السبت، مايو 16، 2009

"نكبةٌ" رغما عن أنفِ الحكومة!


نورالدين اليزيد

من الصعب على المرء أن يجد الكلمات المناسبة لوصف الذي يحدث بمنطقة الغرب منذ أزيد من أسبوع على الكارثة الطبيعة التي عرّت على واقع بئيس لهذا الشعب المكلوم في منتخبيه ومسؤوليه، وهي الكارثة التي شردت الآلاف من المواطنين بعدما دكت منازلهم البسيطة البنيان، وبعدما أبادت الزرع والماشية، في ما يشبه الطوفان الذي لا يأتي إلا في النادر من السنوات!
ولكن من اليسير جدا على مسؤولينا القابعين ها هنا في الصالونات المكيفة في الرباط، أن يجدوا لِهكذا ظواهر طبيعة واجتماعية وسياسية، أوصافا مناسبة، يبدو أن قواميسهم المعدة خصيصا لمواجهة هذه الظروف الطارئة فقط، هي على أتم الاستعداد دائما وأبدا للمواكبة وللاستعراض عبر قنوات إعلام القطب "المتجمد"؛ لذلك سرعان ما يُنعت صحافيون يفضلون التغريد خارج السرب بأنهم تيئيسيون، وبأن المواطنين من أمثال الباعمرانيين الذين خرجوا منددين بتهريب ثروات بحرهم هم "مشاغبون" يهوون تخريب ممتلكات الخواص، ونفس الوصف أُطلق على "الخنيشاتيين"، نسبة إلى جماعة الخنيشات التي أحالت الفيضانات الأخيرة، التي ضربت منطقة الغرب، بيوتها إلى أطلال، وساكنتها إلى أشباح بسبب الجوع وجراء الصدمة التي رُزئوا بها نتيجة فُقدانهم لماشيتهم ولزراعتهم البسيطة. وحتى يمعن ساسة الرباط في إذلالهم، فقد باتوا ليلتهم، يوم الاثنين الماضي، على ثمن الخبزة بدرهم وعشرين، وأصبحوا على ثمن خرافي فاق الخمسة دراهم للخبزة الواحدة، بسبب المضاربين وأغنياء الحرب الذين استغلوا النكبة الطبيعية وحاولوا الاغتناء بسرعة، ولكن بمباركة الدولة، التي في الوقت الذي، كان عليها أن تحارب هؤلاء السماسرة، حشدت مختلف عناصر الأمن من المدن المجاورة، وهرعت لإخماد ما تحتفظ لها به الذاكرة، "السيبة".
إن الذي يحدث منذ أكثر من أسبوع بمنطقة الغرب بسبب الفيضانات، خاصة بالقرى ناحية مدينة سيدي سليمان، لا يحتاج إلى إذن من الجهات الرسمية لكي يُصنف ضمن خانة ما يطلق عليه وصفُ "النكبة"، مهما حاولت حكومتنا الاجتهاد في الإكثار من مساحيق التجميل التضليلية؛ ولكن قد نجد العُذر، كل العذر، للدولة وبخاصة لشكيب بنموسى وزير الداخلية المشرف على رسم الخارطة الترابية للبلاد، والذي يبدو أن لا تُراب بدا له عندما كان يُحلِّق في أجواء الغرب على متن الطائرة المروحية إلى جانب عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري، والجنرال حسني بنسليمان قائد الدرك الملكي الذي له من الضيعات النموذجية بالغرب ما لزميله عبد الواحد الراضي وزير العدل، أو عبد الواحد "الأراضي"، كما دأبت قبائل بني احسن على نعته تيمنا بالهكتارات من الأراضي التي يملكها بجماعة القصيبية القروية التي يترأسها، لكن فقط بالاسم، حيث لا يحضر لتسيير دواليبها إلا لِماما. فبدل التراب رأى هؤلاء الذين زاروا، عبر الجو فقط، المنطقة المنكوبة، حتى إذا ترجلوا آوتهم بلدية سيدي سليمان، خارطةً مترامية الأطراف من المياه التي تمتد من إقليم سيدي قاسم إلى إقليم القنيطرة، على مسافة يقدرها أهل المنطقة بأكثر من ثلاثين كيلومترا طولا وأكثر من نصف المسافة على مستوى العرض. وفي هذا البحر من المياه بدت لهؤلاء الزوار القادمين من الرباط، حركات تذب كأنها لأناس يندبون حظهم السيئ وقد تفرقت بأفراد أسرهم السبل، حيث منهم من آوى إلى ربوة تقيهم جرف السيول الغاضبة، ومنهم من تسابق إلى عون السلطة "المقدم" أو"الشيخ" لتسجيل اسمه للظفر بوجبة غذائية حقيرة لا تكفي لسد حتى رمق ليلة واحدة لأسرة من بضعة أفراد، بعدما يظل المستفيد المفترض من تلك الوجبة واقفا في الطابور طوال النهار، رغم اقتناعه بلا جدوى تلك المأونة، ولكنه العوز الذي يضرب بأطنابه في صفوف هؤلاء الذين تذكروا، فقط أثناء هذه المحنة الطبيعية، أن "صوتهم" الذي لا يُسمع اليوم، هو الذي جر عليهم الكارثة؛ فلا مياه الصرف الصحي، كما وعدوهم، أُنجِزت بشكل سليم لتفادي إرجاع نفاياتهم وحوائجهم التي يقضونها في المراحيض، ولا برنامج مدن بدون صفيح شملهم بشقق قادرة على أن تصمد أكثر في وجه المياه العاتية، ولا الدعم الفلاحي المفترى عليه سيعوض لهم ما دكته مياه الفياضانات من أراضي وما جرفته من رؤوس ماشية! وحده صوت عَلا في الكارثة ولم يُعلَ عليه، هو الحاجة إلى كل شيء؛ إلى الطعام والغذاء والمأوى والأمل. وهو ما لم يتوفر بالشكل الذي يعكسه حجم الدمار الذي عصف بالمنطقة وبساكنتها، والذي عكسته من جهة انتفاضة بعض الدواوير، بينما دواوير أخرى ما تزال تنتظر، وهي غارقة، لعل الذين يمدون العون يُوفون الكيل وينصبون الخيام لاتقاء قساوة البرد.
وستستمر الكارثة، حيث تبرز تقديرات أولية أن جل هؤلاء المنكوبين يعيشون ويحيون على القروض الصغرى التي تشير أولى المعطيات أن أصحابها لا يريدون تقديم حل يراعي وضعية المقترضين الإنسانية ما يشكل هاجسا يقظ مضجعهم غير الهانئ أصلا، أضف إلى ذلك التحذيرات الطبية من انتشار الأوبئة بسبب رؤوس الماشية التي نفقت، هذا مع الختم بما صدر عن وزارة الفلاحة بأنها بدأت في إحصاء الخسائر بقصد حث الفلاحين على بدائل زراعية، أليس هذا هو الضحك على الذقون؟ تلك نكبة أخرى!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق