الجمعة، يونيو 15، 2012

حارة المغاربة بالقدس: أو عندما يشهد التاريخ بجهاد المغاربة إلى جانب أشقائهم


في الوقت الذي تتزايد فيها اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على أهالي القدس الشريف في إطار سياسة تهويدية تتوخى طمس معالم هذه المدينة التاريخية، حيث المسجد الأقصى الذي عرج منه المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى سدرة المنتهى، وفي هذه الأيام المتزامنة مع إطلاق حملة دولية لفك الحصار عن القدس الشريف، وهي الحملة التي يحضر فيها المغرب كعادته بقوة من أجل قضية العرب الأولى، يجدر بنا أن نعود فننبش في كتب التاريخ والمصنفات الأثرية عن اسم مكان يعتبر من أهم الأماكن الأثرية في بيت المقدس، لا بل تشير الكتب التاريخية إلى أن البراق الشريف نزل بهذا المكان قُبيل امتطائه من قبل الرسول الأكرم ليعرج إلى السماوات السبع، إنه حارة المغاربة، التي تؤرخ لتواجد أجدادنا هناك بهذه الأماكن الطاهرة للدفاع والجهاد في سبيل الله

تعتبر من أهم الآثار بالقدس الشريف


وحارة المغاربة من أشهر الحارات الموجودة في البلدة القديمة بالقدس الشريف، وترجع شهرتها في عصرنا الحالي إلى الفعل الشنيع الذي أقدمت عليه قوات الاحتلال، حين دمرت الحارة بكاملها وسَوَّتها بالأرض بُعيد احتلال القدس عام 1967م، وحولتها كاملة إلى ساحة سمتها (ساحة المبكى) لخدمة الحجاج والمصلين اليهود عند حائط البراق، وذلك على حساب التاريخ والحق الثابت الراسخ في هذه المنطقة.
وكانت هذه الحارة بالكامل وقفاً من الملك الأفضل بن السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، بعد تحرير المدينة من الصليبيين، حيث أوقفها على المجاهدين المغاربة الذين شاركوا في الفتح وبقيت باسمهم، وعلى مر الزمان انتشرت فيها الأوقاف المتعددة من مدارس وأبنية ومصليات وزوايا وغيرها.
وتعد حارة المغاربة من المعالم الإسلامية التاريخية الواضحة في مدينة القدس والدالة على الهيمنة الإسرائيلية التهويدية منذ احتلالها لمدينة القدس، وكانت تقع في الجانب الجنوبي الغربي لمدينة القدس إلى الغرب من المسجد الاقصى المبارك منخفضة عن مستوى أرض ساحات المسجد الأقصى المبارك. ويحد حارة المغاربة من جهة الجنوب سور القدس وباب المغاربة، ومن الشرق الزاوية الفخرية ويليها المسجد الأقصى المبارك، ومن جهة الشمال المدرسة التنكزية وقنطرة أم البنات، ومن جهة الغرب حارة الشرف، وكان يمكن الوصول إليها عبر زقاق يفصل بين زاوية المغاربة وتربة الأمير بركة خان المعروف كذلك بالمكتبة الخالدية، ويعد كتاب وقف المالك الأفضل لحارة المغاربة أن حدها الجنوبي هو سور القدس ويليه الطريق السالك إلى عين سلوان وحدهما الشرقي هو حائط المسجد الأقصى المبارك المعروف بحائط البراق، ومن الشمال القنطرة المعروفة بقنطرة أم البنات، ومن الغرب دار الإمام شمس الدين قاضي القدس ودار الأمير عماد الدين بن موسكي ودار الأمير حسام الدين قايمباز.
وقد اختلفت أسماء المنشآت المحيطة بالحارة قبل هدمها؛ فقد حدها من الجنوب سور القدس وفيه باب المغاربة وآثار باقية من القصور الأموية ( دار الإمارة ) المكتشفة عام 1974م، ومن الشمال قوس ولون المعروف بأقواس ( تنكز ) الحاملة للمدرسة التنكزية، وعلى صفها أوقاف خاصة بعائلة الخالدي في القدس وتربة الأمير حسام الدين بركة خان، ومن الغرب حارة الشرف التي استملكتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي وشوهت معالمها الإسلامية التاريخية.

باب المغاربة في المسجد الأقصى

يقع باب المغاربة المؤدي إلى المسجد الأقصى المبارك في الجانب الجنوبي للرواق الغربي للمسجد الأقصى بالقرب من بواّبة الزاوية الفخرية الكائنة داخل المسجد الأقصى المبارك. ويصل هذا الباب بين حارة المغاربة والمسجد الأقصى، ويرتفع الباب عن مستوى الحارة بشكلٍ ملحوظ، فالحارة تربض على أرضٍ تنخفض نسبياً عن مستوى سطح أرض المسجد الأقصى.
ويتألف الباب من قوس محدبة له مصراع خشبي تُسيطر على مفاتيحه سلطات الاحتلال الإسرائيلية، وقد عُرف باسمه هذا كونه يؤدي إلى الحارة التي يقطن فيها المغاربة.
وتحدث شمس الدين السيوطي أنّه سُمّي بذلك ".. لمجاورته مقام المغاربة الذي تقام فيه الصلاة الأولى"، وقد استمر هذا الباب معبراً لكل من أراد الوصول إلى ساحات المسجد الأقصى المبارك للصلاة، وأحيط بالعباّد والزهاّد من أتباع المذهب المالكي.

مساحة حارة المغاربة

شغلت حارة المغاربة مساحة تقدر بخمس وأربعين ألف متر مربع، وهي بذلك تشكل ما نسبته 5 بالمائة من مساحة القدس القديمة، وقد تباينت مساحة الحارة تبعاً لاختلاف حدودها بين الحين والآخر، فقد امتدت مساحات من حارة المغاربة قبل العهد العثماني إلى خارج السور فعرفت بحارة المغاربة البرانية.
وفيما يتعلق بحدود الحارة فقد انخفضت حارة المغاربة عن مستوى أرض ساحات المسجد الأقصى المبارك، ويحد حارة المغاربة من جهة الجنوب سور القدس وباب المغاربة، ومن الشرق الزاوية الفخرية ويليها المسجد الأقصى، ومن جهة الشمال المدرسة التنكزية وقنطرة أم البنات، ومن جهة الغرب حارة الشرف، وكان يمكن الوصول إليها عبر زقاق يفصل بين زاوية المغاربة وتربة الأمير بركة خان المعروفة كذلك بالمكتبة الخالدية. ويفيد كتاب وقف الملك الأفضل لحارة المغاربة أنّ حدّها الجنوبي هو سور القدس ويليه الطريق السالك إلى عين سلوان، وحدّها الشرقي هو حائط الحرم القدسي الشريف المعروف بحائط البراق، ومن الشمال القنطرة المعروفة بقنطرة أم البنات، ومن الغرب دار الإمام ابن شمس الدين قاضي القدس، ودار الأمير عماد الدين بن موسكي، ودار الأمير حسام الدين قايماز.
وقد اختلفت أسماء المنشآت المحيطة بالحارة قبل هدمها، فقد حدّها من الجنوب سور القدس وفيه باب المغاربة وآثار باقية من القصور الأموية (دار الإمارة)، ومن الشمال قوس ولسون المعروف بأقواس تنكز الحاملة للمدرسة التنكزية، وعلى صفّها أوقاف خاصة بعائلة الخالدي في القدس وتربة الأمير حسام الدين بركة خان، ومن الغرب حارة الشرف التي استملكتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي وشوّهت معالمها الإسلامية والتاريخية.
وضمت الحارة عشرات المباني التي يعود تاريخ بعضها إلى العصر الأيوبي، وكان أشهرها المدرسة الأفضلية؛ وقد بلغ عدد المباني الأثرية التي هدمتها جرافات الاحتلال الإسرائيلي (135 بناءً أثرياً)، امتدت فوق الساحة التي أخذ اليهود يطلقون عليها فيما بعد ساحة المبكى. وتؤكد خارطة أفقية للقدس تعود إلى النصف الأول من القرن العشرين يظهر فيها تقسيمات مباني وطرق حارة المغاربة على الأرقام التي نشرت بعد العام 1967م، حول عدد المنشآت التي هدمتها جرافات الاحتلال في حارة المغاربة.

الشكل العام للحارة

تأخذ حارة المغاربة شكلاً مربعاً يتخلّله منشآت أثرية وتاريخية قديمة يعود بعضها إلى العصر الأيوبي، ويتخلل هذه المنشآت عقبات وأزقة معوجة وضيقة تصل أرجاء الحارة بعضها ببعض، ويتوزع على جانبي كل عقبة أو طريق أو زقاق في هذه الحارة عدد من المباني المتلاصقة التي يعلوها في بعض الأحيان قناطر وبوائك مع ظهور قليل للقباب، مما ميّز المدرسة الأفضلية التي كانت تعلوها قبة مرتفعة عن غيرها من المباني فعرفت بمدرسة القبة؛ وصفها العسلي قائلاً: وتتخذ الحارة شكلا مستطيلا تتخلله طرق مبلطة ضيقة، وجميع منازل الحي ملاصقة بعضها لبعض. وهي أبنية قديمة تشتهر بآبارها وغرفها الصغيرة وجدرانها السميكة، كما تشتهر بصغر مداخلها. ومن ضمن أبنيتها مبان تاريخية إسلامية يرجع بعضها إلى زمن المماليك.
وجاء دخول النبي محمد عليه الصلاة والسلام مدينة القدس من بابها اليماني، كما ورد في رواياتٍ تاريخية (أصبح موضعه يعرف بباب المغاربة)، تأكيداً منه على المكانة التي تميّز بها هذا الموضع القريب جداً من الحائط الذي ربط فيه براقه الشريف، وسيكون النبي العربي الكريم قد سلك في هذه الحالة طريقه تجاه المسجد الأقصى عبر الموضع الذي أخذ يُعرف بعد تحرير القدس سنة 583هـ/1187م، باسم حارة المغاربة التي بارك الله عز وجل موضعها الكائن حول المسجد الأقصى المبارك.
وكانت الحارة قبل أن تجرفها جرافات الاحتلال أقرب الحارات للمسجد الأقصى المبارك وحائط البراق الشريف، وترجع أهميتها في التراث العربي الإسلامي إلى كونها الموقع الذي نزل فيه البراق الشريف الذي أسرى بالنبي العربي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج؛ وينقل العليمي رواية الإسراء بقوله: ثم انطلق بي جبريل حتى دخلت المدينة من بابها اليماني (الجنوبي) فأتى قبلة المسجد، فربط بها البراق ودخلت المسجد من باب تميل فيه الشمس والقمر. ويضيف قائلاً: قال مؤقتو بيت المقدس لا نعلم بابا بهذه الصفة إلا باب المغاربة.
وقد ارتبط تاريخ الحارة بوجود حائط البراق الشريف الذي كان هو الآخر من جملة الأوقاف التي شملها وقف الملك الأفضل، نور الدين علي بن الناصر صلاح الدين الأيوبي، كما أنّها كانت قبلةً لأهل المغرب العربي ممن رأى منهم أن يُجاور في المسجد الأقصى ويرابط في القدس ليختم حياته هناك، ومقصداً للصوفية من أتباع كل من أبي مدين الغوث الحفيد، والشيخ الزاهد عمر المصمودي وغيرهما، كما شهدت الحارة ملتقىً لأتباع المذهب المالكي بسبب تمركزهم فيها ووجود المدرسة الأفضلية التي أوقفها الملك الأفضل.

تأسيس حارة المغاربة

دأب المغاربة على زيارة بيت المقدس منذ ما قبل الاحتلال الفرنجي لمدينة القدس سنة 493هـ/1099م، فقد اعتادت جماعات من أهل المغرب العربي القدوم لبيت المقدس للتبرك بمسجدها والصلاة فيه، وتزايدت أعداد المغاربة والأندلسيين الذين فضّلوا الاستقرار في هذه الديار المقدسة خصوصاً بعد استرجاع القدس من الفرنجة سنة 583هـ/1187م. ومرةً أخرى بعد ضياع الأندلس سنة 898هـ/1492م؛ وقد ساهم المغاربة في حركة الجهاد الإسلامي ضد الفرنجة وكان لهم دورٌ بارزٌ في فتح بيت المقدس وكسر شوكة الفرنجة في فلسطين، ولذلك طلب الناصر صلاح الدين الأيوبي من سلطان المغرب، يعقوب المنصور، مد يد العون وتزويده بأساطيل بحرية كي تُنازل أساطيل الفرنجة، فجهّز سلطان المغرب أسطولا كبيراً لمساندة الجيش الإسلامي في المشرق العربي.
وقد أسكن الناصر صلاح الدين الأيوبي أعداداً من المغاربة في بيت المقدس بعد انتصار المسلمين في معركتي حطين وفتح بيت المقدس على الفرنجة، ثم أوقف الملك الأفضل نور الدين علي بن صلاح الدين المساكن المحيطة بحائط البراق على مصالح الجالية المغربية المجاورة في القدس بُغيةَ التسهيل عليهم في إقامتهم، ومنذ ذلك التاريخ أخذ هذا المكان من مدينة القدس يُعرف باسم حارة المغاربة.

وقف حارة المغاربة

أوقف الملك الأفضل نور الدين أبو الحسن علي، النجل الأكبر للناصر صلاح الدين الأيوبي، حارة المغاربة على مصالح طائفة المغاربة المقيمين في القدس إباّن سلطنته على دمشق (589هـ/1193م – 592هـ/1195م)، حين كانت القدس تابعةً له بُغيةَ تشجيع أهل المغرب العربي على القدوم إلى القدس والإقامة فيها ومساعدة سكاّنها المغاربة الذين فضّلوا الاستقرار والمجاورة بالقرب من مسجدها المبارك. ولذلك كتب مجير الدين: ووقف أيضاً حارة المغاربة على طائفة المغاربة على اختلاف أجناسهم ذكورهم وإناثهم، وكان الوقف حين سلطنته على دمشق وكان القدس من مضافاته.
وأوقف الشيخ الناسك عمر بن عبد الله المصمودي في ثالث شهر ربيع الثاني سنة 703هـ/1303م وقفياً كبيراً في هذه الحارة. كما يوجد وقف كبير ومشهور في حارة المغاربة يُعرف بوقف سيدي أبي مدين الغوث الحفيد مؤرخ في 28 شهر رمضان سنة 720هـ/1320م، فضلاً عن وقف سلطان المغرب أبو الحسين علي بن عثمان المريني المؤرخ في سنة 738هـ/1337م.
ومن الأوقاف دار القبو الروماني، وهي دار وقف فاطمة بنت محمد 747هـ/1346م؛ وأوقفت هذه الدار سيدة تدعى فاطمة بنت محمد بن علي المغربية المعروفة بأم سعود في 25 ربيع الأول سنة 747هـ/1346م، وقد عرفت هذه الدار قبل وقفها بالقبو الروماني. وهي دلالةً على وجود عمراني سبق العصر الأيوبي في حارة المغاربة، ثم جدّدت الواقفةُ بناءها فعرفت بها، وكانت زاوية المغاربة المعروفة بالشيخ عمر المصمودي تحد دار أم سعود المغربية من ناحية الشمال. بينما كان يحدها من الجنوب الدرب السالك، ومن الشرق دار الواقفة، ومن الغرب الدرب السالك، وقد أشرطت الواقفة أن يسكن في دارها هذه فقراء من عجائز المغاربة دون أن ينتفعوا بالقبو الروماني.
وهناك وقف الحاجة صافية بنت عبد الله الجزائرية 1058هـ/1648م؛ فقد أوقفت سيدة تدعى صافية بنت عبد الله الجزائرية المغربية مبلغاً من النقود قيمتها 350 قرشاً أسدياً في شهر رمضان سنة 1058هـ/1648م، وذلك للاستفادة من قيمة إجارتها في كل سنة لشراء خبز يُفرّق على فقراء المغاربة في شهر محرم. وإذا تعذّر ذلك فعلى عدد من فقراء المسلمين.
وهناك دار وقف الحاج قاسم الشيباني المراكشي 1137هـ/1724م؛ بحيث أوقف الحاج قاسم بن محمد بن عبد الله بن علي المغربي الشيباني المراكشي في 13 محرّم سنة 1137هـ/1724م داراً كانت مُهدّمة تقع في حارة المغاربة على فقراء السادة المغاربة في القدس. وقد أظهرت وقفية الدار حدودها الجنوبية بالدرب السالك، ومن الشرق والشمال دار وقف المغاربة، ومن الغرب الدرب السالك، وقد أضاف الواقف على وقفه هذا ضرورة شراء الخبز لتوزيعه على فقراء المغاربة المقيمين في القدس.
وهناك دار وقف الحاجة مريم بنت عبد القادر المغربية 1048هـ/1638م، بحيث أوقفت الحاجة مريم بنت عبد القادر المغربية داراً أنشأتها في حارة المغاربة في 12 ذي الحجة سنة 1048هـ/1638م، وأشرطت الواقفة تأجير الدار لشراء الخبز من إجارتها وتوزيعها على فقراء المغاربة في القدس. وقد اشتملت الدار الموقوفة على أربعة بيوت ومطبخ ومرتفق وصهريجين لجمع ماء المطر، وكذا منافع ومرافق وحقوق شرعية.
وهناك طاحونة وقف المغاربة قبل سنة 1057هـ/1647م؛ إذ وجد في حارة المغاربة عدد من الطواحين القديمة، وقد تحدثت حجة شرعية في 18 ربيع الثاني سنة 1057هـ/1647 عن وجود قبو طاحون قديم وصفته بأنّه "أخشاب الطاحون المذكورة من تقادم الزمان دثرت وفنيت وتعطل الانتفاع بها" مما استوجب ترميمها. وقد توجه لذلك جماعةٌ من أهل القدس للكشف على الطاحونة كان من بينهم أحمد بن محمد شيخ السادة المغاربة في القدس، والحاج شرف الدين شيخ الطحاّنين في القدس، والحاج يحيى بن شخاتير؛ وقدّرت الجماعة التي كشفت على حالة الطاحونة احتياجها من المال اللازم للترميم بأربعين قرشاً أسدياً، وقد تم ترميم الطاحونة بعد استبدال آلات الطحن القديمة بأخرى جديدة.
وهناك دار وقف كمال الحلواني قبل سنة 1173هـ/1759م، بحيث أوقف الحاج كمال الحلواني هذه الدار قبل سنة 1173هـ/1759م؛ ويستفاد من حجة شرعية مؤرخة في تاسع شهر ربيع الأول سنة 1189هـ/1775م، أنها تقع بالقرب من إسطبل وقف المغاربة ودار وقف القاضي شرف الدين الخالدي.
وحاكورة وقف المغاربة كانت موجودة سنة 1198هـ/1783م؛ وعُرفت بحاكورة الحاج إسماعيل بن محمد الغاني المغربي قبل أن يبيعها في 22 ربيع الأول سنة 1198هـ/1783م إلى الشيخ عبد الله المغربي شيخ المغاربة في القدس. وتألفت أرض الحاكورة من "غراس صبر والكردار والجدران..." بينما كان يحدها من الجنوب جورة ابن الصغيّر، ومن الشرق الدرب السالك، ومن الشمال دور وقف المغاربة، ومن الغرب حاكورة الصغيّر.

تاريخ حارة المغاربة

ترجع الأهمية التاريخية للموضع الذي أُقيمت عليه حارة المغاربة إلى العصر الأموي حين أنشأ الأمويون عدداً من القصور الملاصقة لسور المسجد الأقصى من الناحيتين الجنوبية والجنوبية الغربية؛ ويرجع تاريخ تأسيس حارة المغاربة إلى العصر الأيوبي، وقد عُرفت حارة المغاربة باسمها بعد أن أوقفها الملك الأفضل نور الدين أبو الحسن علي بن السلطان صلاح الدين الأيوبي، وحافظت على عروبتها وإسلامها منذ أن تأسست بُعيد الفتح الصلاحي لمدينة القدس، وسكن المغاربة في حارتهم ولم يغادروها حتى داهمت جراّفات الاحتلال الإسرائيلي بيوتهم لتدمرها بتاريخ 11-12-13 حزيران سنة 1967م؛ وكان مما ميّز موقع الحارة وجود الزاوية الخُتنية القريبة منها، تلك الزاوية التي أوقفها صلاح الدين الأيوبي على الشيخ جلال الدين محمد بن أحمد ابن محمد الشاشي (نسبةً إلى شاش التي عُرفت لاحقاً بطشقند) في 18 ربيع الأول سنة 587هـ/1191م.
ولقد احتضنت الحارة عدداً من المؤسسات الدينية والوقفية التي لعبت دوراً بارزاً في الحركة العلمية والفكرية والدينية في القدس إبانّ العصر الأيوبي ثم العصرين المملوكي والعثماني؛ ذكرها مجير الدين: حارة المغاربة وهي بجوار المسجد من جهة الغرب ونسبتها إلى المغاربة لكونها موقوفة عليهم وسكنهم بها.
وتميزت الحارة بجملة من الأوقاف الكبيرة التي ضمنت استمرار وتدفّق المعونات والأموال والصدقات على مستحقيها من الأصول المغربية المقيمين فيها والواردين إلى القدس المقيمين في زوايا الصوفية فيها، كزاوية أبي مدين الغوث الحفيد وزاوية المصمودي، وقد ازدهرت أوقافها في العصر المملوكي حين ظهرت أوقاف أبي مدين والمصمودي وسلطان المغرب علي المريني، وراح سكاّنها ينخرطون في الحياة الدينية في القدس لاسيما إمامة السادة المالكية في القدس؛ وقد ظهر منهم علماء وفقهاء وشيوخ دين كان لهم دورٌ بارزٌ في تاريخ القدس الذي أخذت ملامحه تتكشف على نحوٍ تفصيليٍ بعد تزايد الاهتمام بالكشف عن وثائق سجلات المحكمة الشرعية في القدس ووثائق الأرشيف العثماني في إسطنبول.
لقد امتلأ الجانب الجنوبي الغربي لحارة المغاربة بالصباّر وتحوّلت أجزاء واسعة منها إلى حواكير جرداء، وأحاطت حواكير من الصباّر بابَها المعروف بسور القدس، وغطّى بعضها الآخر الجزء الجنوبي الشرقي للحارة حيث الآثار المكتشفة قبل العام 1974م والتي تعود إلى العصر الأموي في القدس، في حين تحوّل باب هذه الحارة منذ أواخر القرن الثاني عشر الهجري/التاسع عشر الميلادي إلى طريقٍ تسلكه الفلاّحات اللواتي يعرضن مزروعاتهن في مدينة القدس، فضلاً عن كونه أقرب الطرق إلى عين سلوان حين يطلب السكاّن التزود بالماء للشرب والغسيل.

تدمير حارة المغاربة وتشريد أهلها

كانت أياّم 11و12و13حزيران (يونيو) من العام 1967م تواريخ شؤمٍ أخرى على مدينة القدس، فقد هدمت جرافات الاحتلال الإسرائيلي حارة المغاربة بأكملها التي عرفت عبر التاريخ أنها من أقدم حارات القدس الأثرية، وكان مجموع المباني التي جُرفت آنذاك 135 بناءً أثريا.
وفي المرحلة النهائية من المعارك في القدس في غضون حرب يونيو 1967 احتل الجيش الإسرائيلي حي المغاربة مع باقي حارات القدس التي خضعت للسلطة الأردنية، وفي 10 يونيو 1967 أمرت السلطات الإسرائيلية بإخلاء سكان الحارة وتدميرها لتُسويه بالأرض ولتقيم مكانه ساحة عمومية قبالة حائط البراق لرؤية التهديدات من مسافة كافية. تم التدمير خلال ساعات قليلة وشمل 138 بناية من بينها جامع البراق وجامع المغاربة وكذلك المدرسة الأفضلية، الزاوية الفخرية ومقام الشيخ.
نورالدين اليزيد-مصادر مختلفة

الشباب المغربي يتحرك..


نورالدين اليزيد

يبدو أن الشباب المغربي مافتئ دوما يُكَذب كل تلك الخطابات التيئيسية التي تتهم القاعدة العريضة من أبناء هذا الشعب الأبي، بأنه يعرض عن المشاركة في بناء تقدم وازدهار هذه البلاد، وفي أَلْين مواقف هؤلاء المضللين إزاء شباب المغرب، فإنهم يشيرون إلى شبابنا بالبنان متهمين إياهم بأنهم هم السبب وراء تقليص نِسب المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، وبالتالي فإنهم بالنتيجة هم الضالعون وراء اقتراف "جريمة العزوف السياسي" !
نكاد نجزم، ولنا حجيتنا في ذلك، على أن الشباب المغربي لم يكن يوما ولن يكون غدا، مستعدا لينكث عهد بناء الدولة المغربية القوية، بمشاركته الفعلية في ذلك، أحيانا، وحينا بدعوة أقرانه إلى المشاركة، عندما تحول بينه وبين ذلك موانع.
وليس هذا المجال يتسع لذكر كل الميادين التي أبان فيها الشاب المغربي عن علو كعبه، في حلبة التسابق على بناء لبنات هذا المجتمع، لكي يبقى في مصاف الدول القوية بأهلها وتربة أرضها؛ فبالإضافة إلى أن القاعدة الأساسية لمختلف أجهزة الدفاع والأمن الوطنيين تتشكل من شبابنا، فإن مختلف الميادين الأخرى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية، تزخر بعطاءات الشباب، وهو ما يدل على أن ضمير هذه الفئة من مجتمعنا متقد وواع بما يمليه عليه واجب الانتماء إلى هذا الوطن.
إن بواعث هذا الكلام جاءت تفاعلا مع ما بادرت إليه مجموعة من شبابنا، في إطار العمل المدني والجمعوي الفاعل، وفي سابقة من نوعها، ليس على الصعيد الوطني وحسب، ولكن على المستويين العربي والقاري، حين أسست ما وصوفها "حكومة الشباب الموازية"، وهي مبادرة عملية وفعلية تدخل في إطار العمل الجمعوي الراقي والهادف، الذي يبغي إشراك هذه الفئة من المجتمع في هموم بلادهم، ولاسيما تلك المتعلقة بتسيير وتدبير الشأن العام المحلي والوطني.
صحيح أن عمل هذه المبادرة الخلاقة لن يتعدى كونه عملا جمعويا يتفاعل مع محيطه الاجتماعي والسياسي والثقافي، ويترافع من أجل إسماع صوت الشباب إلى الذين يهمهم الأمر، لكن مجرد وجود مثل هكذا مبادرات، يعيد الثقة إلى من يعنيهم الأمر ويؤكد للبعض المشكك، بأن هذه الأرض الطيب أهلها لن تعدم يوما إنجاب من يستطيع الذود عن ديارها ولا من يساهم في تقدمها ورقيها.
ولإسماع صوتهم فإن "وزراء" الحكومة الموازية، الشباب طبعا، الذين لا يريدون مالا ولا شكورا وإنما فقط رضاء هذا الوطن الذي يريدونه سعيدا، يؤكدون على الحاجة إلى وجود آلية مدنية لتتبع السياسات العمومية المستهدفة لفئة الشباب؛ ولذلك فإنهم لن يرضون إلا بآلية شبابية قادرة على تحمل المسؤولية في المواكبة والترافع والاقتراح.
وبرأيهم فإن "حكومة الشباب الموازية" ستعمل على إطلاق دينامية مدنية شبابية جديدة لمواكبة التطورات السياسية، ولمراقبة الأداء الحكومي، والعمل على إطلاع الرأي العام عن تقييم عمل الحكومة وعن المشاريع البديلة التي كان يمكن أن تلجأ إليها في كل القرارات التي تتخذها.
ولعل قراءة في وثائق وأفكار أصحاب هذه المبادرة المدنية الشبابية تجعلها حبلى بالرغبة والاستعداد الكبيرين في المساهمة في تطوير هذه البلاد، التي اختارت بوضوح وبضمانة أعلى السلطات، وضمانة الدستور الجديد الرائد على المستوى الجهوي والقاري، الانخراط في مسار الديمقراطية، وتكريس حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، مع ما يتطلبه ذلك طبعا من استغلال لإمكانات البلاد البشرية والثقافية القائمة على التنوع والاختلاف، والموحدة في إطار الوطن الواحد الضاربة جذوره في أعماق التاريخ.
ولأنها مبادرة شبابية تعيد الاعتبار إلى الشباب المغربي التي تشار إليه أصبع الاتهمام بالعزوف عن الشأن الوطني، لاسيما من قِبل بعض السياسيين الراغبين في احتلال مناصب المسؤوليات الإدارية والحزبية والجمعوية، والذين يرفضون تداول ذلك سواء مع العنصر النسائي أو الشبابي، فإنها (المبادرة) تعتبر إيذانا على بداية نهاية مرحلة ما يسمى "الريع السياسي"، الذي يجعل العديد من "الشيوخ" يستفيدون من ترك المقعد فارغا (شبابيا)، فيحتكرون المهمام، وفي ذات الوقت هي إشارة على أن هناك شبابا قادرا على الإبداع والعمل، ليس فقط في إطار الأغلبية أو المعارضة بل أيضا في إطار "حكومة موازية" أو "حكومة الظل"، والتي تعمل بها أعرق الديمقراطيات في العالم، لكن للأسف لم يسعفنا سياسيونا في إخراجها إلى الوجود، واستطاع شباب هذا الوطن أن يؤسسوا لها، فهنيئا لشبابنا !                                       

الأحد، يونيو 03، 2012

مغاربة عاشوا ودُفنوا ببيروت وتحولت قبورهم إلى زوايا


يمكن أن يُكذَب على الناس ردحا من الزمن، لكن لا يمكن تغيير الحقائق والزيف كل الزمن.. هذه خلاصة يمكن لدارس التاريخ أن يخرج بها كلما قلّب أمهات الكتب، والتي منها ما تؤكد على أن المغاربة فقهاء وعلماء وطلاب علم حطّوا الرحال بعدد من بلدان المعمور وتركوا هنالك آثارا لازالت شاهدة إلى اليوم، تماما كما هو الشأن في العاصمة اللبنانية بيروت

يذكرهم اللبنانيون باقتدار واحترام

كثيرة هي الآثار التاريخية التي تركها أجدادنا المغاربة بأرض المشرق العربي، والتي لم تطلها بعد الدراسات التاريخية والسوسيولوجية وغيرها من الدراسات التي ينبغي تسليطها على بعض بلدان المشرق العربي، التي تذكر كتب التاريخ أنه كان للمغاربة شأن عظيم بها، بل إن منهم من الرجال من قضوا نحبهم ودفنوا هنالك، وتحولت قبورهم إلى مزارات وزوايا يؤمها إخواننا بالمشرق العربي، تقديرا واعترافا بهؤلاء الرجال، الذين تركوا ديارهم هنا بالمغرب ورحلوا إلى هناك إما طلبا للعلم أو قصد نشره، وإما لحج البقاع المقدسة، فتحولت رحلاتهم تلك التاريخية إلى إقامات دائمة،لاسيما عندما اختلط الدم بالدم وتمت المصاهرات بين الإخوة المشارقة والمغاربة.
وتحكي روايات مختلفة أن من بين البلدان والجهات التي كان يؤمها المغاربة بلاد الشام والعراق بالإضافة طبعا إلى بلاد الحجاز (السعودية)؛ نفس الروايات أكدت أن عائلات عريقة تعيش اليوم ببعض العواصم العربية، كبيروت مثلا، هي من أصول مغربية، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على معالم حضارية وتاريخية بهذه العاصمة العربية التي ماتزال تحمل أسماء مغربية.       
وبحسب بعض الروايات فإن إسهامات المغاربة أكثر من أن تحصى في بيروت، لاسيما وأن عددا كبيرا من العائلات البيروتية تمتد جذورها إلى المغرب، وقد أسهمت هذه العائلات مع عائلات بيروتية بالوصول ببيروت إلى ما وصلت إليه كمدينة عربية، وكعاصمة لبنانية، وكمركز من أهم المراكز والمدن الحضارية والثقافية والعلمية.
ومن بين الملامح والإنجازات المغربية في بيروت إقامة المؤسسات الاقتصادية والعلمية والدينية والاجتماعية والإنسانية والعمرانية وسواها، منها على سبيل المثال؛ الإسهام في توسعة وترميم المساجد في بيروت، أو إقامتها بعد استقرارهم وتحسن أوضاعهم الاقتصادية والمالية، لاسيما المساجد في باطن بيروت وفي بعض أحياء المدينة، وما تزال هذه الإسهامات مستمرة حتى الآن.

وجود مغربي بقلب بيروت

تأسيس زوايا: كان للمغاربة دور مهم في إقامة الزوايا الإسلامية، ومنها زاوية الحمراء في باطن بيروت التي أقامها "آل الحمراء" حوالي عام 1390، وزاوية الخلع المعروفة باسم زاوية البياطرة، وقد أقامها بعض المغاربة في أوائل القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي، وزاوية الشيخ حسن الراعي المغربي، وهو من كبار العلماء المسلمين في القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي. ويروى الشيخ عبد الغني النابلسي في كتابه ( الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز)، والذي زار بيروت عام 1711م، بأنه زار قبر الشيخ جبارة في مقبرة بيروت إزاء البحر، وهو من أولاد الشيخ حسن الراعي. ويرجح أن آل جبارة، شبارة، شبارو، من نسب هذا العالم المغربي الجليل، كما بنى المغاربة بواسطة أحد أتقيائهم زاوية القطن في العصور الوسطى، حوالي سنة 1390م.
كما أقام المغاربة زاوية باب المصلى قرب باب السراي، وزاوية أخرى عرفت باسم زاوية المغاربة، أنشأها أحد أتقياء المغاربة في العصور الوسطى هو الشيخ محمد المغربي، وكان موقعها قبلي جامع السراي قرب سوق سرسق.
وأسهم المغاربة أيضا وبقية أهل بيروت بإقامة العديد من المؤسسات العسكرية أو المدنية، ومن بينها الأبراج العسكرية أو المدنية منها: برج حمود في شرقي بيروت وبرج بيهم وبرج سلام وبرج شاتيلا وبرج الخضر وبرج المدور وبرج قدّورة وبرج الحمراء وبرج اللبان وسواها من الأبراج. ومن أهم أبواب بيروت التي سميت باسم إحدى العائلات البيروتية المغربية الأصل باب إدريس وهو أحد أبواب بيروت السبعة. ومن أهم المناطق التي أسهم المغاربة بتأسيسها هي منطقة الحمراء التي ما تزال حتى اليوم من المناطق الأساسية في بيروت ولبنان.

إنشاء الجبّانات(المقابر): نظرا لكثرة المغاربة في بيروت، ونظرا لخصوصيتهم طيلة قرون عديدة فقد أقاموا لأنفسهم جبانات خاصة بموتاهم خارج سور بيروت، يأتي في مقدمتها جبانة المغاربة، وهي بالقرب من جبانات المصلى، الخارجة، الغرباء. وفي القرن العشرين أقامت فرنسا جبانة خاصة بالجنود المغاربة العاملين في قواتها العسكرية، وذلك في محلة قصقص في الطريق الجديدة وهي إحدى أهم المناطق البيروتية، وما تزال هذه الجبانة قائمة حتى اليوم بالقرب من جبانة الشهداء.

إحداث الأسواق التجاريّة؛ وقد أسهم المغاربة في تطور الأسواق التجاريّة والحرفية في باطن بيروت، منها؛ سوق العطارين، وسوق القطن، وسوق النقاشين، وسوق الخياطين، وسوق النحاسين، وسوق الصاغة، وسواها. كما جلبوا من بلادهم الأشتال والمزروعات والفواكه المغربية لزراعتها في بيروت وبلاد الشام منها الليمون المغربي.

تشييد المدارس والمعاهد والجمعيات: حيث أسهمت العائلات المغربية في إقامة العديد من الكتاتيب والزوايا العلمية والمعاهد والجمعيات بالعاصمة اللبنانية بيروت وفي ضواحيها، ومن يطّلع على وظيفة الزاوية يدرك أهميتها الدينية والتعليمية. ومن يطّلع على أسماء العائلات التي أسهمت بتأسيس أهم جمعية بيروتية تعليمية ألا وهي جمعيّة المقاصد الخيرية الإسلامية يدرك الصفة والأصول المغربية لتلك العائلات، فضلاً عن إسهامها في إقامة البيمارستانات والصيدليات لاسيما في القرن التاسع عشر في العهد العثماني.
 
زوايا مغربية شاهدة..

وبالنظر إلى أهميتها القصوى في الحياة الاجتماعية بلبنان إلى غاية يومنا هذا فقد تميز الحضور المغربي بالخصوص عن طريق التأسيس لزوايا لا يزال دورها الاجتماعي والروحي متواجدا إلى حد الآن في صفوف أهالي بيروت العاصمة اللبنانية، ومن هذه الزوايا؛

1)زاوية المغاربة: حيث أنشأ هذه الزاوية أحد أتقياء المغاربة في العام 1390م، وكان الشيخ محمد المغربي مقيما فيها، وقد بني فوقها حوالي عام 1890م المكان الذي خصص لشيخ الطريقة السعدية ومريديها للقيام بالأذكار والأوراد، كان موقع هذه الزاوية قبلي جامع السرايا في وسط بيروت قرب سوق سرسق. وقد هدمت في الحرب العالمية الأولى بداعي توسيع الطرق.
وقد سميت هذه الزاوية بزاوية المغاربة، بسبب تجمع المغاربة فيها القاديمن من المغرب العربي. وكانت الأسر المغربية تواظب على عقد اجتماعاتها الدينية، وتلاوة أورادها وأذكارها في هذه الزاوية، ومن بين هذه الأسر البيروتية ذات الأصول المغربية؛ الهبري، المجذوب، طبارة، فتح الله، الغندور، القصار، شاكر، منيمنة، جلول، الصغير، العريس، إدريس، الأنسي، الكوش، فتوح، شقير، وغيرها من الأسر ذات الأصول المغربية.
وكان الشيخ محمد أديب بن محمد محرم البيروتي يقوم بقراءة القرآن الكريم في زاوية المغاربة، وذلك في القرن التاسع عشر، كما كان لهذه الزاوية العديد من الأوقاف المتضمنة دورا ودكاكين وأحكارا.

2)زاوية باب المصلى: وقد أقام هذه الزاوية المغاربة الذين توطنوا في بيروت، وكان موقعها قرب المصلى أو باب السرايا، وأمامها معالم تشير إلى روادها، ومن هذه المعالم؛ مقبرة الخارجة، مقبرة الغربا، ومقبرة المغاربة؛ وكانت كلها توجد ما بين سينما ريفولي وسوق الخضار القديم، أي ظاهر بيروت.
وكانت هذه الزاوية مسجدا وتكيّة تستضيف الغرباء عن بيروت، أوقف عليها بعض الأوقاف، وكان المتولي على أوقافها الشيخ عبد الله ابن الحاج محمد خرما شقير.

3)زاوية الشيخ حسن الراعي: وتنسب هذه الزاوية إلى الشيخ حسن الراعي المغربي، وهو من كبار العلماء المسلمين في القرن السادس الهجري، وكان الشيخ حسن يدرس في هذه الزاوية ويقيم فيها. كان موقع هذه الزاوية في باطن بيروت في شارع فخر الدين، في مكان الإطفائية القديم، في شارع المصارف اليوم بالقرب من باب يعقوب داخل سور بيروت، تهدمت هذه الزاوية في الحرب العالمية الأولى.
كان لهذه الزاوية نظار وأئمة، فقد كان الناظر عليها الشيخ حسين ابن علي المناصفي، ثم من بعده الشيخ عبد الحميد بن الحاج عمر يموت، ثم من بعده ولده الحاج سعد الدين يموت، ثم تعين فيما بعد إماما متطوعا الشيخ عبد الرؤوف بن الشيخ الهادي النصولي. لهذه الزاوية الكثير من الأوقاف المتضمنة أحكارا ودورا وبيوتا وأرطالا من الزيت، وقد جاء في أحد سجلات المحكمة الشرعية في بيروت بيان بهذه الأوقاف تحت عبارة (إلى زاوية سيدنا الشيخ حسن الراعي قدس الله سره ونور ضريحه آمين).

الراعي..علَم مغربي بلبنان

بالنظر إلى أهمية الشخصية الفذة للشيخ حسن الراعي، فقد أثيرت حولها العديد من الأسئلة والاحتمالات حول أصوله الأولى، والبلاد التي ينحذر منها، لكن، وبحسب عدد من الكتابات التاريخية، فإن الراجح هو قدومه من بلاد المغرب إلى العراق قبل أن يحل ببيروت وينتقل إلى قَطنا بسوريا حيث مات ودفن بها. ولذلك سمي الشيخ حسن الراعي القطناني حسب الرواية البيروتية، أو أسرته حسب رواية الأستاذ سعد الدين التي انتقلت من المغرب إلى مصر ثم شهبا بحوران جنوب سورية، ومنها انتقل هو إلى قطنا، وذلك حسب ما ذكر في شجرة نسب الشيخ حسن الراعي وأسرته التي نشر صورة عنها ملحقة بكتابه "قطنا بين السطور ". ثم انتقاله منها لطلب العلم والدعوة إلى الله تعالى، ووصوله إلى بيروت حيث اشتهر بين أهلها بنسب المغربي.
ومن أجل رفع اللبس عن هذه الشخصية التاريخية وأصولها الحقيقية فقد راعت هاتان الروايتان المعنى اللغوي والاصطلاحي الدارج إلى اليوم، يقال : غَرَبَتِ الشمسُ: غابَتْ فِي المَغْرِبِ؛ وَكَذَلِكَ غَرَبَ النجمُ، وغَرَّبَ. والمَغرِبُ فِي الأَصل: مَوْضِعُ الغُروبِ ، ثُمَّ استُعْمِل فِي الْمَصْدَرِ وَالزَّمَانِ، وقياسُه الْفَتْحُ، وَلَكِنِ استُعْمِل بِالْكَسْرِ كالمَشْرِق والمسجِد. وتَغَرَّبَ: أَتَى مِنْ قِبَلِ الغَرْب. فمن المحتمل أن الشيخ حسن الراعي بعد لقائه بشيخه الرفاعي قد انتقل إلى بلاد المغرب حيث قامت دولة الموحدين على أنقاض دولة المرابطين، ثم عاد إلى المشرق حسب الرواية البيروتية السالفة الذكر! وقد عاصر الشيخ حسن الراعي عددًا من حكامها الأقوياء الذين لقبوا أنفسهم بلقب "أمير المؤمنين" ، بينما كان زعماء المرابطين يلقبون أنفسهم بلقب "أمير المسلمين"، وذلك احترامًا منهم واعترافًا للخليفة العباسي الملقب بـ"أمير المؤمنين"؛ أما الموحدون فاعتبروا أنفسهم خلفاء للمؤمنين، وقطعوا الدعوة للخلفاء العباسيين من على المنابر، وأقاموا شعائر الإسلام، وأزالوا المنكرات وغيرها من المفاسد، وفتحوا باب الاجتهاد، ورفعوا راية الجهاد، وأعلوا راية الدين بقدر استطاعتهم ومعرفتهم في المغرب والأندلس. وهذا ما اجتذب إليهم كثيرًا من المشارقة الذين سافروا إلى المغرب، والتقوا بأنفسهم بهم، واطلعوا على مدى تطبيقهم للدعوة الإسلامية والتزامهم بالأحكام الربانية، وابتعادهم عما اعتبروه بدعًا مخالفة لجوهر الإسلام الذي تضمنه الكتاب والسنة.
والمغرب التي قد تكون السبب الأكثر احتمالاً في إطلاق هذه النسبة على الشيخ حسن الراعي، كما تذكر كتب التاريخ، هي بلاد واسعة كثيرة، وعثاء شاسعة، قال بعضهم حدها من مدينة مليانة وهي آخر حدود إفريقية إلى آخر بلاد السـوس التي وراءها المحيط وتدخل فيها جزيرة الأندلس. والمغرب تاريخيًا امتدت حدوده إلى الأندلس شمالًا، ونهر السنغال جنوبًا، وقد شكّل ثاني الدول الإسلامية التي استقلت عن الدولة العباسية بعد الأندلس، إذ أسس فيه إدريس بن عبد الله سلالة الأدارسة عند هروبه من المشـرق والتجائه إلى أقصى ما فتحه العرب من البلدان غربًا.
وبرزت المغرب في عهد سـلالة المرابطين، عندما كان لحكامها السيطرة الفعلية على ما جاورها من البلدان العربية وصولاً إلى الأندلس، وكذلك دولة الموحدين التي خلفتها كما ألمحنا أعلاه.
والمغرب الدولة العربية الوحيدة في شمال أفريقيا التي لم تدخل تحت الراية العثمانية، إلا أنها خضعت في وقت لاحق للاستعمار الفرنسي وللحماية الإسبانية، وتم تقسيم أراضيها بين الدولتين المستعمرتين، فرنسا وإسبانيا، قبل أن تحصل على استقلالها في سنة 1376 هـ /1956م( ).
نورالدين اليزيد عن موقع يا بيروت     

الجمعة، يونيو 01، 2012

المجلس الاستشاري للشباب.. وشبابُنا


نورالدين اليزيد

منذ أزيد من مائة يوم بدأت الحكومة الجديدة مهامها بالموازاة مع تنزيل الدستور الجديد، الذي جاء نتيجة حراك شعبي ورسمي انخرطت فيها، منذ أزيد من سنة، السلطات العليا بالبلاد بقوة، عندما دعا جلالة الملك محمد السادس، في خطاب 9 مارس من السنة الماضية، إلى القيام بإصلاحات سياسية جذرية رسم معالمها الأساسية نفس الخطاب الذي دعا أيضا إلى إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
ولأن هذه الإصلاحات، بالإضافة إلى أنها تعتبر استمرارا لمسيرة طويلة من مثيلاتها من الإصلاحات التي يشهدها المغرب، منذ أزيد من عقد من الزمن، جاءت بالتزامن مع هبّة من الاحتجاجات الشعبية التي طالت معظم البلدان العربية، والتي كان من ورائها الشباب، فإن الدستور الجديد خصّص حيزا هاما لهذه الفئة الحيوية من مجتمعنا المغربي، التي حظيت بحصة معتبرة من المقاعد في مجلس النواب (كوطا)، بالإضافة إلى تنصيص هذا الدستور الجديد على إنشاء "مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي"، وذلك من أجل توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد، ومساعدة هذه الفئة على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني، كما ينص على ذلك صراحة النص الدستوري.
هذه الإصلاحات يبدو أن مسؤولية المُشرّع قد قام بما يلزم إزاءها وإزاء المجتمع من ضرورة توفير الإطار القانوني، لكن وكما يعرف القانونيون والرأي العام، على حد سواء، فإن التنصيص دستوريا على قضيةٍ ما أو الدعوة إلى إنشاء مؤسسة عمومية معينة، كما هو الشأن بالنسبة لهذه المؤسسة الدستورية التي تعنى بفئة الشباب، يبقى غير ذى جدوى إذا لم يتم تحويل ذلك النص الدستوري إلى كائن قابل للحياة؛ بمعنى صياغة القوانين والمراسيم اللازمة لتنفيذ تلك النصوص الدستورية.
هاهنا تبرز إذن مسؤولية الحكومة والجهاز التشريعي، وكذا القضائي لِم لا خاصة عندما تتبدّى منازعات في سياق تنفيذ القوانين التي تحكم البلاد؛ إنها مسؤولية أول فريق حكومي يقوده رئيس حكومة جاء من المعارضة، وشكل حكومته بناء على مقتضيات الدستور، التي تنيط به مسؤولية التنزيل السليم لهذا لدستور2011، بالشكل الذي يلبي حاجيات وانتظارات المواطنين، ولاسيما منهم الشباب.
هذه المسؤولية تقتضي، من بين ما تقتضيه الابتعاد، ما أمكن حتى لا نقول، الابتعاد نهائيا، عن الحسابات الضيقة، ومنها تلك الشخصية والحزبية التي كلّفت بلادنا الشيء الكثير من التأخر وسوء الاستثمار في الرأسمال البشري، وهو ما أثّر حتما في وثيرة تنمية مجتمعنا، لا بل وخلّف وضعا ضبابيا لدى الشباب المغاربة هو أقرب إلى فقدان الثقة بنخبنا السياسية منه إلى مخاصمة السياسة والتعاطي مع الشأن السياسي والحزبي.
إن التنزيل السليم للدستور، وحتى يتسنى للرأي العام الوطني التيقن بالقطع مع أساليب التدبير العام القديمة الموغلة في الضبابية وغياب الاستناد إلى معايير الكفاءة والموضوعية والنزاهة، يقتضي (التنزيلُ) تسلحَ الحكومة الجديدة بإرادة قوية في التغيير، وبالتفعيل الرشيد والعملي لمقتضيات الدستور الحاثة على الحكامة الجيدة وربط ممارسة المسؤولية بالحساب والمساءلة.       
لذلك فإن أولى الاختبارات لهذه الحكومة، على الأقل فيما يتعلق بالشباب وهذا موضوعنا في هذا الركن، ستكون هي ماهية المعايير والمقاييس والأساليب، التي سيُلجأ إليها لإخراج هذه المؤسسة الدستورية المعنية بالشباب إلى حيز الوجود!
لاشك أن الضامن الوحيد والمؤشر الأوحد على حسن نية الحكومة في تجاوز تراكمات الماضي فيما يتعلق بمجال تدبير الشأن الشبابي ببلادنا، سيكون هو ازديان مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي يضم أعضاء شبابا مشهود لهم بكفاءاتهم لا بولاءاتهم لهذه الجهة أو تلك؛ شباب يمكن أن يقدموا قيمة مضافة للحقل الشبابي، وهو ما لن يتأتَّ إلى من خلال القدرة على الغوص في الحياة العامة للشباب ومخاطبتهم بلغتهم، أي البحث عن الشاب المناسب في المكان المناسب، وليس الشاب القائل..كان أبي !     

الخميس، مايو 31، 2012

المجلس الاقتصادي والاجتماعي يوصي بتبني إستراتيجية جديدة للثقافة


في تقرير جريء وموضوعي حول الحالة الثقافية بالمغرب ولاسيما وضعية الشباب الثقافية، توصل خبراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى وجود "خصاص" في هذا المجال، داعين إلى ضرورة تبني إستراتيجية جديدة تدمج الشباب عن طريق الثقافة
 
دعا إلى ضرورة إدماج الشباب عن طريق الثقافة


في تقرير صدر عنه حديثا لفت المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى أن "إدماج الشباب عن طريق الثقافة" يتطلب تجاوز أشكال الغموض التي تلف التصورات السائدة حول الثقافة، والتي تعتبرها ترفا فكريا، أو محصورة في التراث، أو مرهونة بالهاجس الهوياتي، داعيا إلى بلورة استراتيجية وطنية تفتح مسالك وظيفية بين الممارسة الثقافية والتشغيل.
وفي التقرير بمثابة "رأي" لهذه المؤسسة الدستورية الوطنية، نجد أن خبراء المجلس وهم من مختلف التخصصات السياسية والاقتصادية الاجتماعية والدينية والتربوية، يقفون عند تشخيص موضوعي وعلمي للحالة الثقافية لدى الشباب، ويوصون بخطة عملية من أجل إدماج الشباب عن طريق الثقافة؛ إنه "الإدماج" الذي يتطلب الانخراط الجماعي في بناء تصور ثقافي إدماجي شمولي، يمنح للشباب مكانة مركزية في برامجه وأنشطته، وفي هذا الصدد يوصي المجلس بتسريع وتيرة تفعيل المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، ويهيب أيضا بالجامعات ومراكز الدراسات والأبحاث، وكافة الجهات المعنية بتعميق البحث في هذه المواضيع.
ويكشف تقرير خبراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي عن أن "ضعف الاستثمار العمومي في مجالات الثقافة يمثل أكبر دليل على غلبة التمثلات السلبية أو الضيقة لها، في الوقت الذي يفترض الإقرار بالتنوع الثقافي وعيا جديدا بأهمية المسألة الثقافية في السياسات العمومية، وبأدوارها في إدماج الشباب في الحياة العامة، كما في التماسك الوطني".
ويعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي هيئة دستورية مستقلة، تم تنصيبها من طرف جلالة الملك محمد السادس يوم 21 فبراير 2011. ويضطلع المجلس بمهام استشارية لدى الحكومة ومجلسي البرلمان.
ويواصل خبراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي تشخيصهم العلمي للوضع الثقافي ببلادنا مؤكدين على أن المجتمع المغربي "يعرف تباينا كبيرا بين تحديث بنياته التحتية والمؤسساتية، وبين الخصاص الظاهر في الثقافة، في الوقت الذي كان من المفترض أن تواكب مجهودات التحديث المادية نهضة ثقافية عصرية، تبدأ بالتربية والأسرة لتمتد إلى المجال العام في شكل سلوكات مدنية وأخلاقية عامة، تحفز على المبادرة والاعتراف والتسامح".
وأضاف التقرير أن بلادنا في حاجة إلى إعادة بناء تصورها للمسألة الشبابية، في ضوء التحولات التي يشهدها المجتمع، كما هي في حاجة إلى إعادة الاعتبار للثقافة وجعلها من الأبعاد المركزية في كل السياسات العمومية؛ ولهذه الغاية يقول التقرير، فإنه يتعين توفير شروط لرافعات مؤسسية، ومادية، وسياسية، وثقافية، وتكنولوجية، وتكوينية، وتحسيسية، لتغيير الوضع الذي ينتج من الإقصاء والاستبعاد أكثر مما يولده من عوامل الإدماج.

إستراتيجية ثقافية جديدة..

بعد الدراسة المستفيضة لواقع الثقافة ببلادنا ولاسيما فيما يتعلق بعلاقة فئة الشباب بالمجالات الثقافية، يصل خبراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى صياغة توصيات تهدف إلى مزيد من إدماج هذه الفئة الحيوية من المجتمع عن طريق الثقافة؛ إذ يدعو  المجلس إلى إعادة بناء وعي جديد بالثقافة والشباب، بواسطة بلورة مشروع وطني ينطلق من قناعة جماعية بأن الثقافة مسألة إستراتيجية، ورافعة أساسية من رافعات التنمية الشاملة للبلاد، ومدخلا ضروريا لتحصين الهوية الوطنية في تنوعها، مؤكدا على القطع مع "التصور التقليدي للشباب، وبناء تصور (براديغم) جديد للمسألة الشبابية مع الشباب، وبإشراك الشباب، مع توفير كافة الشروط الممكنة لإدماجهم".
وفي هذا السياق يحث المجلس على اتباع مقاربة أفقية وتعاقدية لتدبير السياسات العمومية المعنية بالشباب، اعتمادا على منهجية تشاركية لتجاوز كل أشكال الخلل والعجز التي أنجتها السياسات القطاعية في التربية والتعليم والثقافة والتواصل والشباب، داعيا إلى وضع ميثاق وطني لصيانة التراث الثقافي المادي واللامادي، يحدد مسؤوليات كل جهة في حمايته والاهتمام به، ويحفز الشباب على التخصص فيه، وتثمينه بما يخدم مختلف جهات المملكة بإنصاف وتوازن.
وبرأي المجلس فإنه يتعين على كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، العمل لإدخال مقومات هذا المشروع في العائلة، والمسجد والمجال العام، ووسائل الاتصال، ومختلف القنوات الرقمية، وإدراجه عبر المؤسسات التعليمية بمختلف أسلاكها؛
ويحدد القانون التنظيمي رقم 09-60 المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي  تركيبته، وتنظيمه، وصلاحياته وطريقة تسييره. ويعهد إليه إبداء رأيه حول التوجهات العامة للاقتصاد الوطني و التكوين.
ووعيا بالتحديات الكبرى التي تواجهها الدولة والنخب والمجتمع بخصوص إعادة هيكلة الدولة المغربية في اتجاه تحقيق جهوية موسعة، فإن المجلس يرى بأن تجديد وتطوير العمل العمومي في المجال الثقافي والفني، رهين ببناء علاقات مبتكرة بين الثقافة والشباب، والتنمية الجهوية والمحلية، من خلال طرق تشاركية في التنظيم والتأطير، بين كافة المتدخلين في الجهة، ومراعاة الخصوصيات الثقافية واللغوية لمختلف جهات التراب الوطني.
ويوصي المجلس الاقتصادي والاجتماعي أيضا بأن تعكف مختلف الهيئات الدينية بالمملكة على تفعيل الدور الإيجابي للمسجد، نحو مساجد قرب عضوية، تكون فضاء للتأطير بواسطة مصوغات منهجية للتكوين على مبادئ الدين الإسلامي، كما تكون حصنا للحؤول دون الاختراقات الثقافية ذات الطبيعة الدينية التي تستهدف الشباب عبر مختلف القنوات والمواقع.
وأفرد المجلس كذلك جانبا مهما للتطرق إلى المهاجرين الشباب حيث أوصى المؤسسات الوطنية المعنية بهذا الموضوع، بوضع سياسة منسجمة، تقترح عروضا ثقافية تراعي تنوع الوقائع الاجتماعية والثقافية الخاصة بالبيئات التي يعيش فيها شباب المهجر.
وأوصى الخبراء أيضا بإنشاء مرصد لإنجاز دراسات ميدانية، وإعداد تقرير شامل كل ثلاث سنوات، يقدم تقييما شاملا لواقع إدماج الشباب عن طريق الثقافة، مع العناية اللازمة في هذه الدراسات بالمقاربة المبنية على المساواة بين الجنسين، وبين المجالين القروي والحضري.


الدعوة إلى مشروع متكامل..

بالنظر إلى دورهما الحيوي والأساسي في تنمية وعي الشباب فإن المجلس يوصي بجعل المدرسة والتعليم رافعة حاسمة في الإدماج الثقافي، ما يقتضي من بين ما يقتضيه، وضع خريطة للمكونات الثقافية واللغوية المغربية، والعناية بالسياسات الجهوية، وجعل المدرسة إطارا مؤسسيا وتربويا لتقوية التماسك الوطني، عبر التنصيص القانوني على الحق في الثقافة باعتبارها مدخلا من مداخل الإدماج؛ وتنمية الميولات الإبداعية للمتعلمين وهيئات التدريس وتشجيعها، وتيسير شروط استيعاب المتعلمين النقدي للثقافة، ومشاركتهم في إنتاجها؛
وبالموازاة مع ذلك يوصي المجلس بتشجيع دينامية "التثقيف بالنظير" بين الشباب (éducation par les pairs) عبر مختلف الإطارات الجمعوية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإنشاء فضاءات للنقاش الحر بين الشباب، وبينهم وبين مختلف الأجيال.
ودعا المجلس إلى إعادة هيكلة قطاع الثقافة، بما يستجيب لمقومات المشروع الثقافي الوطني المطلوب، وإدراجه في إطار مؤسسي أفقي، يتوجه إلى الشباب بقدر ما يهتم بكل شرائح المجتمع؛ ولهذه الغاية يوصي المجلس بتطوير شبكة جهوية لمركبات متعددة الوسائط ومختلفة الأحجام (المركبات الصغيرة للقرب في الأحياء، المركبات الجماعية، والمركب الكبير في الجهة)، ووضع نظام ربط معلوماتي فيما بينها، مع توفير ما يلزم من شروط تساعد الشباب ذوي الاحتياجات الخاصة على ولوج هذه المنشآت. كما يوصي المجلس بعقلنة تنظيم المهرجانات بمختلف أصنافها، والابتعاد عن التعامل الموسمي العابر معها، بجعلها رافعة للعمل الثقافي المحلي والجهوي بشكل مستدام.
ولذلك فلا مناص من تنويع مصادر التمويل، يقول خبراء المجلس، وبناء شراكات بين السلطات العمومية والقطاع الخاص، والجمعيات الثقافية والشبابية، وذلك بإنشاء إطار مؤسسي في شكل وكالة وصندوق وطنيين للثقافة والشباب للاضطلاع بالمقتضيات المشار إليها أعلاه.
وفي مجال استعمال التكنولوجيا واعتبارا للتأخر الملحوظ في بناء المنشآت والتجهيزات الثقافية "الكلاسيكية"، يقول التقرير، ونظرا للتوسع الهائل للممارسات الثقافية الجديدة للشباب بواسطة التكنولوجيا الرقمية، وبهدف إطلاق حركية ثقافية وطنية عصرية، ونقل التراث الثقافي والفني المغربي بطرق جاذبة ومحفزة، فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي يدعو إلى تبني استراتيجية واضحة لتطوير عرض ثقافي رقمي وطني، تقوم بالأساس على؛ تشجيع الاستثمار في الثقافة الرقمية، بتيسير مساطر الاستفادة أمام المستثمرين في هذا المجال من صناديق تشجيع التجديد في التكنولوجيات الحديثة ولاسيما "تطوير" و"انطلاق"و"صندوق الخدمة العامة" (Fonds du service universel)؛ وتطوير مواقع رقمية موضوعاتية تمنح للشباب مضامين نصية، وسمعية بصرية، مكملة للمعارف المدرسية والجامعية؛ وتطوير متاحف رقمية تعرف الشباب بتاريخهم، وغير ذلك من الأمور ذات الصلة كإعداد شبكة تواصلية على الأنترنيت تعنى بتيسير الولوج لأكبر عدد ممكن من الشباب لخدماتها باللغات الوطنية، وما إلى ذلك.
نورالدين اليزيد