الجمعة، يناير 28، 2011

دعارة القاصرات بالمغرب...عندما تبيع فتيات أجسادهن مقابل مبالغ تافهة

تشير تقارير حقوقية ودراسات مهتمة بعلم الاجتماع إلى أن دعارة القاصرات بالمغرب أصبحت ظاهرة تتطلب تجند الجميع لمحاربتها، خاصة في ظل توجه سماسرة ومافيا الجنس إلى هذه الشريحة من المجتمع، حيث ينصبون شباكهم أمام المؤسسات التعليمية لاصطياد فتيات في عمر الزهور والرمي بهن في أحضان تجارة الجنس، مستعملين أساليب مختلفة للتغرير بهن، مما يدق ناقوس الخطر، لاسيما بالنسبة للسلطات الإدارية والأمنية التي ينبغي عليها تمشيط هذه المؤسسات التعليمية، بشكل يومي، من القوادة المتحرشين جنسيا بالقاصرات

دراسات مختلفة تشير إلى تحولها إلى ظاهرة

اتكأت "نجلاء" على نافذة السيارة، ودنت بوجهها إلى وجه محدثها الجالس خلف مِقود السيارة.. وبدأت في خوض حديث "ساخن" مع السائق، الذي ليس هو إلا أحد معارفي الذي يَهْوى "الجنس الطري"، أو "الفريش"، كما يسميه هذا "الصديق".

- "فين هاد لغبور آصّْاحب؟" سألَته.

- "غِير في الدنيا"..؟كاين شي جديد؟"، بادرها الصديق.

- "مُوجود الخير آحبيبو"..وقبل إتمام كلامها، أشار إليها بأن تأخذ مكانها في المقاعد الخلفية، ففعلت بسرعة البرق، قبل أن تطلب من صديقي أن "يُشرفها" بـ"الأستاذ" الجالس إلى جانبه، الذي هو كاتب هذه السطور..ففعل.

القَوادة القاصر

تعامُل "نجلاء"، ذات السبعة عشرة عاما، مع رجل يبدو في الخمسينات من عمره، بتلك الطريقة "الاحترافية" جعلني أبقى لحظة، غير يسيرة، مشدوها إلى هذه التلميذة، التي تتابع دراستها في السنة ثانية ثانوية، شعبة العلوم، لكنها تريد أن "تعيش حياتها"، بالطريقة التي تريد هي، كما حكت، وكما أخبرني قبل ذلك صديقي.

كانت وجهتنا نحن الثلاثة إحدى مقاهي حي أكدال بالعاصمة الرباط، كما تم الاتفاق بيني وبين "صديقي" مسبقا على ذلك، لاستكشاف عوالم هذه الفتاة القاصر وزميلات وصديقات لها، ومن هن كثيرات امتُلئت بهن ذاكرة هاتف هذا "الصديق".

في الطريق إلى المقهى، وهي المدة التي لم تستغرق أكثر من 10 دقائق، عرفتُ الكثير مما كان يحكيه لي دوما هذا العاشق للقاصرات، الذي تعرفت عليه مصدرا للأخبار، فإذا بي أكتشف فيه أنه زير نساء، بل زير طفلات لو كان قُدر له أن يتزوج لأنجب كثيرات من عُمر هؤلاء اللائي يعبث بجسدهن كلما شاء ومتى شاء، وأنّى شاء!

ببطاقة تعبئة لهاتفها النقال، سُومتها 100 درهم، ودعوة غذاء لن يصرف فيها أكثر من مائتي درهم، يستطيع هذا الشخص أن ينال من نجلاء ما يريد من استغلال جنسي لها، وكلما واظب على ذلك بشكل شبه يومي، فإنه يستطيع أن يجعل من نجلاء قوّادته التي لا ترفض له طلبا، إذا ما أومأ لها بإغراء إحدى صديقاتها أو زميلاتها اللائي تكن في الغالب في مستوى سنها أو أقل بكثير منه.

لِمَ سأتزوج إذن؟ يتساءل، هذا الزّير، ذات جلسة وجلسات، جمعتني وإياه، و"لِم سأربط مصيري بامرأة طول عمري، إن لم تقتلني بـ"الفقصة"، فإنها ستكون السبب في مزيد من الأمراض..التي تُنهك جسدي"..إنها الخلاصة التي انتهى إليها هذا الشخص..الذي مَن عليه الله بوافر المال من حيث لم يحتسب..فقد ورث عقارات مهمة ورصيدا بنكيا محترما، عن "المرحوم" والده، إضافة إلى فيلا على الشاطئ، تشهد غرفها حجم "غزواته ونزواته"، على الأجساد الغضة..وبالإضافة إلى أن هاجس الطمع الذي بات يخيم عليه، يخشاه أن يكون هدفَ كل امرأة يمكن أن يقترن بها شرعا، فإن وجود ما يسميه "الخير ديال الدّْريات"، يحول دون استمراره في أي تجربة كانت ستقوده إلى تأسيس أسرة مستقرة..فالآن لا يكلفه "تبدال الزيت" غير قليل من المال، يشرح رغبته الجنسية الشاذة، وليس هناك ارتباط مقدس لا يمكن تجاوزه، فالتي "تنام معي هذا اليوم، يمكن أن تقبض مرتين وتذهب في حال سبيلها، بعدما تكون قد أسقطت زميلة أو صديقة لها في شباكي"، وهكذا دواليك.

سمعتُ الكثير من الحكايات، وردد الجالسان معي أسماء كثيرة لقاصرات؛ ليلى، مونيا، فتيحة..وأخريات..كانت نجلاء هي الوسيطة بينهن وبين "الصديق"، الذي كلما "اشتهى" إحداهن كان يجزي العطاء لهذه القوادة القاصر، ذات الدورين في علاقته معها، فهو لم يتخل عنها كخليلة أيضا، حيث لطالما كان يغازلها ليلا بحضوري، في اتصالات هاتفية، كانت تكلفه الشيء الكثير، كما كان يأخذها في جولة بسيارته، تُختتم بـ"مْصَيْصة" في الغالب، ومنحها "صالير دُو بوش"، علاوة على تعبئة هاتفها النقال، من أجل أن تُرسل إليه رسائل قصيرة، في منتصف الليل..مع أنه كان يعلم علم اليقين، أن كل التعبئات التي كان يؤدي ثمنها، كان القسط الوافر منها يذهب في اتجاه "زَلاّلها"، الذي كان يذكرها هذا الصديق به كلما همّ بإرسال التعبئة، محاولا أن يبرر ذلك بأنه واع بما يفعل وبأنه فطن للَعبهن ومكرهن..وكذلك كان يفعل لعله يجد بعض العزاء في المبالغ المالية التي يصرفها ذات اليمين وذات الشمال..في سبيل إغواء القاصرات.

مافيا الجنس تتربص ببنات اللّيسي..

في جولة سريعة قمنا بها أنا وهو، على متن سيارته الرياضية التي يحرص على أن تكون يوميا في غاية رونقها، إلى عدد من المؤسسات التعليمية الثانوية، بالعاصمة، اكتشفتُ وجود نماذج كثيرة لهذا "الشخص"، الذين يحجون بكثرة إلى مثل هذه المؤسسات لاصطياد الطازج من الأجساد الآدمية..بل إن صدمتي كانت قوية عندما تناهى إلى علمي بأن هناك مقاهي قريبة من بعض المؤسسات التعليمية، تشهد "بيع وشراء" العشرات من الفتيات القصيرات كل يوم، من طرف قوادات وسماسرة، منهم من أصبحوا "مختصين ومختصات" في استقطاب هذا النوع من بائعات الهوى، لـ"العمل" في سوق باتت تنشط كثيرا، خاصة في صفوف بعض الفتيات اللائي يعانين الفاقة الاجتماعية.

وعندما يغيب دور الرقابة والمتابعة لتلميذات مراهقات لأسرهن، ودور مكونات المجتمع المدني والإعلام والمؤسسة التعليمية، وكذا الدور الوقائي للسلطات الإدارية والأمنية، تصبح الطريق سالكة لتجار الجنس، بصفة عامة، ولمافيا جنس القاصرات تحديدا، لتوسيع قاعدة شبكاتهم الجنسية..إنها عوامل سوسيوثقافية، تلك التي تجعل نسبة 32 بالمائة من الفتيات المغربيات، اللائي كان مصيرهن الارتماء في عالم تجارة الجنس الأبيض، مارسن أو تعرضن لعملية جنسية، بين السادسة والخامسة عشرة من عمرهن، كما أكدت ذلك دراسة هي الأولى من نوعها قامت بها، قبل سنتين، المنظمة الإفريقية لمكافحة الإيدز في المغرب، التي أكدت أيضا أن حوالي 300 من أصل 500 امرأة مارسن أو مورست عليهن أول عملية جنسية، بينما كان سن 162 منهن يتراوح بين 6 و 15 سنة فقط، فيما الباقي أكثر من 15 سنة ودون الـ18 سنة. نفس الدراسة أفادت أن حوالي 60 بالمائة من المستجوبات اللواتي ذكرن سن أول ممارسة جنسية تلقين عنها مقابلا ماديا، تتراوح أعمارهن ما بين 9 و15 سنة، وهو ما يعكس تزايد تعرض الفتيات صغيرات السن إلى الإغراء أو الاعتداءات الجنسية في وقت مبكرة جدا، مما يدق ناقوس الخطر ويرفع درجات التأهب لدى مكونات المجتمع الآنفة الذكر.

عازبة لكن..

بالرجوع إلى "صديقي" الذي لا يكاد يخلو حديثه من استعراض مغامراته الجنسية مع القاصرات، أجدني أاكتشف جانبا لم أكن أعره كبير اهتمام، ولعله يُحسب مفارقة غريبة، بالنظر إلى درجة خطورة عالم الدعارة وقدرته على إسقاط المزيد من المنتسبات إليه، لاسيما أمام استعمال إغراء المال السحري.. إنه حفاظ العديد من الفتيات على بكارتهن، وهذا أمر "طبيعي" في نظر هذا المتحدث إلي، ما دام أن معظم القاصرات اللائي يضطرن أو يُردن ممارسة الجنس، سواء تحت اشتداد الحاجة أو لمجرد الحصول على متعة جنسية زائلة، فهن يعرضن "خدماتهن" إما بمص عضو الذكر أو بالممارسة عبر الدبر..

شهادة هذا "الخبير" التي أدلى بها إلي وزكّتها أكثر من قاصر أثناء الجولة عندما كان يسأل بكم الثمن..فتأتي الإجابة.."مَصة أم مِن اللّور..لأن القُدام ديال مُواليه"، لم يستقيها من مجرد أحاديث، ولكنه عايشها ويعيشها كلما أراد ذلك. كما لم يكن هذا المتحدث على علم بأن الدراسة الميدانية المشار إليها سابقا، كشفت هي الأخرى تلك المفارقة، وأمام مجتمع بأكمله، حيث أبرزت نتائجها أن 13 بالمائة من المومسات اللائي تم استجوابهن، مازلن "عازبات عذراوات"، وهو ما يدل على أهمية العذرية في الثقافة الاجتماعية في مجتمعنا. نفس الدراسة أكدت أن "اللافت" في عيّنات المستهدفات من الدراسة، هو أن نحو 60 بالمائة قلن إنهن مارسن الجنس للمرة الأولى، بين سني التاسعة والخامسة عشرة.. نفس دق ناقوس الخطر سارت عليه أيضا شهادات باحثين في علم الاجتماع، مغاربة وأجانب منهم من نشر دراسات بهذا الخصوص، ومنهم من هو في الطريق إلى ذلك. وتشير المعطيات التي توصل إليها هؤلاء إلى أن الدعارة وإن ظلت حاضرة بمختلف المجتمعات والدول، إلا أن اقتحام عوالمها من طرف القاصرات، هو ما بات يشكل هاجسا يؤرق المواطن والباحث، على حد سواء، بل إن من هؤلاء من كان جريئا إلى حد وصف تزايد تعاطي القاصرات للدعارة، في السنوات الأخيرة بأنه أصبح "ظاهرة"، تظافرت مجموعة من العوامل في ظهورها وستتسع إذا ما لم يتم تحرك كل الفعاليات داخل، على الأقل من أجل الحد من آثارها الكارثية في صفوف اليافعات من بناتنا، إن لم يكن من أجل محاربتها نهائيا. إنها مهمة تعتبر غير يسيرة، في نظر علماء الاجتماع، الذين يعتبرون الاستعمال السيء لوسائل الاتصال، من هواتف محمولة وأنترنيت، علاوة على وجود شريحة من الرجال من يفضلون معاشرة صغيرات العمر، عدا عن عوامل أخرى اجتماعية كالفقر مثلا، كلها عوامل تسند طرح الاتجاه القائل بأن المسألة باتت أكثر من حالات منفصلة هنا وهناك، وأنها ظاهرة آخذة في مزيد من الاتساع.

الفقر ليس السبب دائما..

لكن حالة "خولة"، الفتاة التي لم يتسن لنا الحديث إليها، لكونها كانت متغيبة عن زميلاتها بسبب إجازة مرضية، والمنحدرة من أسرة ميسورة، تكاد تعطي صورة مناقضة تماما لنمطية المعالجة لهذا الموضوع الشائك، والتي ترجع الأسباب الحقيقية لانتشار دعارة القاصرات، إلى الفقر والحاجة أو الرغبة في تلبية متطلبات الفتاة المراهقة، التي تبدأ من الكتب والحاجيات الدراسية، ولا تنتهي عند الملابس و"الماكياج" ومصروف الجيب..بل هناك أشياء أخرى كعلبة السجائر مثلا وغيرها.. فـ"خولة" التي انتقلت من معهد خاص فقط للالتحاق بصديقاتها في المؤسسة العمومية، تنفق في اليوم، من المال، ما لا يستطيع حتى موظف ذو أسرة ومصنف في السلم 11، أن ينفقه. وتحكي زميلاتها أنها تريد أن "تعيش حياتها"، وتعشق لحد الجنون الكهول الذين تجاوزا عتبة الستين، لغاية في نفسها تخفيها حتى على زميلاتها، اللائي خمنت بعضهن بكونها تريد(ه) أن يكون "كبيرا". ليبقى السؤال مطروحا حول ماهية باقي الأسباب التي تجعل فتيات في عمر الزهور يرتمين في أحضان كهول في أعمار أجدادهن أحيانا؟

صورة قاتمة إذن تخيم على مستقبل بنات هذا "البلد الآمن"، وهي الصورة التي رسمت معالمها حتى تقارير أجنبية صبت في نفس اتجاه توجيه نداء الاستغاثة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، من أجيال المستقبل، حيث أشارت دراسة بعنوان "الدعارة في المناطق السياحية بتطوان"، أعدها الباحث في علم الاجتماع بجامعة غرناطة الاسبانية، أنطونيو مارتين، في نفس الفترة تقريبا لصدور الدراسة المشار إليها أعلاه، إلى أن 22 بالمائة من العاملات في الجنس، بالمنطقة، هن فتيات قاصرات، وأن نسبة 16 بالمائة منهن عذراوات (يلاحظ وجود هامش ضيق بين هذه الدراسة والدراسة السابقة بخصوص هذا المعطى)، جميعهن طالبات وتلميذات لم يفقدن بكارتهن بعد. وما أدلى به "الصديق" يجد له الصدى أيضا في دراسة الباحث الاسباني، حيث تفيد نتائجها بأن هؤلاء القاصرات يمارسن الجنس مقابل مبالغ مالية لا تتجاوز 200 درهم، مما يشير إلى أن هناك نقاط تشارك بين معظم القاصرات البائعات لأجسادهن، وإن اختلفت الرقعة الجغرافية المتواجدات بها على امتداد التراب الوطني، حيث أن دراسة مارتن، التي استغرق إنجازها ثلاثة أشهر، شملت فتيات من مدن مارتيل والمضيق والفنيدق، وأن الخلاصات التي توصل إليها تفيد بأن القاصرات المتعاطيات للدعارة يقنعن فقط بدعوات لتناول وجبات أكل، مقابل بيعهن أجسادهن، أو بتلقي بطائق تعبئة لهواتفهم المحمولة، أو بمقايضة الجسد الغض ببضائع عينية كعلبة سجائر أو صندوق مساحيق تجميل، تفاديا للفت نظر عائلاتهن إلى مداخليهن المالية، كما تشير الدراسة، بينما هن مازلن طالبات أو تلميذات..وبالرغم من أن ليس هناك أرقام رسمية تحدد أعداد الناشطات في هذا النوع من تجارة الجنس، أو حجم المبالغ المالية التي يتم صرفها في هذا المجال، الذي بات يسيل لعاب السماسرة والقوادة ومافيا الجنس، إلا أن الأرقام التي تتوصل إليها من حين لآخر فعاليات المجتمع المدني، وبعض جهات البحث ذات المصداقية، تكشف بما لا يدع مجالا للتردد في مواجهة الظاهرة، أن المسألة باتت تفرض على الجميع التحلي بالجرأة اللازمة للوقوف في وجه مروجي جنس القاصرات.

"ما تقيش بنتي.."

إنها الجرأة التي جعلت جانبا من المجتمع المدني، رغم تحفظه، يعلن كسر جدار الصمت وتجاوز ما ظل يُتهم به من عدم قدرته على ملامسة مواضيع تدخل في نطاق "الطابوهات". الأمر هنا يعني "منتدى الزهراء للمرأة المغربية"، ذي التوجه الإسلامي، الذي أطلق في ماي الماضي مبادرة قافلة "ما تقيش بنتي"، على غرار مبادرات أخرى شبيهة تطلقها جمعيات حقوقية أخرى ليبرالية. المبادرة التي تتزيى بالحجاب هذه المرة، تدق هي الأخرى ناقوس الخطر، وتنبه جميع الجهات المعنية، من حكومة ومؤسسات تمثيلية، ومجتمع مدني، وجمعيات نسائية، ووسائل إعلام عمومي وصحافة حرة، وغير ذلك من الفاعلين، إلى ضرورة العمل من أجل "إطلاق نقاش وطني حول هذه الظاهرة، والتفكير في مقاربات استباقية، تستند إلى التحصين التربوي والتحسيس الثقافي من جهة، كما تستند إلى الزجر القانوني، وتطوير التشريعات الجنائية من جهة أخرى"، لمواكبة التطورات المرافقة لظاهرة الاستغلال الجنسي، وخاصة ما يتعلق بالاستغلال الجنسي بواسطة الانترنت".

رئيسة المنتدى، بثينة قروري، وأثناء الندوة المعلنة عن انطلاق المبادرة التحسيسية بخطورة تزايد ظاهرة الاستغلال الجنسي للقاصرات، أعلنت عن أهداف محددة للقافلة التي امتدت أسبوعين وجابت العديد من المدن المغربية، التي تعتبر بؤرا سوداء لهذا النوع من التجارة الجنسية التي ينبغي استئصالها، وهي أهداف أربعة؛ أولها تكوين جبهة وطنية لمناهضة هذه الظاهرة، تتكون من مختلف الجمعيات النسائية والحقوقية الفاعلة في الميدان، وثانيها تقوية التماسك الأسري، من خلال التصدي للظاهرة وتداعياتها على المجتمع والأسرة، وثالثها تحسيس الأوساط التربوية والتعليمية، بخطورة تفشي ظاهرة الاستغلال الجنسي، في أوساط القاصرات، والهدف الرابع للقافلة، استعراض الأساليب والأدوات المعتمدة للتغرير بالقاصرات، واقتراح أساليب التغلب عليها، بالنظر إلى مجموعة من التقارير الدولية، تؤكد أن المغرب بات من بين الدول التي تتصدر قائمة الدول المصدرة للنساء، اللواتي يتعاطين للدعارة من بينهن العديد من القاصرات، وهو ما أثر بشكل سلبي على صورة المرأة المغربية في الخارج، بحسب رئيسة المنتدى، التي أكدت أيضا أن استراتيجية المنتدى في تنفيذ عمله سيعتمد على نسيج جمعوي متكون من 50 جمعية منضوية تحت لواء الزهراء، وسيتم نصب خيام تواصلية مع العموم، وتعرض مسرحيات وأنشطة ثقافية أخرى ذات علاقة بالموضوع، وكذا توزيع ملصقات توعوية بالظاهرة.

وعندما لا يتردد الباحثون وناشطو المجتمع المدني، وكذا تقارير الجهات الدولية بمختلف مشاربها، في وصف تعاطي الجنس من طرف القاصرات، بأنه أصبح ظاهرة لها أسبابها المتعددة، ومنها بالخصوص الظروف الاجتماعية، عدا عن وسائل الإغواء والتحريض من لدن بعض آكلي اللحوم البشرية، ولاسيما منها الغضة، وكذا بسبب التزايد المضطرد لاستعمال وسائل التكنولوجيا، التي تسهم في تقريب المسافة وتسهيل التعارف بين الجنسين، فإن الجهات الرسمية، وخاصة منها الجهات الأمنية، تتحفظ كثيرا على الوصف/ الظاهرة؛ واستنادا إلى تصريحات استقتها "ما وراء الحدث"، من مصدر أمني، فإن الأمر لا يعدو يكون "تضخيما" لحالات استثنائية تحدث في هذه المدينة أو تلك، والتي يصعب "رصدها"، على الأقل من الناحية القانونية، يقول المصدر الأمني، الذي أكد أيضا في سياق إجابته عن سؤال حول "تسامح وتساهل" رجال الشرطة مع المترددين على المؤسسات التعليمية من أصحاب السيارات الذين يتحرشون بالقاصرات والقاصرين، أن توقيف شخص لمجرد الشبهة، خاصة في حالة التحرش، يصعب تنفيذه لصعوبة إثبات فعل التحرش، ما لم يشتك أحد بأنه تعرض لذلك.

وتظل المقاربة الأمنية "عاجزة" إذن على محاربة الظاهرة، كما يشير إلى ذلك فاعلون جمعويون، وعندما تكون "الإرادة" ثابتة لدى القاصرات في امتهان الدعارة، وإن عرَضا، لتلبية بعض الأغراض التافهة أحيانا كشراء قارورة عطر أو علبة مساحيق تجميل، فإن هذا العجز يصبح مضاعفا، لتصبح "المقاربات الشمولية"، التي عمودها "المقاربة القيمية الأخلاقية"، المستندة إلى الثقافة والتقاليد، الطريق القويم للوقوف في وجه هذه الظاهرة الجارفة لمستقبل أمهات الغد.

الخميس، يناير 27، 2011

هل حان الوقت للإطاحة بالنظام المصري الهرِم؟

الباردعي يحل اليوم بالقاهرة لقيادة تظاهرات الجمعة الغاضبة

تتأهب مصر لمظاهرات كبرى الجمعة، في رابع أيام الاحتجاجات، التي تشهدها مصر للمطالبة بإسقاط نظام حكم الرئيس حسني مبارك، والتي ستشهد للمرة الأولى مشاركة الدكتور محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي يدعو لإجراء إصلاحات سياسية ودستورية في مصر.

وتوقع البرادعي اندلاع مظاهرات كبيرة في أنحاء مصر الجمعة، وأضاف متحدثًا لوكالة "رويترز" قبيل توجهه جوا من فيينا إلى القاهرة يوم الخميس إن مبارك "خدم البلاد لثلاثين عاما وحان الوقت لتقاعده".

وقال "أعتقد أن مظاهرات كبيرة ستخرج غدًا في كل أنحاء مصر وسأكون معهم هناك"، ودعا إلى أن تكون المظاهرات سلمية.

وكانت السلطات المصرية أعلنت حالة الطوارئ في مطار القاهرة الخميس استعدادا لعودة البرادعي المتوقعة في وقت لاحق اليوم.

ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن رحت مصادر مسئولة بالمطار "توقعا لعودة الدكتور البرادعي على الطائرة المصرية القادمة من فيينا في السابعة والربع من مساء اليوم تقرر عمل ورديات الشرطة حتى الثامنة مساء بدلا من الثالثة ظهرا من أجل تكثيف التواجد الأمني في صالة الوصول تحسبا لتواجد أعداد غفيرة من مستقبلي البرادعي بالمطار بعد المظاهرات الأخيرة".

وذكرت "سيتم عمل كردون أمني في مخرج صالة الوصول بمبنى المطار رقم 3 مع وجود بدائل لخروج البرادعي من المطار في حالة تواجد أعداد كبيرة سواء من خلال صالات أخرى أو صالة كبار الزوار أو الخدمة المميزة بالمبنى رقم 1 وحتى لا تحدث أية احتكاكات".

وحذرت المصادر من "أية محاولات للإخلال بأمن الصالات مما يعيق حركة الركاب والمتعاملين مع المطار سواء داخل صالات المستقبلين أو أمامها أو في طريق المطار حيث سيتم التعامل بشدة مع الخارجين على النظام".

وكان البرادعي مؤسس "الجمعية الوطنية للتغيير" أشاد بالتظاهرات التي شهدها الشارع المصري، والتي قال إنها جاءت بمبادرة شبابية، واعتبر أن الولايات المتحدة تدفع بمصر والعالم العربي ككل نحو "التطرّف" من خلال دعمها للقمع.

وقال في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عبر الهاتف قبيل مغادرته مكتبه في فيينا للتوجه إلى مصر والانضمام إلى المظاهرات الحاصلة، إن الشباب هم من أخذوا المبادرة وحددوا الوقت وقرروا الانطلاق.

وأضاف البرادعي الحائز على جائزة نوبل للسلام، أن الحركة الشبابية حققت ذلك بنفسها، وقال إن "الشباب غير صبورين.. بصراحة، لم أظن أن الشعب كان جاهزًا".

وكان مئات المصريين واصلوا الخميس لليوم الثالث على التوالي الاحتجاجات ضد نظام الحكم مرددين هتافات مناوئة للحكومة في القاهرة والإسكندرية.

ونقلت وكالة "رويترز" عن شاهدة عيان إن نحو مائة محتج تجمعوا على درج مبنى النقابة العامة للمحامين بالقاهرة ورددوا هتافات من بينها "الشعب.. يريد.. إسقاط النظام" و"يا أهالينا انضموا إلينا" و"يا حرية خلاص راجعين إحنا شباب المصريين".

وأضافت: "أن مئات من قوات مكافحة الشغب يشددون إجراءات الأمن في شارع رمسيس الذي يطل عليه مبنى النقابة".

وفي مدينة الإسكندرية تجمع مئات المحتجين أمام مبنى محكمة الحقانية في وسط المدينة مرددين هتافات تقول "يسقط يسقط حسني مبارك" و"عايزين حكومة جديدة بقينا ع الحديدة"، وفي مدينة السويس أحرق محتجون مركزا للشرطة صباح الخميس.

ولم يسبق لهذه الاحتجاجات المنسقة مثيل في مصر منذ وصول الرئيس مبارك إلى السلطة عام 1981 بعد اغتيال الرئيس أنور السادات. ويسعى المحتجون لتنظيم أكبر مظاهرات منذ بدء الاحتجاجات بعد صلاة الجمعة متحدين حظرا حكوميا بعدم التظاهر وسط تهديدات بالاعتقال للمشاركين.

في غضون ذلك، تعقد قيادة الحزب "الوطني" الحاكم في مصر الخميس اجتماعا طارئا لمناقشة تداعيات "يوم الغضب" والمظاهرات الاحتجاجية المستمرة منذ ثلاثة أيام.

وقال مسئولون حزبيون إن الرئيس حسني مبارك الذي يرأس الهيئة العليا للحزب لن يحضر الاجتماع لكن نجله جمال مبارك، الذي يشغل منصب مساعد الأمين العام وأمين "السياسات" بالحزب، سيكون من بين المشاركين.

وهذا الاجتماع الأول لقيادة الحزب منذ اندلاع حركة الاحتجاجات يوم الثلاثاء والتي رفع خلالها المتظاهرون شعارات تطالب بإسقاط نظام الرئيس مبارك وعدم ترشح نجله للمنصب.

وتشكو وسائل إعلام من القيود المفروضة على تغطية الاحتجاجات في مصر، وسط تدخل كبير من جانب الحكومة في فرض توجهات على الفضائيات خصوصا لمنع إبراز هذه الاحتجاجات غير المسبوقة.

وتحدث رئيس تحرير برنامج "العاشرة مساء" على فضائية "دريم" عن "ضغوط من عدة جهات" وكذلك القناة ومالكها، بسبب أسلوب البرنامج في تغطية المظاهرات الدائرة في البلاد منذ ثلاثة أيام.

وقال الإعلامي المصري محمد ناصر لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء، إن "وزير الإعلام (أنس الفقي) يحاول أن يسير الإعلام بعقلية الستينيات، يضغط لعدم نشر الحقائق والصورة الكاملة"، وأردف "فهو يريد منا أن نتبنى وجهة نظر (وزارة) الداخلية فقط والتي تقول إنها أحداث شغب تقودها جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وهو الأسلوب الذي يرفضه البرنامج"، وفق تعبيره.

وكشف أن "التهديد شمل القناة وصاحبها (رجل الأعمال أحمد بهجت) سواء شخصه أم أعماله (كونه رجل أعمال يملك عدة شركات)، وكذلك التهديد بمنعه من السفر، وهو كما يعلم الجميع قام بإجراء زراعة قلب وهي العملية التي تتطلب سفره لأمريكا من وقت لآخر حيث يقوم بفحوصات" دورية.

ناصر عبر عن رفضه للضغوط، ورأى "من الأفضل نقل الصورة كاملة من جميع جوانبها"، وقال "في النهاية أنا لا أدعو ولا أحض على الفوضى والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة"، واختتم منوها إلى أنه "إذا كان الشارع يتحرك فلا بد أن أعرض هذا وإلا أفقد حرفيتي ومهنيتي"، وفق تعبيره.

يذكر أن مقدم برنامج "مصر النهاردة"، على القناة المصرية العامة، الإعلامي محمود سعد، يقضي "إجازة مفتوحة"، بسبب خلاف مع التليفزيون المصري حول معالجة قضية المظاهرات الدائرة في البلاد.

وكالات

الأربعاء، يناير 26، 2011

مبارك على خطى بنعلي...إلى الفرار طبعا


"موش عايزينو ...موش عايزينو..." على هذه الإيقاعات ينتزع المصريون صور الرئيس حسني مبارك من شوارع المدن..الصور المنتزعة تذكرنا بما حدث عشية فرار الرئيس التونسي زين العابدين بنعلي..هل الدور هذه المرة على الرئيس مبارك؟ هل هو فجر ربيع الحرية بالوطن العربي المديد؟ أسئلة كثيرة ستجيبنا عنها الأيام القليلة المقبلة...نايضة..كما يقول المغاربة...مُولّعة ... كما يقول الأشقاء في أرض الكنانة..

"المقاهي الثقافية" بالمغرب تعرف تطورا رغم الإكراهات

تعاني من غياب الدعم وطغيان هاجس الربح لدى أصحاب المحلات
هل عندنا مقهى ثقافي بالمغرب؟ إنه السؤال الذي يكاد المتتبع والمهتم بالشأن الثقافي ببلادنا، لا يجد له جوابا شافيا، بل إن من يرى بأن التكنولوجيا من جهة، وطغيان هاجس الربح التجاري من جهة ثانية، يكادان يكونان العنصرين الأكثر تحكما في أرباب المقاهي، ولذلك فإن من النادر أن تجد صاحب مقهى يرحب باستضافة نشاط ثقافي ينظمه مثقفون في إطار ما يعرف بـ"المقهى الثقافي"

نورالدين اليزيد

كما هي العادة دائما، بهذه المقهى، أشخاص يدخنون ويرتشفون قهوتهم السوداء وهم يتبادلون أطراف الحديث، ويخوضون في مواضيع شتى، فتارة يناقشون موضوع تعديل حكومي وشيك، وتارة أخرى يتقاسمون اللؤم نفسه الموجه إلى المجلس البلدي المحلي الذي ترك المدينة تغرق في أوحالها، في ما اشرأبت أعناق آخرين إلى شاشة التلفاز الضخمة والمسطحة التي تنقل مباراة كرة قدم بين فريقين أوروبيين..وأما آخرون فقد انخرطوا في تلصص غير مسموع يبدو من غير أدنى ريب أنه نميمة وتقوُّل في أشخاص، بينما فضل البعض الجلوس بالخارج على مقربة من الرصيف وهاجسهم النظر إلى الأجساد النسائية الذاهبة والرائحة في الشارع المقابل..وفي أحد أركان المقهى الفسيح كان أشخاص منهمكين على تغطية طاولتين، جمعوهما إلى بعضهما البعض، بستار داكن، وكان أحدهم يحمل ميكروفونا سرعان ما وضعه على الطاولتين اللتين باتتا أشبه بالمنصة.

زوار غير مألوفين!

جلس أربعة رجال خلف المنصة تلك، في اللحظة نفسها، بدا زوار يُعدلون من جلستهم، قبل أن يخترق صوت الميكروفون القاعة: "أيها الحضور الكريم..!"، إنهم مثقفون جاءوا إلى المقهى ليتقاسموا مع روادها التحليق في عالم الثقافة، في محاولة لتغيير واقع الرتابة المملة الذي بات يسكن معظم المقاهي، ومحاربة، قدر الإمكان، تلك "العادات الخبيثة" التي يتحلق حولها معظم مرتشفي القهوة! هي صورة أصبحت تأخذ طريقها إلى الاعتياد، في مقاهينا؛ وجوه ثقافية وفنية وموسيقية معروفة حينا، وأحيانا غير مألوفة من طرف رواد المقهى، لكن بمجرد بدء النشاط/الفعل الثقافي، حتى يتسرب إلى الحضور، رصيد المحتفى به؛ هو صاحب كتب أو روايات أو قصص أو دواوين عدة، وقد يكون واضع تأليفات موسيقية، أو ممثلا شارك في أعمال سينمائية مغربية ودولية، لكنه حضر إلى ها هنا، حيث لا أضواء كاشفة ولا ماكياجا مبالغ فيه يُخفي حقيقة الصورة..هاجس الجميع هو كَمٌّ من الأسئلة التي يحاولون الإجابة عنها؛ هل يمكننا أن نُحول المقهى من فضاء للترفيه إلى آخر للتثقيف؟ لماذا نظل ننتظر الإعلام الرسمي، السمعي البصري بالخصوص، الذي قد يأتي أو لا يأتي، من أجل الاحتفاء بالرُّواد؟ ماذا لو تحول، على الأقل، نصف مقاهينا إلى مقاه ثقافية؟ ألن نُعدَّ من الدول المتقدمة؟

المقهى الثقافي بالمغرب..يتطور!

بغض النظر عما إذا كانت التسمية هي "ثقافة المقهى" أو "المقهى الثقافي"، فإن المصطلح بات يغزو كثيرا، في الآونة الأخيرة، مجامعنا الخاصة وداخل الصالونات التي تتناول الشأن الثقافي، وإن كان الأمر يتعلق في الغالب بأحاديث موسمية تصادف افتتاح مهرجان هنا أو هناك، أو حفل توقيع كتاب بهذه المدينة أو تلك، أو بمناسبة قراءات شعرية أو قصصية في هذا البهو أو هذا المسرح، رغم كل ذلك فإن المتفق عليه هو أن مصطلح "المقهى الثقافي"، له جذور ضاربة في التاريخ، وترجع على الأقل إلى القرن الثامن عشر، عندما كان مقهى لوبروكوب الشهير نقطة تجمع المثقفين، من أمثال فولتير وديدرو للخوض في المناقشات الفلسفية التي ما تزال تحفظها أمهات الكتب. وبالمغرب تعود أولى تجارب "ثقافة المقاهي" إلى فترة قديمة نسبيا، ولا يمكن الحديث عن بعض تجارب "المقهى الثقافي"ببلادنا، إلا خلال فترة السبعينات، كما يتحدث عن ذلك بعض الذين اتخذوا من الثقافة مجالا للعمل الجمعوي، وهي الفترة التي عرفت فيها بعض التجارب تقليدا لتجارب عربية أخرى إقليمية، خاصة منها التجربة المصرية.

في منتصف التسعينات بات لافتا قيام عدة أنشطة ثقافية تحت يافطة "المقاهي الثقافية"، وهنا يمكن الإشارة إلى التجارب التي دشنها اتحاد كتاب المغرب وفروعه ببعض المدن المغربية، خاصة فرعه بالدار البيضاء، على عهد رئاسة الشاعر حسن نجمي، الذي أحيا ربيع الكتاب في مقاهي حديقة الجامعة العربية بالدار البيضاء، في تلك الفترة. كما نظم المكتب المركزي للاتحاد، قبل سنتين، لقاءات في إطار تخليد اليوم العالمي للكتاب في عدد من مقاهي العاصمة الرباط، كمقهى"باليما"، ومقهى "كموفل"، ومقهى "الفن السابع". ويحتضن مقهى حديقة منتزه حسان في قلب العاصمة، سنويا، اللقاءات الثقافية والأمسيات الشعرية المقامة في إطار مهرجان الرباط الثقافي.

تنوع أمام إكراهات!

امتدت التجربة إلى مدن أخري، ففي بني ملال أشرف فرع اتحاد كتاب المغرب علي تنظيم مقهى أدبي، وكذلك الشأن بالنسبة لمدينة تازة، التي نظم بها فرع الاتحاد مقاهي أدبية تضمنت قراءات شعرية وجلسات ثقافية. وشهدت العديد من المدن الأخرى تجارب تستحق التنويه، كان من وراء ظهورها فروع اتحاد كتاب المغرب، أو فعاليات جمعوية تنشط في المجال، كما الأمر بالنسبة لجمعية الشعلة للتربية والثقافة. وهكذا لاحظنا ملامح خارطة مقاه بمجموع مدن المملكة، حيث تم افتتاح المقهى الثقافي "لاكوميدي" بفاس، التي يشرف عليها الأستاذ عز العرب الكغاط، شقيق الفنان الراحل محمد الكغاط، وظهور المقهى الأدبي بآسفي، ومقهى "مازغان" بالجديدة، ومقهى "الياقوت" بالقنيطرة، والمطعم الأندلسي بأصيلا، والصالون القصصي بالبروج. وفي طنجة، وبمبادرة من جمعية النهضة الثقافية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، تأسس الصالون الأدبي الأول بطنجة، الذي تم افتتاحه في ماي سنة 2002، بمقهى شانز إليزيه، وحضر الافتتاح وقتها عدد من رموز الأدب الثقافة، منهم الباحث عبد الرحيم العلام، والناقد عبد الحميد عقار، والكاتب عبد القادر الشاوي، والشاعر المهدي أخريف. ومؤخرا افتتحت سيدة هولندية برفقة زوجها الأميركي، في مراكش، "مقهى الكتاب"، التي تجاور فيها كتب الأدب المشروبات وأطباق الأكل وقطع الحلوى، وفيها يمكنك أن تطلب مشروبك الذي تهوى، بل ووجبة سريعة كذلك، وأنت تتصفح المجلات والكتب المعروضة للبيع، التي قد تختار اقتناء بعضها أو أحدها قبل المغادرة، إن شئت. كلها مقاه لبست لبوس الثقافة برغبة من عدد من المثقفين المسكونين بنشر رسالة هذا الشيء الجميل الذين يواجهون منافسة شرسة من قبل التكنولوجيا التي باتت تأسر رواد المقهى، بشاشات عملاقة وأجهزة استقبال تنقل آخر وأسخن الملتقيات الرياضية والأفلام، والجهاز الموزع للإنترنيت "الويفي" الذي يسمح للزبناء المتوفرين على حواسيب بولوج العالم الافتراضي طيلة فترة زيارتهم للمقهى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يصطدم دعاة المقهى الثقافي بغياب الدعم من طرف المسؤولين المركزيين والمحليين، وبندرة أرباب المقاهي المستعدين لفتح مقاهيهم لهؤلاء الضيوف غير المألوفين.

طُموح رغم ذلك..

نماذج المقاهي الثقافية التي ذكرنا، بالإضافة إلى أخرى، يحاول أصحابها، رغم ما كل يجدونه من صعوبة في ولوج مقاهي الخواص، ومن قلة أو غياب تام للدعم، التأسيس لعُرف نقل التداول في الشأن الثقافي من الصالونات المغلقة، إلى فضاءات المقاهي المفتوحة على شرائح مختلفة من المواطنين، وجعل الثقافة فرجة أكثر منها تحليلا تخصصيا. كما يسعى رواد المقاهي الثقافية، وهو ما يتماشى مع سياسة اتحاد كتاب المغرب، إلى توسيع قاعدة الاستهلال الثقافي بالبحث عن جمهور واسع، ونشر المعرفة أكثر ما يمكن، عبر دمقرطة العلاقات الثقافية، وتقريب رموز الإنتاج الثقافي والفني من قاعدة الجمهور. وفي هذا السياق، يقوم تصور اتحاد كتاب المغرب، الذي يريد البحث عن جمهور آخر، والابتعاد عن منتديات الصالونات المغلقة، ولذلك وقع الاتحاد شراكات مع عدد من الجمعيات التربوية والثقافية. لكن مع يذلك يظل غياب الدعم، سواء من طرف الحكومة أو المجالس المنتخبة، لهؤلاء الذين يِؤرقهم هاجس نشر الثقافة، أكبر تحدٍّ من إقناع رواد المقاهي للإقلاع عن عوائدهم تلك القبيحة، والانخراط في ملامسة قضايا الثقافة والمثقفين، من خلال طرح السؤال مباشرة على المثقف، ونزع الوظيفة تلك، ولو مؤقتا، من الاختصاصي أو الصحافي.

+++++++++++++++++++

يرى الناشط الثقافي وعضو جمعية الشعلة للتربية والثقافة، نورالدين أقشاني، أن ظاهرة المقاهي الثقافية بالمغرب تعود إلى سنوات السبعينات، لكنه يستطرد بالقول أن انتشارا واسعا عرفته هذه الظاهرة لم يبدأ إلا مع بداية الألفية الثالثة، مضيفا أن تطور المقهى الثقافي ببلادنا، وإن كان قليلا على المستوى الكمي، إلا أنه يعتبر قيمة متميزة على مستوى تحويل المقهى من مكان للترفيه إلى مكان للتثقيف

الناشط الثقافي اعتبر أن أرباب المقاهي يتحكم فيهم الهاجس التجاري

"المقاهي الثقافية" بالمغرب تجارب قليلة كَميا لكنها متميزة

حاوره: نورالدين اليزيد

كيف ترى واقع المقاهي الثقافية بالمغرب؟

أظن أن ظاهرة المقهى الثقافي ليست بالأمر الجديد على المغرب، بل إن هذا النوع الثقافي عُرف ببلادنا منذ السبعينات، حيث اشتهرت وقتئذ كل من مقهى "باليما" و"كاموفل" بالرباط بأنشطتهما الثقافية المتنوعة، والتي كانت تستقطب كتابا مغاربة وأجانب. لكن هذه المقاهي لم تعرف انتشارا كبيرا إلا مع بداية الألفية الثالثة، حيث ظهرت مجموعة من التجارب بجميع أنحاء المغرب. وبالنسبة لنا نحن في جمعية الشعلة للتربية والثقافة، أطلقنا تجربة المقهى الثقافي المنال بحي يعقوب المنصور، حيث نظمنا خلال سبع سنوات فقط أزيد من 50 لقاء ثقافيا، جمعت بين ما هو فني وشعري وأدبي وموسيقي، وتمكّنا من استضافة عدد من الأسماء المغربية والعربية والغربية، في شتى المجالات.

هل يمكن القول أن لدينا تراكما بخصوص "المقهى الثقافي"؟

بالفعل من خلال تجربتنا المتواضعة، استطعنا القيام بالعديد من الأنشطة ودعوة العديد من الأسماء ذات الصيت المحلي والإقليمي والدولي أيضا. وبالمناسبة يكفي أن نذكر أن من بين ضيوف مقهانا الثقافي، كان هناك وزراء تولوا حقيبة قطاع الثقافة، من بينهم محمد الأشعري، ومحمد الكحص. بالإضافة إلى استضافة كل من ثريا جبران بصفتها رئيسة فرقة مسرح اليوم، قبل أن تصبح وزيرة لنفس القطاع، وكذلك المفكر بنسالم حميش قبل أن يتقلد هو الآخر نفس المهمة. هذا علاوة على العديد من نجوم الفن والأدب والموسيقى والإعلام. وبالرباط دائما هناك تجارب ومقاه أخرى كذلك، كمقهى "الرّندا" الثقافي، ومقهى "طُلة" و"شرق غرب". كما ظهرت مقاه أخرى بعدد من المدن، حيث توجد المقهى الثقافي "لاكوميدي" بفاس، التي يشرف عليها الأستاذ عز العرب الكغاط، شقيق الفنان الراحل محمد الكغاط، والمقهى الأدبي بآسفي، ومقهى "مازغان" بالجديدة، ومقهى "الياقوت" بالقنيطرة، والمطعم الأندلسي بأصيلا، والصالون القصصي بالبروج. لقد قمنا بجمعية الشعلة للتربية والثقافة، بتنظيم الندوة الوطنية الأولى للمقاهي الأدبية، في فبراير سنة 2009، ودعوة المشرفين على باقي المقاهي الثقافية من أجل التدارس في ما بيننا. واحتفاء بمرور ثمان سنوات على تجربتها في المقاهي، وفي شهر يونيو الماضي، نظمت جمعيتنا الندوة الوطنية الثانية للمقاهي الثقافية بالمغرب، بدعم من وزارة الثقافة وبشراكة مع المديرية الجهوية للثقافة بجهة الرباط، وبتعاون مع مجلس مقاطعة يعقوب المنصور، وذلك بالمقهى الثقافي بمؤسسة شرق غرب. وهو اللقاء الذي أسفر عن تأسيس شبكة تضم العديد من المقاهي الثقافية، الهدف منها هو تبادل التجارب من خلال اللقاءات والزيارات والتنسيق بينها في ما يتعلق بتوجيه الدعوات للضيوف، وكذا من أجل إقامة أنشطة مشتركة. ويمكن القول أن تجربتنا، وإن كانت من حيث الكم قليلة نوعا ما، إلا أنها تجربة ثقافية متميزة، تضيف قيمة لدور المقهى بالإضافة إلى دورها التقليدي في ارتشاف قهوة أو شاي، بحيث نسعى إلى نشر ثقافة عبر هذه الأماكن، التي ألِف الناس أن يرتادوها فقط لأغراض الترفيه، بحيث تصبح أيضا فضاءات للتثقيف.

ما موقع المقهى الثقافي في زمننا الحالي، حيث أن تكنولوجيا المعلوميات قادرة على تقديم زخم كبير من المعلومة الثقافية، في أي مكان وفي أي زمان؟

أكيد بأن وسائل التكنولوجيا الحديثة قادرة على لعب دورها هي الأخرى في تثقيف الناس، لكن دور المقهى الثقافي لا يقل أهمية عن هذه الوسائل، على الأقل من حيث كون الأنشطة الثقافية تُخرج الناس من تلك الأجواء التي عرفت بها المقاهي، كالنميمة السياسية والاجتماعية، إلى الانخراط في الشأن الثقافي. ويمكن القول أن هناك دول مثلا سبقتنا كثيرا ولها تاريخ وتقاليد في المقاهي الثقافية، كألمانيا وفرنسا ومصر، على المستوى العربي. ونحن وإن كنا لسنا في مستوى هؤلاء، فإننا نسعى إلى وضع أقدامنا في مصاف البلدان الرائدة في هذا المجال، رغم الإكراهات المادية وغياب الدعم. وللأسف فإن غالبية أرباب المقاهي ورجال الأعمال المستثمرين لا يولون أهمية للجانب الثقافي، وبدلا من ذلك فإنهم يركزون على الجانب التجاري والربح، لكن مع ذلك فإن هناك بعض ذوي النيات الحسنة، الذين يقبلون ركوب المغامرة وفتح أبواب مقاهيهم لنا مشكورين، إيمانا منهم بمساهمتهم في تثقيف الناس.

++++++++++++++

المغاربة كانوا يرتادون "مقاه ثقافية" من دون يافطات

"المقهى الثقافي" عُرف بالمغرب منذ بدايات القرن العشرين


رغم صعوبة التأريخ لتجربة المقاهي الثقافية بالمغرب، ومعرفة البدايات الأولى لظهورها كتجربة تنقل مناقشة الشأن الثقافي من الصالات المغلقة إلى فضاء المقهى، حيث يسود جو الترفيه قبل التثقيف، إلا أن التجارب الشخصية للعديد من الكتاب والمؤلفين المغاربة والفنانين، تشير إلى أن "المقهى الثقافي" عُرف بالمغرب منذ بدايات القرن العشرين، وازداد انتشارا مع انتقال المغرب من عصر الاستقلال والحرية إلى فترة الحماية الفرنسية، سنة 1912، حيث بالإضافة إلى جلسات السمر التي كانت العديد من المقاهي، سواء في المدن أو القرى، تستقبلها على إيقاع الموسيقى الشرقية والأغاني المغربية القديمة، وخاصة منها الشعبية، بالإضافة إلى سرد حكايات "ألف ليلة وليلة"و"سيف ذي بن يزن" وغيرها، فإن عددا من الأدباء المغاربة والممثلين، كانوا يأبون إلا أن يعرضوا نماذج من أعمالهم أمام زوار المقاهي الشعبية، حتى وإن لم يكن ذلك تحت يافطات، كما هو الشأن حاليا، بالنسبة للمقاهي الثقافية.

وقد كانت التجربة، في مراحلها الأولى، في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، كما تنقل ذلك بعض التجارب الشخصية، محاكاةً لبعض التجارب ببلاد الشرق العربي، خاصة مصر وسوريا، والتي نقلها مغاربة سمحت لهم ظروفه بالتنقل إلى تلك البلاد المشرقية.

وكان المغاربة يحتشدون داخل مقاه، كانت عبارة أحيانا عن خيام، يتناولون كؤوس الشاي المنعنع وقد افترشوا الحصير، من أجل تتبع حكايات تمثيلية أو أغاني كلاسيكية لرواد الفن العربي، القادم من ذاك المشرق. وأحيانا يستمتعون بحكايات أحد الرواة الشعبيين، الذي كان في الغالب ينتقل ليلا من "الحلْقة" إلى فضاء المقهى، ليتابع سرد حكاياته التاريخية، بينما كانت مقاه أخرى توجد بالمدن في الغالب، تشهد تقديم قراءات شعرية وزجلية تمتدح حب الوطن، وتميط اللثام عن تجارب عاطفية واجتماعية شخصية تثير إعجاب الحاضرين وتعاطفهم، في زمن ندرة وسائل الترفيه.

وفي الوقت الذي لا يختلف فيه اثنان حول دور المقهى، بصفة عامة، وذاك المقهى الذي كان يلتقي فيه أعضاء المقاومة الوطنية، بمن فيهم الكتاب والشعراء والفنانون، من أجل التداول في الشأن الوطني والاحتلال، في التطرق إلى قضايا مصيرية، علاوة على تأدية رسالة تثقيفية، فإن التاريخ المغربي يذكر تجارب مقاه بعينها شهدت تاريخيا أحداثا مهمة، في إطار نشاطاتها الثقافية، تماما كما هو الشأن بالنسبة لمقهى لا كوميدي في الدار البيضاء، ومقهى "باليما" التابعة لفندق يحمل الاسم ذاته، والذي يتوسط شارع محمد الخامس بالعاصمة أمام مقر البرلمان.

وحسب مسؤولي الفندق فإن هذا الأخير، وخاصة مقهاه الملحقة به، استقبلت العديد من الشخصيات، في شتى المجالات. ومن الأسماء التي اتخذته مقرا لتأليف أبرز أعمالها، الأديب المغربي الراحل، محمد خير الدين، الذي لم يغادر الفندق إلا إلى المستشفى، ثم إلى قبره. ومن المقاهي الرباطية المعروفة تاريخيا أيضا باستقبال أسماء معروفة، مقهى "المثلث الأحمر"، الذي ما يزال يستقبل العديد من الفنانين والأدباء، ومنهم بالخصوص الكاتب المغربي الكبير إدريس الخوري وغيره، الذين يحملون هم الثقافة والمثقفين أينما راحوا وارتحلوا، فتجدهم لا يبخلون بالحديث مع هذا أو ذاك، حول عوالمهم، حتى وإن لم يعلن عن إقامة "مقهى ثقافي".