الأحد، فبراير 20، 2011

نادرا ما تحدث.."شهيد" في الثورة المصرية مبتسما!

نشر الناشط المصري وائل غنيم على صفحة "كلنا خالد سعيد"، التي يديرها على موقع "فيس بوك" الشهير للتواصل الاجتماعي، صورة لأحد الثوار المصريين مجهول الهوية استشهد بميدان التحرير خلال ثورة "25 يناير".

وقد نشر وائل غنيم، صاحب الصفحة الاجتماعية التي حركت ثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك، الصورة في صفحته الإليكترونية ليساهم مع "مستشفى الهلال"، الذي يرقد فيه جثمان الشاب منذ أيام في القاهرة، من أجل البحث عمن يتعرف على هوية صاحبها، وتحتها كتب يقول: "آسف على الصورة، بس أرجو من الناس المساعدة.. شهيد لا نعرف له بيانات و تنوي إدارة مستشفى الهلال دفنه، نرجو ممن يشاهد هذا الخبر سرعة نشره على كل صفحات "الفيسبوك"، للاستدلال عليه والتعرف على هويته وأهله".

وما إن نشرت الصورة التي لم يتم التعرف على هوية صاحبها حتى الآن، حتى أثارت عواطف معظم أعضاء الصفحة، فكتبوا معبرين عن مشاعرهم متأثرين بابتسامة "الشهيد"، إلى درجة أن بعضهم اقترح أن يتم دفنه في ميدان التحرير ليكون "قبر الشهيد المجهول" نواة لنصب تذكاري اقترحوا إقامته في الميدان لمن قتلوا في "ثورة شباب 25 يناير".

ويبدو أن الشاب تعرض لإصابات بالغة قضت عليه أثناء مشاركته في إحدى المظاهرات، فقضى وهو يضحك وانتهى المشهد على ابتسامة نادرة لفتت انتباه عشرات الآلاف في صفحة "كلنا خالد سعيد".

عن موقع "كل الوطن"

السبت، فبراير 19، 2011

هل حان موسم عودة اليهود إلى وطنهم الأصلي المغرب؟

تذهب بعض التقديرات إلى أن خُمس المهاجرين المغاربة هم من الديانة اليهودية، الذين يأتون إلى المغرب في رحلات سياحية لزيارة أضرحة أولياء اليهود، ومنهم من يفضل البقاء بالمغرب، بلده الأصلي، في حين يرجع آخرون من حيث أتوا، وخاصة من إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا، في انتظار العودة مرة أخرى قد تكون نهائية لأنهم يحبون هذا الوطن، ويقدمون الولاء لملكه حتى وإن كانوا يحملون جنسيات دول الاستقبال، إلا أن هذا الوطن لا يبادلهم الحب نفسه، رغم أنهم مستعدون لتقديم إمكاناتهم المادية والعلمية من أجل تنميته

مغاربة إسرائيل يُقَدمون فُروض الطاعة والولاء للملك

لم يتمالك جاكي كادوش، رئيس الطائفة اليهودية بمراكش، نفسَه وهو يقدم ولاء الطائفة اليهودية لعرش الملك محمد السادس، قبل سنتين على الأقل، بمناسبة احتفالات المغاربة بهذه الذكرى، بعدما ترافقت كلماته المتحشرجة بنبرات الألم الممزوج بالحنين إلى الوطن الأصل، المغرب، الذي ترنو إليه نفوس مليون مغربي يهودي مهاجر، ينتظرون فقط "قرارا سياسيا" للعودة، مما قد يساهم في تنمية هذا البلد الذي ما أحوجه إلى كل طيوره المغردة في بلاد المهجر، خاصة عندما يتعلق الأمر بفئة مهاجرة متكونة من أطر ورجال أعمال، يحظون بمكانة خاصة ببلاد الاستقبال.

المواطن المغربي كادوش لم يُخف، في ذات المناسبة، تأثره الشديد بالعودة المتواترة للعديد من المغاربة اليهود إلى المغرب، على الأقل في المدينة الحمراء، التي يمثل الطائفة اليهودية بها، مما مكنه ذلك من رصد تلك العودة عن كثب إلى المدينة، حيث فرص الاستثمار والعيش الهادئ متوافرة بشكل يغري حتى غير المغاربة، بالأحرى بالنسبة إلى مواطنين يهود مازالوا يفتخرون بانتسابهم لهذا الوطن الذي احتضنهم منذ ما يربو عن ثلاثة آلاف سنة. إنها رغبة للعودة لا يقابلها، للأسف، كما يعبر عن ذلك مصدر يهودي، إلا غياب تام لدى المسؤولين المغاربة لأي اعتبار لمليون يهودي مغربي مهاجر، ينتظرون فقط "إشارة" واضحة من لدن أصحاب القرار، في الوقت الذي دشن فيه العديد من هؤلاء اليهود المغاربة عودتهم إلى وطنهم الأصلي، تارة من باب السياحة، وتارة أخرى عن طريق شراء منازل قديمة، تكون في الغالب بمدن عُرفت قديما بإيوائها لليهود، واتخاذها مسكنا دائما لهم.

استعداد..هجرة عكسية

تكشف مصادر مطلعة عن أن عشرات الآلاف من اليهود القادمين من دول مختلفة كأمريكا وأوروبا وكندا وإسرائيل، يزورون المغرب سنويا، غالبيتهم من أصول مغربية، يأتون لزيارة المقابر والبِيع اليهودية المنتشرة في مدن مغربية عدة، ولذلك فقد ارتأت الطائفة اليهودية بعاصمة النخيل إنشاء مركز يهودي بالمدينة، سيكون الأول من نوعه بالمغرب، وسيهتم بالتعريف بالتراث اليهودي بهذا البلد، وتقديم المساعدة والتوجيه لليهود الذين ينوون الإقامة الدائمة به.

هذا الاهتمام الذي يبديه اليهود المغاربة الذين ما يزالون يقيمون إلى جانب إخوانهم المسلمين، لم يأت من فراغ، تقول المصادر، ولكن "إشارات قوية" مصدرها من السلطات العليا بالبلاد، قد تكون من وراء تزايد هذا "النشاط" اليهودي، من أجل الاستعداد لاستقبال المزيد من ذوي الأصول المغربية من اليهود. وفي هذا السياق تُحيل المصادر على آخر تلك الإشارات التي وردت على لسان الملك محمد السادس، في رسالته الموجهة إلى المشاركين في معرض المغرب المنظم من طرف المتحف اليهودي بلندن، والتي تلاها المستشار الملك، أندري أزولاي، قبل أسابيع وتحديدا في منتصف نونبر من السنة الماضية، حين أشار الملك إلى أن ما وصفها "غريزة المحافظة على روح الوحدة والوئام، ظلت تؤكد دائما استعداد ورغبة كل المسلمين واليهود معا، لتجسيد حس وطني راسخ، بلغت أصداؤه، اليوم كما بالأمس كل القارات"، مضيفا أنه "في أوروبا والأميركيتين، كما في الشرق الأوسط، ووصولا إلى أفريقيا وآسيا، مَن مِنا لم تتح له الفرصة، ولو مرة واحدة في حياته، للقاء والاستماع، وتقاسم إحساس وسعادة واعتزاز كل هؤلاء الذين ما فتئوا جيلا بعد جيل، وهم كثيرون، يحافظون وينقلون تراثهم وتقاليدهم، وتعلقهم المتين بالمغرب، عرشا ووطنا"، في إشارة إلى اليهود المغاربة المنتشرين في بقاع المعمور.

وبالنسبة للملك محمد السادس فإن ما يصرح به "ليس موجها للاستهلاك، أو من باب الخطابة، وإنما هو نابع من المعيش اليومي لمئات الآلاف من مواطنينا، الذين قاوموا النسيان، بإرادة قوية وقناعة راسخة"، قبل أن يؤكد الملك أن مبادرة معرض لندن لن تكون الأخيرة للاحتفاء باليهود المغاربة، بل "في غضون أسابيع قليلة من الآن، ستقام تظاهرات مماثلة وتلقائية، في كل من نيويورك وباريس وجنيف، تحكي كلها عن حيوية واستمرارية وقوة مجتمعنا المتعدد الروافد، الراسخ الهوية، المتين البنيان، الذي لا تنال منه عوادي الزمان، واختلاف المكان".

مغاربة إسرائيل والولاء للملك

تشير المعطيات المتوفرة إلى أن اليهود المغاربة المتواجدين بالدولة الإسرائيلية حاليا يعتبرون ثاني أكبر جالية في إسرائيل، ويصل عددهم نحو مليون شخص، ويأتون مباشرة بعد الجالية اليهودية الروسية التي تمثل أول جالية يهودية بالدولة العبرية. وما يميز الجالية اليهودية بهذه الدولة هو أن أفرادها ما يزالون يقدمون "فروض الولاء والطاعة" لملك المغرب، في مختلف المناسبات الوطنية والدينية أيضا، التي يحتفل بها المغاربة. كما تتميز الجالية المغربية بإسرائيل، وهذا ما يثير إعجاب باقي الإسرائيليين من الأصول الأخرى المختلفة، بتماسكها وتكتلها وحفاظها على مختلف التقاليد والعادات التي يحتفظ بها اليهود الذين لم يبرحوا المغرب، على قِلتهم، وهو ما يُعزيه المتتبعون إلى أن قنوات الاتصال بالمغرب ظلت مفتوحة عبر التاريخ، حيث يقوم الآلاف من الإسرائيليين من أصول مغربية، ومنهم مسؤولون بارزون بالدولة اليهودية، بزيارة المغرب سنويا، بل إن الأمر يعتبر أكثر من مجرد زيارات سياحة أو زيارات عائلية، عندما لا يخفي الآلاف من الإسرائيليين إحساسهم وحبهم للمغرب، إلى درجة أنهم يعتبرون ملك المغرب ملكا عليهم هم أيضا، ويحترمونه تماما كما يحترمه باقي المغاربة، ويضعون صورته في بيوتهم وأماكن عملهم ومحلاتهم التجارية. ولا يتردد اليهود من أصول مغربية في تقديم طلبات إلى السلطات الإسرائيلية لتسمية ساحات عمومية وشوارع بأسماء ملوك مغاربة، تماما كما حدث مع الراحل الحسن الثاني، حيث تكشف مصادر أنه مباشرة بعد وفاة الملك الحسن الثاني، تلقت السلطات المحلية الإسرائيلية طلبات عدة لتسمية ساحات وشوارع باسم الملك الراحل، فكانت أن تمت الاستجابة للبعض منها، وأعطيت الإشارة لإطلاق اسم الحسن الثاني على ست ساحات عمومية، وهو ما حصل فعلا.

وإذا كان رئيس الطائفة اليهودية بمراكش انبرى إلى الظفر ببقعة أرضية أمدته بها السلطات المحلية -دون مشاكل وفي وقت قياسي- من أجل بناء مركز كبير يعتبر الأكبر من نوعه، من أجل مساعدة وتوجيه اليهود الراغبين في زيارة المغرب، سواء من أجل السياحة أو الاستقرار بصفة دائمة، وكذا لترميم والعناية بزُهاء 14 مقبرة يهودية تاريخية، فإنه في الآونة الأخيرة ارتفعت أصوات الطائفة اليهودية الداعية إلى الاعتراف بهم كمُكون أساسي داخل بنيان الأمة المغربية، وإلى"عدم طمس" دورهم التاريخي في الدولة المغربية منذ قرون طويلة، بل و"بتنقيح المقررات الدراسية التي تتجاهل هذا الدور"، كما يرى ذلك شمعون ليفي الكاتب العام للطائفة اليهودية بالدار البيضاء وعضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، في تصريحات منسوبة إليه، داعيا إلى "مواجهة الأفكار العدائية والإقصائية" ضد اليهود المغاربة من خلال تربية النشء المغربي، وإعداد مراجع دراسية ومقررات لتلاميذ الطور الابتدائي والإعدادي والثانوي تكون منقحة.

إلا أن هذا "التوجس" الذي أبداه هذا المغربي اليهودي لا يعكس بأي حال من الأحوال "تخوفا" يمكن أن يؤثر على رغبة العديد من اليهود في الاستقرار بالمغرب، حيث يعود المسؤول اليهودي نفسه ليؤكد في نفس التصريحات، بأنه على الرغم من الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، "فلا زالت الأقلية اليهودية المغربية بجميع تنظيماتها التقليدية المكونة من آلاف اليهود، متشبثة بمغربيتها، متمسكة ببلدها المغرب، الذي يعتبر البلد العربي الوحيد الذي تتعايش فوق أرضه طائفتان، يشكل تكاملهما محركا للتقدم، وانسجامهما دعامة لتلميع صورة المملكة التي حفظت، منذ قرون، للأقلية اليهودية حقوقها وحرياتها ومقدساتها".

العودة من أجل التنمية

هذا الإعجاب "المنقطع النظير"، تصف مصادرنا، بات يسود كل ممثلي اليهود من أصول مغربية، سواء في إسرائيل أو في "الشتات"، وهو ما يجعل عودة اليهود إلى المغرب، تكتسي طابع الرغبة في المساهمة في بناء الوطن وتنميته، أكثر منها فقط مجرد القيام بزيارة لمحطة سياحية تغري الزائرين من كل حدب وصوب. هذه الرغبة عبر عنها شمعون ليفي صراحة في إحدى تصريحاته الصحفية، عندما كان بصدد توجيه نوع من "العتاب" إلى المسؤولين المغاربة الذين "يتحاشون" الحديث عن الجالية اليهودية المقيمة بالخارج، التي تزور المغرب سنويا بالآلاف، حيث بالنظر إلى أن المغرب ذي التعداد السكاني الذي يتجاوز الـ35 مليون نسمة، يوجد منهم 5 ملايين بالمهجر، ومن هؤلاء مليون مهاجر مغربي، حسب ليفي، الذي أشار إلى أن المسؤولين المغاربة في الوقت الذي لا يدعون فيه فرصة تمر دون التنويه بالمغاربة المسلمين المهاجرين، فإنهم لا يكلفون أنفسهم عناء فعل ذلك مع المهاجرين اليهود، الذين يزورون بلدهم المغرب، ثم يعودون من حيث أتوا.

المسؤول المغربي اليهودي لا يكتفي بتنبيه السلطات المغربية إلى "غياب الاهتمام" اللازم إزاء شريحة مهمة من الجالية المغربية بالخارج، أي اليهودية، بل إنه يدعو إلى ضرورة اتخاذ "قرار حاسم"، من خلال البحث عن اليهود المغاربة و"خلق الظروف" المواتية لتسهيل عودتهم، وخاصة بالنسبة لأولائك أصحاب رؤوس الأموال وذوي الكفاءات العالية، وتوفير أجواء الاستثمار الملائمة لاستقطاب إمكانياتهم، لكن المشكل هو أن كل هذه الإمكانيات والتحفيزات، يضيف ليفي، توجه فقط إلى المهاجرين المسلمين، مع العلم أن اليهود من أصول مغربية، ينتظرون فقط الفرصة لكي يُلبوا الدعوة، بحسب المسؤول المغربي اليهودي.

الأرضية إذن موجودة؛ وطن شاسع يتسع للجميع، وجو ديمقراطي غير موجود في دول المنطقة، ورؤوس اموال وكفاءات مهاجرة تريد فقط الإشارة أو القرار السياسي الذي طال انتظاره، تقول المصادر؛ التي أشارت إلى أن مناسبة الأعياد الدينية اليهودية وغيرها من المناسبات وخاصة منها زيارة أضرحة رجال الدين اليهود المعروفين تاريخيا بالمغرب، تعتبر دليلا على "الرغبة الأكيدة" لهؤلاء في العودة والمساهمة في بناء المغرب كدولة يتمتع فيها اليهود بنفس الحقوق والواجبات. ويشهد التاريخ بأنهم انخرطوا مبكرا في بناء الدولة المغربية المستقلة، حيث مارسوا حقهم في التصويت كأحد الحقوق السياسية التي يمنحها لهم دستور المملكة، وتقلد طلبتهم اليهود الذين درسوا في الجامعات المغربية مناصب إدارية ووزارية هامة، بقي فقط على المغرب أن يعمل على حماية هذه المكتسبات، من جهة بِعدم تحديد هوية البلد بناء على اعتبارات دينية وثقافية، كإضفاء صفة البلد "الإسلامي أو العربي" على الدستور، ومن جهة أخرى بالتسريع بإجراء الاتصالات بمختلف ممثلي اليهود بالعالم، وطرح إمكانية العودة لديهم.

عودة اليهود..أي قرار؟

مصادر من صفوف اليهود المغاربة ومتتبعون يرون أن على المغرب تجاوز تلك النظرة الضيقة التي يغلب عليها طابع "المراهنة الظرفية" على ورقة اليهود المغاربة، بحيث يتعامل معها بحسب الظروف الإقليمية والعربية، وخاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. والكل يتذكر "الإقصاء" غير المبرر الذي سلكه الحسن الثاني إزاء هذه الشريحة من المغاربة، عندما نهج سياسة "اللامبالاة" نحو الآلاف من المغاربة اليهود، أثناء احتفالات الشعب المغربي بعيد العرش، مباشرة بعد الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1967، إلى أن أدرك "عدم صواب" قراره الإقصائي ذاك، واستأنف دعوة ممثلي الطائفة اليهودية إلى مختلف احتفالات الشعب المغربي، في منتصف سبعينيات القرن الماضي. على المغرب الرسمي أولا، وثانيا الشعبي والمدني، تقول المصادر، أن "يدرك" جيدا أهمية وأبعاد الدور التاريخي الذي لعبه اليهود كمواطنين مغاربة كاملي المواطنة، وتكمن بالخصوص هذه الأهمية، في هذه المرحلة الراهنة الحساسة من تاريخ المغرب، الذي تترصده فيه تحديات إقليمية تستهدف وحدته الترابية وسيادته، وتجلت في "أبشع" صورها، لمَّا تكالبت عليه قوى إقليمية في الأيام القليلة الماضية، وما تزال، تعاكس وحدته الترابية عبر إثارة المزيد من القلاقل في أقاليمه الجنوبية الصحراوية، وتغيير الحقائق، مستغلة بذلك الآلة الإعلامية، في أخبث صورها، ولا أدل على ذلك من استعمال صور أطفال فلسطين ضحايا قمع الآلة الصهيونية، كأبناء أسر صحراوية والزعم بأن السلطات المغربية تعتدي على الأطفال. إن الظرفية تقتضي بحق دعم المغرب ومساندته من طرف كل أبنائه، وفي مقدمتهم اليهود المغاربة، أي تلك الأقلية الدينية التي عاشت لقرون ولازالت تعيش إلى جانب أغلبية مسلمة، متمتعة بجميع حقوقها وحرياتها الأساسية بالمغرب، وعلى رأسها، بطبيعة الحال حرية العقيدة التي تظل "السر الجوهري والأساسي" وراء تعلق اليهود بهذا الوطن.

ويصر مصدر يهودي على القول بضرورة حاجة كل من المغرب واليهود إلى بعضهم البعض؛ فاليهود بحاجة إلى مغربهم، والمغرب في حاجة إلى كل مواطنيه بمن فيهم اليهود، لمواصلة مسيرة التنمية في إطار برنامج تعليمي يضع نصب أعينه جميع مكونات التركيبة الثقافية المغربية. وليس ذلك على المغرب بعزيز بالنظر إلى أنه بلغ "حدا من النضج في مشروعه المجتمعي"، يقول المستشار الملكي أندري أزولاي في إحدى تصريحاته، لدرجة صار معها من الممكن حاليا إجراء نقاش إيجابي، غير صدامي، حول المساهمة اليهودية فيه، وأنه يجب "التحرك" كي يسترد مغاربة الغد تاريخهم الحقيقي.

تشير تقديرات بعض المهنيين في المجال السياحي إلى أن توافد اليهود المغاربة، في السنوات الأخيرة، على المغرب بات ملحوظا ولا يمكن إخفاؤه، حتى ولو اضطرت السلطات الرسمية إلى ذلك بالنظر إلى "الإكراهات" الإقليمية ومسار السلام الذي تدور جولاته بين كل من الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي السنتين الأخيرتين فقط، قدرت بعض الإحصائيات عدد الوافدين من اليهود المغاربة إلى بلدهم الأصلين من كل من إسرائيل وفرنسا والأمريكيتين، بأكثر من 200 ألف يهودي سنويا، حجوا إلى وطنهم الأصلي من أجل إقامة احتفالاتهم الدينية في المعابد والأضرحة اليهودية المنتشرة في مدن المملكة.

وتلعب الفدرالية المغربية ليهود العالم دورا هاما في محاولة إعادة الاعتبار لليهود المغاربة المقيمين في إسرائيل، على الخصوص، من خلال ترتيب بعض اللقاءات والندوات لشخصيات إسرائيلية في المغرب، كان آخرها تريب زيارة الوزيرة الإسرائيلية السابقة ورئيسة حزب "كاديما" المعارض، تسيبي ليفني، لطنجة في السنة الماضية. وقبلها في سنة 2009، كشفت وثيقة مؤرخة نشرت مؤخرا على موقع "ويكيليكس" الشهير عن أن مشاركة الوفد الإسرائيلي في اجتماعات عقدت في الرباط، بمناسبة المبادرة الشاملة لمكافحة الإرهاب النووي، مثّلت فرصة لإعادة إحياء التواصل بين كل من المغرب وإسرائيل. وتحدثت البرقية الدبلوماسية التي وجهها مسؤولو السفارة الأمريكية بالرباط، إلى رؤسائهم في الخارجية الأمريكية، عن تعمّد أحد ممثلي وزارة الخارجية المغربية اصطحاب مسؤولة الوفد الإسرائيلي لتناول الغذاء، وتقديمها بنفسه إلى السفيرين الروسي والفرنسي، ليُظهر المسؤول أمامهما "مدى ترحيب المغرب بالحضور الإسرائيلي".

التحركات الرسمية من الجانبين ليست إلا الصورة السطحية لحركة "تنقل" متواصلة ما بين المغرب وإسرائيل ليهود مغاربة، هاجسهم تجاوز حضور احتفالات "الهيلولة" ومواسم أولياء اليهود المنتشرة أضرحتهم في هذه المدينة المغربية أو تلك، بل إن المسألة باتت تتعلق باقتناء أراض فلاحية وعقارات لتشييد منازل والاستثمار فيها، خاصة في مدن عرفت تاريخيا باستقطابها لليهود، كتطوان والجديدة والصويرة وآسفي وتارودانت وغيرها، التي ما تزال بناياتها القديمة تشهد على التواجد اليهودي بها، وما أحياء "الملاّح" وبعض المدارس العتيقة والمقابر إلا نماذج حية على تجدر هذه الطائفة اليهودية بوطنها المغرب. وفي مدينة كالصويرة، التي ينظم فيها مستشار الملك، أندري أزولاي، واحدا من أبرز المهرجانات العالمية، أصبح من غير اللافت لدى سكان المدينة انتشار "ملكيات" خاصة هنا وهناك ليهود فضلوا الاستقرار والاستثمار في "موغادور"، وهو ما جعل السلطات، حسب مصادر جمعوية بالمدينة تلجأ في السنوات الأخيرة إلى إعادة رسم خارطة جديدة لساكنة المدينة، تتماشى والإقبال المتزايد لليهود على اختيار هذه المدينة للاستقرار الدائم بها، حيث اضطرت السلطات إلى إعادة إسكان أزيد من 400 أسرة يهودية بحي الملاح، في مقابل نقل أزيد من 500 أسرة مسلمة إلى مساكن جاهزة، مقابل أثمنة تفضيلية لا تتعدى 30 ألف درهم في إطار مشاريع الحكومة المتعلقة بمدن بدون صفيح. وتهدف خطة السلطات إلى بناء مساكن لليهود على الطراز الأندلسي لإحياء هذا التراث بمدينة الصويرة التي كانت في خمسينيات القرن الماضي، تأوي لوحدها أزيد من 17 ألف يهودي، في ذات الوقت تسعى سلطات المدينة إلى تأهيل البنية التحتية لاستقبال المزيد من الوافدين الجدد/القدماء على البلاد، وعلى الصويرة تحديدا.

++++++++++++++++++++

اليهود المغاربة يشكلون سدس اليهود الموجودين بالعالم

في ظل غياب إحصائيات رسمية جديدة تحدد العدد الإجمالي لليهود المتواجدين بين ظهرانينا، سواء بشكل دائم أو مؤقت، تشير بعض المعطيات إلى أن عدد اليهود المغاربة الدائمي الإقامة بالمغرب لا يتعدى بضعة آلاف، بينما تؤكد تقديرات أخرى أن العدد في تقدم مستمر بسبب التزايد المتلاحق لهجرة اليهود من أصول مغربية، من مختلف بلدان العالم صوب المغرب.

وبحسب أرقام غير مؤكدة فإن هناك حوالي 700 ألف يهودي في العالم يحمل الجنسية المغربية معظمهم من كبار السن، وحوالي مليونين من يهود العالم هم من أصول مغربية،أي أن سدس يهود العالم الذين يصل عددهم إلى 12 مليون هم ذوو أصول مغربية.

ويتركز معظم اليهود المغاربة، خصوصا، في مدن فاس والدار البيضاء والجديدة والصويرة وتطوان وتارودانت. ويشتغلون في غالبيتهم بالأعمال الحرة والتجارة، وخاصة في قطاعات اقتصادية ذات أهمية خاصة كالذهب وقطاع السيارات والقطاع السياحي.

ويختلف موقف المؤرخين حول أصول اليهود المغاربة ما بين كونهم من بني إسرائيل (أي أبناء سيدنا يعقوب)، وبين كونهم هم أمازيغ مغاربة تحولوا عبر التاريخ إلى اليهودية، وه ما يعرف في الأوساط الإسرائيلية بـ"يوداي نكوشكوش"، أي يهود الكسكس، نسبة إلى أنهم يحملون عددا كبيرا من العادات المغربية كباقي أهل البلاد من المسلمين.

وتاريخيا انخرط اليهود المغاربة في كافة مجالات الحياة العامة، ولم تكون هناك فوارق بينهم وبين المغاربة المسلمين، حيث ظهر في الساحة الفنية العديد من الفنانين اليهود، خصوصا في النصف الأول من القرن الماضي، كملك الأغنية الشعبية آنذاك، حايم بوطبول، والفنان الكوميدي الحالي الشهير، جاد المالح، الذي حصل مؤخرا على جائزة الشخصية الأكثر شعبية في فرنسا. كما أن مهرجان كناوة الذي ينظم في مدينة الصويرة يمول من طرف رجل الأعمال اليهودي ومستشار الملك الاقتصادي أندري أزولاي.

وبحكم مكانتهم الاجتماعية المتميزة داخل المجتمع المغربي، فقد تقلد اليهود عدة مراكز حساسة، كوزارة الخارجية ما بين 1956 إلى 1960، ووزارة التعليم ما بين 1956 و1963، ومنصب رئيس الديوان الملكي ما بين 1965 حتى 1985، ومنصب مستشار ملكي سامي ما بين 1963 حتى اليوم، ووظيفة أستاذ للملك الحسن الثاني حيث درسه أحد اليهود لفترة ثلاث سنوات، ومنصب ممثل المغرب في الأمم المتحدة الذي تقلده أحد المغاربة اليهود ما بين 1957 حتى1967.

الجمعة، فبراير 18، 2011

الغرب يعتبر مظاهرات ليبيا بداية غروب نظام القذافي

أنباء عن تدخل قوات إفريقية وقتل العشرات من المتظاهرين

تساءلت صحيفة "تايمز" البريطانية عما إذا كانت المظاهرات التي تشهدها ليبيا بداية لتكرار ما جرى في كل من مصر وتونس، وستؤدي إلى رحيل النظام الليبي، أم لا.

وقالت الصحيفة، في افتتاحيتها تحت عنوان "أهو الغروب في طرابلس؟"، إن أمام الإصلاحيين صراعا خطيرا، غير أن المطالبة بالتغيير في ليبيا توضح الكثير من سياسة الغرب الخارجية، وكذلك حالة النظام في طرابلس.

وتشير "تايمز" إلى أن العقيد معمر القذافي يعد في الغرب شخصية زئبقية، غير أن صفته المتميزة في التصلب كانت دعامة له في التمسك بتلابيب السلطة منذ حكمه للبلاد عقب الانقلاب العسكري الذي قاده عام 1969.

فالأجهزة الأمنية الداخلية تتمتع بسلطات واسعة، والمنتقدون للنظام مغيبون عن الساحة، وهناك تقارير تفيد بأن السلطات قتلت نحو 1200 معتقل في سجن أبو سليم عام 1996.

وقالت الصحيفة إن الأيديولوجية المثيرة للضحك هي التي تنادي بالديمقراطية، ولكنها توفر على أرض الواقع غطاء للدكتاتورية.

وتمضي "تايمز" قائلة إن ممارسة الوحشية في الداخل جرت بالتوازي مع دعم "الإرهاب" في الخارج، مذكَرة بتفجير حانة في برلين عام 1986، وطائرة لوكربي عام 1988.

غير أن العزل الدولي لطرابلس، إلى جانب الهجوم العسكري الأميركي عليها في ثمانينيات القرن الماضي، وتطبيق عقوبات دولية، وانهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، كل ذلك ساهم في دفع القذافي إلى التقارب مع الغرب.

وتختم الصحيفة بأن ليبيا ما زالت، رغم الانفتاح على الغرب، دولة بوليسية، وأنه تمكن حماية مصالح الغرب في نهاية المطاف بالوقوف إلى جانب الديمقراطية.

في سياق ذلك أفادت منظمات حقوقية وشهود عيان وصحفيون بوقوع عشرات القتلى والجرحى في صدامات مستمرة، منذ الأربعاء الماضي، بين المتظاهرين وعناصر الأمن في عدد من مدن ليبيا، وسقط أغلب الضحايا في مدينتيْ بنغازي والبيضاء، في وقت بث فيه التلفزيون الليبي أمس الخميس صورا للزعيم معمر القذافي وهو يتجول وسط حشود في العاصمة طرابلس.

وتحدثت تقارير متواترة عن 14 قتيلا على الأقل في بنغازي الواقعة على بعد ألف كيلومتر من طرابلس، وأفادت بحرق مقار أمنية، بينها -حسب الصحفي عاصم أمبيق- كتيبة الفضيل بوعمر.

وشيعت اليوم الجمعة جنازة عشرة أشخاص على الأقل في بنغازي التي سجلت أيضا هروب سجناء من سجن شبّ فيه حريق حسب أحد الصحفيين، واعتصام آلاف أمام إحدى محاكم المدينة.

كما ترددت أنباء عن حرق المثابة الأم في المدينة وحرق مركز دراسات وأبحاث الكتاب الأخضر.

وتطورت احتجاجاتٌ ضد الفساد وسوء أحوال المعيشة، دعا إليها ناشطون على مواقع اجتماعية، إلى مواجهات دامية بدأت في بنغازي وانتقلت إلى مدن البيضاء وأجدابيا ودرنة، حيث أحرقت مقار أمنية وأخرى تابعة لأجهزة مؤيدة للنظام مثل اللجان الثورية، فيما تحدثت أنباء عن امتدادها إلى مدن أخرى كالكفرة والزنتان.

وفي البيضاء القريبة من بنغازي تحدثت منظمات حقوقية ومواقع معارضة عن 14 قتيلا على الأقل، فيما تحدث مصادر أخرى لـ"الجزيرة نت"، عن 35 قتيلا.

وسقط الضحايا الجدد في البيضاء أمس عقب تشييع جنازتي قتيلين سقطا برصاص الأمن الأربعاء، بعد حرق مقار حكومية وأمنية.

وقالت مجموعتان ليبيتان معارضتان في المنفى إن البيضاء "باتت في يد الشعب"، حيث سيطر عليها المحتجون، وانضم إليهم بعض من الشرطة المحلية.

وتواترت أنباء عن إرسال كتائب أمنية تضم عددا كبيرا من ذوي الملامح الأفريقية إلى بنغازي وأجدابيا والبيضاء لإخماد الاحتجاجات، فأطلقت، حسب ما روت مصادر للجزيرة نت، النار عشوائيا على المتظاهرين في البيضاء فأصابت مئات.

ووفق مصادر ليبية، رفضت وحدات من الأمن المركزي شرقي ليبيا إطلاق النار، بل وساعدت المتظاهرين في طرد فرق أمنية "أفريقية" قيل إنها استُقدمت مع "بلطجية" مسلحين.

ورُددت في الاحتجاجات هتافات ضد القذافي، وأحرقت، إضافة إلى المقار الأمنية ومقار اللجان الثورية، نُصُب تمثل الكتاب الأخضر الذي تعتبره القيادة الليبية الدليل الأيديولوجي للبلاد.

وحدد الخطيب عبد الله الورفللي متحدثا إلى الجزيرة، اليوم من بنغازي، بعض مطالب المحتجين وهي سحب "البلطجية" والقوات الأمنية والقوات الأمنية الأفريقية، وعزل المتسببين في أعمال القتل والسماح بالتظاهر السلمي وبوصول وسائل الإعلام المحلية والعالمية إلى المتظاهرين.

وحجبت السلطات موقع "الجزيرة نت" في كل أنحاء الجماهيرية، كما فعلت الأمر ذاته مع صفحات مجموعات الغضب على موقع فيسبوك.

وحذرت اللجان الثورية، وهي إحدى أعمدة النظام الليبي، اليوم "المغامرين" من رد قاس، وقالت إن "سلطة الشعب" والثورة وقائدها كلها خطوط حمر لن تسمح بتجاوزها.

وبالتزامن مع الاحتجاجات، نقل التلفزيون الليبي صورا للقذافي وهو يتجول وسط حشود في طرابلس، فيما بدا محاولة للتأكيد على أن الشعب ملتف من حوله، في وقت قالت فيه صحيفة مقربة منه إن ابنا له زار القوى الأمنية في الشرق، حيث وقعت أغلب الاحتجاجات، لعرض خطة تنمية.

وقالت الولايات المتحدة إن على سلطات ليبيا الاستجابة إلى مطالب المحتجين بالإصلاح السياسي، وحثتها فرنسا على وقف الاستخدام المفرط للقوة، فيما دعتها "هيومن رايتس ووتش" إلى إنهاء استهداف المتظاهرين، وفتح تحقيق مستقل في أعمال القتل.

وتجد ليبيا نفسها بين بؤرتي ثورة، حيث حملت ثورة شعبية في تونس الرئيس زين العابدين بن علي على الهرب، واضطرت مظاهرات مليونية في مصر الرئيس حسني مبارك إلى التنحي عن الحكم.

الجزيرة نت.وكالات

الثلاثاء، فبراير 15، 2011

أضرحة الرباط بدائل طبية لمستشفيات العاصمة

يرتادها مختلف المرضى والباحثات عن أزواج

نورالدين اليزيد

غير بعيد عن مستشفيات ابن سينا الجامعي والشيخ زايد والعسكري والرازي للأمراض العقلية وغيرها من المصحات العامة والخاصة، وهي المراكز الاستشفائية المجهزة بأحدث التقنيات في مجال التطبيب، تؤوي العاصمة الإدارية للمملكة، بالمقابل، عددا من الأضرحة التي ما فتئت تستقبل فئة معينة من المواطنين بقصد التداوي من أمراض استعصى على الطب الحديث إيجاد الدواء الناجع لها أو لعدم قدرة المواطن البسيط على دفع التكلفة، بينما تأبى فئة من الفتيات إلا أن تلوذ ببعض هذه الأضرحة طلبا لعريس طال انتظاره.

عرفت العاصمة الإدارية للمملكة، منذ القدم، بمآثرها التاريخية المشهورة كقصبة الوداية وشالة وصومعة حسان وأبوابها وأسوارها العتيقة المتعددة كباب الرواح وباب الأحد وغيرها، لكن ما لا يعرفه العديد من زوار المدينة، هو أن من وراء جدران العاصمة ترقد جثامين أشخاص يقال عنهم أولياء، شاء التاريخ والظروف الاجتماعية المختلفة أن يحظوا بمكانة خاصة من طرف الإنسان الرباطي الذي أبى إلا أن يُشيد لهم قبورا، تختلف قيمتها العمرانية، من ضريح إلى آخر، وهي القبور التي تحولت عبر الأزمنة المتعاقبة من تاريخ المغرب إلى أضرحة شُيدت على الطراز المغربي التقليدي، الذي يتخذ من القباب والزخرفة والنقوش مظاهر للاحتفاء بأمكنة لها من القداسة والاحترام لدى المغاربة ما يجعلهم يبرعون في جعلها تحفا عمرانية.

الأضرحة... المستشفيات!

لم تستأثر أضرحة الأولياء، بالعاصمة المغربية الرباط، باهتمام الباحث المغربي فقط، بل كانت كذلك محط اهتمام الباحثين الأجانب كالمستشرق ليفي بروفينسال الذي تحظى الأضرحة، حسبه، بمكانة خاصة جدا في التاريخ الاجتماعي المغربي، وفي كتابه «مؤرخو الشرفاء»، قال ليفي «إن المغرب له مكان الريادة على مستوى العالم الإسلامي، من حيث إيواؤه لعدد هائل من أضرحة الأولياء؛ فمدينة الرباط ونواحيها وحدها يوجد بها أكثر من عشرة أضرحة، إضافة إلى العشرات من قبور الأولياء والصالحين المنتشرة في مختلف مناطق المغرب».

وباختلاف أضرحة العاصمة الإدارية للمملكة الشريفة، تختلف أيضا «بركاتها» التي يتبرك بها الزوار القادمون إليها من أجل قضاء حاجة في أنفسهم أو الاستشفاء من مرض قد يستعصي حتى على الأطباء إيجاد دواء لعلاجه، فتغدو تلك البركات بمثابة اختصاصات، فيختص كل واحد من هذه الأضرحة في تقديم وصفة العلاج المناسبة للحالة المعروضة عليه، وهي الوصفة التي قد لا تكلف غير أداء ثمن بعض الشموع.

فأضرحة سيدي اليابوري وسيدي العربي بن السايح وسيدي القجيري وسيدي بومجيمر وسيدي الحاج بن عاشر وسيدي عبد الله بن حسون وسيدي موسى، وغيرها من الأضرحة التي تتوزع على العدوتين الرباط وسلا ونواحيهما، كلها أماكن يحج إليها الزوار من المدينتين ومن خارجهما، إن لم يكن ذلك طمعا في جلب عريس لعانس أو حظ لتعس أو لطلب العافية من مرض، فعلى الأقل من أجل راحة نفسية لم يجدها أشخاص حتى في صالونات عيادات مكيفة لأطباء نفسانيين، كما صرح بذلك أكثر من شخص.

بحث عن عريس!

يثير انتباه مرتادي الساحل الأطلسي بمدينة الرباط، بالقرب من قصبة الوداية التاريخية، توافد زوار على ضريح حيث يرقد جثمان شخص يدعى سيدي اليابوري، والذي شُيد بجانب البحر ليظل عبر السنين مزارا للعوانس من الفتيات بقصد الاغتسال بمياهه لجلب السعد، الذي ليس إلا زوجا يحول دونه الحاسدون والسحرة، تقول «سعيدة» الثلاثينية، والتي لم ترفض الحديث إلى «المساء»، وإن ألمحت إلى أن الاسم الذي أدلت به غير حقيقي. وأقسمت بأن «بركة» سيدي اليابوري هي من أنقذت إحدى صديقاتها من أن تبقى «بايرة»، عندما تزوجت من مغربي مقيم بإيطاليا، ولتعيش معه هناك إلى جانب ابنهما، بعدما كانت مواظبة على زيارة هذا الضريح كل يوم أربعاء والاغتسال بمائه.

وتحكي روايات الزوار أن الاغتسال بمياه «الولي» جزئيا أو كليا، إن استطاعت الزائرة إلى ذلك سبيلا داخل الضريح يوم الأربعاء، سيجعلها تتخلص من السحر أو العين فتضحي الطريق سالكة أمام فتى الأحلام ليخطب ود هذه الفتاة. وبالإضافة إلى بركة منح الأزواج فالضريح كذلك معروف بأنه يزيل «التثقاف» وهو السحر الذي يحول بين المرء وزوجه فيجعل العلاقة الزوجية تفتقد إلى المعاشرة الطبيعية.

وتتناسل بالعاصمة الإدارية العديد من الأضرحة، التي تعرف حركات دؤوبة من قِبل الزوار، بينما تجد مريدات بلغن من العمر عتيا، يشرفن على تنظيف فضاءات تلك الأضرحة، مقابل الاستحواذ على بيع الشموع بأبوابها للزوار، الذين لن يشفع لهم عالمنا المتطور اليوم بطرق أبواب هذه الأضرحة؛ فالناس ما زالوا يتجهون إلى الممارسات غير المفهومة ويدمنون عليها، كما يورد الدكتور مصطفى أخميس، في كتابه «طقوس وأسرار أضرحة الدار البيضاء»، الذي يوضح أيضا أنه سوف تتواصل العادة لسنوات مقبلة، لأن هذا في واقع الأمر نتاج ما انغرس في نفوس الناس منذ صباهم، «قدسية» الضريح.

عيادات للطب النفسي

لم تعر امرأة تحمل بين ذراعيها رضيعا في ربيعه الأول، وهي تجتاز باب سيدي القجيري الكائن في زقاق مزدحم بالمارة بالعاصمة، أي اهتمام لسؤالنا لها حول دواعي زيارتها لهذا الضريح، ولكن بائعة الشموع المتدترة برداء أخضر فاقع لونه، والجالسة القرفصاء أمام الضريح تكفلت بالإجابة. حسب رأيها فإن سيدي القجيري يشفي من «العوّاقة» التي تصيب حلق الأطفال الصغار، بالإضافة إلى أمراض أخرى يكون الرضع عرضة لها؛ ذلك ما يظهره المكان الممتلئ بالنساء الحاملات بين أيديهن رُضعا، منهم كثيرون يصرخون، وكأنهم بذلك يحتجون ضد فناء الضريح هذا الذي تعمه الفوضى، حيث أزبال متناثرة هنا وهناك وقطط بئيسة تثقل الخطى في اتجاه قاذورات علّها تجد بها ما يسد الرمق، بينما كلب ضال يقف عند الباب غير آبه بزوار ألِف وجودهم بالمكان.

في «السويقة»، بالمدينة القديمة أيضا، وبمحاذاة أحد الأسوار الأثرية التي تفصل هذه المدينة عن شارع الحسن الثاني النابض بالحيوية، تكثر الحركة، خاصة بعد توقيت العصر. ورغم أن سكان مدينة الرباط ألفوا المرور أمام هذا الضريح أو ذاك، إلا أن العديد من هؤلاء لا يجد أدنى حرج في وصف «سيدي بومسيمر»، بأنه مُشفي الجرب والعديد من الأمراض الجلدية الأخرى. ويسترسل إدريس وهو أحد الباعة المتجولين، يروج بضاعته بالقرب من ضريح بومسيمر، في سرد حالات أتت إلى المكان للتبرك فنفعتها البركة. وألح البائع على ذكر حالة شخص قريب له كان مجرابا، فاقترح عليه هو نفسه زيارة الضريح فكان له الشفاء.

وعلى الضفة الأخرى لنهر أبي رقراق، وبالقرب من حي شعبي بمدينة سلا، يرقد «سيدي الحاج بن عاشر»، الذي أحيط ضريحه بمقبرة لموتى سكان المدينة. قبته المبيضة بالطلاء باتت إحدى مكونات المقبرة في ذاكرة زوارها، والذين لا يترددون في التبرك في الغالب بالضريح بعد أن يُعرجوا على الترحم على فقيد مدفون هناك. ولكن زيارة هذا الولي أفضل بكثير من زيارة الفقيد، يقول «السي محمد»، الذي قدم نفسه على أنه حفيد الحاج بن عاشر، وأحد الساهرين على العناية بضريحه. وحسب هذا الحفيد فالضريح قبلة للمجانين والمرضى نفسيا وحتى الصبيان منهم المصابين بمرض «الجعرة»، فإن الولي ينفعهم ببركته، ويكفي بالنسبة للمراهق المجنون أن يعكف على التمسح بجدران الضريح الداخلية، وأن تضع أم الصبي صبيها بإحدى نوافذه ثم تنبري تطوف حول الضريح، ليأتي الصرْع، فيخرج الجن من المصاب ويتعافى من مرضه، يروي حفيد هذا الولي.

طقوس غريبة

كانت كل التحركات والإقبال المكثف للزوار على ضريح سيدي موسى الكائن بالحي الذي يحمل اسمه والمطل على المحيط الأطلسي، قُبيل العصر في هذا اليوم الاثنين، تشي بالاستعداد لشيء ما سيحدث؛ الزوار معظمهم من النساء والكثيرات منهن فتيات بلباس عصري. وغير بعيد، مقابل الضريح ببضعة أمتار، احتشد بعض الشباب الذين يحملون غيطة وطبولا، وإلى جانبهم آخرون يخوضون في عزف معزوفات من تراث «كناوة»! وسرعان ما بدأ أصحاب الغيطة هم الآخرون في تقديم عروضهم، فلم يكونوا غير فرقة «حمادشة»، التي تنشط هنا عصر كل اثنين احتفاء ب«رجال البلاد»، في هذا المكان ذي الجغرافيا الرائعة على ضفاف الأطلسي، الذي أبى الراقد هنا «سيدي موسى»، وإلى جانبه «عائشة البحرية»، إلا أن يختاراه، قبل قرون من الزمان، للإقامة، حيث لم يعيشا ما يعيشه اليوم المغاربة من مشكلات مع ضيق الوعاء العقاري المخصص لدفن موتى المسلمين. يرتفع صوت الغيطة وقرع الطبول ويتكاثف الزوار على شكل حلقات فاغرين أفواههم يتابعون عروض «حمادشة» و«كناوة»، بينما فتيات ونسوة عجائز أخذتهن الجذبة التي يصل إليها الشخص عندما يندمج جسدا وروحا مع إيقاعات الحضرة؛ إنها لحظة الذروة بالنسبة للمصابات بعين أو حسد أو سحر، فيحول دونهن والعريس الموعود حائل، وبالحضرة سيتم لفظ «الدْيار» أو «السحر»، تقول فتاة تراقب شقيقتها التي تخوض في جذبتها، والتي تأتي منذ أسابيع عدة إلى نفس المكان من أجل نفس الطقوس علّ ذلك يخفف من معاناتها وأزماتها النفسية، فليست هنا بقصد البحث عن عريس، كما تقر أختها، وإن كانت معظم الفتيات يأتين لهذا الغرض، ولكنها تواظب كل اثنين على حضور عروض «حمادشة»، فقط للترويح عن نفسها بالحضرة.

وبينما كانت الأجساد الذكورية والأنثوية تتزاحم مشرئبة بأعناقها إلى داخل «الحلْقة»، كانت فتيات عديدات منهن من ترافقهن أمهاتهن، يتجهن نحو صخور منحدرة نحو مياه المحيط؛ منهن من تحمل ديكة حمراء وسوداء، ومنهن من اكتفت بقوارير ماء الزهر وشموع وحناء، قاصدات عائشة «مولات المواج» مانحة الأزواج. وعند منحدرات تلك الصخور يطالعك شباب تبدو ملامحهم كملامح ذوي السوابق الإجرامية، يسارعون إلى مساعدة هؤلاء الفتيات على النزول إلى المنحدر فينحرون أمامهن تلك الديكة ويدمدمون بكلام لا تعرف منه إلا القليل، ثم يطالبون الفتيات ب«الفْتوح»، أي القليل من المال بعدما يأخذون الذبيحة، ثم يطفقون إلى توديع هؤلاء الفتيات، وقد أخبروهن بقضاء حوائجهن من طرف «جدِّهم سيدي موسى وجدَّتهم عائشة البحرية».

وغير بعيد عن هذه المنحدرات يثير انتباه الزائر رجالٌ يلتفتون التفاتة الوجلين، يمينا ويسارا، ثم يختفون فجأة وراء صخرة من الصخور ليظهروا بعد فترة قصيرة؛ إنهم يقصدون المكان أيضا للاستشفاء من مرض اسمه الضعف الجنسي، والوصفة، كما روى أحد الذين يشتغلون بها، هي بيع هؤلاء المرضى سمكا صغيرا اصطادوه بالقرب من عائشة البحرية، فيضع المريض الواحدة من هذا السمك على عضوه التناسلي، ويحكه بها ثم يرمي بها في البحر، ليكون ذلك كافيا لاستعادة فحولته، حسب هؤلاء الصيادين للسمك والبشر.

المساء : 05 - 05 - 2009