قبل رحيله للقائه ربه، يوم الأحد الماضي، خلف الكاتب المصري الساخر،
جلال عامر، وراءه كتابا مهما بعنوان "مصر على كف عفريت"، الصادر عن دار العين
للنشر، والذي يرصد فيه "أمير الساخرين" بأرض الكنانة كيف أن أبناء جلدته
يتقاتلون اليوم عن شيء اسمه "السلطة".
وكأن قدره أيضا يسخر منه هو كما سخر طويلا عامر من السلطة ومن
القابضين عليها بحديد ونار، بحيث بينما كان الراحل إلى جانب متظاهرين آخرين يحتجون
في شوارع الإسكندرية، ويشتبك مؤيدون للمجلس العسكري مع آخرين مناوئين له، لم يأب
عامر إلا أن يسلم روحه إلى ربه؛ إنها سخرية من نوع استثنائي.


يكتب جلال عامر في موضع آخر بكتابه عن زيارة مبارك إلى قبري جمال عبد الناصر
وأنور السادات، وهي الزيارة السنوية التي يحرص عليها، متخيلا ما الذي يمكن أن يقوله
أمام قبر كل منهما.
سيقول أمام قبر عبد الناصر: "طبعا إنتَ عارف أنا لا عايز أزورك ولا
أشوفك بس هي تحكمات السياسة اللعينة. حد يا راجل يعادي أمريكا؟ ويحارب المستثمرين.
على العموم إرتاح. أنا بعت كل المصانع إلي انت عملتها، والعمال إللي إنت مصدعنا بيهم
أهم متلقحين على القهاوي...".
وأمام قبر السادات، سيقرأ الفاتحة ثم يمسح وجهه وينصرف. هذه الحكاية تلخّص
فعلاً ما أصاب مصر من تحولات، وتجيب عن سؤال: كيف تحولت من "أم البلاد" إلى
"أم الفساد"؟
وينتقد الراحل في كتابه انتشار
الخبراء والمستشارين في مؤسسات ووزارات الدولة، حتى أنهم ملأوا شاشات التليفزيون؛ وتحت
عنوان "الخبير عبد الخبير"، كتب عامر أن بلدنا امتلأت بالخبراء من كل نوع
ولون، وكلما زاد عددهم تدهورت أحوالنا، ولأن الخبير بالخبير يذكر فأنا دائماً أتذكر
بالخير ذلك الخبير العظيم الذي ظهر على شاشة التليفزيون في حرب العراق، ونصح قوات التحالف
بدخول بغداد من ناحية بتاع العصير، وأنا لا يوجد بيني وبين الخبراء عمار، وربما السبب
خالي "عبدالخبير" الذي كان يفتي دون أن يعلم، ويجيب دون أن يُسأل.
ورغم وفاة خالي عبدالخبير متأثراً بأغنية "بحبك يا حمار"، معتقداً
أنه المعني بها، فإن الكثير من أبنائه وأحفاده الآن يغطون شاشة التليفزيون لمنع الأتربة،
فمن الممكن للتليفزيون أن يستدعي محامياً لشرح مرض البهاق على أساس أنه الوحيد الذي
وجدته المذيعة صاحي، أو طبيباً لشرح القواعد الجنائية على أساس أنه أقرب للتليفزيون.

ويواصل عامر: الشرير في الرواية اليونانية لم يجد أحداً يوصله إلى مطار
أو يحميه أو يغطيه بالحصانة ليمنع عنه يد العدالة وعين الحسود، وإذا كان ممدوح إسماعيل
قد حوّل البحر الأحمر إلى بحيرة خاصة به، فإن البعض حول البرلمان إلى محمية طبيعية
للفساد، ولم يعد يعنيه الشعب، بل الشعب المرجانية والحيتان.
كذلك حمل كتاب الراحل جلال عامر سخرية من محاولة أمريكا التدخل لحماية
أقباط مصر، وانتقدها في مقال حمل عنوان "أمريكا ذات الوجهين"، قائلاً أن
هناك عشرة آلاف أسرة مسيحية تم طردها وتشريدها وحرق منازلها على بُعد أمتار من القوات
الأمريكية في "الموصل"، ولم نسمع حتى كلمة عتاب ولا حب من أمريكا.
انتقد أيضاً الكاتب الكبير الراحل بعض العادات السيئة التي اعتاد المصريون
على إتيانها، وكتب تحت عنوان "خلي السلاح نايم"، عن فترة "قفا العيد"،
ويعرفها عامر بأنها الفترة التي يتوقف فيها المصريون عن العمل بحجة أنهم خارجون من
عيد.
وهذه الفترة كما يقول تبدأ فلكياً من صباحية العيد حتى وقفة عيد الأضحى
القادم، وبدون توقف أو انقطاع عدا أيام نادرة فيها عطلات عن الكسل، وهذه الفترة هي
أطول فترة قفا عرفه التاريخ، إذ شاءت المقادير أن تخصنا به لنمارس حقنا في الكسل، وهو
حق اكتشفه الفرنسيون ولا يطبقونه وتركوا ذلك للمصريين.
وقد تنبأ جورج برنارد شو بزوال الإمبراطورية البريطانية لمجرد أنه شاهد
بعض الشباب الإنجليزي يستمتع بالشمس في الحدائق في ساعات العمل. لكن من المؤكد أنه
لم يشاهد المقاهي المصرية التي يغني فيها الناس "خلي السلاح نايم/ العمل مؤقت
وربك الدايم/ والله ماانا قايم".
ومع ذلك فإن معدل التنمية في إنجلترا حوالي خمسة في المائة، بينما يصل
معدل التنمية في مصر إلى "عشرة وحداشر وإتناشر"، لأن معدل التنمية عند كل
شعب مرتبط بميعاد صحيانه من النوم.
عن محيط بتصرف