الجمعة، أبريل 08، 2011

شركة النقل العمومي "ستاريو" تطالب بالملايير لإنقاذها من أزمتها المالية

بعد سنتين من بدء تسييرها لمرفق النقل العمومي بالعاصمة الرباط والنواحي تعيش شركة "ستاريو" أزمة مالية جعلت مسؤوليها يُقرون بكونهم تسرعوا في مباشرة التدبير المفوض حتى قبل إعدادهم لمخطط عمل لائق، بينما "تُورط" مصادر من الشركة السلطات الولائية وتحديدا الوالي العمراني في الدفع بالشركة إلى البدء في العمل قبل الأوان، والنتيجة أن الشركة اليوم لم تف بما اتفقت مع السلطات عليه، وبعد سنتين من العمل لم تستطع توفير إلا 200 حافلة جديدة بدل 400

"الشركة لم توفر إلا نصف عدد الحافلات المتضمن في دفتر التحملات"

في شهر أبريل المقبل تكون شركة التدبير المفوض للنقل الحضري بالعاصمة الرباط والنواحي "ستاريو" قد أمضت سنتين، بالتمام والكمال، على بداية "تدبيرها" لهذا المرفق الحيوي، بأسطول جديد من الحافلات، كما وعد بذلك مسؤولوها ووقعوا عليه في دفتر التحملات، وهو ما لم يتم احترامه من طرف مسؤولي هذه الشركة الفرنسية، التي تمر حاليا بأزمة مالية "خانقة" يُنتظر أن يتم الحسم فيها من قبل مجلس مدينة الرباط، في الأيام القليلة المقبلة.

الأزمة التي تتخبط فيها الشركة الفرع في المجموعة الفرنسية العملاقة "فيوليا"، جعلتها لا تفي بمقتضيات دفتر التحملات الذي أمضاه مسؤولوها في فبراير من سنة 2009، لنيل التدبير المفوض لمرفق النقل العمومي، كما أشار إلى ذلك تقرير أعده أحد مستشاري المجلس المحلي للعاصمة، والذي (التقرير) من المقرر أن يثير "نقاشا ساخنا" في الأيام المقبلة، ويزيد بالتالي من "أعباء ومحن" عمدة مدينة سلا التجمعي نورالدين الأزرق -الذي تُوجه إليه هذه الأيام أصابع الاتهام في ملفات فساد أخرى- باعتباره المسؤول عن السلطة الموكول إليها السهر على تتبع تطبيق مقتضيات دفتر تحملات التدبير المفوض للنقل الحضري بالعاصمة الرباط وسلا وتمارة والنواحي.

ويلاحظ زائر العاصمة الرباط هذه الأيام عودة طوابير المواطنين الذين ينتظرون حافلات الشركة التي تتأخر عن مواعيدها، وحتى إذا أتت فإنها تكون مكتظة في الغالب، هذا إذا توقفت في مختلف محطات العاصمة الرباط أو تمارة أو سلا، لأنها في الغالب لا تتقيد بضرورة التوقف بمحطات الوقوف، ليظل المواطنون منذ سنتين يعانون من حرق الأعصاب، ومن تأخر في الالتحاق بمقار عملهم أو من أجل قضاء حوائجهم في الوجهات التي يأمونها، وليبقى السؤال بالتالي مطروحا؛ متى ستتم محاسبة "المتورطين" في تمرير صفقة التدبير المفوض للنقل العمومي بعاصمة المملكة؟

صفقة "مشبوهة"

تشير مصادر مطلعة إلى أن التقرير المتداول حاليا لدى البعض من مستشاري مجلس العاصمة، والذي كان من وراء إنجازه رئيس مقاطعة جماعة اليوسفية والمستشار بمجلس الرباط، إبراهيم الجماني، وصاحب شركة "الكرامة" للنقل العمومي الذي ترك قبل سنتين، إلى جانب شركات أخرى، مهمةَ تدبير مرفق النقل لـ"ستاريو"، يتضمن (التقرير) "صك اتهام" للشركة ومستشارين جماعيين بل ومسؤولين من إدارة التراب الوطني، حول "تورط" هؤلاء في "صفقة مشبوهة"، تصف مصادر مطلعة، ما تزال تثير الكثير من الغموض حول طريقة تفويت تدبير هذا المرفق المهم، في الوقت الذي كانت فيه أزيد من 7 شركات محلية تلبي طلب المواطنين. بل إن من هذه الشركات من كانت شرعت في تجديد أسطولها، كما هو الشأن بالنسبة، لشركة الكرامة المملوكة لإبراهيم الجماني، التي كانت تسلمت، عشية بدء شركة "ستاريو" العمل، بمقر شركة إيزيزار IRIZAR بمدينة الصخيرات، الدفعة الأولى من حافلات فولفو B7 RLE ذات المواصفات الدولية والبالغ عددها الإجمالي 150 حافلة، في سياق "انخراط شركة الكرامة، للنقل الحضري، الكامل في سياسية التنمية الاقتصادية للمغرب التي أعطى انطلاق أوراشها العظمى الملك محمد السادس"، كما صرح في حينه مدير الشركة الجماني، قبل أن يفاجأ هذا الأخير بكون الشركة الفرنسية "ستحتكر" تدبير مرفق النقل العمومي بالعاصمة الرباط.

رائحة "الطبخة"/الصفقة "المشبوهة" التي تم تمرير تدبير القطاع إلى "ستاريو" بدأت رائحتها تفوح منذ أن شرعت هذه الأخيرة في العمل، في أبريل سنة 2009، حيث أصيبت العاصمة والنواحي بشبه شلل في حركة نقل المواطنين، بسبب غياب أو قلة الحافلات. وتم تنظيم وقفات احتجاجية هنا وهناك، زاد من تأجيجها انضمام المستخدمين المطرودين إلى قوافل المحتجين على الشركة الجديدة، بسبب ما رأوه وقتها بأنه "تراجع وعدم التزام" مسؤولي الشركة بما التزمت به في دفتر التحملات الذي تم توقيعه في فبراير من تلك السنة مع ولاية الرباط وشركة "فيوليا" الفرنسية للنقل، بمقتضى عقد يمتد إلى 15 سنة.

مشروع على ورق..

التزمت الشركة الفرنسية بأنها ستضخ أزيد من ملياري درهم، متعهدة بتجديد الأسطول وإعطاء الأولوية لتشغيل عمال القطاع، حسب احتياجات الشركة، والتي كانت تصل في بداية انطلاق المشروع إلى 3200 فرصة عمل، حسب ما جاء في أول ندوة صحفية لمسؤولي الشركة إلى جانب والي العاصمة، أعطيت الأولوية لـ1800 أجير أمضوا عقودا للعمل داخل الشركة الجديدة، كدفعة أولى من المستخدمين في انتظار التحاق زملاء آخرين بهم. الشركة التي ساهمت فيها مجموعة "بوزيد" بنسبة 28.06 بالمائة ومجموعة "حكم" بنسبة 20.90 بالمائة، بينما مجموعة "فيوليا" الفرنسية عاد لها نحو 51.40 بالمائة من أسهم هذه الشركة، وعدت بتشغيل حوالي 3200 مستخدم، وهم العمال المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، من بينهم حوالي 370 مستخدما من الوكالة المستقلة للنقل الحضري، في الوقت الذي يقول فيه ممثلو شغيلة القطاع بأن عددهم يبلغ نحو 5 آلاف عامل، منهم حوالي 1500 أجير غير مصرح بهم، والذين كان مصير جلهم التشريد.

مسؤولو الشركة ووالي ولاية الرباط حسن العمراني كشفوا للصحافة الوطنية المختلفة، المكتوبة والمرئية، وعبر المناشير الإعلانية عن أن اتفاقية تدبير النقل المفوض تقتضي أن تضم شركة "ستاريو" 543 حافلة جديدة في أفق السنوات الأربع الأولى، بما في ذلك 400 حافلة، خلال سنة ونصف من الاستغلال، لكن الواقع الحالي هو عكس ذلك تماما بشهادة حتى المسؤولين عن الشركة، كما صرح بذلك المسؤول التجاري بشركة "ستاريو"، سامي البغدادي، في الأسبوع الأخير، أمام مستشاري مجلس العاصمة، حين أكد على وجود "خصاص" في أسطول الحافلات، محدِّدا كموعد للحد من هذا الخصاص أجلا أقصاه شهر ماي المقبل عندما سيتم استقدام 111 حافلة جديدة، في أفق تغطية ما يفرضه دفتر التحملات وهو 400 حافلة، وهو السقف الذي كان مفروضا أن يتم الوصول إليه قبل ستة أشهر من الآن، كما ينص على ذلك دفتر التحملات. إنها أزمة كشفت عنها رسالة مؤرخة بتاريخ 28 أكتوبر 2010، من المدير العام للشركة وصف فيها الوضعية المالية بـ"الصعبة"، والناتجة بحسب مصادر مطلعة عن "سوء التدبير"، رغم ما استفادت منه هذه الشركة من قروض وامتيازات "مالية خيالية". بل لم تكتف "ستاريو" بذلك وتمادت رغم ضعف جودة الخدمات التي تقدمها إلى المطالبة بضخ المزيد من الملايير لإنقاذها، كما نقلت ذلك مصادر عن المستشار بمجلس الرباط، إبراهيم الجماني، الذي كشف خلال تدخله أثناء بداية انعقاد دورة فبراير العادية، قبل أيام، أن الشركة تطالب بتعويضات "غير قانونية" تناهز 30 مليار سنتيم استنادا إلى الاتفاقية الموقعة بينها وبين رؤساء المجالس.

حلول ترقيعية..و"تواطؤ" السلطات

في انتظار ذلك يظل الأسطول الحالي للشركة، بحسب التقرير الذي تم تسريب بعض مضامينه، لا يضم إلا 200 حافلة جديدة، تم استقدامها من السوق الصينية، التي التجأت إليها الشركة، رفقة نورالدين الأزرق كما أوضح ذلك شريط ادعائي مصور عُرض على الصحافة قبل أن يُبث لبعض الوقت بداخل تلك الحافلات الجديدة. بينما لم يتم احترام عدة مقتضيات من دفتر التحملات، ومن ذلك ما التزمت به الشركةمن بناء تجهيزات وبنيات تحتية، وعدم التزامها بوضع نظام عصري لآلات وتجهيزات صرف التذاكر، كما تم التنصيص على ذلك عند التوقيع. واكتفى المسؤولون، بدلا عن ذلك، بوضع علامات تشويرية يصعب حتى على الإنسان القارئ فك طلاسمها بأحرى بالنسبة للمواطن الأمي. وفي ظل "تخبط" الشركة الجديدة، تكشف مصادر مطلعة، في مجموعة مشاكل داخلية أفضت إلى "انسحاب" العديد من أطرها وتقديم استقالتهم أمام تزايد ضغط مسؤولي الولاية والمنتخبين وكذا المستخدمين، الذين نفذوا سلسلة إضرابات كان آخرها الإضراب الذي كان مقررا أن يستمر من 7 مارس الجاري إلى التاسع منه، قبل أن يتم تدخل سلطات الولاية فضغطت على مسؤولي الشركة للاستجابة لمطالب الشغيلة، وتجنيب العاصمة مزيدا من الاحتجاجات المتصاعدة هذه الأيام، في هذه الظروف التجأت "ستاريو" إلى حلول "ترقيعية"، لتغطية عجز أسطولها من الحافلات، عندما استنجدت بالشركة الأم بأوروبا "فيوليا" التي أرسلت لها عددا من الحافلات المستعملة. بالإضافة إلى إعادة استعمال عدد من الحافلات المتهالكة المتبقية من حظيرة شركة "بوزيد" الشريك الوحيد لـ"ستاريو" بعد انسحاب باقي الشركات الأخرى التي كانت تنشط قبل مجيء الشركة الفرنسية.

مصادر "ما وراء الحدث" أكدت "باستغراب" على أن والي جهة الرباط سلا زمور زعير حسن العمراني "يحرص" بشكل كبير على الوقوف إلى جانب هذه الشركة التي تسير على طريق إعلان "إفلاسها"، وفي هذا الصدد تدخل لدى بعض أرباب الشركات المنسحبة من أجل بيع حافلات مستعملة لشركة "ستاريو" من أجل حل أزمة النقل التي تزداد سوءا يوما بعد يوم بالعاصمة والنواحي. وهو ما يتناقض مع مقتضيات دفتر التحملات، الذي ينص على ضرورة أن تكون الحافلات ذات جودة عالية، وتتوفر على شاشة تلفاز ووُلوجيات لذوي الاحتياجات الخاصة ومكيفات هوائية، كما ينص على ذلك دفتر التحملات الذي وافقت عليه الشركة الفرنسية. بعض المستشارين بالمجلس المحلي للرباط، وفي غياب "تضامن جدي"، تصف مصادرنا، من طرف زملائهم، ما فتئوا يحملون العمراني مسؤولية إلزام الشركة بتنفيذ بنود دفتر التحملات كاملة، على اعتبار أنه الآمر بالصرف، وأنه يعتبر بمثابة جهاز تنفيذي، على مستوى تراب العاصمة في الوقت الذي يعتبر فيه المستشارون ممثلين بالجهاز التشريعي المحلي. العمراني يحمله المسؤولية أيضا على ما آلت إليه أوضاع الشركة، حتى مسؤولو هذه الأخيرة، حيث أعلن أحد أطرها في إحدى اللقاءات الصحفية بأن الوالي هو من كان السبب في التسريع بالشروع في العمل قبل "الاستعداد الجيد". ولعل هذا الكلام يجد له الصدى في ما تم التصريح به أيضا مؤخرا من قِبل المدير التجاري لشبكة "ستاريو" للنقل الحضري، سامي البغدادي، في لقاء دعت إليه مقاطعة اليوسفية التي يترأسها الجماني. وبالنسبة للبغدادي فإن سبب التأخر في استكمال حظيرة الحافلات مرده إلى كون شركته "أدت ضريبة الانطلاق مبكرا" قبل إنجاز أرضية مناسبة لها من أجل الاشتغال. البغدادي تطرق أيضا في ذات اللقاء، في ما يشبه محاولة التقليل من حجم تشكيك وتذمر المواطنين الذين حضروا للاستفسار عن أسباب استمرار تفاقم مشكل النقل، إلى ما أسماها "مشاكل" المستخدمين التي سيتم حلها، مؤكدا في ما يخص حرية العمل النقابي داخل الشركة بأن هذه الأخيرة "تعتز بشريكها النقابي الفدرالية الديمقراطية للشغل"، والذي كان شريكا في تصفية كل الملفات العالقة للعمال. كما أعلن البغدادي وبخلاف اتهام الشركة بنهج سياسة التسريح، بكون الإدارة الجديدة ستعمل على إدماج أكثر من مائة مستخدم جديد، للعمل بالحافلات المنتظر تسلمها في قادم الأيام. المناسبة أيضا كانت فرصة للحديث عن التغييرات التي طالت الشبكة فيما يتعلق بالمسار والمحطات، حيث أوضح بأن ذلك يندرج في إطار الملاءمة مع الوضع الجديد، وكذا في إطار تنسيق الحركة مع شبكة الطرامواي المنتظر إعطاء الانطلاقة لبداية اشتغاله في الأسابيع المقبلة. نفس تسليط الضوء حظي به قطاع الطلبة الذين يشكلون شريحة كبيرة من المتنقلين بين العاصمة الرباط وسلا والنواحي، حيث تعهد البغدادي بإعطائهم حق التنقل الحر على متن سائر الخطوط ابتداء من السنة المقبلة، بعد أن يحصلوا على بطائقهم من أكثر 40 شباكا مخصصا لهذا الغرض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق