رغم أن البعض يعتبرها بداية لـ"حملة تطهيرية" جديدة إلا أن محاكمة الرئيس السابق للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، محماد الفراع، اعتبرها البعض لا تنسجم وما تتطلبه المرحلة من حزب لمحاربة ناهبي المال العام ووقف نزيف نهب الثروات الوطنية، مما يستوجب الإسراع بمنح القضاء سلطة مستقلة كفيلة بالضرب على أيدي العابثين بمالية الشعب
"عدم متابعة بعض المسؤولين يثير الاستغراب"
يتساءل المرء بحرقة عما إذا كانت محاكمة الرئيس السابق للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، محماد الفراع، نهاية الشهر الماضي، بداية محاكمة ناهبي المال لاسيما أن المحاكمة جاءت في وقت يشهد فيه المغرب حراكا سياسيا واجتماعيا غير مسبوق بسبب انبثاق حركة 20 فبراير من رحم الشبكة العنكبوتية على غرار حركات أخرى عربية مطالبة بمحاربة الفساد ومحاكمة ناهبي الأموال العامة. إنها الحركة الشبابية التي رفعت ضمن ما رفعته من شعارات في مظاهراتها الاحتجاجية المتواصلة، عدم الإفلات من العقاب، والفصل بين السلطة والمال وعدم استغلال النفوذ، وهي الشعارات التي تفاعلت معها إيجابا أعلى سلطة بالبلاد إلى درجة أذهلت كل المراقبين، عندما خرج ملك البلاد في خطاب 9 مارس مبشرا بـ"ثورة" حقيقية على الدستور الذي ظل جامدا منذ سنة 1962، وليعلن عن رزنامة إصلاحات على رأسها تمتيع القضاء بسلطة مستقلة وتفعيل مبدأ الحكامة الجيدة ومعاقبة المتورطين في سرقة المال العام.
حملة تطهيرية لكن..
حكم غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بملحقة محكمة الاستئناف بسلا، يوم الخميس 31 مارس، على الفراع بعقوبة أربعة سنوات سجنا منها 30 شهرا نافذا وموقوفة التنفيذ في الباقي وغرامة مالية قدرها 10 آلاف درهم، بقدر ما جعل البعض يبدي تفاؤله بكون القضاء اتخذه مجراه أخيرا في اتجاه الضرب على أيدي العابثين بمال هذا الشعب الفقير، بقدر ما أدى إلى مفاجأة كثيرين واندهاشهم من الحكم بالنظر إلى ما أسموه "تساهلا" غير مبرر مع أحد أكبر ناهبي المال العام، بحيث في الوقت الذي تقدر فيه الأموال المنهوبة أو المختلسة من التعاضدية بأزيد من 117 مليار سنتيم، لم تحكم المحكمة على الفراع إلا بإعادة مليار واحد، في حين أن دفاع التعاضدية طالب المحكمة بأداء المتهم
مبلغ 117 مليارا و75 مليون سنتيم لفائدة التعاضدية التي كان يرأسها، وتعويض قدره 50 مليار سنتيم.
تخوف الفريق الثاني يكاد يجد له ما يكفي من المبررات خاصة أن الجهات القضائية ظلت في منأى عما يحدث من نزيف ميزانيات مؤسسات الدولة وكأنها غير معنية تماما بما يقدمه المجلس الأعلى للحسابات من تقارير سنويا، تثبت بما لا يدع مجالا للشك تورط العديد من المسؤولين ومدراء مؤسسات عمومية مهمة، على غرار تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2008 الصادر قبل أزيد من سنة، والذي أبان عن اختلاس وتبذير ما يزيد عن 600 مليار سنتيم من ميزانية المكتب الوطني للمطارات، على عهد المدير العام السابق عبد الحنين بنعلو، الذي رصد قضاة المجلس للحسابات إلى أي حد كان هذا الشخص يستهتر بالمال العام في سبيل إرضاء فقط حبه وتطلعه إلى امتلاك بعض الكماليات، حيث أورد تقرير المجلس أن بنعلو لم يتردد في اقتناء سجائر كوبية وعطور وحقائب من ماركات عالمية مختلفة، من محلات تجارية بمطار محمد الخامس معفاة من الضريبة، بقيمة مالية تجاوزت 60 مليون سنتيم، دفعها المكتب باعتبارها مشتريات للمؤسسة. كما اشترى المدير السابق أيضا 239 مليون سنتيم من الهدايا الفاخرة عبارة عن حقائب للكولف وسلع فضية وأخرى من البورسلين و الكريستال.
وبحسب هذا الرأي الأخير فإنه يبدو أن قضاءنا لا يريد تحريك هذه البركة الراكدة إلا في مناسبات بعينها ليكتسي طابع "التطهير" صفة الموسمية، لاسيما أن إثارة ملفات عدة من الفساد الإداري والمالي على مختلف محاكم المملكة، جاءت متزامنة بما يعرفه الشارع العربي والمغربي، خصوصا، من غليان أدى إلى الإطاحة بأنظمة سياسية لم يكن حتى أكثر الناس تفاؤلا يتوقع انهيارها بتلك الصورة، وهو الانهيار الذي لم يأت من فوهات البنادق أو نتيجة انقلابات بيضاء بل فقط نتيجة ترديد أفواه المتظاهرين؛ "كفى فسادا".
القضاء..فقدان الثقة..
تحرُّك محمد الناصري، وزير العدل المغربي الأخير، الذي وجه مذكرة إلى الوكلاء العامين بمحاكم المملكة للتعجيل بالمساطر الإجرائية فيما يخص ملفات الفساد المالي، لم يأت نتيجة اقتناع المؤسسة القضائية ببلادنا بجسامة وخطورة هذه الملفات التي تفوح منها رائحة الفساد والتي ظلت منذ وقت ليس باليسير تنتظر القول الفصل للعدالة، يقول المشككون في طريقة التناول القضائي لملفات الفساد الإداري والمالي، ولكنه تحرك أملته الظرفية الحالية والموجة العاتية من انتفاضات الشعوب العربية -والشعب المغربي منها طبعا- ضد "الحُكرة" والفقر والتهميش بسبب غياب تقسيم عادل لثروات البلاد، واستشراء الفساد في ظل قضاء غير مستقل وغياب تام لمحاسبة كبار المسؤولين. ليتساءل هؤلاء المشككون هل أن دعوة وزير العدل للوكلاء العامين بالتسريع في النظر في هذه الملفات، سواء تلك التي سبقت أن أحيلت عليهم مباشرة، أو من خلال المجالس الجهوية للحسابات، وتلك التي بقيت متراكمة، إما لدى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، أو لدى الشرطة القضائية المحلية، هل هذه الإجراء سيذهب إلى أبعد حدود العدالة النزيهة وإماطة اللثام عن طرق تبذير المئات من ملايير هذا الشعب المعدوم، أم أن الأمر يتعلق فقط بخطة عمل تطلبتها المرحلة، مما يقتضي الإطاحة ببعض رؤوس الفساد دون قطف كافة الرؤوس التي لا يستطيع قضاة محاكم المملكة الشريفة استدعاءها للتحقيق معها، وهو ما سبقته إشارات "قوية" تجلت إحداها في فصل قضاة عن العمل، في إطار الصراع الذي يخوضه لوبي الفساد الذي لا يريد إصلاح القضاء؟
وفي الواقع فإن الحذر والشك الذي أبداه العديد من المتتبعين في طريقة تعاطي القضاء مع ملفات الفساد، وخاصة عند النطق ابتدائيا في ملف التعاضدية، يجد له ما يبرره خاصة في ظل حديث متواصل، حتى قبل خروج حركة 20 فبراير إلى الشارع و"خروج" الملك في 9 مارس، أي منذ أزيد من عقد من الزمن عندما رفع العهد الجديد، شعارات من قبيل "الحكامة الجيدة" و"محاربة الفساد". كما يجد لذلك التبرير الكافي والأكثر مدعاة إلى الشك والريبة، في هذا التلكؤ في التسريع بإصلاح جهاز القضاء، الذي تؤكد كل التقارير الحقوقية وغير الحقوقية، الوطنية والدولية، على عدم نزاهته، وهو ما يترجم بشكل لا يدع مجالا للشك فقدان المواطن ثقته في هذا القضاء، الذي تشير معطيات لا تكاد تحصى مدى تسخيره كأداة لخلخلة المشهد السياسي الوطني، كما جرى مؤخرا فقط عندما تم استعماله للزج بالمستشار الجماعي والقيادي في حزب العدالة والتنمية، جامع المعتصم، في السجن بسبب ما قيل أنه تورط في ملفات فساد عقاري، قبل أن ينكشف الأمر ويتضح أن حزب الأصالة والمعاصرة، هو من كان وراء "تلك الطبخة" في مطبخ قضائنا، بعد تدخل أطراف من سلطات القرار على الخط، وهو ما تجلى من خلال الإفراج عن المعتصم، لا بل وتوجهه مباشرة بعد خروجه من سجن الزاكي بسلا إلى القصر الملكي بالرباط لتسلمه ظهير تنصيبه عضوا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وليُطرح السؤال الطبيعي، ما قيمة ودور ذاك القاضي وأمثاله مِمَن يوعز إليهم بالتعليمات بتلفيق التهم إلى أمثال المعتصم، قبل أن يأمروا بالإفراج عنهم؟ وهل في ظل مثل هذه التصرفات غير المحسوبة يمكننا محاربة ملفات فساد تنوء من ثقلها الجبال؟
الدعوة إلى اللانتقائية..
الشك والريبة يكادان يذبان في أوصال كل متتبع هذه الأيام، أولا بسبب فقدان الثقة في قضائنا، وثانيا في التأثيرات السياسية التي تعصف بكل محاولة في اتجاه وضع سكة القضاء في مسارها الطبيعي والصحيح؛ والبعض يضرب كمثال على هذا "التهاون" أو لنقل "التردد" في تطبيق القانون ومبادئ العدالة، هذا التباطؤ في التعامل مع تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2008، الذي تطلب مرور أزيد من سنة على صدوره قبل أن يحرك التحقيق في تلك الملفات، رغم أن المجلس الأعلى للحسابات أحال على وزارة العدل عددا من الملفات من أجل مباشرة المتابعة بشأنها، وأحالتها بدورها على النيابة العامة، لكن وبفعل "فاعل" فإن بعض الملفات لم يكتمل فيها التحقيق بعد، كما هو الشأن بالنسبة لملف المكتب الوطني للمطارات، الذي أحيل على النيابة العامة منذ شهر يوليوز سنة 2010، ومازال يراوح مكانه ولم ينته التحقيق بعد فيه.
فهل يمكن القول أن الإشارات التي جاء بها الخطاب الملكي في 9 مارس الماضي كانت كافية لمحمد الناصري لكي ينفض الغبار على العشرات من ملفات الفساد التي ظلت في رفوف المحاكم تنتظر النظر فيها؟
البعض يرى أن وزير العدل المغربي محمد الناصري، كما هم سابقوه، أبانوا عن قدرة هائلة للتفاعل السياسي مع الأحداث الجارية ببلادنا، بل وانخراطا في صراعات حزبية غير مبررة بحكم إشرافهم على جهاز مفروض فيه الاستقلالية التامة. لكن الظرفية الحالية، كما يرى جانب متفائل من المتتبعين، هي غير كل الظرفيات والمناسبات، يقول هؤلاء، فالمرحلة التي تجتاز فيها المنطقة العربية ظروفا صعبة أدت إلى تغيير أنظمة سياسية ظلت جاثمة على صدور مواطنيها بقبضة حديدية، بينما أنظمة أخرى في طريقها إلى زوال، هي مرحلة تحتاج إلى أكثر من مجرد تقديم وعود للاستهلاك الخارجي ومغازلة تقارير المنظمات الدولية ولاسيما منها النقدية والمالية، الداعية إلى إصلاح الإدارة والقضاء. إنها مرحلة ينبغي لها حقا، على مستوانا الوطني على الأقل، أن تبلور على أرض الميدان إلى واقع ما ظل "العهد الجديد" يرفعه من شعارات. ولعل ذلك ما جعل وزارة الناصري تسارع إلى تفعيل ما بدأته في سنة 2010 عندما أمرت الوزارة بأن يأخذ 11 ملف فساد مسارهم الطبيعي في التقاضي، من بينهم ثمانية في التحقيق التمهيدي وثلاثة أمام قاضي التحقيق ومن ضمنهم ملف المكتب الوطني للمطارات، الذي أثار جدلا واسعا في السنة الماضية؛ حيث أكد التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات وجود اختلالات في تسيير وتدبير هذه المؤسسة. وفي نفس السياق توصل الناصري بملف من الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات بخصوص مؤسسة القرض العقاري والسياحي، والذي حوله بدوره إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية عن طريق الوكيل العام للملك.
لكن مسطرة الإحالة يشوبها عيب إجرائي ينبغي تداركه، كما يرى ذلك، رئيس الهيأة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب طارق السباعي، في إحدى تصريحاته، بحيث "يجب أن تكون مسطرة الإحالة فورية ومن الوزارة الوصية، أي وزارة الداخلية دون انتظار تعليمات وزير العدل باعتباره رئيسا للنيابة العامة، لتجنب البيروقراطية العقيمة والاعتبارات السياسية والتخفي وراء الحصانات الظاهرة منها والخفية"، ولتفادي أيضا "الانتقائية في الإحالة" التي تظل السمة الغالبة في تناول هذه الملفات، في ظل "تماطل الحكومة في محاربة الفساد وتفعيل آليات الحماية، وإصلاح القضاء وإعلان التصريح بالممتلكات، واتخاذ تدابير صارمة في مجال المراقبة القبلية والبعدية للمال العام وتفعيل مؤسساتها".
أراضي صدويا..الوزيعة!
أثارت عملية تفويت أراضي الشركتين الفلاحيتين، "صوديا" و"سوجيطا"، الكثير من الأسئلة حول مدى احترام شروط ومساطر تفويت المرفق العام، خاصة بعد ردود الفعل الاجتماعية الخطيرة التي خلفتها عمليات تفويت الأشطر الثلاثة الأولى، التي شُرع في تنفيذها قبل أزيد من خمس سنوات. هذه النتائج الاجتماعية التي تجلت بالخصوص في فص المئات من العمال الزراعيين من عملهم، في وقت تنص فيه بنود دفاتر تحملات التفويت على عكس ذلك، أي تشغيل مزيد من اليد العاملة وتحسين الأوضاع الاجتماعية، فمن المسؤول عن هذه الأوضاع الاجتماعية المتردية، بحسب ممثلي العمال، التي خلفتها عمليات التفويت التي تمت لحد الآن؟
اللائحة التالية، التي أعدتها الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب، تكشف عن أسماء لا علاقة لها بعالم الفلاحة، لكنها استفادت من توزيع الآلاف من هكتارات أجود الأراضي الفلاحي؛
- علي بلحاج - حزب رابطة الحريات 450 هكتارا
- المحجوبي أحرضان - حزب الحركة الشعبية 328 هكتارا
- رحو الهيلع - حزب التقدم والاشتراكية سابقا والأصالة والمعاصرة حاليا؛ 609 هكتارا
- بودلال بوهدود - حزب التجمع الوطني للأحرار 380 هكتارا
- عبد الرزاق مويسات - حزب الاتحاد الاشتراكي 200 هكتارا
- محمد تلموست - حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية 123 هكتارا
- ميلود العلج - حزب الاستقلال 138 هكتارا
- عبد السلام البياري - الاتحاد الدستوري 165 هكتارا
- مولاي البشير بدلة - التجمع الوطني للأحرار 77 هكتارا
- عياد بنعلي - حزب الحركة الشعبية 302 هكتارا
- خالد برقية - حزب الحركة الشعبية 1082 هكتارا
- محمد برقية - حزب المؤتمر الوطني الاتحادي 88 هكتارا
- لحسن بوعود - حزب الحركة الشعبية 816 هكتارا
- طارق القباج - حزب الاتحاد الاشتراكي 339 هكتارا
- بوعمر تغوان - حزب الاستقلال 153 هكتارا
- مولاي إسماعيل العلوي - حزب التقدم والاشتراكية ضيعة بالغرب تقدر بالعشرات من الهكتارات.
خسارات بالملايير..
هذه لائحة لعدد من الاختلاسات المعلن عنها رسميا؛ والتي أقرتها مختلف أجهزة الدولة منذ سنة 2000، بعد تحقيقات وجمع معطيات للجن تقصي الحقائق؛
+ صندوق الوطني للضمان الاجتماعي: بـ 115 مليار درهم.
+ المكتب الشريف للفوسفاط: 10 مليار درهم
+ شركة كوماناف: 400 مليون درهم
+ المكتب الوطني للنقل: 20 مليون درهم
+ الخطوط الجوية الملكية: قضية مدير عام سابق للخطوط الجوية الذي اختلس مليار سنيتم، إضافة إلى تبذير مبالغ مهمة على صيانة الطائرات بالخارج.
+ مكتب التكوين المهني؛ فقد تم الاحتيال على مبلغ 7 ملايير سنيتم في إطار برنامج العقود الخاصة للتكوين.
+ وكالة المغرب العربي للأنباء: 1.76 مليون درهم
+ المطاعم المدرسية: 85 مليون درهم
+ جمعية مطاحن المغرب: اختلاس مليار و900 مليون سنتيم.
كذلك الأمر بالنسبة للاتحاد الوطني للتعاونيات الفلاحية المغربية، الذي أكدت بخصوصه المفتشية العامة للمالية وجود اختلالات خطيرة في تقرير الإفتحاص رقمIGF/3342، والذي أنجز بطلب من وزارة الفلاحة في ماي 2002.