السبت، نوفمبر 24، 2012

عن (المقاصّة) وأشياء أخرى..

نورالدين اليزيد

لاشك أن النقاش العام الذي ما تزال بلادنا تعيشه منذ تقديم مشروع قانون المالية للسنة المقبلة أمام البرلمان، والمتعلق بإجراءات عملية جاء بها أول مشروع قانون مالي للحكومة الجديدة، وفي ظل الدستور الجديد، وهي الإجراءات التي تمهد للشروع في إصلاح صندوق الدعم (المقاصة)، هو نقاش إيجابي وضروري وحتمي، كان علينا أن نخوض فيه منذ زمن مادام يتعلق بآلاف الملايير من السنتيمات، التي تصرف بقصد دعم منتوجات ومواد حيوية، إلا أن المستفيد الأكبر كان دائما هي المقاولات والطبقة الميسورة، بينما بقيت جيوب الطبقة المعوزة بعيدة عن الاستفادة من الدعم، بسبب عدم التمييز بين هذا وذاك في توزيعه.
الحديث اليوم عن الرفع من قيمة الضريبة على بعض الأجور المرتفعة، وكذا خفض الدعم الموجه إلى العديد من المواد والأدوات، المستعملة لدى المقاولات والشركات الكبرى لإنتاج وصناعة منتوجاتها، ينبغي أن يقابل بروح وطنية عالية، وبانخراط جميع مكونات المجتمع، السياسية منها والاقتصادية والمدنية، في إطار مواطَنة واحدة، لا تقبل المزايدة أو الاستغلال والوصولية.
صحيح أن البعض يرى في الإجراءات التي جاءت بها الحكومة الحالية في مشروع القانون المالي الجديد مسّا بمصالحها، وهو ما ذهب إليه ليس فقط أرباب العمل بل – ويا للعجب- حتى بعض نواب الأمة الذين رفضوا أي اقتراب من أجورهم، لكن يبقى عذر هذه الحكومة، والتي يشفع لها إقدامها على تلك الإجراءات، هو أن العائدات ستؤول إلى صندوق دعم التضامن الموجه بالأساس إلى الفقراء؛ معنى ذلك أن الغاية تبرر الوسيلة التي تتوخى محاربة الهشاشة الاجتماعية والإقصاء والعوز في إطار تضامني يفرضه علينا الواجب الشرعي والأخلاقي قبل الإكراهات الاقتصادية التي تعصف بالعالم، والتي جعلت بلدانا تعيش في الرفاه والازدهار تُقدم على إجراءات تقشفية وتخفض من الأجور العليا لموظفيها وترشد نفقاتها مع اهتمام خاص بذوي الدخل المنفض أو معدميه.
ويبدو أن السلطات العليا بالبلاد التي تدخلت في الوقت المناسب لإخماد صراع غير مُجد بدت بوادره تلوح في الأفق، بين الحكومة وممثلي أرباب العمل، تؤكد مرة أخرى مدى اهتمامها بدعم الطبقات المعوزة وقربها منها وانشغالها بهمومها، وهو ما سمح للحكومة بالمضي قدما في إجراءاتها القاضية بتنمية صندوق التضامن بالموازاة مع ترشيد نفقات صندوق المقاصة وإصلاحه لاسيما على مستوى إيجاد أدوات رقابة وتتبع لما يقدمه من دعم.      
هذه الإجراءات، ومن باب الإنصاف، لا ينبغي أن تخدم هذه الجهة دون تلك من مكونات الوطن؛ وكلنا يعرف مدى أهمية الدور الريادي والحاسم في تنمية البلاد الذي يقوم به المستثمرون الوطنيون قبل الأجانب، وإن كانت هناك بعض النقائص في عمل البعض ليس هذا مجال لذكرها. ومن هنا كان لزاما على الحكومة أن لا تنزل تلك الإجراءات دفعة واحدة، وأن تحفظ لكل الفاعلين مصالحهم تماما كما يجب أن تحفظ مصالح المكونات الأخرى من المجتمع.
وفي خضم هذا النقاش ربما يختلط على البعض الأمر أو يجعله هو مختلطا وملتبسا، لاسيما عندما نكون بصدد مقاربة كالتي نعيشها هذه الأيام؛ وهي أن هناك حكومة جاءت من صناديق الاقتراع، وتريد الوصول إلى تحقيق ما لم يتم تحقيقه منذ حصول المغرب على الاستقلال، وهو جعل المواطن الفقير يحصل على مقابل مادي يعينه على تربية أبنائه وعلى باقي متطلبات الحياة الأخرى؛ وبالمقابل هناك طرف يشكك في هذا التوجه ويذهب إلى حد اتهام الحكومة الحالية بمحاولة استغلال هذا الجانب الاجتماعي بقصد الرفع من أسهمها في بورصة السياسة !
نكاد نجزم أن مسألة دعم الفقراء هي سيرورة تاريخية بدأنا نلمسها واقعا منذ تولي جلالة الملك محمد السادس العرش، ليتم التأسيس والتقعيد له بالمبادرة الإستراتيجية التي تستهدف الطبقات المعوزة(المبادرة الوطنية للتنمية البشرية)، وليتطور أكثر هذا الدعم بإعطاء جلالته تعليماته لتخصيص دعم طبي (رميد) أو المساعدة الطبية، وهي الخدمة التي باتت توفر للفقراء التطبيب والاستشفاء بمختلف المؤسسات الصحية، وليتبع ذلك برنامج "تيسير" الذي يهدف إلى محاربة الأمية والهدر المدرسي في صفوف المواطنين؛
إن كل هذا الدعم الاجتماعي لا ينبغي أن ينظر إليه على أنه برنامج هذا الفريق أو ذاك، ولكنه برنامج أمة بدأته بخطوات، فانتقلت إلى مبادرات، وهي اليوم بصدد فقط تجميع كل هذه المبادرات ومأسستها، ومن تم بات من اللازم إنشاء قطب اجتماعي يرعى هذا الدعم ويصونه.    
         

مغربي وأفتخر..


نورالدين اليزيد
فليأذن لي باستعمال هذه العبارة بعضُ الشباب الفيسبوكي (من يرتادون كثيرا الموقع الاجتماعي الشهير فيسبوك)، الذين أطلقوا العنوان أعلاه على إحدى مجموعاتهم الفيسبوكية، التي وصل عدد أعضائها مؤخرا، وبالموازاة مع احتفال الشعب المغربي بالذكرى السابع والثلاثين لانطلاق المسيرة الخضراء، إلى 350 ألف عضو، وهو الرقم/المعادلة الذي جعل المغرب يسترجع أقاليمه الجنوبية بطريقة حضارية لفتت انتباه العالم.
المجموعة الفيسبوكية التي يقف من وراء تأسيسها على الموقع العملاق شاب انضم إليه شباب مافتئوا يؤكدون لمن يحتاج إلى ذلك غيرتهم على هذا الوطن، استطاعت أن تجذب إليها اهتمام جانب من الصحافة العربية والدولية، بالنظر أولا إلى الصدفة الغريبة التي جعلت عدد أعضائها يصل إلى عدد المشاركين والمشاركات في ملحمة المسيرة الخضراء، وفي يوم الاحتفال بالذكرى. وثانيا لأن هناك شبابا مغاربة يستطيعون بما أتيح لهم من أدوات وإمكانيات بسيطة فقط أن يثبتوا أنهم يخدمون هذه البلاد ويُعرّفون بقضاياها المصيرية ويدافعون عليها، ولو افتراضيا، دون انتظار مكرمة من أحد ولا جزاء أو شكورا.           
ولا شك أن استعارة العنوان أعلاه بقدر ما يترجمها شعور بضرورة الانخراط مع هؤلاء الشباب في الاحتفاء برموز وطننا وتخليد ذكرى عزيزة على قلوبنا، بقدر ما هي دعوة أخرى أيضا للتأمل فيما يقوم به مسؤولونا لفائدة البلاد والعباد؛ وهو ما يجعلنا نستقرأ بعمق دلالات تلك العبارة (مغربي وأفتخر !)، وما إذا كان كل واحد منا يحس حقيقة بالفخر بما أنه مغربي !
برأينا المتواضع الذي عليه أن يفتخر بكونه مغربيا، هو عموما وبكلمة واحدة من يريد الخير لهذا المغرب، وبعدها يأتي الجزاء ويأتي المقابل، وإن كان مثقال حبة من خردل، لأن مجرد أن يعيش المواطن في وطنه الآمن والفسيح، هو خير جزاء ويستحق الذود عن حدود هذا الوطن والافتخار به !
الذي من حقه أن يفتخر بهذا الوطن هو من لا تطاوعه نفسه مد يده إلى مال الوطن دون موجب شرع أو قانون، مستغلا بذلك منصبا معينا أو علاقة بذي سلطان !
والذي عليه أن يفتخر بمغربيته هو من يهب كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وكلما نادى الوطن بالتضامن مع الإخوة والأخوات والأبناء المعوزين والمعوزات في المناطق النائية والمهمشة؛ والانخراط فعليا وليس فقط من باب الرياء، في الحملات الاجتماعية التضامنية التي يطلقها هذا الوطن !
والذي تنطبق عليه جملة "مغربي وأفتخر.." هو من لا تسول له نفسه المس بحرمة نفس ومال وأمن من يسكن تحت سماء هذا الوطن، سواء بالفعل الآثم، أو القول الجارح؛ وهو من يبدي الاستعداد اللازم لمساعدة الذي هو في حاجة إلى مساعدة !
ويحق لمن يضع رأسه على مخدة سريره وقبل أن ينام يستحضر ما قدّم وما أخّر لجاره ولزميله ولأهله ووطنه، ثم يعد نفسه بأن يتدارك في الغد تقصيرا أو تجاوزا في حق هذا أو ذاك، يحق لهذا أن يقول أنا "مغربي وأفتخر" !
إنه من السهل علينا أن نحس بالفخر إزاء هذا الوطن، فقط علينا أن نحسن تعاملنا مع محيطنا، وأن نمارس "الحكامة" الحق، وليست الخطاب والشعار المبتذل، مع ذواتنا أولا قبل مطالبتنا بممارستها في علاقاتنا مع الآخرين، لأن ذلك وحده القمين بأن نكون أهلا للثقة وللفخر.                              

رسائل إلى من يهمهم الأمر..


نورالدين اليزيد
المتتبع لخُطب صاحب الجلالة الملك محمد السادس منذ 9 مارس من السنة الماضية، حينما أعطى جلالته الانطلاقة الرسمية لورش كبير من الإصلاحات السياسية والدستورية ببلادنا، سيستشف بكل يسر مدى حرص جلالته على الانخراط الشخصي في دينامية التغيير والإصلاح على كافة المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ولم يخرج الخطاب الملكي يوم الثلاثاء الماضي (6 نونبر) بمناسبة احتفال المغرب بالذكرى الـ37 لانطلاق المسيرة الخضراء، عن هذه القاعدة التي كرسها جلالة الملك، والتي جعلت كل المغاربة يتطلعون بشغف إلى هذه المناسبة الوطنية أو تلك الدينية، لمعرفة ما يحمله جلالته من جديد؛ سواء بخصوص الأوضاع السياسية ببلادنا، والتي من أبرز معالمها أن كان المغرب سباقا في المنطقة إلى تداول السلطة بين الأغلبية والمعارضة، في إطار ما يسمى التناوب الحكومي الذي تم التأسيس له منذ حوالي عقد ونصف. أو بخصوص الأوضاع الاجتماعية، بحيث يشهد الجميع على الدور الحاسم للمؤسسة الملكية في هذا الجانب، سواء بخصوص المبادرة الإستراتيجية التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس سنة 2005، والمسماة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أو فيما يتعلق بالحملة الوطنية للتضامن التي تشرف عليها مؤسسة محمد الخامس للتضامن منذ 15 سنة، والتي باتت سلوكا مؤسسا للمغاربة يتجدد كل سنة ويعكس مدى تجدر ثقافة وسلوك التضامن لدى المغاربة كأمة لها مقوماتها الدينية والقيمية الراسخة.
هذه الإشارات القوية من المؤسسة الملكية نابعة بدون شك من إيمان بلادنا بأن لا عودة إلى الوراء في مسار الإصلاحات وورش بناء المغرب الحديث، القائم على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتنميته، وهو ما فتئ جلالة الملك يؤكد عليه، في كل المناسبات، وأعاد التذكير به في خطاب يوم الثلاثاء عندما قال جلالته؛ "وذلكم هو التوجه القويم الذي أجمع عليه الشعب المغربي٬ من خلال انخراطه الواسع في المسار الإصلاحي٬ الذي نقوده٬ مؤكدا ثقته الكبيرة في مؤسساته الوطنية٬ وتوجهاته الاستراتيجية. وهو ما تجلى في مختلف الإصلاحات العميقة٬ والمنجزات الكبرى التي راكمتها بلادنا٬ ومن بينها تكريس التداول الديمقراطي بين الأغلبية والمعارضة٬ الذي عرفه المغرب منذ سنة 1997، وذلك في إطار ممارسة سياسية طبيعية٬ وفي سياق حركية دائمة٬ وتوجه مستقبلي واضح الرؤية٬ سواء بالنسبة للمواطنين٬ أو لشركاء بلادنا٬ دولا ومجموعات".
هذا التوجه القويم، كما قال جلالة الملك، يبدو أن العديد من المسؤولين والسياسيين بالخصوص، لم يتأقلموا معه بعد، ولازلنا نرى كيف أن العديد ممن لهم مسؤولية الإشراف على منصب معين أو إدارة منظمة سياسية أو سوسيواجتماعية، ما يزالون يعيشون زمن غير هذا الزمن الجديد حيث تنخرط أعلى سلطة بالبلاد في التجسيد الفعلي لمواطنة القرب؛ وذلك إيمانا منها بأنه وحدهما الإخلاص في العمل ونكران الذات، الكفيلان بالوصول ببلادنا إلى مرتبة تنموية تليق بتاريخها العريق. ولعلها الرسالة الرسائل التي أراد جلالة الملك توجيهها في الخطاب الأخير إلى جهات بعينها حين قال؛ "وفي هذا الصدد٬ نهيب بجميع الفاعلين والمسؤولين في مختلف المؤسسات٬ ليكونوا في مستوى الأمانة الملقاة على عاتقهم. فعلاوة على السلطتين التنفيذية والقضائية٬ فإننا ندعو جميع الهيآت المنتخبة٬ بمختلف مستوياتها٬ إلى الالتزام الدائم بالمفهوم الجديد للسلطة٬ بكل أبعاده. فالمنتخب يجب أن يكون في خدمة المواطن٬ وأن يرقى إلى مستوى الثقة التي وضعها فيه٬ بعيدا عن أي اعتبارات شخصية أو فئوية ضيقة". انتهى كلام جلالة الملك، فهل وصلت الرسالة؟

حديث عن التضحية !

نورالدين اليزيد

من حسن حظنا نحن –المسلمين- أننا نحتفل بمناسبة دينية كعيد الأضحى المليئة بالدلالات والمعاني النبيلة التي تذكر الإنسان عموما والمسلم خصوصا والمغربي على وجه الأخص، بما ومن يستطيع الإنسان أن يضحي به من أجل إرضاء الخالق عز وجل.
ولن نخوض، هاهنا، في قصص القرآن الكريم التي جعلها الله سبحانه وتعالى آيات لبني البشر يهتدي بها في حياته، ليُرضي نفسه التي لها عليه حق، ويرضي أمته، ويكسب رضى ربه الكريم؛ لكننا نقف وقفة تأمل لطرح السؤال المؤرق للناس منذ أن وجدوا على هذه البسيطة، والذي يخشون طرحه في كثير من الحالات لأن لا جواب لكثيرين عليه، وهو الآتي؛  هل نستطيع أن نضحي؟
بكل تأكيد سيتهرب المرء من مجرد عقد مقاربة ومقارنة بسيطة بين ما ومن كان يضحي به الأنبياءُ والرسلُ الكرام، وما يمكن للإنسان العادي أن يفديه لقاء مسعى أو لقضاء حاجة مهما كانت دينية أو دنيوية، لكن كل واحد منا يقدر أن يقدم شيئا مهما كان ضئيلا ويسيرا فإن من شأنه أن يغير حال أشخاص كثيرين من سيء إلى أحسن.
حديثي هنا عن ما يمكن لنا أن نقدمه لهذا الوطن الذي هو في أمس الحاجة إلى البذل والعطاء والتضحية ونكران الذات، والمساهمة في تقدم بلادنا ورُقيها، لاسيما في هذه الظرفية الحساسة التي تجتازها أمتنا العربية والإسلامية، والتي جعلت المواطن في كثير من البلدان يخرج إلى الشوارع لرفع الظلم الذي حل به من حكامه؛ ورأينا ولازلنا نرى كيف أن البعض من هؤلاء الذين تولوا مسؤولية ولاية أمر شعوبهم لم يترددوا في التنكيل بهم وقتلهم، بعكس بعض الحكام الذين أقبروا الفتنة وهي في مهدها واستجابوا لنداء شعوبهم، فانخرط الجميع في البناء بدل الهدم، والتنمية بدل الإقصاء والتهميش، والديمقراطية بدل الاستبداد والطغيان.
ولاشك أننا كمغاربة فخورين باستثنائيتنا التي ننفرد بها على مر العصور، وتبلورت وبدت واضحة هذه الاستثنائية خلال فصول "الربيع العربي" التي اجتاحت المنطقة، حيث رأى العالم بأم عينه كيف بادرت السلطات العليا بالبلاد، وعلى رأسها جلالة الملك محمد السادس، إلى إحداث رجة في مشاريع مختلفة كانت موجودة أصلا ببلادنا، وهو ما يشهد به العالم، وإن كان بعض تلك المشاريع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كان يمشي ببطء وهو ما يجعل، وهذا طبيعي، المواطن يطالب بتسريعها وتفعيل أجرأتها.
الأحداث الاجتماعية والسياسية الأخيرة التي عرفها العالم العربي أكدت، بما لا يدع مجالا للشك أيضا، على أن الشعب المغربي قادر ليس فقط على تقديم النموذج في الدفاع عن مقدسات هذه البلاد الوطنية والدينية، ولكن وهذا هو الأهم قادر كذلك على الحفاظ على هذه الثوابت بما يملكه من غال ونفيس، وهو ما نراه حتى قبل انطلاق موجات الربيع العربي، من خلال انخراط كل المغاربة في مساعدة المعوز منهم، سواء عبر الصدقات والتبرعات العفوية، أو عبر الإقبال المنقطع النظير، الذي نلمسه سنويا في مختلف المؤسسات التسويقية والبنكية والخدماتية، على المساهمة في صناديق مخصصة لجمع التبرعات توضع في مداخل تلك المؤسسات، وشراء شارات "مؤسسة محمد الخامس للضامن".
إنها التضحية التي أبان عنها المغاربة في العديد من المناسبات، خارجيا كذلك، في إطار التضامن الإنساني، حيث يسارع المغرب إلى إرسال مساعدات إلى هذا البلد أو ذاك بمجرد طلب استثغاثة؛ وكم كانت الصور الأخيرة التي تناقلتها القنوات التلفزية ووكالات الأنباء الدولية لجلالة الملك، وهو يزور مخيمات اللاجئين السورين بالأردن ويقدم لهم مساعدات طبية واجتماعية، معبرة عن مدى قدرة الإنسان المغربي على التضحية والبذل عندما تستدعي الحاجة إلى ذلك.
إن المعاني التي تحبل بها مناسبة عيد الأضحى المبارك ينبغي أن لا تمر عابرة لاسيما على البعض من مسؤولينا ومواطنينا ممن لا يريدون إيجاد الجواب الكافي والشافي للسؤال الذين طرحناه حول التضحية؛ وعلى الفرد منا أن يتحلى بالجرأة اللازمة لذلك، وإلا فلا مكان له بيننا نحن الأمة التي تُضحي..
وكل عام وأنتم بخير.              
             

من حقنا أن نفرح !


نورالدين اليزيد
المتتبع لأجواء الفرحة العارمة التي اجتاحت كامل التراب الوطني، يوم السبت الماضي، بعد انتهاء مباراة المغرب والموزمبيق المؤهلة لنهائيات كأس إفريقيا للسنة المقبلة، لا شك أنه وقف على حقيقة لا غبار عليها وواضحة كوضوح الشمس في كبد السماء بيوم صيفي، وهي أن الشعب المغربي شعب في حاجة إلى من يفرحه ويرسم البسمة على محياه، فلتدم أفراحنا وليتكرر انتصار يوم السبت !
لن نخوض في التأسيس العقائدي والفلسفي والسوسيولوجي لفِعل الفرح، فهذا ما لا نستطيع إعطاءه حقه في هذا المقام، ويمكن لمن يريد التفصيل فيه الاطلاع على ما يُكتب ويُقدم في الندوات والكتب من طرف فقهاء الدين والمجالات العلمية الأخرى، لكن من حقنا أن نقف عند بعض مسببات هذا الفرح الذي عشناه نهاية الأسبوع الماضي.
بالرجوع إلى المباراة الرياضية الأخيرة التي كانت مناسبة لانطلاق فرح ساد كل ربوع مملكتنا السعيدة، نجد أنها لم تكن غير مباراة كرة قدم عادية لإقصائيات لن تؤدي إلا إلى بطولة إفريقية شاركنا فيها العديد من المرات، لكن يحتفظ لنا التاريخ بأننا كنا في المستوى في مناسبتين فقط؛ الأولى عندما تمكن جيل السبعينات من الظفر باللقب سنة 1976، والمناسبة الثانية عندما استطاع الفريق الوطني الوصول إلى المباراة النهائية سنة 2004، رفقة الإطار الوطني بادو الزاكي؛ ولذلك فإن كثيرين من لهم ذاكرة قوية لا يستطيعون التغلب على منطق المقارنة الذي تفرضه المعطيات التاريخية، والتي تخلص إلى أن لا جدوى من فرح إذا كان سيغطي فقط إخفاقات البعض وتهاونه، ولن يستمر طويلا.
حديثي هنا يسائل الذين كانوا السبب في منعنا من الفرح طيلة أشهر، وربما طيلة سنوات، إذا أخذنا بعين الاعتبار آخِر إنجاز كروي وقعنا فيه على بصمة واضحة في كرة القدم على المستوى الإفريقي، على الأقل؛ بحيث منذ ذلك الوقت، أي تحديدا منذ أزيد من ثمان سنوات، لم يعرف الفريق الوطني لكرة القدم إلا المزيد من التأرجح في مراتب متواضعة جدا على سلم ترتيب البلدان الذي يصدره الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).
إن المتتبع للشأن الكروي ببلادنا وللشأن الرياضي عموما طرح أكثر من سؤال، قبل أيام فقط، على الجهات المسؤولة، بل وتم التداول في البرلمان بخصوص الوضع الرياضي "المتأزم" الذي آلت إليه الأمور في هذا القطاع الحيوي الذي يستهدف الشباب بالدرجة الأولى، خاصة بعد الخيبات التي جناها أبطالنا بالأولمبياد الأخير، إلا أن كل تلك الأسئلة ظلت معلقة وتنتظر الجواب الذي يبدو أنه ما يزال عالقا وإن كان تم تقديم جزء يسير منه، على شكل إقالة مدرب أجنبي من مهامه.
المشكلة ليست في إقالة المدرب البلجيكي الجنسية الذي جيء به بأجر "خيالي" وصل النقاش بشأنه إلى قبة البرلمان، حيث طالب نواب بالكشف عنه دون أن يستطيعوا إلى ذلك سبيلا، بحجة تنصيص بنود العقد مع هذا المدرب على عدم الإفصاح بذلك. وليست المشكلة كذلك في تحقيق التأهيل إلى هذه البطولة الإفريقية أو الأولمبية أو العالمية، ولكنها مشكلة هي أعمق وأخطر بكثير من إجراء رتوشات إصلاحية في هذه الجامعة الرياضية أو تلك؛ إنها مشكلة عدم انصياع البعض للواجب الوطني وللقانون ولأسمى القوانين في البلاد وهو الدستور، الذي ينص حرفيا على ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، وعلى الشفافية، والمروؤة، والكفاءة، وغيرها من الضمانات التي أقرها وألزم توفرها هذا الدستور في من يفترض أنه سيتولى أمور تسيير مرافقنا العامة، ولاسيما منها مرفق الرياضة الذي يخاطب ويستهدف الفئة الحيوية بالمجتمع، وهي فئة الشباب.
إن المأمول في مسؤولينا عن القطاع الرياضي ليس أن يتواروا خلف انتصار مؤقت لشبابنا، أو أن يُخطف هذا الانتصار من طرف الذين يريدون الاغتنام وإبقاء الوضع على ما هو عليه بأعطابه وعيوبه وتشوهاته، ولكن نأمل أن يتحلى بعض المسؤولين بالشجاعة والروح الرياضية الواجبة في المشتغلين في القطاع، ويتركوا المكان للرجل المناسب، فوحدها خطة "الرجل المناسب في المكان المناسب" هي القادرة على جعلنا نفرح باستمرار كجمهور يحب وطنه؛ وليس معنى ذلك أننا نطالب فرقنا الرياضية بتحقيق الانتصارات تلو الأخرى،  فهذا ما لا تستطيعه حتى أعتى الفرق الرياضية في العالم، ولكننا نريد فقط تسييرا وتدبيرا محكما لقطاعنا الرياضي، ويتولاه أشخاص لهم الدراية والخبرة الكافيتين، وقبل هذا وذاك لهم حس وطني حقيقي غير مزيف، وهذا ما سيكون له التأثير الإيجابي –بكل تأكيد- على الشباب، أولا، الذين سيجدون مجالات مرحبة بإبداعاتهم، وثانيا من شأن كل ذلك أن يعطي صورة حسنة لوطننا في مصاف الأوطان المتقدمة، وقتها سنفرح كثيرا..وهذا حقنا !