الأحد، فبراير 06، 2011

هل حان الوقت لرفاق الحرّيف للتراجع عن أفكارهم الاشتراكية الراديكالية؟

تكشف وثيقة مطروحة يتداولها قياديو حزب النهج الديمقراطي، في انتظار فتح "نقاش حقيقي" بشأنها، عن عدد من النقط التي تعتبر "تراجعا" جذريا في الأفكار الاشتراكية التي ظل "الرفاق"، مؤسسو "إلى الأمام"، ينادون بها منذ وقت بعيد، بل إن المرء عندما يجد الوثيقة تتحدث عن "الصحراء" غير مصحوبة بـ"الغربية"، في الوقت الذي بات فيه زعماء الأحزاب اليمينية (الاستقلال والبام)، لا يترددون في القول بذلك، فإنه يطرح أكثر من سؤال حول ما إذا كان "الشيوعيون" المغاربة يدقون آخر مسامير نعشهم، وهم يعلنون التوجه إلى صناديق الانتخابات، قد تكون استحقاقات سنة2012

وثيقة أوردت الصحراء بدون "الغربية" وعبرت عن المشاركة في الانتخابات

رغم أنها تشير في بدايتها إلى أن "الواقعية المبتذلة التي تؤدي في نهاية المطاف إلى القبول بالواقع كما هو، مع تغييرات طفيفة لا تمس جوهره وتساهم في استمرار وتردي أوضاع الجماهير الشعبية"، إلا أن وثيقة لا تزال موجودة على طاولة نقاش النهج الديمقراطي، تكشف عن وجود جانب من هذا الحزب الاشتراكي الراديكالي، إن لم يكن لم يعلن عن نفسه بعد كتيار، يدعو إلى إحداث "مراجعة" في الفكر الاشتراكي، بل ونجده في جوانب عديدة من الوثيقة لا يتردد في تقديم "تنازلات" يستغرب حتى مناضلو هذا الحزب من تبنيهان كما هو الشأن بالنسبة للحديث عن "الصحراء"، التي لم ترفق بكلمة "الغربية"، عندما تطرقت الوثيقة إلى أن مشكلتها ما تزال تحول دون وحدة الشعوب المغاربية.

وفي الوثيقة المعنونة بـ"الوضع السياسي الراهن"، وفي باب "مهام المرحلة التاريخية الحالية"، يحاول واضعو الوثيقة رسم صورة عن المحيط الدولي الراهن، الذي برأيهم يتميز بالهيمنة الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية والعسكرية الإمبريالية، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت تشكل القطب الأوحد، وقد جاء ذلك نتيجة للتطورات التي عرفها الاقتصاد الرأسمالي العالمي من جهة، وللتحولات السياسية الكبرى التي عرفها الوضع الدولي بتفكك الاتحاد السوفييتي وانهيار الاشتراكيات البيروقراطية، الأمر الذي أدى إلى تراجع كبير للحركات الثورية والأحزاب الشيوعية وقوى التقدم في العالم، وانتشار موجة من التشكيك في مصداقية الماركسية والخيار الاشتراكي، ليتنامى تأثير الحركات القومية الشوفينية والاثنية والدينية، وكأن مطامح الشعوب في التحرر من الاستغلال والتبعية لم تعد تجد لها تعبيرا آخر غير الإيديولوجيات المبنية على هويات منغلقة؛ قومية، عنصرية اثنية أو دينية.

انتقاد للمخزن..ومهادنة

في سياق هذه التحولات التي تطبع المرحلة، والتي تتميز بتزايد نفوذ القوى "الإمبريالية"، من خلال احتلال العديد من الدول كأفغانستان والعراق، وتخلي بلدان عربية عن خيارها الثوري (ليبيا مثلا)، يورد أصحاب الوثيقة وضعية المغرب، في خضم هذه التحولات، حيث يؤكدون على أن "العلاقات الودية والدبلوماسية بينه وبين الكيان الصهيوني، لازالت مستمرة، وذلك رغم التقتيل وحرب الإبادة، التي يتعرض لهما الشعب الفلسطيني، ورغم مطالبة كل القوى المناضلة والديمقراطية ببلادنا بمقاطعة الكيان الصهيوني، ومن جهة ثانية فإن الحكم قد تبنى مواقف أقل ما يقال عنها، أنها منصاعة ومساندة للولايات المتحدة في غزوها للعراق.

وبالرغم من أن النهج الديمقراطي دأب على رفع شعار "حق الشعوب في تقرير مصيرها"، فإننا نجده يتحدث، بخصوص المغرب الكبير، على "أن شعوب هذه المنطقة لازالت تتوق إلى وحدة المغرب الكبير، لكن الأنظمة السائدة في المنطقة، وبسبب تبعيتها للإمبريالية ونظرا للخلافات حول الصحراء(هكذا توردها الوثيقة غير مضاف إليها كلمة الغربية)، تعرقل أي تطور في اتجاه الوحدة، بل تسعر الشوفينية والعداء بين الشعوب، وغالبا ما تذهب القوى الاجتماعية-الديمقراطية في نفس الاتجاه. بينما لا تقوم القوى الديمقراطية والاشتراكية الحقيقية بأية مبادرات، لربط جسور التواصل مع القوى الديمقراطية والاشتراكية الحقيقية في المنطقة، ولطرح مشاريع نضالية مشتركة للضغط على الأنظمة وحملها على التعامل بجدية مع الطموح الوحدوي لشعوب المغرب الكبير.

وينتقل بعد ذلك أصحاب الوثيقة إلى "محاولة" تشخيص الوضع وطنيا، مبرزين أنه "تشكلت خلال عقود من الاستبداد والعسف والتسلط، مافيا مخزنية، تحتكر جوهر السلطة السياسية وتتحكم في الاقتصاد الوطني. ونعني بالمافيا المخزنية، يقول الرفاق، كل الفئات من الطبقات السائدة، التي اغتنت بشكل فاحش بفضل مواقعها السلطوية سابقا أو حاليا، وهي المسؤولة، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن القمع والإرهاب الذي عانى منه الشعب المغربي خلال الأربعة عقود الأخيرة. وهذه المافيا تضم، إضافة إلى الجلادين المتورطين في الجرائم السياسية، كل الذين نهبوا المال العام وخيرات البلاد، باستعمال مواقعهم السلطوية لحماية أو المشاركة في أنشطة غير قانونية، بل إجرامية كالاتجار في المخدرات أو التهريب من الشمال أو الصحراء. ولمواجهة تفاقم هذه الأزمة البنيوية لـ"النظام الرأسمالي التبعي السائد في بلادنا"، بسبب تعمق أزمة النظام الرأسمالي العالمي وأزمة النظام السياسي المخزني، لجأت إلى تطبيق "إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية"، تستهدف تأمين استمرار نفس النظام السياسي والاقتصادي-الاجتماعي القائم، مع محاولة تكييفه مع مستجدات الوضع الدولي والوطني.

تشخيص...للتّبرير

لخصت الوثيقة أبرز معالم هذا المشروع "الإصلاحي" في عدد من النقاط؛ منها ما هو سياسي، دون تغيير الدستور، والإبقاء على دور وزارة الداخلية وصلاحياتها الأخطبوطية، والحفاظ على "الأجهزة القمعية السرية والموازية"، وتسليط الأضواء بشكل "جزئي وموجه"، على الفترة "القمعية السوداء" (الاعتقال والاختطاف والنفي لأسباب سياسية)، ورفض محاسبة المسؤولين عنها. وإقامة ديمقراطية الواجهة الخاضعة لمراقبة شديدة (طبيعة المؤسسات التي أغلبها مزور أو معين من فوق وبدون صلاحيات فعلية فيما يخص التوجهات الإستراتيجية). وإقرار قوانين تراجعية (كما هو الشأن بالنسبة لقانون الصحافة ومدونة الشغل وقانون مكافحة الإرهاب). ومراقبة الإعلام السمعي-البصري وإخضاعه لتوجهات المخزن. وتبني خطاب حقوق الإنسان ودولة الحق والقانون والمجتمع المدني، دون تفعيله في الواقع. وهناك حديث عن تجديد النخب السياسية، على اعتبار أن نخب الأحزاب التقليدية قد شاخت، لكن ذلك مرهون "بشرط أن تظل هذه النخب بعيدة عن الجماهير، وأن تستمر في النقاشات في أبراجها العاجية، وأن تقبل أن يستمر المخزن في التحكم في اللعبة السياسية". كما أن من الإصلاحات التي قام بها الحُكم ما يتعلق بتقديم "تنازلات جزئية" فيما يخص بقضيتي الأمازيغية والمرأة، وطي صفحة الماضي، بهدف "الالتفاف على المطالب الديمقراطية الحقيقية".

وعلى الصعيد الاقتصادي، يقول رفاق عبد الله الحريف، "إن العنوان الرئيسي لهذا المشروع "الإصلاحي"، هو محاولة إعادة هيكلة الطبقات السائدة لتتكيف مع العولمة، مع العلم أن الطبقات السائدة قد ترعرعت ونمت مصالحها، بالخصوص، بفضل "نهبها" للدولة التي توفر لها الصفقات المربحة، وتمنحها الامتيازات المختلفة (الرخص والمأذونيات المختلفة...). وتوفر لها قطاعات تحتكرها بفضل حمايتها من المنافسة الأجنبية والمحلية، ودعمها من ميزانية الدولة (نخص هنا بالذكر مجموعة "أونا"، التي تحتكر عددا من القطاعات كالصناعة الغذائية المدعمة من طرف الدولة)، وتغض الطرف عن الغش والتملص الضريبيين. غير أن العولمة تعني أن الدولة لن تستطيع الاستمرار في توفير هذه الرعاية، لذلك فهي تسعى إلى أن توظف الطبقات السائدة الأموالَ التي نهبتها بالأساليب المذكورة أعلاه، في إطار الخوصصة والشراكة مع الرأسمال الإمبريالي، وذلك عبر القبول بشروط العولمة الليبرالية المتوحشة. إن هذا المشروع، يضيف الرفاق، يتطلب رفض محاسبة المسؤولين عن نهب المال العام، وعن الرشوة والتهرب من الضرائب، ولا تشكل فتح ملفات القرض الفلاحي والقرض العقاري والسياحي، سوى الشجرة التي تخفي الغابة (تقديم بعض الموظفين إلى العدالة بينما من كانوا ينهبون مِن وراء الستار ينعمون بغنائمهم).

وعلى الصعيد الاجتماعي، فإن تحميل عبئ تجاوز الأزمة الحالية أو تخفيفها للطبقات الشعبية، بما في ذلك الأغلبية الساحقة من البورجوازية الصغرى والمتوسطة، هو أحد أهداف لجوء المخزن وخلفه الطبقات السائدة، إلى "حكومة التناوب المخزني"، لمحاولة فرض سلم اجتماعي يسمح بتمرير المخططات الرجعية (التسريحات الكثيرة للعمال، مدونة الشغل مناهضة لمصالح العمال، الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي يسمح للدولة بالمزيد من التملص من مسؤولياتها في هذا المجال الحيوي). كما لا يتوانى المخزن في اللجوء إلى قمع الحركات التي تهدد تطبيق البرنامج الاقتصادي والاجتماعي المذكور أعلاه؛ (قمع إضرابات واعتصامات ومسيرات العمال والمعطلين والمواطنين). كلها "إصلاحات" أدت إلى "تقوية أركان النظام، حيث تم استيعاب أغلب القوى السياسية والنقابية وقوى المجتمع المدني، داخل مؤسسات النظام وضمان قبولها بالوضع القائم".

حنين إلى الماركسية لكن..

في رصدها لواقع "القوى الاجتماعية-الديمقراطية"، تقول الوثيقة "إن تلك القوى كانت، خلال مرحلة قوتها وإشعاعها، تتبنى مشروعا يرتكز على المستوى الاقتصادي والتخلص من التبعية وبناء نظام رأسمالي وطني مستقل"، على غرار أنظمة أوربا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية واليابان. غير أن هذه القوى "تخلت عن هذا المشروع والتحقت بالمشروع المخزني"، لأن الإمبريالية لا تسمح ببناء اقتصاد وطني مستقل يهدد هيمنتها على رأسمالية الأطراف، خاصة وقد أصبحت "أكثر قوة وجبروتا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي"، زد على ذلك أن الفئات المتنفذة وسط القوى الاجتماعية-الديمقراطية، قد أصبحت مصالحها مرتبطة بالنظام القائم، ولم تعد ترى من إمكانية لـ"الدفاع عن هذه المصالح وتنميتها ومواجهة القوى الأصولية غير المشاركة في الحكومة". ليخلص الرفاق في شرحهم لـ"المشروع الإصلاحي"، الذي تبناه الحُكم، إلى أنه يظل مشروعا "ضعيفا"، زيادة على كونه "مشروعا رأسماليا استغلاليا متناقضا" مع مصالح الطبقة العاملة والكادحين، مما يجعله غير قادر على تعبئة الطبقات الأساسية في بلادنا، بل إن الطبقات الوسطى التي قد تحمل هذا المشروع، تعاني من "التفقير والبلترة"، وهذا يجعل السواد الأعظم منها يصارع خطر الاندحار الطبقي باللجوء إلى الحلول الوهمية التي توفرها المشاريع الأصولية الشعبوية، أو بالبحث عن حلول فردية والابتعاد عن العمل السياسي، بل محاربته باسم استقلالية المجتمع المدني. كل ذلك أدى إلى "استسلام" هذه القوى للمخزن والقبول بشروطه كاملة، ومن ذلك القبول بدستور يشرعن الحكم الفردي المطلق والاستبداد المخزني، والقبول بـ"التناوب المخزني"، الذي يعني تحويل مناضلي هذه الأحزاب إلى مجرد موظفين للمخزن، "يدبرون أزمته"، و"يعرقلون نضالات الحركة الجماهيرية، ويطبقون السياسات الاجتماعية والاقتصادية اللاوطنية واللاديمقراطية واللاشعبية، المملاة من طرف الإمبريالية والطبقات السائدة". وبالموازاة مع ذلك يلاحظ أن هناك "انغماسا" في مسلسل الاستحقاقات الانتخابية، التي فقدت فيه هذه القوى الكثير من مصداقيتها، بسبب "هرولة أعضائها وتسابقهم على المناصب، واستعمال الأساليب البغيضة واللاأخلاقية، والتحالفات غير الطبيعية للوصول إلى المؤسسات الديمقراطية المزعومة"، غير أن ذلك لم يتم بدون "تناقضات" حيث عرفت هذه القوى انشقاقات وانسحابات كبيرة أدت إلى إضعافها بشكل خطير.

هذه المرحلة تميزت كذلك باستمرار صعود "الحركات المناهضة للديمقراطية، والمتسترة وراء الدين، مستفيدة من الانهيارات المذكورة أعلاه (انهيار المعسكر الشرقي وما خلفه من تساؤلات وشكوك حول بناء الاشتراكية، انهيار الفكر والأنظمة القومية البعثية، وتخاذل الأنظمة الرجعية في العالم العربي، وتواطؤها مع الإمبريالية واستسلامها للصهيونية، وانهيار القوى الاجتماعية-الديمقراطية في المغرب...)، ومن غياب قطب يساري مناضل، مبادر وشجاع في نضاله من أجل قضايا الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وقضايا التحرر الوطني والقومي.

إن الحركة الأصولية تعرف بروز اتجاهات تلجأ إلى العنف وخارجة عن سيطرة القوى الأصولية التقليدية (السلفية الجهادية)، لتصبح هذه الحركة منقسمة إلى ثلاثة توجهات أساسية؛ توجه يقبل باللعبة السياسية وله علاقات قوية بالنظام (حزب العدالة والتنمية)، وتوجه يرفض اللعبة السياسية ويعارض النظام، لكنه في ذات الآن يرفض اللجوء إلى العنف (ماعدا ضد الطلبة)، وتوجه ينادي بالجهاد ويلجأ إلى الإرهاب ضد النظام، وضد المجتمع "الجاهلي". أما الحركة من أجل الأمة والبديل الحضاري، فهما "هامشيان"، ورغم طرحهما للحوار مع الديمقراطيين، فإنهما لم يتخليا عن مشروع بناء الدولة التيوقراطية/الدولة الدينية.

إن موقفنا من القوى الأصولية يرتكز على نقد أسس ومرجعية القوى الأصولية، المستندة على بناء الدولة الدينية القائمة على الشريعة، وإدانة الإرهاب لأنه يتوجه، في كثير من الأحيان، إلى ضحايا أبرياء، ولأنه يقدم خدمة لأعداء الديمقراطية الذين يستغلونه لتضييق الخناق على الشعب وعلى الحريات الفردية والجماعية. ثم الحوار مع الاتجاهات التي تقول بأنها تتبنى الديمقراطية مع استبعاد أي شكل من أشكال التحالف السياسي.

تنازل..ولِم لا؟

برأي الموقعين على الوثيقة، فإن حركة النضال من أجل الديمقراطية، تواجه محاولات عديدة لتحريفها والالتفاف على مطالبها، عبر طرق ومختلفة منها؛ الترويج لشعارات هدفها التعتيم على النضال من أجل الديمقراطية، كـ"المسلسل الديمقراطي" و"الديمقراطية الحسنية"، و"التوافق والتراضي" و"التناوب"، ليتحول الحديث في الوقت الراهن إلى "الانتقال الديمقراطي" و "ا لعهد الجديد..".وعن طريق الالتفاف على المطالب الديمقراطية، عبر تقديم تنازلات لا تمس الجوهر المخزني للدولة، وتحويل الانتخابات إلى محطات لا رهان فيها، هدفها فقط ضمان تجديد النخب المخزنية. ثم إخراج برلمان عبارة عن غرفة تسجيل وحكومة موظفين منفذين. وتسييج العمل السياسي بالخطوط الحمراء، ومنع القوى المعارضة الفعلية من ولوجه، ويبقى أحد أهم عناصر الضعف الذي يميز هذه الحركات، هو عزلها عن بعضها البعض وعدم قدرة القوى الاشتراكية على إيجاد تمفصل بينها.

ويؤكد الرفاق، في ما يشبه الأخذ بمقولة "والبس لكل حالة لبوسها"، أن "هدفنا الأسمى هو إقامة نظام اشتراكي"، وهدفنا المرحلي هو بناء المجتمع الديمقراطي، الذي يحظى فيه المواطن بكافة حقوقه السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لكن استحضار موازين القوى، على المستوى الوطني والدولي، يؤدي إلى تركيز نضالنا في الفترة الراهنة على إقامة الديمقراطية السياسية. والحال أن الطبقات السائدة نظرا لطبيعتها، لا يمكنها إلا أن تمارس الاستبداد، لذلك فإن النضال من أجل إقامة نظام ديمقراطي حقيقي، يصب في اتجاه حل التناقض الرئيسي الذي يطبع المرحلة التاريخية الراهنة.

إن النهج الديمقراطي يعمل بصبر وأناة وحماس، حسب رأي الرفاق، لتقديم ثلاثة سيرورات مترابطة ومتزامنة تتمثل في؛ المساهمة بجانب كل الاشتراكيين الحقيقيين، في بناء التنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين. والمساهمة في توحيد وتطوير وتوسيع وتكريس الحركة النضالية الجماهيرية. ثم المساهمة في بناء جبهة الطبقات الشعبية. وهذا لن يتأتى إلا بتنفيذ مجموعة "المهمات"، ومنها بالخصوص مهمة "بناء الذات"، التي تشكل الحلقة المركزية لتحقيق كل المهام الأخرى، "فبدون نهج ديمقراطي قوي ومتجدر وسط الكادحين، وذي إشعاع جماهيري واسع، لا يمكن التقدم، بشكل حاسم، في إنجاز المهام الأخرى، ذلك أن توحيد الاشتراكيين الحقيقيين لن يتم إذا لم يستطع النهج الديمقراطي أن يتشكل كقوة اشتراكية وازنة في الساحة". كما أن تطور الحركة النضالية للشعب المغربي، نحو مستويات أرقى، يتطلب مساهمة قوية للنهج الديمقراطي في هذه العملية، الشيء الذي لن يتحقق إذا لم يتقو عُود النهج الديمقراطي، ويتوسع إشعاعه السياسي والفكري وسط الجماهير الكادحة.

المراجعة..

تبدو رغبة "النهج" واضحة في إعادة النظر في عديد من الأمور، حين يعود "الرفاق" إلى ما يشبه "نقد الذات"، بعدما يقومون –بطريقة الفلاش باك- بقراءة "سيرورة" الحزب منذ إنشائه؛ "لقد طورت منظمة "إلى الأمام" و"النهج الديمقراطي" النظرة إلى العديد من القضايا (الفهم للتنظيم السياسي الثوري وعلاقته بالمنظمات الجماهيرية، وأدوات التنظيم الذاتي للجماهير الشعبية، الفهم للاشتراكية كمشروع يصنعه المنتجون خلال سيرورة طويلة من تحررهم من الاستغلال الرأسمالي، وليس كمشروع دولتي يسهر عليه حزب طليعي يمتلك المعرفة، الفهم للعلاقات الداخلية للتنظيم المبنية أساسا على الديمقراطية، وعلى الحق في الاختلاف..). ومع ذلك، يقول رفاق الحريف، فإن الحزب "بحاجة ماسة، خاصة مع تسارع الأحداث دوليا وإقليميا ووطنيا، إلى الاجتهاد النظري لفهم آفاق تطور الرأسمالية العالمية، وانعكاسات ذلك على الطبقة العاملة، وعلى الشعوب ودراسة قوانينها، لتدقيق التطورات التي عرفها الاقتصاد المغربي خلال العشرين سنة الماضية، وتأثيرها على البنية الطبقية في بلادنا". ويتساءل الرفاق، من بين عدد من الأسئلة، هل كان من الممكن تبني إستراتيجية مغايرة في ظل التطويق الإمبريالي؟ ثم يصلوا إلى أن المرحلة تقتضي "إعطاء أهمية خاصة لدراسة التشكيلة الاقتصادية-الاجتماعية المغربية، وعدم إغفال الجوانب الثقافية والفكرية التي تفعل فيها"، ما ينم عن وجود رغبة لدى الرفاق في "التنازل" عن مجموعة من "شعارات الاشتراكية"، التي ظلوا ينادون بها ناسين أو متناسين طبيعة المجتمع، إنه "التنازل/التنازلات"، التي يريد هؤلاء الرفاق إيجاد بعض المبررات لها؛ فـ"تحديد النظرة إلى هويتنا وتاريخنا، ليس كمعطيات جامدة وأبدية، بل كميادين ورهانات للصراع بين الطبقات والقوى المتصارعة في المجتمع، وذلك بهدف تأصيل فكرنا وممارستنا المستمدين من القيم الإنسانية الكونية في التربة المغربية، ونزع فتيل التناقضات داخل الشعب، التي تستعملها الإمبريالية لتفتيت وحدة الشعوب". وكذا "الإسهام النظري والعملي في إعادة بناء حركة التحرر الوطني بمضمون جديد وبارتباط وثيق بشعوب المغرب الكبير". ويؤكد الرفاق بإلحاح بأن "الاهتمام بهذه القضايا، وإعمال التفكير الجماعي فيها ليس ترفا فكريا، بل هو ضرورة حيوية لكي يعيد الاشتراكيون بناء منظومتهم الفكرية، ويكتسبوا مناعة وقوة في مواجهة الآلة الدعائية الخطيرة، التي تتحكم فيها الإمبريالية، وينتقلوا من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم السياسي والفكري".

إنه "الهجوم" الذي لا بد له من علاقة قوية بين ما هو "سياسي وجماهيري"، وهنا يذكر الرفاق بوثيقة "الورقة التوجيهية حول العمل الجماهيري"، التي أكدت أن "النهج الديمقراطي يؤمن بالنضال الجماهيري كوسيلة أساسية لتحقيق الأهداف المطروحة"، ليكشفوا عن الرغبة الدفينة، على الأقل لدى شريحة مهمة من مناضلي النهج، في العودة إلى العمل السياسي/الانتخابي، بعدما ظلوا يقاطعون هذه الاستحقاقات منذ مدة، فـ"التعامل مع التنظيم السياسي، كمجرد منسق لمناضلينا في الإطارات الجماهيرية، يتم اللجوء إليه في المحطات الأساسية لهذه الإطارات لتوفير قوة انتخابية". ويرسخ هذا التوجه تعاملنا التنظيمي مع الإطارات الجماهيرية، عبر تشكيل لجان قطاعية ينتظم داخلها مناضلونا، في هذا الإطار أو ذاك، مما يكرس تجزيء العمل الجماهيري إلى قطاعات يفصلها جدار صيني، يرسخ فكرة أنه من اختصاص مناضلين قطاعيين معنيين وليس في الجوهر عمل سياسي، مما يزيد من انفصال العمل الجماهيري عن العمل السياسي". إن الربط بين العمل السياسي والجماهيري يتطلب تحديد التوجهات والتصورات من طرف التنظيم في تفاعل يومي بين المناضلين النهجيين الجماهيريين وإطاراتهم التنظيمية السياسية المحلية والوطنية. لكن ذلك يجب أن يرتبط بـ"إعطاء حركة النضال من أجل الديمقراطية بعدها الجذري، عبر توضيح أن هذه الحركة لا يمكن أن تحقق أهدافها في ظل النظام السياسي القائم، وبالتالي ضرورة طرح مسألة الدستور الديمقراطي، وتفكيك البنيات المخزنية، وإقرار مبدأ عدم الإفلات من العقاب في الجرائم السياسية والاقتصادية، كلها قضايا ينبغي طرحها بقوة وثبات وتوفير الزخم النضالي الشعبي لتحقيقها. لأن "النضال من أجل الديمقراطية"، الذي تغذيه القوى الديمقراطية والاشتراكية الحقيقية والاتجاهات الديمقراطية وسط الحركة الحقوقية، والحركة الأمازيغية والنسائية، يواجه عدة معيقات وعراقيل، منها الضعف والتشتت الذي يميز القوى الاشتراكية والديمقراطية الحقيقية، ولكون الحركات الحقوقية والنسائية والأمازيغية، حركات أفقية تظهر وكأنها فوق الطبقات وغير خاضعة للصراع الطبقي.

وفي سياق المزيد من "التبرير" الذي يقدمه هؤلاء "الرفاق" للشروع في تقديم "التنازلات"، تؤكد الوثيقة، أن "اختيارنا الديمقراطي لا يعني أبدا القبول بالديمقراطية الشكلية الحالية، بل يعني أولا استعمال كل الوسائل الديمقراطية لفضح هذه الديمقراطية المزعومة، باعتبارها تكريسا لهيمنة الطبقات السائدة والمخزن، وتوضيح أن الدستور الحالي يجعل السلطة الحقيقية غير قابلة للتداول"، وبالتالي فإن "الاعتقاد بأن التغيير الديمقراطي سيتم بواسطة المؤسسات الديمقراطية المزعومة مسألة خاطئة". لذلك فإننا نجعل من أولى أولوياتنا، النضال من أجل إقامة نظام ديمقراطي يرتكز إلى دستور ديمقراطي، مضمونا وتصديقا، كما يرتكز على انتخابات حرة ونزيهة". و"النظام الديمقراطي"، يقول الرفاق يعني كذلك "الابتعاد عن التوافقات، التي تكرس هيمنة المخزن، والتي عادة ما تكون سرية لا يراقبها الشعب". ويخلص الرفاق إلى القول بـ"أن الانتخابات بصفتها آلية من المفروض أن يعبر بواسطتها الشعب عن اختياره وإرادته، لابد أن تحظى منا بالاهتمام في إطار النضال الديمقراطي. فما هو موقفنا من الانتخابات؟ يتساءل رفاق الحريف، لتجيب الوثيقة بأنه "خلافا لما يدعيه الخصوم والأعداء، ليس لنا موقف عدائي وعدمي من المشاركة في الانتخابات بشكل عام، بل موقفنا ينطلق من طبيعة الانتخابات التي عرفتها بلادنا، ومن الإطار الذي تمر فيه (الدستور، التقطيع الانتخابي..)، فلا يمكن لأي ديمقراطي حقيقي إلا أن يكون مع التعبير الحر والنزيه للشعب المغربي عن إرادته وعن حقه في تقرير مصيره. ويشرح الرفاق أكثر موقفهم من الانتخابات بالقول " إن الموقف من الانتخابات لا يمكنه أن يكون ثابتا بمقاطعتها أو المشاركة فيها أو عدم المشاركة فيها، بشكل أوتوماتيكي، وفي كل الظروف، بل بالعكس فلأن قضية الانتخابات قضية تكتيكية وليست إستراتيجية، يجب أن يكون موقفنا منها منطلقا من الظروف والملابسات ودراستها بعمق، فالبلاشفة مثلا قاطعوا الانتخابات في فترة ما وشاركوا فيها في فترة أخرى". ويبدو "تنازلهم" واضحا عندما يكتشفون أن "موقف المشاركة في الانتخابات لا يتحدد، بالأساس، بطبيعة النظام القائم وديمقراطيته ودستوره ومؤسساته، فقد ساهم البلاشفة مثلا في برلمانات ترتكز إلى دساتير لا ديمقراطية، وفي ظل النظام القيصري الأوتوقراطي"، فهل هي بداية العد العكسي لإقبال مناضلي النهج الديمقراطي الثوري على صناديق اقتراع سنة 2012؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق