الأربعاء، يوليو 27، 2011

المغرب في حداد بسبب أسوء حادث جوي

في أسوء حادث للطائرات في المغرب قُتل ثمانون شخصا من العسكريين وأفراد من عائلاتهم، في منطقة "كلميم" الجبلية جنوب البلاد، إثر تحطم الطائرة العسكرية التي كانت تقلهم.

وكانت الطائرة تقوم برحلتها من منطقة العيون في الصحراء إلى مدينة أكادير الساحلية. وقد فتحت السلطات تحقيقا لتحديد أسباب الحاث.

وبحسب المعلومات الأولية التي قدمها الجيش، فإن الطائرة من نوع "هرقل سي مائة وثلاثون" اصطدمت بجبل "تاييرت"، وإن الحادث نجم عن الظروف الجوية السيئة، عندما كانت الطائرة تستعد للهبوط في المطار العسكري.

وحسب مصادر متطابقة فإن الضباب الكثيف كان السبب الرئيس لتحطم طائرة النقل العسكري من طراز "هرقل سي 130"، صباح أمس الثلاثاء، بضواحي كلميم، مما أدى إلى مصرع جميع ركابها الثمانين.

وأفادت وسائل إعلام مغربية نقلا عن ذات المصادر أن الطائرة اصطدمت بقمة جبل "تاييرت" وانحرفت إلى اليسار، لتنشطر إلى جزأين، أولهما ظل عالقا بقمة الجبل فيما ارتطم الثاني بالأرض قبل أن تلتهمه النيران.

واستعانت فرق البحث التابعة للوقاية المدنية والجيش بمروحيات استعملت للوصول إلى النصف العالق من الطائرة بقمة الجبل.

إلى ذلك أوردت يومية "الصباح" أن من بين القتلى يوجد ضباط تخرجوا حديثا من إحدى الأكاديميات العسكرية وكان مفروضا أن يؤدوا القسم، بمناسبة احتفالات عيد العرش يوم السبت المقبل، إضافة إلى ضباط آخرين كانوا يجتازون دورة عسكرية بمناطق على الحزام الأمني.

وانطلقت الطائرة من المطار العسكري لمدينة الداخلة على الساعة الخامسة صباحا، وتوقفت بمطار العيون العسكري، قبل أن تقلع في طريقها إلى أكادير، لتتحطم على الساعة التاسعة من صباح أمس على بعد عشر كيلومترات شرق كلميم.

من جهته كشف الخبير العسكري علي نجاب أن طائرات "هرقل سي 130" استخدمها المغرب في المسيرة الخضراء، كما استعملت أيضا لنقل المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم للمشاركة في بعض المباريات الهامة.

قال نجاب لصحيفة "أخبار اليوم" "إن طائرة هرقل سي 130 المتخصصة في النقل الجوي، تعتبر من الطائرات العسكرية القوية، التي تستطيع النزول على مدرج قصير وغير معبد.

و حول الأسباب التي تجعل طائرة عسكرية مثل "هرقل سي 130" تتحطم دقائق، بعد إقلاعها، قال نجاب أنه إذا كان الطيار غير منتبه ولم يفطن إلى علو الجبال فقد يصطدم بها وقد يحدث ذلك عند استعداده للهبوط، أما إذا كان الطيار متجها مباشرة إلى مطار آخر، فإن الطائرة ستكون على علو كبير وستتفادى الجبال.

وأوضح نجاب أن جبهة البوليساريو الانفصالية سبق لها إسقاط طائرة مغربية من طراز "هرقل سي 130"، سنة 1981، بواسطة صاروخ جزائري، وتمت العملية حسب نجاب على بعد 24 ألف قدم وبصاروخ من نوع "سام 6".

وكانت حصيلة أولية تحدثت عن 78 قتيلا وثلاثة جرحى، لكن مصدرا طبيا قال في وقت لاحق إن شخصين جريحين قد توفيا وأن ثالثا جريحا أحصي عن طريق الخطأ.

في سياق ذلك أعلن الملك محمد السادس الحداد لمدة ثلاثة أيام في كل ربوع الوطن حزنا على ضحايا الكارثة الجوية التي ألمت بالمغرب صباح الثلاثاء 26 يوليوز 2011 بعد تحطم طائرة عسكرية كانت تقل 81 راكبا قادمة من مدينة الداخلة.

وأمر الملك بتنكيس الأعلام فوق جميع الإدارات والمؤسسات العمومية لمدة ثلاثة أيام كذلك، ابتداء من يوم الثلاثاء، وفق بلاغ للديوان الملكي.

وكان الملك قد بعث برسائل تعزية ومواساة إلى أسر الضحايا معبرا لهم عن تعازيه الحارة ومواساته، وموجها أوامره إلى جميع المسؤولين للقيام بكا تتوجبه الحادثة من إجراءات وتدابير.

وبلغ عدد قتلى حادث تحطم طائرة تابعة للقوات الملكية الجوية شمال شرق كلميم، 81 قتيلا، بعد وفاة ثلاثة جرحى كانت إصابتهم خطيرة بالمستشفى العسكري الخامس لمدينة كلميم، بينما تواصل فرق البحث عملية البحث عن جثامين القتلى،في أسوء كارثة جوية يعرفها المغرب منذ 38 سنة.

الأحد، يوليو 03، 2011

صحافتنا وصحافتهم..ما الفرق؟

وأنا أجمع أغراضي بغرفتي بالفندق ذاك الكائن بمدينة 6 أكتوبر بضواحي العاصمة المصرية القاهرة، مستعدا للعودة إلى الوطن بعد الانتهاء من دورة تدريبية في مجال مهنتنا، كانت رائعة بكل المقاييس، تزاحمت الأفكار برأسي ومعها أسئلة كثيرة كانت وما تزال وستبقى إلى إشعار لاحق تؤرق بال كل غيور على الشأن الصحافي ببلادنا، وعلى البلاد والعباد بهذه الأرض الطيبة.

الدورة التي نظمها المركز الدولي للصحفيين في الفترة ما بين 25يونيو وفاتح يوليو، بمقر جامعة الأهرام الكندية بالقاهرة، جعلتني كصحفي مهني أقف عند فارقين شاسعين في المجال الصحافي في كل من المغرب ومصر؛

الفارق الأول يتجلى في الطابع المؤسسي الذي وصلت إليه الصحافة المصرية المكتوبة؛ بحيث أن جامعة الأهرام الكندية ليست إلا مؤسسة خرجت من نفس رحم الإستراتيجية الخلاقة التي أنجبت جريدة الأهرام المصرية، وما أدراك ما الجرائد، بغض النظر عن العيوب والاتهامات التي ألصقت بهذه المؤسسة الإعلامية الرائدة بسبب ممارسات النظام الديكتاتوري البائد، الذي حاول تدجين الشعب والمؤسسات لأجل إشباع نهمه وأسرته وحاشيته، قبل أن تطيح به الثورة الشعبية ويُرمى به في السجن الذي كان يملأ به خصومه السياسيين لأزيد من ثلاثة عقود.

زيارتي اليومية لهذه الجامعة، حيث تلقينا دروسا مكثفة في الصحافة على أيدي أساتذة أمريكيين ومصريين وأردنيين مقتدرين، جعلتني أقف عن كثب على مدى تخلف صحافتنا المغربية، التي ما تزال أسيرة الطابع الشخصاني لأصحابها، وبعيدة كل البعد –اللهم بعض الاستثناء رغم ما له من عيوب- عن الصحافة المؤسساتية. وهو ما يجعل مدراء الجرائد حتى الأكثر شيوعا إن لم تكن الأولى انتشارا ببلادنا، هم الآمرون والناهون بجرائدهم تلك الأشبه بضيعات إقطاع القرون الوسطى. ولعل تصرفات معظم مدراء صحفنا المزاجية والبعيدة كل البعد عن منطق المؤسسة الإعلامية الخاضعة لأخلاق المهنة وشروط ومقومات المقاولة، تعتبر أبرز مثال عن سوء فهم كثيرين منا لمهنة "المتاعب". هؤلاء وبعكس ما لمسته في قاهرة المعز حيث العديد من الجرائد أسست مؤسسات أكاديمية للبحث والدراسة، فإنهم يجعلون، للأسف، إستراتيجية -إن سلمنا جدلا بوجودها- جرائدهم في تحقيق مآرب شخصية –اقتصادية تحديدا- وبعدها فليأتي الطوفان. وهذا ما يجعل الصحافيين والعاملين بهذه "الضيعات" المسماة ظلما وعدوانا "جرائد"، على كف عفريت، ويجعل مصيرهم مرهونا بمدى تماشيهم وخط "تحرير" تلك الجرائد، التي تذوب فيها كل حدود التحرير في حمأة الموالاة لهذه الجهة الاقتصادية أو السياسية أو غيرهما.

إنها ميوعة خطوط التحرير التي أسس لها بعض مدراء تحرير صحافتنا إرضاء لنزواتهم الشخصية إلى درجة خلع كل الملابس لتبدو سوءاتهم أمام الملء بشكل مفضوح.

الفارق الثاني يكمن في مدى إطلاع رؤساء التحرير بأرض الكنانة على أسرار مهنتهم، وهنا لا سبيل للمقارنة مع معظم رؤساء تحرير صحافتنا المكتوبة، والذين إن لم يكونوا يلخصوا رئاسة التحرير في الوشاية بطاقم تحرير المؤسسة لدى المدير و"أصحاب الحال"، فإن هذه الرئاسة تعني لديهم إعادة قراءة، إن كانوا يفعلون، ما يكتبه المحررون. وأما بالنسبة للزملاء بمصر فإن رئاسة التحرير عندهم هي الإطلاع على آخر وسائل "الميلتيميديا" واستعمالها في نقل الخبر، ودعم المحرر في استعمال تلك الوسائل، وهو ما يصبح السبب الرئيس في عقد دورات تدريبية منتظمة للمحرر والمراسل، على حد سواء. إلى جانب تلقينه لمبادئ القانون وشروط نقل الخبر بحيادية ودون تحيز.

إن هذه المناسبة جعلتني أعرف، وعن كثب ولأول مرة، أن رؤساء التحرير هم صحافيون قبل أن يكونوا ذوي مهمة إدارية تخولهم تقسيم وتوزيع العمل وتقديم الدعم والمشورة للمحررين والمراسلين. وليست رئاسة التحرير هي ترقب دعوة من هذه الجهة أو تلك لأجل حضور حفل باذخ أو سفر في أصقاع الدنيا لحضور مؤتمر لن يستفيد منه حتى الموجهة له الدعوة (مهنيا أقصد). وحتما ليست رئاسة التحرير هي ممارسة "القوادة" بكل تجلياتها، كما يفعل العديدون.

وأما النزر القليل من رؤساء التحرير ببلادنا ممن يحاولون جاهدين مقاومة محاولات البعض تعهير مهنتنا التي ارتضيناها، والذين يعضون على مبادئ المهنة بالنواجذ حتى ولو عوقبوا بورقة الإشهار القاتلة، فإني أوجه لهم تحية إكبار وتقدير لأنهم باقون ما بقيت ذرة مهنية في عروقهم. والعابثون بنا نحن قبيلة الصحافيين وبالمهنة مصيرهم مزبلة الذكرى، إن كانت للذكرى مزابل.

الاثنين، يونيو 20، 2011

الأسرار الخطيرة لـ"اتحاد" غير مقدس يركب 20 فبراير لـ"الإطاحة" بالنظام

من اللقاء والحديث في الوقفات الاحتجاجية وفي لقاءات "خاصة جدا"، إلى تغيير النظرة إلى كل من "الأخ" و"الرفيق"، في ما بين بعضهما البعض، إلى اقتسام لحظات في مقاه ومطاعم، إلى رفع شعارات موحدة... كلها مظاهر تقارب بين طرفي نقيض لا يجمعها إلا فضاء هذا الوطن الذي يقزمه البعض منهم بينما البعض الآخر لا يكشف عن نواياه إزاءه. تقارب بدأت رائحة أهدافه تزكم الأنوف عندما أراد الركوب على حركة احتجاجية سلمية لتحقيق أهداف ظلت تؤطر أجندة الطرفين معا؛ الانقلاب

"جمهورية" النهج تلتقي مع "خلافة" العدل والإحسان

غريب أمر هذا التقارب غير المسبوق بين "إخوان" العدل والإحسان، الذين يقومون الليل ويصومون رمضان وأياما أخرى يحتسبونها لوجه الله، وبين "الرفاق" القاعديين الذين لا يصومون ولا يصلون، وعندما تأتي الليالي فإنما يقومونها رقصا و"شرابا" و"حشيشا"على أغاني "البوب" المتغنية بأمجاد "تشي غي فارا" في حمأة الحرب الباردة.

هذا "التقارب" الذي جاء نتيجة "مخاض" طارئ أحدثته تجمعات حركة 20 فبراير مباشرة بعد تأسيسها كحركة احتجاجية تأثرت بما يجري في محيطها الإقليمي العربي، رافعة شعار التغيير ومحاربة الفساد والإصلاح السياسي، لم يفطن إليه (التقارب) أحد ما دام أن الأمر في كل من تونس ومصر اللذين سبقانا إلى تبني هذا النوع من الاحتجاج الذي يطالب بالتغيير الجذري، لم يكن يطرح نفس الأسئلة الاستفهامية "المعتمة" بين "الإخوان" وغيرهم من باقي التيارات والألوان السياسية والإيديولوجية هناك، وهو ما أرجعه العديد من المتتبعين إلى أن النظامين الجمهوريين "المَلكيين" التونسي والمصري كانا لهما من عناصر توحد والتقاء مختلف المكونات المجتمعية، ما جعل هذه الأخيرة تتقاسم نفس الأهداف في احتجاجاتها، وهي الإطاحة بأولائك الحكام الذين "شاخوا" وهم متربعون على كراسي يُفترض أن يتم التداول بشأنها على السلط لأوقات محدودة.

ويبدو أن ثمار هذا التقارب بين العدليين والقاعديين بدت تطفو على السطح من خلال الدعوة إلى المزيد من "التماسك" بين الطرفين في وجه ما يسمونها الآلة الدعائية لـ"المخزن"، ومن خلال تقاسم المهام في حشد "الثوار" والبحث عن الدعم اللوجيستيكي لـ"الثورة" الموعودة التي بدأ مريدو عبد السلام ياسين لا يترددون في رسم سيناريوهاتها ولا يجدون أدنى حرج في إعلان ذلك أمام الملأ وعلى صفحات المواقع التابعة للجماعة.

البحث عن دعم القومة/الثورة..

بيد أن الخطير في الأمر هو أن الجماعة، التي حثت أفرادها، تقول مصادر مطلعة، على أن لا يتحدثوا مع "الرفاق" القاعديين عن خلفياتهم الإيديولوجية وهم يشاركونهم وقفات الاحتجاج تحت يافطة 20 فبراير، بدأوا تحركاتهم ميدانيا وعمليا في تدبير "المرحلة" الموالية من الاحتجاجات؛ وهي المرحلة التي تتطلب إمكانيات مادية ولوجيستية. هاهنا بقي السؤال عالقا أمام كل من "الإخوان" و"الرفاق" وكل له جواب يختلف عن الآخر؛ فبينما تستطيع جماعة ياسين تقديم ما استطاعت إلى ذلك سبيلا من أموال لـ"المنتفضين" في مسيرات واعتصامات، لكنها تتحفظ على ذلك مخافة إثارة انتباه الدولة إلى "مصادر" أموالها، لا يجد "رفاق" لينين الشيوعي ما يسدون به حتى تكاليف وقفة عابرة أمام البرلمان يشارك فيها بضعة أفراد.

البحث عن بديل لـ"التمويل" القومة/الثورة الكبرى، على شاكلة ما جرى بكل من تونس ومصر، جعلت البعض من "الجماعة" يطرح إمكانية الاستفادة من شباب الثورة في هذين البلدين، وهو ما تم بشأنه إجراء العديد من التحركات على مستوى الشبكة العنكبوتية، من خلال إجراء العديد من النقاشات "الافتراضية"، وميدانيا تفيد معطيات صادرة عن مصادر مقربة من جماعة العدل والإحسان، أن الأخيرة كثفت في الآونة الأخيرة تحركاتها على المستويين الإقليمي والدولي، بحثا عن دعم مالي ومعنوي؛ إيجاد ميزانية قادرة على تدعيم إعتصامات محتملة لشباب الثورة، ومعنويا من خلال طمأنة العالم الخارجين ولاسيما الغرب بعدم الخوف من "إسلاميي" العدل والإحسان.

في هذا السياق، تشير نفس المعطيات إلى أن العديد من أعضاء جماعة ياسين ترددوا على العاصمة المصرية القاهرة في الآونة الأخيرة، وكان آخرهم عضو الجماعة بوبكر الونخاري، الذي أجرى عدة اتصالات هناك مع شباب ثورة مصر، وخاصة منهم شباب جماعة الإخوان المسلمين المصرية، تركزت بالأساس حول التكلفة المالية لاعتصامات تضم المئات من الأشخاص. الجواب لم يكن جاهزا طبعا عند الأشقاء المصريين، الذين ذكّروا مبعوث الجماعة بالحكايات التي رافقت الثورة المصرية من هجوم إعلامي من لدن نظام حسني مبارك المطاح به، والذي اتهم شباب الثورة هناك بتناول "سندويتشات أنطاكي" طيلة أيام اعتصامهم، وهو "سندويتش" يتناوله فقط أصحاب الدخل المريح، بينما حقيقة الأمر أن الشعب المصري المغلوب على أمره، والذي يختلف وضعه تماما عن وضع المغاربة، كان يقتات على ما قل من "فول مدمس" ورغيف حافي.

الونخاري تفاجأ كثيرا وفاجأ "إخوانه" "المترفين" بالجماعة عندما تذكر وذكّرهم بالفكرة التي أُثيرت على مستوى الدائرة السياسية، قبل أيام، من إمكانية ضرورة توفير نحو 50 درهما، كمبلغ مالي جزافي، لكل فرد يشارك في اعتصام محتمل، وهو ما يعني إلزامية توفير أموال طائلة لمجرد 1000 معتصم بأحرى عندما يتعلق الأمر بالآلاف من الأشخاص..هنا طُرح السؤال المحوري في لعبة تجاذب علاقة جماعة العدل والإحسان بالدولة حول مصادر التمويل، حيث تُرفع "لا" للتمويل الأجنبي لأنشطة الجماعة؛ البعض من "الإخوان" علّق الجواب عن هذا السؤال في انتظار المراحل المقبلة من "سيناريو" الثورة.

تذوب الإيديولوجيا..وتحيا الثورة

على صعيد آخر وبينما ما يزال جانب "صغير" ممن يسمون الاشتراكيين الراديكاليين، يتردد في اعتبار المرحلة التي يجتازها المغرب أنها فرصة "مواتية" لـ"تغيير" النظام و"إقامة الجمهورية"، فإن قسما واسعا في صفوف "الرفاق" يرى أن 20 فبراير هي النواة الأولى التي يصعب على الثورات بناؤها في البداية، وقد تأتى للمغاربة إفرازها للظرفية الراهنة دون مجهود كبير. ويزيد هذا الطرح شرح وجهة نظره بخصوص "إنضاج" فكرة "تثوير" المجتمع، أن الثورة الماركسية كما تم تعريفها في الأدبيات الماركسية، تبدأ عندما تبدأ "قمة" النظام في التأزم والذي يعبر عنه بشكل أساسي ورئيسي من خلال إفلاس النخبة السياسية، مما يؤدي إلى إمكانية خلخلة المشهد العام للعبة السياسية وانطلاق الغضب الشعبي الذي يجدل له منافذ النفاذ إلى عمق النظام. هذه الحالة، لا ينفي "تيار المناضل" الاشتراكي عدم وصول حالة المغرب إليه، لكن بالمقابل هناك "وضع جديد" بدأ يتبلور مع انطلاق مظاهرات 20 فبراير، والذي يعتبر "مدا نضاليا" غير مسبوق من حيث الحجم، لكنه في طور سياسي ابتدائي. هذا "التحفظ"، إن صحت تسميته، من قبل بعض الاشتراكيين الراديكاليين، يرفضه فريق كبير من "شباب" الاشتراكيين الجذريين المنتمين في الغالب للنهج الديمقراطي القاعدي، الذين يعتبرون أكثر تطرفا في رؤيتهم للأمور؛ بحيث بالإضافة إلى أنهم لايؤمنون بوحدة المغرب الترابية ويعتبرونها فقط "شماعة" لتلهية الشعب المغربي وحرمان "الأشقاء" الصحراويين من تأسيس "دولتهم"(في إشارة إلى البوليساريو طبعا الذين لا يتردد عبد الله الحريف زعيم النهج في تبادل الرسائل مع زعيم المرتزقة محمد عبد العزيز)، فإنهم يعتبرون الظرفية الحالية فرصة تاريخية "سانحة للانقضاض على النظام"، خاصة أن هناك قاعدة مهمة يمثلها تيار إسلامي (العدل والإحسان) تشارك إلى جانبهم في احتجاجات 20 فبراير؛ ولا يهم الاختلاف في الإيديولوجيا، ينقل مصدر حضر لبعض اجتماعات منتسبين إلى النهج، ما دام أن هدف الإسلاميين "الراديكاليين" هو هدف الاشتراكيين "الثوريين".

تكسير حاجز الصمت..

يبدو أن العدل والإحسان قد كسرت حاجز الصمت الذي ظل لسنوات يميز وجودها في الساحة، بحيث لم يعد قادتها يجدون أدنى غضاضة في التعبير عن مساندتهم لشباب حركة 20 فبراير، رغم أنهم ظلوا لسنوات، وربما كانوا دائما، يقاطعون كل مظاهرة أو احتجاج ليس فيه ما يربط الدين بصلة، وهو ما يدعو إلى التساؤل، حسب مراقبين، بخصوص هذا "الزواج" العُرفي بينهم وبين "قاعديين" فيهم كثير من الملحدين، اللهم إذا كانت فيه "المصلحة" أكثر من "المفسدة"، وهم (العدليون) هنا يفضلون هذا الزواج وإن كان عُرفيا على أن يظلوا في منأى عن التغيرات التي حصلت في كل من تونس ومصر، والتي حملت حتى حزب "النهضة" الذي ظل منفيا بأوروبا إلى الواجهة السياسية التونسية، كما خول للإخوان المسلمين بمصر تأسيس حزب سياسي والحديث حتى عن الترشح للرئاسة المصرية، بينما جماعة عبد السلام ياسين التي ظلت السلطات تطلب ودها للدخول في اللعبة السياسية، فطنت أخيرا إلى أن الوقت الحالي يعتبر فرصتها في تبوء المشهد، لا بل والتأسيس لدولة "الخلافة" كما يرى ذلك مرشدها العام في المنام. ولعل دولة المرشد آية الله لن تكون بعيدة عن تقديم يد المساعدة إلى العدليين في تحقيق "رؤيتهم"، وهو ما كشفت عنه تقارير من وجود اتصالات "مهمة" بين الطرفين، تزايدت بالخصوص على هامش دعوة دول مجلس التعاون الخليجي إلى المغرب للالتحاق بهذا النظام الإقليمي، وهو ما يتوجس له الساسة الإيرانيون، خاصة أمام الموقف "المتقدم" جدا للمغرب الداعم لمملكة البحرين في نزاعها المرير مع الدولة الفارسية، حيث سارع المغرب، قبل نحو سنتين، إلى قطع علاقاته الدبلوماسية مع طهران بالموازاة مع موقف مماثل للمنامة.

آخر مظاهر تكسير حاجز الصمت هو الخروج الإعلامي المتواصل لرموز العدل والإحسان؛ بحيث فاجأ فتح الله أرسلان الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، كل المتتبعين وهو يعلن ليومية "أخبار اليوم" أن جماعته ليس لها إشكال مع الدولة المدنية، لا بل لقد أكد نفيه أن تكون الجماعة طالبت يوما بدولة دينية، وإن لم يخف أنهم من المطالبين بـ"الخلافة" لكن على الشكل الفدرالي الذي يضم كافة الدول الإسلامية. هذا التصريح وبقدر ما يدعو إلى الاستغراب، فإنه "يميط اللثام"، بحسب متتبعين، عن "خارطة" طريق جديدة تنوي الجماعة تبنيها تماشيا والتغيرات الحاصلة في المنطقة. إنها خارطة الطريق التي جعلت عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة، عمر إحرشان، لا يتردد في التصريح لإحدى الأسبوعيات بأنهم مستعدون لـ"الانتقال إلى أشكال نضالية تصاعدية"، لأن ذلك يعتبر شيئا عاديا بالنسبة إليه طالما أن "الوقفات والمسيرات تقابل بالأذن الصماء لنظام يناور فقط لربح الوقت ولم يستجب إلى أي مطلب من مطالب الحركة(20 فبراير) ويرى نفسه في ورطة"، قبل أن يضيف أن "النسخة المعدلة للدستور ستكون دون الإنتظارات"، وهو ما يعني رغبة الجماعة في مواصلة الاحتجاج حتى بعد طرح الدستور للاستفتاء. هذا الإصرار على "الذهاب بعيدا"، يكاد قيادي آخر في الجماعة، وهو عبد الصمد فتحي، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان ومسؤول الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأم، يعطيه كل أبعاده "التصعيدية والتنسيقية" مع "الحليف الإستراتيجي" "الرفاقي"، عندما صرح لـ Le porter بـ"أننا سنشق طريقنا كمغاربة بغض النظر عن مرجعياتنا".

بقد كشفت المعطيات أن نموذج الثورة الإسلامية الإيرانية في سنة1979 حاضر في بعض الاجتماعات "الخاصة جدا" التي تجمع بعد قيادات العدل والإحسان، للتطرق إلى السيناريو المقبل من الاحتجاجات. بل إن الجماعة تحاول استغلال ما أوتيت من مواقع إليكترونية لحشد "الدعم اللازم" لإنزال سيناريوهاتها على أرض الواقع. ومن ذلك أنها فتحت منتدى للنقاش، كما يبدو من ظاهره، تحشد فيه الهمم وتستنفر فيه الشعب من أجل "الهبة" أو "القومة" أو "الثورة". هذا النقاش المعنون بـ"سيناريوهات التغيير بالمغرب"، نجد فيها الكثير من "صفارات الإنذار"، التي ينبغي علينا أن لا نظل كمغاربة ننتظر مستقبل الأيام دون الاستعداد لذلك؛ ومن بين الأجوبة عن السؤال الذي تم طرحه وهو كيف تتصور عملية التغيير.. مبتدأه ومنتهاه، وطبيعة النظام المطلوب؟ هناك جواب أحد المشاركين في "النقاش" الذي يقول أن "طريقة التغيير هي شحن العقول"، بينما جواب مشارك آخر أعلنها صراحة بقوله "فاته (النظام) الوقت نتيجة مناوراته اليائسة عن تحقيق حتى مجرد ما كان يروج له في البداية من ملكية برلمانية أو دستورية...حيث أن الأمور الآن تجاوزت خط اللاعودة وهي تتجه على ما يبدو نحو رسم سيناريوهات... وملامح نمط النظام الجديد القادم، الذي لا زال حتى الآن لم يتصوره مهندسو السياسة المخزنية.. ولا هو خطر في حسبان الكثير من الناس المتمخزنين...الخ"، فعن أي نظام يتحدث مريدو عبد السلام ياسين؟

خطاب الملك محمد السادس حول صيغة تعديل الدستور (الجمعة، 17 يونيو 2011)


نص خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الإعلان عن الإصلاحات التي طالت الدستور، والمقرر الاقتراع بشأنه في استفتاء شعبي يوم فاتح يوليوز

" الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه .
شعبي العزيز، أخاطبك اليوم، لنجدد العهد المشترك بيننا بدستور جديد، يشكل تحولا تاريخيا حاسما، في مسار استكمال بناء دولة الحق والمؤسسات الديمقراطية، وترسيخ مبادئ وآليات الحكامة الجيدة، وتوفير المواطنة الكريمة، والعدالة الاجتماعية.
وهو المسار الطموح الذي أطلقناه، منذ اعتلائنا العرش، في تجاوب عميق مع كل القوى الحية للأمة. وبفضله تمكنا، بعد ثلاثة أشهر، من إطلاق مسار المراجعة الدستورية، من بلورة ميثاق دستوري ديمقراطي جديد، يرتكز على الإطار المرجعي المتقدم لخطابنا التاريخي، لتاسع مارس الأخير، الذي حظي بالإجماع الوطني، والمقترحات الوجيهة للهيئات السياسية والنقابية، والجمعوية والشبابية، وكذا الاجتهاد الخلاق للجنة الاستشارية، والعمل البناء للآلية السياسية، اللتين أحدثناهما لهذه الغاية.
ونود التنويه بالإسهام الديمقراطي للجميع، الذي مكننا، بفضل هذه المقاربة التشاركية، من الارتقاء بمراجعة الدستور الحالي، إلى وضع دستور جديد، يتفرد بثلاث مميزات، في منهجية إعداده، وفي شكله، وفي مضمونه.
فمن حيث المنهجية، حرصنا، ولأول مرة في تاريخ بلادنا، على أن يكون الدستور من صنع المغاربة، ولأجل جميع المغاربة.
وأما من حيث الشكل، فلأنه قائم على هندسة جديدة، همت كل أبوابه، من الديباجة، كجزء لا يتجزأ من الدستور، إلى آخر فصوله، التي ارتفع عددها من 108 إلى 180 فصلا.
وأما من حيث المضمون، فهو يؤسس لنموذج دستوري مغربي متميز، قائم على دعامتين متكاملتين :
وتتمثل الدعامة الأولى، في التشبث بالثوابت الراسخة للأمة المغربية، التي نحن على استمرارها مؤتمنون ; وذلك ضمن دولة إسلامية، يتولى فيها الملك، أمير المؤمنين، حماية الملة والدين، وضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية.
كما يكرس المشروع مكانة بلادنا، كجزء من المغرب الكبير، والتزامها ببناء اتحاده، وبتوطيد علاقات الأخوة العربية والإسلامية، والتضامن الإفريقي، وتوسيع وتنويع علاقات التعاون والشراكة مع جوارها الأوروبي والمتوسطي، ومع مختلف بلدان العالم. دولة عصرية متشبثة بالمواثيق الأممية، وفاعلة ضمن المجموعة الدولية.
وأما الدعامة الثانية، فتتجلى في تكريس مقومات وآليات الطابع البرلماني للنظام السياسي المغربي، في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة، وسمو الدستور، كمصدر لجميع السلطات، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك في إطار نسق دستوري فعال ومعقلن، جوهره فصل السلط، واستقلالها وتوازنها، وغايته المثلى حرية وكرامة المواطن.
ومن معالم فصل السلط، وتوضيح صلاحياتها، تقسيم الفصل 19 في الدستور الحالي، إلى فصلين اثنين :
فصل مستقل يتعلق بالصلاحيات الدينية الحصرية للملك، أمير المؤمنين، رئيس المجلس العلمي الأعلى، الذي تم الارتقاء به إلى مؤسسة دستورية.
وفصل آخر يحدد مكانة الملك كرئيس للدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، والضامن لدوام الدولة واستمرارها، ولاستقلال المملكة وسيادتها، ووحدتها الترابية، والموجه الأمين والحكم الأسمى، المؤتمن على الخيار الديمقراطي، وعلى حسن سير المؤسسات الدستورية، والذي يعلو فوق كل انتماء.
ويمارس الملك مهامه السيادية والضمانية والتحكيمية، الواردة في هذا الفصل، استنادا إلى مقتضيات فصول أخرى، منصوص عليها صراحة في الدستور علما بأن التشريع يظل اختصاصا حصريا للبرلمان.
شعبي العزيز،
إن المشروع الرسمي للدستور، يعد أكثر من قانون أسمى للمملكة، وإنما نعتبره الأساس المتين للنموذج الديمقراطي التنموي المغربي المتميز; بل وتعاقدا تاريخيا جديدا بين العرش والشعب. وهو ما يتجلى في المحاور العشرة الأساسية التالية :
المحور الأول : التكريس الدستوري للملكية المواطنة و الملك المواطن ; وذلك من خلال :
التنصيص على أن شخص الملك لا تنتهك حرمته، وعلى الاحترام والتوقير الواجب له، كملك، أمير للمؤمنين، ورئيس للدولة.
تحديد بلوغ الملك سن الرشد في 18 سنة، عوض 16 سنة، إسوة بكافة إخوانه وأخواته المغاربة.
تخويل رئاسة مجلس الوصاية، لرئيس المحكمة الدستورية ; باعتبارها مسؤولة عن احترام الدستور. وهو ما يشكل جوهر مهام هذا المجلس ; وكذا جعل تركيبته، تضم كافة السلطات الدستورية ; وذلك بإضافة عضوية كل من رئيس الحكومة، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضا ئية ; فضلا عن الارتقاء بتمثيلية العلماء به، من خلال عضوية الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى.
المحورالثاني : دسترة الأمازيغية كلغة رسمية للمملكة، إلى جانب اللغة العربية : فعلى أساس التلاحم بين مكونات الهوية الوطنية الموحدة، الغنية بتعدد روافدها، العربية -الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الإفريقية، والأندلسية، والعبرية والمتوسطية; فإن مشروع الدستور يكرس اللغة العربية لغة رسمية للمملكة، وينص على تعهد الدولة بحمايتها والنهوض بها.
كما ينص على دسترة الأمازيغية كلغة رسمية أيضا، ضمن مبادرة رائدة، تعد تتويجا لمسار إعادة الاعتبار للأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة; على أن يتم تفعيل ترسيمها ضمن مسار متدرج، بقانون تنظيمي، يحدد كيفيات إدماجها في التعليم، وفي القطاعات ذات الأولوية في الحياة العامة. وبموازاة ذلك، ينص المشروع على النهوض بكافة التعبيرات اللغوية والثقافية المغربية، وفي مقدمتها الحسانية، كثقافة أصيلة لأقاليمنا الصحراوية العزيزة.
وتجسيدا لحرصنا على تأهيل شبابنا ومواردنا البشرية، للانخراط في مجتمع المعرفة والعولمة، وامتلاك ناصية العلوم والتقنيات، تم التنصيص على ضرورة الانفتاح على تعلم اللغات العالمية الأكثر تداولا وإتقانها ; وكل ذلك، في إطار استراتيجية متناسقة، موطدة للوحدة الوطنية، يسهرعلى تفعيلها مجلس أعلى، مهمته النهوض بالثقافة المغربية، وباللغات الوطنية والرسمية، وعقلنة مؤسساتها وتفعيلها، بما في ذلك المؤسسة المكلفة بتطوير اللغة العربية.
المحور الثالث: دسترة كافة حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها عالميا، بكل آليات حمايتها وضمان ممارستها. وهو ما سيجعل من الدستور المغربي، دستورا لحقوق الإنسان، وميثاقا لحقوق وواجبات المواطنة.
وفي هذا الصدد، تمت دسترة سمو المواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، على التشريعات الوطنية، ومساواة الرجل والمرأة في الحقوق المدنية; وذلك في نطاق احترام أحكام الدستور، وقوانين المملكة، المستمدة من الدين الإسلامي; وكذا تكريس المساواة بينهما، في كافة الحقوق السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية والبيئية; وإحداث آلية للنهوض بالمناصفة بين الرجل والمرأة.
كما يكرس المشروع كافة حقوق الإنسان، بما فيها قرينة البراءة، وضمان شروط المحاكمة العادلة، وتجريم التعذيب،والاختفاء القسري، والاعتقال التعسفي، وكل أشكال التمييز والممارسات المهينة للكرامة الإنسانية; وكذا ضمان حرية التعبير والرأي، والحق في الولوج إلى المعلومات، وحق تقديم العرائض، وفق ضوابط يحددها قانون تنظيمي.
وقد تم تعزيز الضمانات الدستورية لحقوق الطبقة العاملة، وللعدالة الاجتماعية، والتضامن الوطني; وتكريس ضمان حرية المبادرة الخاصة، ودولة القانون في مجال الأعمال.
المحور الرابع : الانبثاق الديمقراطي للسلطة التنفيذية، بقيادة رئيس الحكومة: وفي هذا الصدد، سيتم الارتقاء بالمكانة الدستورية" للوزير الأول" إلى "رئيس للحكومة"، وللجهاز التنفيذي، الذي يتم تعيينه من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب; تجسيدا لانبثاق الحكومة عن الاقتراع العام المباشر.
وتكريسا للمسؤولية الكاملة لرئيس الحكومة على أعضائها، فإن الدستور يخوله صلاحية اقتراحهم، وإنهاء مهامهم، وقيادة وتنسيق العمل الحكومي، والإشراف على الإدارة العمومية، حيث تم تخويله صلاحية التعيين، بمرسوم، في المناصب المدنية، وفقا لقانون تنظيمي، يحدد مبادئ وتكافؤ الفرص بالنسبة لكافة المغاربة في ولوج الوظائف العمومية، على أساس الاستحقاق والشفافية، وضوابط دقيقة .
ولرئيس الحكومة كذلك أن يقترح على الملك بمبادرة من الوزراء المعنيين، التعيين في المجلس الوزاري، في بعض الوظائف العمومية العليا، كالولاة والعمال والسفراء، والمسؤولين عن الإدارات العمومية الأمنية الداخلية، علما بأن التعيين في الوظائف العسكرية، يظل اختصاصا حصريا وسياديا للملك، القائد الأعلى، ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية.
كما يخول المشروع لرئيس الحكومة صلاحية حل مجلس النواب، ويكرس استشارة الملك له قبل إعلان حالة الاستثناء، وحل البرلمان; ويحدد ضوابط كل حالة، ضمانا لفصل السلط وتوازنها وتعاونها .
ولتمكين الحكومة من أساس دستوري، لممارسة مسؤولياتها التنظيمية والتنفيذية، تمت دسترة مجلس الحكومة، وتحديد وتوضيح اختصاصاته، في انسجام وتكامل وتمايز مع مجلس الوزراء.
فالمجلس الوزاري ينعقد برئاسة الملك، بمبادرة منه، أو بطلب من رئيس الحكومة، الذي يشارك في أشغاله بحضور الوزراء فقط. وللملك أن يفوض رئاسته، على أساس جدول أعمال محدد، لرئيس الحكومة ; تعزيزا لسلطته التنفيذية. أما مجلس الحكومة، فينعقد برئاسة رئيسها، وبمبادرة منه، وبتركيبة تشمل كافة أعضائها.
وعلى صعيد الاختصاصات، فإن تمايزهما يتجلى في تخويل مجلس الحكومة، صلاحيات تنفيذية واسعة، ذاتية تقريرية، وأخرى تداولية، تحال على المجلس الوزاري ليبت فيها، ضمن ما تم الاحتفاظ له به، من صلاحيات إستراتيجية وتحكيمية، وتوجيهية ; بما فيها الحرص على التوازنات الماكرو-اقتصادية والمالية، التي صارت قاعدة دستورية.
المحور الخامس: قيام سلطة برلمانية، تمارس اختصاصات تشريعية ورقابية واسعة; إذ يكرس مشروع الدستور سمو مكانة مجلس النواب، بتخويله الكلمة الفصل في المصادقة على النصوص التشريعية، وتعزيز اختصاصاته في مراقبة الحكومة، ولا سيما بتكريس مسؤولية الحكومة الحصرية أمامه. كما تم حكر سلطة التشر يع، وسن كل القوانين على البرلمان، وتوسيع مجال القانون، ليرتفع من 30 مجالا حاليا، إلى أكثر من 60 في الدستور المقترح.
وحرصا على تخليق العمل البرلماني، ينص المشروع على دسترة منع الترحال البرلماني، وحصر الحصانة البرلمانية في التعبيرعن الرأي فقط ; وعدم شمولها لجنح وجرائم الحق العام. كما تم التنصيص على حذف المحكمة العليا، الخاصة بالوزراء، تكريسا لمساواتهم، مع المواطنين أمام القانون والقضاء.
أما بالنسبة لمجلس المستشارين، وحرصا على عقلنة تركيبته، فإن الدستور المقترح ينص على أن يتراوح عدد أعضائه بين 90 و120 عضوا.
وفي هذا الصدد، واستجابة للملتمس المرفوع إلينا من طرف المركزيات النقابية، والمدعوم من قبل الأحزاب السياسية، بشأن تمثيلية النقابات في الغرفة الثانية، فقد قررنا، في إطار مهامنا التحكيمية، تضمين المشروع تمثيلية نقابية مناسبة، وكذا للهيآت المهنية والمقاولاتية الأكثر تمثيلية. وهو قرار نابع من جوهر نظام الملكية المغربية الاجتماعية، ومن مذهبنا في الحكم، القائم على جعل النهوض بالأحوال الاجتماعية لمواطنينا، في صلب انشغالاتنا، سياسيا وميدانيا.
أما فيما يتعلق بمواطنينا المقيمين بالخارج، فإنه سيتم تخويلهم تمثيلية برلمانية، متى نضجت الصيغة الديمقراطية لذلك ; علما بأنهم يتمتعون بحق الانتخاب في مجلسي البرلمان.
المحور السادس : تخويل المعارضة البرلمانية نظاما خاصا وآليات ناجعة ، تعزيزا لدورها ومكانتها في إثراء العمل البرلماني، تشريعا ومراقبة ; حيث تم تمكينها من حق التمثيل النسبي في كافة أجهزة البرلمان.
كما تم التنصيص على تقديم رئيس الحكومة لعرض مرحلي حول العمل الحكومي، وإجابته على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة ; وكذا تخفيض النصاب القانوني لتقديم ملتمس الرقابة، وتكوين لجان التقصي، وإحالة مشاريع القوانين على المحكمة الدستورية ; وكذا تمكين اللجان البرلمانية من صلاحية مساءلة المسؤولين عن الإدارات والمؤسسات العمومية، تحت مسؤولية الوزراء المعنيين.
المحور السابع : ترسيخ سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، تكريسا لاستقلال القضاء، الذي نحن له ضامنون ; وذلك بالنص صراحة في مشروع الدستور الجديد، على أن النطق بالحكم إن كان يتم باسم الملك، فإنه يتعين أن يصدر بناء على القانون.
وصيانة لحرمة القضاء، فقد تمت دسترة تجريم كل تدخل للسلطة أو المال، أو أي شكل من أشكال التأثير، في شؤون القضاء.
كما تم إحداث "المجلس الأعلى للسلطة القضائية"، كمؤسسة دستورية يرأسها الملك، لتحل محل المجلس الأعلى للقضاء، وتمكينها من الاستقلال الإداري والمالي، وتخويل رئيس محكمة النقض، مهام الرئيس- المنتدب، بدل وزير العدل حاليا، تجسيدا لفصل السلط.
وبموازاة ذلك، تم تعزيز تركيبة المجلس الجديد، وذلك بالرفع من عدد ممثلي القضاة المنتخبين، ومن نسبة تمثيل المرأة القاضية، وبما يضمن انفتاحه، على عضوية شخصيات ومؤسسات ذات الصلة بحقوق الإنسان، والدفاع عن استقلال القضاء.
كما تم توسيع اختصاصات المجلس، لتشمل، علاوة على تدبير الحياة المهنية للقضاة، مهام التفتيش وإبداء الرأي في النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالقضاء وتقييم منظومته .
وتأكيدا لمبدإ سمو الدستور والقانون، تم الارتقاء بالمجلس الدستوري إلى "محكمة دستورية"، ذات اختصاصات واسعة، تشمل، علاوة على صلاحياته الحالية، مراقبة دستورية الاتفاقيات الدولية، والبت في المنازعات بين الدولة والجهات.
وتعزيزا للديمقراطية المواطنة، تم تخويل هذه المحكمة صلاحية البت في دفوعات المتقاضين بعدم دستورية قانون تبين للقضاء أن من شأنه المساس بالحقوق والحريات الدستورية.
المحور الثامن: دسترة بعض المؤسسات الأساسية، مع ترك المجال مفتوحا لإحداث هيآت وآليات أخرى، لتعزيز المواطنة والمشاركة الديمقراطية، بنصوص تشريعية أو تنظيمية:
وهكذا، تمت دسترة المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، ومؤسسة الوسيط، ومجلس الجالية المغربية بالخارج، والهيأة العليا للاتصال السمعي- البصري ، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وتوسيع اختصاصات المجلس الاقتصادي والاجتماعي، لتشمل القضايا البيئية.
كما تم تعزيز المكانة الدستورية للأحزاب السياسية، والهيآت النقابية والمهنية، ومنظمات المجتمع المدني، بتخصيص عدة فصول لكل منها.
وعملا على تمكين الشباب، من فضاء مؤسسي للتعبير والنقاش; فقد حرصنا على إحداث مجلس للشباب والعمل الجمعوي، يشكل قوة اقتراحية، لتمكينهم من المساهمة، بروح الديمقراطية والمواطنة، في بناء مغرب الوحدة، والكرامة والعدالة الاجتماعية.
المحور التاسع : تعزيز آليات الحكامة الجيدة، وتخليق الحياة العامة، ومحاربة الفساد، بإحداث منظومة مؤسسية وطنية منسجمة ومتناسقة في هذا الشأن ; وذلك من خلال تعزيز دور المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات في مراقبة المال العام، وفي ترسيخ مبادئ الشفافية والمسؤولية والمحاسبة، وعدم الإفلات من العقاب، ودسترة مجلس المنافسة، والهيأة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة والوقاية منها.
ولكون الأمن بمفهومه الاستراتيجي الشامل، قد غدا تحديا عالميا; فقد حرصنا على تمكين بلادنا من آلية مؤسسية استشارية في شكل مجلس أعلى للأمن، نتولى رئاسته.
ويضم هذا المجلس في عضويته رؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والوزراء والمسؤولين، والشخصيات المعنية.

كما يختص بتدبير القضايا الأمنية الاستراتيجية، الداخلية والخارجية، الهيكلية والطارئة، ويشكل قوة تقويمية واقتراحية لترسيخ الحكامة الأمنية الجيدة ببلادنا.
شعبي العزيز،
إن منظورنا الشامل للديمقراطية الحقة، ومقومات الحكامة الجيدة، لا ينحصر في إعادة توزيع السلطات المركزية، بل يقوم على توزيع السلطات والموارد، بين المركز والجهات; وذلك ضمن جهوية متقدمة، نعتبرها عماد الإصلاح العميق لهياكل الدولة وتحديثها.
وفي هذا المنظور، يندرج المحور العاشر، المتمثل في التكريس الدستوري للمغرب الموحد للجهات. مغرب يقوم على لامركزية واسعة، ذات جوهر ديمقراطي، في خدمة التنمية المندمجة، البشرية والمستدامة، وذلك في نطاق وحدة الدولة والوطن والتراب، ومبادئ التوازن، والتضامن الوطني والجهوي.
ولإبراز هذا الخيار الاستراتيجي في مشروع الدستور، فقد تم تخصيص باب للجماعات الترابية وللجهوية المتقدمة ; على أساس الإطار المرجعي، الذي أعلنا عنه، في خطابنا التاريخي لتاسع مارس ; على أن يتولى قانون تنظيمي تحديد اختصاصات الدولة والجهات، وموارد وآليات وتنظيم الجهوية.
شعبي العزيز،
إن أي دستور مهما بلغ من الكمال، فإنه ليس غاية في حد ذاته، وإنما هو وسيلة لقيام مؤسسات ديمقراطية، تتطلب إصلاحات وتأهيلا سياسيا ينهض بهما كل الفاعلين لتحقيق طموحنا الجماعي، ألا وهو النهوض بالتنمية وتوفير أسباب العيش الكريم للمواطنين.
ومن هذا المنطلق، فإن خديمك الأ ول، عندما سيقوم بواجبه الوطني، بالتصويت بقول نعم لمشروع الد ستور الجديد، المعروض على الاستفتاء الشعبي، إنما لاقتناعي الراسخ بأن مشروع هذا الدستور يعتمد كل المؤسسات والمبادئ الديمقراطية والتنموية، وآليات الحكامة الجيدة، ولأنه يصون كرامة كل المغاربة وحقوقهم، في إطارالمساواة وسمو القانون.
أجل، سأقول نعم لهذا المشروع، لاقتناعي بأنه بجوهره سيعطي دفعة قوية، لإيجاد حل نهائي للقضية العادلة لمغربية صحرائنا، على أساس مبادرتنا للحكم الذاتي. كما سيعزز الموقع الريادي للمغرب في محيطه الإقليمي، كدولة تنفرد بمسارها الديمقراطي الوحدوي المتميز.
وإني لأدعو الأحزاب السياسية، والمركزيات النقابية، ومنظمات المجتمع المدني، التي شاركت، بكل حرية والتزام، في صنع هذا الميثاق الدستوري المتقدم، من بدايته إلى نهايته، إلى العمل على تعبئة الشعب المغربي، ليس فقط من أجل التصويت لصالحه، بل بتفعيله; باعتباره خير وسيلة لتحقيق التطلع المشروع لشبابنا الواعي والمسؤول، بل لكل المغاربة، لتحقيق طموحنا الجماعي لتوطيد بناء مغرب الطمأنينة والوحدة والاستقرار، والديمقراطية والتنمية والازدهار، والعدالة والكرامة وسيادة القانون، ودولة المؤسسات.
وستجدني، شعبي الوفي، في طليعة العاملين على التفعيل الأمثل لهذا المشروع الدستوري المتقدم، الذي يوطد دعائم نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية، بعد إقراره، بعون الله وتوفيقه، بالاستفتاء الشعبي، ليوم فاتح يوليوز القادم".
"قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني". صدق الله العظيم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".

الأحد، يونيو 19، 2011

الأسرار الخطيرة لـ"اتحاد" غير مقدس يركب 20 فبراير لـ"الإطاحة" بالنظام

من اللقاء والحديث في الوقفات الاحتجاجية وفي لقاءات "خاصة جدا"، إلى تغيير النظرة إلى كل من "الأخ" و"الرفيق"، في ما بين بعضهما البعض، إلى اقتسام لحظات في مقاه ومطاعم، إلى رفع شعارات موحدة... كلها مظاهر تقارب بين طرفي نقيض لا يجمعها إلا فضاء هذا الوطن الذي يقزمه البعض منهم بينما البعض الآخر لا يكشف عن نواياه إزاءه. تقارب بدأت رائحة أهدافه تزكم الأنوف عندما أراد الركوب على حركة احتجاجية سلمية لتحقيق أهداف ظلت تؤطر أجندة الطرفين معا؛ الانقلاب

"جمهورية" النهج تلتقي مع "خلافة" العدل والإحسان

غريب أمر هذا التقارب غير المسبوق بين "إخوان" العدل والإحسان، الذين يقومون الليل ويصومون رمضان وأياما أخرى يحتسبونها لوجه الله، وبين "الرفاق" القاعديين الذين لا يصومون ولا يصلون، وعندما تأتي الليالي فإنما يقومونها رقصا و"شرابا" و"حشيشا"على أغاني "البوب" المتغنية بأمجاد "تشي غي فارا" في حمأة الحرب الباردة.

هذا "التقارب" الذي جاء نتيجة "مخاض" طارئ أحدثته تجمعات حركة 20 فبراير مباشرة بعد تأسيسها كحركة احتجاجية تأثرت بما يجري في محيطها الإقليمي العربي، رافعة شعار التغيير ومحاربة الفساد والإصلاح السياسي، لم يفطن إليه (التقارب) أحد ما دام أن الأمر في كل من تونس ومصر اللذين سبقانا إلى تبني هذا النوع من الاحتجاج الذي يطالب بالتغيير الجذري، لم يكن يطرح نفس الأسئلة الاستفهامية "المعتمة" بين "الإخوان" وغيرهم من باقي التيارات والألوان السياسية والإيديولوجية هناك، وهو ما أرجعه العديد من المتتبعين إلى أن النظامين الجمهوريين "المَلكيين" التونسي والمصري كانا لهما من عناصر توحد والتقاء مختلف المكونات المجتمعية، ما جعل هذه الأخيرة تتقاسم نفس الأهداف في احتجاجاتها، وهي الإطاحة بأولائك الحكام الذين "شاخوا" وهم متربعون على كراسي يُفترض أن يتم التداول بشأنها على السلط لأوقات محدودة.

ويبدو أن ثمار هذا التقارب بين العدليين والقاعديين بدت تطفو على السطح من خلال الدعوة إلى المزيد من "التماسك" بين الطرفين في وجه ما يسمونها الآلة الدعائية لـ"المخزن"، ومن خلال تقاسم المهام في حشد "الثوار" والبحث عن الدعم اللوجيستيكي لـ"الثورة" الموعودة التي بدأ مريدو عبد السلام ياسين لا يترددون في رسم سيناريوهاتها ولا يجدون أدنى حرج في إعلان ذلك أمام الملأ وعلى صفحات المواقع التابعة للجماعة.

البحث عن دعم القومة/الثورة..

بيد أن الخطير في الأمر هو أن الجماعة، التي حثت أفرادها، تقول مصادر مطلعة، على أن لا يتحدثوا مع "الرفاق" القاعديين عن خلفياتهم الإيديولوجية وهم يشاركونهم وقفات الاحتجاج تحت يافطة 20 فبراير، بدأوا تحركاتهم ميدانيا وعمليا في تدبير "المرحلة" الموالية من الاحتجاجات؛ وهي المرحلة التي تتطلب إمكانيات مادية ولوجيستية. هاهنا بقي السؤال عالقا أمام كل من "الإخوان" و"الرفاق" وكل له جواب يختلف عن الآخر؛ فبينما تستطيع جماعة ياسين تقديم ما استطاعت إلى ذلك سبيلا من أموال لـ"المنتفضين" في مسيرات واعتصامات، لكنها تتحفظ على ذلك مخافة إثارة انتباه الدولة إلى "مصادر" أموالها، لا يجد "رفاق" لينين الشيوعي ما يسدون به حتى تكاليف وقفة عابرة أمام البرلمان يشارك فيها بضعة أفراد.

البحث عن بديل لـ"التمويل" القومة/الثورة الكبرى، على شاكلة ما جرى بكل من تونس ومصر، جعلت البعض من "الجماعة" يطرح إمكانية الاستفادة من شباب الثورة في هذين البلدين، وهو ما تم بشأنه إجراء العديد من التحركات على مستوى الشبكة العنكبوتية، من خلال إجراء العديد من النقاشات "الافتراضية"، وميدانيا تفيد معطيات صادرة عن مصادر مقربة من جماعة العدل والإحسان، أن الأخيرة كثفت في الآونة الأخيرة تحركاتها على المستويين الإقليمي والدولي، بحثا عن دعم مالي ومعنوي؛ إيجاد ميزانية قادرة على تدعيم إعتصامات محتملة لشباب الثورة، ومعنويا من خلال طمأنة العالم الخارجين ولاسيما الغرب بعدم الخوف من "إسلاميي" العدل والإحسان.

في هذا السياق، تشير نفس المعطيات إلى أن العديد من أعضاء جماعة ياسين ترددوا على العاصمة المصرية القاهرة في الآونة الأخيرة، وكان آخرهم عضو الجماعة بوبكر الونخاري، الذي أجرى عدة اتصالات هناك مع شباب ثورة مصر، وخاصة منهم شباب جماعة الإخوان المسلمين المصرية، تركزت بالأساس حول التكلفة المالية لاعتصامات تضم المئات من الأشخاص. الجواب لم يكن جاهزا طبعا عند الأشقاء المصريين، الذين ذكّروا مبعوث الجماعة بالحكايات التي رافقت الثورة المصرية من هجوم إعلامي من لدن نظام حسني مبارك المطاح به، والذي اتهم شباب الثورة هناك بتناول "سندويتشات أنطاكي" طيلة أيام اعتصامهم، وهو "سندويتش" يتناوله فقط أصحاب الدخل المريح، بينما حقيقة الأمر أن الشعب المصري المغلوب على أمره، والذي يختلف وضعه تماما عن وضع المغاربة، كان يقتات على ما قل من "فول مدمس" ورغيف حافي.

الونخاري تفاجأ كثيرا وفاجأ "إخوانه" "المترفين" بالجماعة عندما تذكر وذكّرهم بالفكرة التي أُثيرت على مستوى الدائرة السياسية، قبل أيام، من إمكانية ضرورة توفير نحو 50 درهما، كمبلغ مالي جزافي، لكل فرد يشارك في اعتصام محتمل، وهو ما يعني إلزامية توفير أموال طائلة لمجرد 1000 معتصم بأحرى عندما يتعلق الأمر بالآلاف من الأشخاص..هنا طُرح السؤال المحوري في لعبة تجاذب علاقة جماعة العدل والإحسان بالدولة حول مصادر التمويل، حيث تُرفع "لا" للتمويل الأجنبي لأنشطة الجماعة؛ البعض من "الإخوان" علّق الجواب عن هذا السؤال في انتظار المراحل المقبلة من "سيناريو" الثورة.

تذوب الإيديولوجيا..وتحيا الثورة

على صعيد آخر وبينما ما يزال جانب "صغير" ممن يسمون الاشتراكيين الراديكاليين، يتردد في اعتبار المرحلة التي يجتازها المغرب أنها فرصة "مواتية" لـ"تغيير" النظام و"إقامة الجمهورية"، فإن قسما واسعا في صفوف "الرفاق" يرى أن 20 فبراير هي النواة الأولى التي يصعب على الثورات بناؤها في البداية، وقد تأتى للمغاربة إفرازها للظرفية الراهنة دون مجهود كبير. ويزيد هذا الطرح شرح وجهة نظره بخصوص "إنضاج" فكرة "تثوير" المجتمع، أن الثورة الماركسية كما تم تعريفها في الأدبيات الماركسية، تبدأ عندما تبدأ "قمة" النظام في التأزم والذي يعبر عنه بشكل أساسي ورئيسي من خلال إفلاس النخبة السياسية، مما يؤدي إلى إمكانية خلخلة المشهد العام للعبة السياسية وانطلاق الغضب الشعبي الذي يجدل له منافذ النفاذ إلى عمق النظام. هذه الحالة، لا ينفي "تيار المناضل" الاشتراكي عدم وصول حالة المغرب إليه، لكن بالمقابل هناك "وضع جديد" بدأ يتبلور مع انطلاق مظاهرات 20 فبراير، والذي يعتبر "مدا نضاليا" غير مسبوق من حيث الحجم، لكنه في طور سياسي ابتدائي. هذا "التحفظ"، إن صحت تسميته، من قبل بعض الاشتراكيين الراديكاليين، يرفضه فريق كبير من "شباب" الاشتراكيين الجذريين المنتمين في الغالب للنهج الديمقراطي القاعدي، الذين يعتبرون أكثر تطرفا في رؤيتهم للأمور؛ بحيث بالإضافة إلى أنهم لايؤمنون بوحدة المغرب الترابية ويعتبرونها فقط "شماعة" لتلهية الشعب المغربي وحرمان "الأشقاء" الصحراويين من تأسيس "دولتهم"(في إشارة إلى البوليساريو طبعا الذين لا يتردد عبد الله الحريف زعيم النهج في تبادل الرسائل مع زعيم المرتزقة محمد عبد العزيز)، فإنهم يعتبرون الظرفية الحالية فرصة تاريخية "سانحة للانقضاض على النظام"، خاصة أن هناك قاعدة مهمة يمثلها تيار إسلامي (العدل والإحسان) تشارك إلى جانبهم في احتجاجات 20 فبراير؛ ولا يهم الاختلاف في الإيديولوجيا، ينقل مصدر حضر لبعض اجتماعات منتسبين إلى النهج، ما دام أن هدف الإسلاميين "الراديكاليين" هو هدف الاشتراكيين "الثوريين".

تكسير حاجز الصمت..

يبدو أن العدل والإحسان قد كسرت حاجز الصمت الذي ظل لسنوات يميز وجودها في الساحة، بحيث لم يعد قادتها يجدون أدنى غضاضة في التعبير عن مساندتهم لشباب حركة 20 فبراير، رغم أنهم ظلوا لسنوات، وربما كانوا دائما، يقاطعون كل مظاهرة أو احتجاج ليس فيه ما يربط الدين بصلة، وهو ما يدعو إلى التساؤل، حسب مراقبين، بخصوص هذا "الزواج" العُرفي بينهم وبين "قاعديين" فيهم كثير من الملحدين، اللهم إذا كانت فيه "المصلحة" أكثر من "المفسدة"، وهم (العدليون) هنا يفضلون هذا الزواج وإن كان عُرفيا على أن يظلوا في منأى عن التغيرات التي حصلت في كل من تونس ومصر، والتي حملت حتى حزب "النهضة" الذي ظل منفيا بأوروبا إلى الواجهة السياسية التونسية، كما خول للإخوان المسلمين بمصر تأسيس حزب سياسي والحديث حتى عن الترشح للرئاسة المصرية، بينما جماعة عبد السلام ياسين التي ظلت السلطات تطلب ودها للدخول في اللعبة السياسية، فطنت أخيرا إلى أن الوقت الحالي يعتبر فرصتها في تبوء المشهد، لا بل والتأسيس لدولة "الخلافة" كما يرى ذلك مرشدها العام في المنام. ولعل دولة المرشد آية الله لن تكون بعيدة عن تقديم يد المساعدة إلى العدليين في تحقيق "رؤيتهم"، وهو ما كشفت عنه تقارير من وجود اتصالات "مهمة" بين الطرفين، تزايدت بالخصوص على هامش دعوة دول مجلس التعاون الخليجي إلى المغرب للالتحاق بهذا النظام الإقليمي، وهو ما يتوجس له الساسة الإيرانيون، خاصة أمام الموقف "المتقدم" جدا للمغرب الداعم لمملكة البحرين في نزاعها المرير مع الدولة الفارسية، حيث سارع المغرب، قبل نحو سنتين، إلى قطع علاقاته الدبلوماسية مع طهران بالموازاة مع موقف مماثل للمنامة.

آخر مظاهر تكسير حاجز الصمت هو الخروج الإعلامي المتواصل لرموز العدل والإحسان؛ بحيث فاجأ فتح الله أرسلان الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، كل المتتبعين وهو يعلن ليومية "أخبار اليوم" أن جماعته ليس لها إشكال مع الدولة المدنية، لا بل لقد أكد نفيه أن تكون الجماعة طالبت يوما بدولة دينية، وإن لم يخف أنهم من المطالبين بـ"الخلافة" لكن على الشكل الفدرالي الذي يضم كافة الدول الإسلامية. هذا التصريح وبقدر ما يدعو إلى الاستغراب، فإنه "يميط اللثام"، بحسب متتبعين، عن "خارطة" طريق جديدة تنوي الجماعة تبنيها تماشيا والتغيرات الحاصلة في المنطقة. إنها خارطة الطريق التي جعلت عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة، عمر إحرشان، لا يتردد في التصريح لإحدى الأسبوعيات بأنهم مستعدون لـ"الانتقال إلى أشكال نضالية تصاعدية"، لأن ذلك يعتبر شيئا عاديا بالنسبة إليه طالما أن "الوقفات والمسيرات تقابل بالأذن الصماء لنظام يناور فقط لربح الوقت ولم يستجب إلى أي مطلب من مطالب الحركة(20 فبراير) ويرى نفسه في ورطة"، قبل أن يضيف أن "النسخة المعدلة للدستور ستكون دون الإنتظارات"، وهو ما يعني رغبة الجماعة في مواصلة الاحتجاج حتى بعد طرح الدستور للاستفتاء. هذا الإصرار على "الذهاب بعيدا"، يكاد قيادي آخر في الجماعة، وهو عبد الصمد فتحي، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان ومسؤول الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأم، يعطيه كل أبعاده "التصعيدية والتنسيقية" مع "الحليف الإستراتيجي" "الرفاقي"، عندما صرح لـ Le porter بـ"أننا سنشق طريقنا كمغاربة بغض النظر عن مرجعياتنا".

بقد كشفت المعطيات أن نموذج الثورة الإسلامية الإيرانية في سنة1979 حاضر في بعض الاجتماعات "الخاصة جدا" التي تجمع بعد قيادات العدل والإحسان، للتطرق إلى السيناريو المقبل من الاحتجاجات. بل إن الجماعة تحاول استغلال ما أوتيت من مواقع إليكترونية لحشد "الدعم اللازم" لإنزال سيناريوهاتها على أرض الواقع. ومن ذلك أنها فتحت منتدى للنقاش، كما يبدو من ظاهره، تحشد فيه الهمم وتستنفر فيه الشعب من أجل "الهبة" أو "القومة" أو "الثورة". هذا النقاش المعنون بـ"سيناريوهات التغيير بالمغرب"، نجد فيها الكثير من "صفارات الإنذار"، التي ينبغي علينا أن لا نظل كمغاربة ننتظر مستقبل الأيام دون الاستعداد لذلك؛ ومن بين الأجوبة عن السؤال الذي تم طرحه وهو كيف تتصور عملية التغيير.. مبتدأه ومنتهاه، وطبيعة النظام المطلوب؟ هناك جواب أحد المشاركين في "النقاش" الذي يقول أن "طريقة التغيير هي شحن العقول"، بينما جواب مشارك آخر أعلنها صراحة بقوله "فاته (النظام) الوقت نتيجة مناوراته اليائسة عن تحقيق حتى مجرد ما كان يروج له في البداية من ملكية برلمانية أو دستورية...حيث أن الأمور الآن تجاوزت خط اللاعودة وهي تتجه على ما يبدو نحو رسم سيناريوهات... وملامح نمط النظام الجديد القادم، الذي لا زال حتى الآن لم يتصوره مهندسو السياسة المخزنية.. ولا هو خطر في حسبان الكثير من الناس المتمخزنين...الخ"، فعن أي نظام يتحدث مريدو عبد السلام ياسين؟