السبت، نوفمبر 24، 2012

عن (المقاصّة) وأشياء أخرى..

نورالدين اليزيد

لاشك أن النقاش العام الذي ما تزال بلادنا تعيشه منذ تقديم مشروع قانون المالية للسنة المقبلة أمام البرلمان، والمتعلق بإجراءات عملية جاء بها أول مشروع قانون مالي للحكومة الجديدة، وفي ظل الدستور الجديد، وهي الإجراءات التي تمهد للشروع في إصلاح صندوق الدعم (المقاصة)، هو نقاش إيجابي وضروري وحتمي، كان علينا أن نخوض فيه منذ زمن مادام يتعلق بآلاف الملايير من السنتيمات، التي تصرف بقصد دعم منتوجات ومواد حيوية، إلا أن المستفيد الأكبر كان دائما هي المقاولات والطبقة الميسورة، بينما بقيت جيوب الطبقة المعوزة بعيدة عن الاستفادة من الدعم، بسبب عدم التمييز بين هذا وذاك في توزيعه.
الحديث اليوم عن الرفع من قيمة الضريبة على بعض الأجور المرتفعة، وكذا خفض الدعم الموجه إلى العديد من المواد والأدوات، المستعملة لدى المقاولات والشركات الكبرى لإنتاج وصناعة منتوجاتها، ينبغي أن يقابل بروح وطنية عالية، وبانخراط جميع مكونات المجتمع، السياسية منها والاقتصادية والمدنية، في إطار مواطَنة واحدة، لا تقبل المزايدة أو الاستغلال والوصولية.
صحيح أن البعض يرى في الإجراءات التي جاءت بها الحكومة الحالية في مشروع القانون المالي الجديد مسّا بمصالحها، وهو ما ذهب إليه ليس فقط أرباب العمل بل – ويا للعجب- حتى بعض نواب الأمة الذين رفضوا أي اقتراب من أجورهم، لكن يبقى عذر هذه الحكومة، والتي يشفع لها إقدامها على تلك الإجراءات، هو أن العائدات ستؤول إلى صندوق دعم التضامن الموجه بالأساس إلى الفقراء؛ معنى ذلك أن الغاية تبرر الوسيلة التي تتوخى محاربة الهشاشة الاجتماعية والإقصاء والعوز في إطار تضامني يفرضه علينا الواجب الشرعي والأخلاقي قبل الإكراهات الاقتصادية التي تعصف بالعالم، والتي جعلت بلدانا تعيش في الرفاه والازدهار تُقدم على إجراءات تقشفية وتخفض من الأجور العليا لموظفيها وترشد نفقاتها مع اهتمام خاص بذوي الدخل المنفض أو معدميه.
ويبدو أن السلطات العليا بالبلاد التي تدخلت في الوقت المناسب لإخماد صراع غير مُجد بدت بوادره تلوح في الأفق، بين الحكومة وممثلي أرباب العمل، تؤكد مرة أخرى مدى اهتمامها بدعم الطبقات المعوزة وقربها منها وانشغالها بهمومها، وهو ما سمح للحكومة بالمضي قدما في إجراءاتها القاضية بتنمية صندوق التضامن بالموازاة مع ترشيد نفقات صندوق المقاصة وإصلاحه لاسيما على مستوى إيجاد أدوات رقابة وتتبع لما يقدمه من دعم.      
هذه الإجراءات، ومن باب الإنصاف، لا ينبغي أن تخدم هذه الجهة دون تلك من مكونات الوطن؛ وكلنا يعرف مدى أهمية الدور الريادي والحاسم في تنمية البلاد الذي يقوم به المستثمرون الوطنيون قبل الأجانب، وإن كانت هناك بعض النقائص في عمل البعض ليس هذا مجال لذكرها. ومن هنا كان لزاما على الحكومة أن لا تنزل تلك الإجراءات دفعة واحدة، وأن تحفظ لكل الفاعلين مصالحهم تماما كما يجب أن تحفظ مصالح المكونات الأخرى من المجتمع.
وفي خضم هذا النقاش ربما يختلط على البعض الأمر أو يجعله هو مختلطا وملتبسا، لاسيما عندما نكون بصدد مقاربة كالتي نعيشها هذه الأيام؛ وهي أن هناك حكومة جاءت من صناديق الاقتراع، وتريد الوصول إلى تحقيق ما لم يتم تحقيقه منذ حصول المغرب على الاستقلال، وهو جعل المواطن الفقير يحصل على مقابل مادي يعينه على تربية أبنائه وعلى باقي متطلبات الحياة الأخرى؛ وبالمقابل هناك طرف يشكك في هذا التوجه ويذهب إلى حد اتهام الحكومة الحالية بمحاولة استغلال هذا الجانب الاجتماعي بقصد الرفع من أسهمها في بورصة السياسة !
نكاد نجزم أن مسألة دعم الفقراء هي سيرورة تاريخية بدأنا نلمسها واقعا منذ تولي جلالة الملك محمد السادس العرش، ليتم التأسيس والتقعيد له بالمبادرة الإستراتيجية التي تستهدف الطبقات المعوزة(المبادرة الوطنية للتنمية البشرية)، وليتطور أكثر هذا الدعم بإعطاء جلالته تعليماته لتخصيص دعم طبي (رميد) أو المساعدة الطبية، وهي الخدمة التي باتت توفر للفقراء التطبيب والاستشفاء بمختلف المؤسسات الصحية، وليتبع ذلك برنامج "تيسير" الذي يهدف إلى محاربة الأمية والهدر المدرسي في صفوف المواطنين؛
إن كل هذا الدعم الاجتماعي لا ينبغي أن ينظر إليه على أنه برنامج هذا الفريق أو ذاك، ولكنه برنامج أمة بدأته بخطوات، فانتقلت إلى مبادرات، وهي اليوم بصدد فقط تجميع كل هذه المبادرات ومأسستها، ومن تم بات من اللازم إنشاء قطب اجتماعي يرعى هذا الدعم ويصونه.    
         

مغربي وأفتخر..


نورالدين اليزيد
فليأذن لي باستعمال هذه العبارة بعضُ الشباب الفيسبوكي (من يرتادون كثيرا الموقع الاجتماعي الشهير فيسبوك)، الذين أطلقوا العنوان أعلاه على إحدى مجموعاتهم الفيسبوكية، التي وصل عدد أعضائها مؤخرا، وبالموازاة مع احتفال الشعب المغربي بالذكرى السابع والثلاثين لانطلاق المسيرة الخضراء، إلى 350 ألف عضو، وهو الرقم/المعادلة الذي جعل المغرب يسترجع أقاليمه الجنوبية بطريقة حضارية لفتت انتباه العالم.
المجموعة الفيسبوكية التي يقف من وراء تأسيسها على الموقع العملاق شاب انضم إليه شباب مافتئوا يؤكدون لمن يحتاج إلى ذلك غيرتهم على هذا الوطن، استطاعت أن تجذب إليها اهتمام جانب من الصحافة العربية والدولية، بالنظر أولا إلى الصدفة الغريبة التي جعلت عدد أعضائها يصل إلى عدد المشاركين والمشاركات في ملحمة المسيرة الخضراء، وفي يوم الاحتفال بالذكرى. وثانيا لأن هناك شبابا مغاربة يستطيعون بما أتيح لهم من أدوات وإمكانيات بسيطة فقط أن يثبتوا أنهم يخدمون هذه البلاد ويُعرّفون بقضاياها المصيرية ويدافعون عليها، ولو افتراضيا، دون انتظار مكرمة من أحد ولا جزاء أو شكورا.           
ولا شك أن استعارة العنوان أعلاه بقدر ما يترجمها شعور بضرورة الانخراط مع هؤلاء الشباب في الاحتفاء برموز وطننا وتخليد ذكرى عزيزة على قلوبنا، بقدر ما هي دعوة أخرى أيضا للتأمل فيما يقوم به مسؤولونا لفائدة البلاد والعباد؛ وهو ما يجعلنا نستقرأ بعمق دلالات تلك العبارة (مغربي وأفتخر !)، وما إذا كان كل واحد منا يحس حقيقة بالفخر بما أنه مغربي !
برأينا المتواضع الذي عليه أن يفتخر بكونه مغربيا، هو عموما وبكلمة واحدة من يريد الخير لهذا المغرب، وبعدها يأتي الجزاء ويأتي المقابل، وإن كان مثقال حبة من خردل، لأن مجرد أن يعيش المواطن في وطنه الآمن والفسيح، هو خير جزاء ويستحق الذود عن حدود هذا الوطن والافتخار به !
الذي من حقه أن يفتخر بهذا الوطن هو من لا تطاوعه نفسه مد يده إلى مال الوطن دون موجب شرع أو قانون، مستغلا بذلك منصبا معينا أو علاقة بذي سلطان !
والذي عليه أن يفتخر بمغربيته هو من يهب كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وكلما نادى الوطن بالتضامن مع الإخوة والأخوات والأبناء المعوزين والمعوزات في المناطق النائية والمهمشة؛ والانخراط فعليا وليس فقط من باب الرياء، في الحملات الاجتماعية التضامنية التي يطلقها هذا الوطن !
والذي تنطبق عليه جملة "مغربي وأفتخر.." هو من لا تسول له نفسه المس بحرمة نفس ومال وأمن من يسكن تحت سماء هذا الوطن، سواء بالفعل الآثم، أو القول الجارح؛ وهو من يبدي الاستعداد اللازم لمساعدة الذي هو في حاجة إلى مساعدة !
ويحق لمن يضع رأسه على مخدة سريره وقبل أن ينام يستحضر ما قدّم وما أخّر لجاره ولزميله ولأهله ووطنه، ثم يعد نفسه بأن يتدارك في الغد تقصيرا أو تجاوزا في حق هذا أو ذاك، يحق لهذا أن يقول أنا "مغربي وأفتخر" !
إنه من السهل علينا أن نحس بالفخر إزاء هذا الوطن، فقط علينا أن نحسن تعاملنا مع محيطنا، وأن نمارس "الحكامة" الحق، وليست الخطاب والشعار المبتذل، مع ذواتنا أولا قبل مطالبتنا بممارستها في علاقاتنا مع الآخرين، لأن ذلك وحده القمين بأن نكون أهلا للثقة وللفخر.