيث الرجال قلائل! ولتأتي السلوى والعزاء في الجرح الموغِر الذي خلفته الآلة الحربية الصهيونية عندما خطفت أرواح أكثر من 1350 فلسطينيا والآلاف من الجرحى أكثرهم سيُرافقه الجرح والإعاقة مدى حياته؛ لقد صُدم العرب في تلك الصورة المرتجفة التي بدا عليها عمرو موسى الأمين العام لجامعةٍ يُقال عنها أنها عربية، وهو يقوم مرتعدا ليُصافح أردوغان مهنئا إياه على كلمته وهو يودع ونهائيا وأبدا هذا الملتقى الاقتصادي، كما خاطب الحاضرين قائلا؛ فبدا موسى كالأبله وهو لا يعرف ماذا بوسعه أن يفعل أمام هذا الهرم التركي الذي تسري في عروقه، بكل تأكيد، دم غير تلك التي تجري في عروق موسى والذين يمثلهم من الحكام العرب، وإن كان موسى يعرف شيئا واحدا ووحيدا هو الالتزام بالأدب مع جليسه شيمون بيريز كما يُملى عليه، والذي يظهر أن موسى كادت المفاجأة أن تنسيه المطلوب منه على المنصة لولا تدخُّل الأمين العام للأمم المتحدة مُنبِّها إياه بالجلوس، وهو ما فعله أمين عام نادي حكام العرب في الحال.
ستكون صدمة العرب ذات وجهين؛ أولهما قاتم غير ذي نضارة ويعني أن الحكام الجاثمين على صدورهم يفتقدون إلى شجاعة مثل شجاعة رئيس الوزراء التركي، وثانيهما وجه ساطع بالأمل والإشراق يشي بغد أحسن حالا من هذه الأيام الحالكة التي نحياها اليوم، وهو الغد الذي سيَسحب فيه رجال من طينة رجب طيب أردوغان البساط من تحت أقدام هؤلاء الحكام الذين من كثرة جلوسهم على الكراسي يبدو أنهم أُصيبوا بمرض فقدان الرجولة، والله أعلم.
قد يقول قائل أن الرئيس التركي بموقفه هذا الرافض لسياسة إسرائيل بالمنطقة، يريد اللعب على وترين حساسين؛ الرد على التلكؤ الأوروبي بعدم قبول عضوية تركيا باتحادهم لحد الآن، في الوقت الذي سارع فيه الأوروبيون إلى تخويل بلدان أوروبا الشرقية ذاك الانتماء، ثم رغبة تركيا في إحياء زعامتها الإقليمية التي فقدتها بداية القرن الماضي، خاصة في ظل بوادر إعادة صياغة شرق أوسط جديد لم تكتمل ملامحه بعدَ الذي جرى في العراق وما يجري من تحرش بإيران الشيعية. ولكن ذلك لم يمنع من القول أن الرجل في كلتي الحالتين توفر على الشجاعة الكافية، لقول كلمة(لا) للجبروت الصهيوني وهو، لعمري، ما يعجز قوله حتى رئيس أعظم دولة في العالم خشية أن يعصف به اللوبي الإسرائيلي فيصُد في وجهه أبواب البيت الأبيض.
لقد أكد هذا الرجل الذي ينحدر من سلالة العثمانيين، ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، عندما ذكر بني يهود أن الدولة العثمانية في سالف الأيام هي من آوتْهُم حينما كانوا منبوذين بأوروبا والعالم، أنه يتوفر على كل مواصفات الزعيم الحقيقي، التي أولها المروؤة، وهو ما يجعله يتوفر على كافة الحظوظ في الظفر بقيادة وولاء شعوب هذا العالم العربي إذا ما نُظمت انتخابات حرة ونزيهة يكون خصومه فيها حكامُنا الحاليون، كما علَّق أحد المُكتوين بحال العرب المهين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق