الخميس، مارس 17، 2011

إستراتيجية محاربة الأمية ببلادنا تحتاج إلى خارطة طريق جديد

في الاحتفال باليوم العالمي لمحاربة الأمية للسنة المنصرمة، الذي يوافق الثامن من شتنبر من كل سنة، قدم المغرب حصيلته في الجهود المبذولة لمحاربة الأمية ودعم التربية غير النظامية، ضمن إستراتيجية وطنية مندمجة تضع تأهيل العنصر البشري في صلب اهتمامها، وتهدف إلى تقليص النسبة العامة للأمية، إلى أقل من 20 بالمائة في أفق السنة المنصرمة، على أن يتم التوصل إلى المحو شبه التام لهذه الآفة في أفق سنة 2015

نورالدين اليزيد

"المجلس الأعلى للتعليم حدد نقائصها وأوصى بالمزيد من الجهد"

تشير الأرقام الرسمية إلى أن المجهودات التي يقوم بها مختلف المتدخلين، من قطاعات التربية والتكوين وأرباب العمل والمنتخبون وأعضاء المجتمع المدني، أدت إلى نتائج لا يمكن إلا التنويه بها، خاصة عندما تشير إلى خفض نسبة الأمية من 43 بالمائة، سنة 2004، حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى، إلى حوالي 30 بالمائة سنة 2010، حسب آخر التقديرات.

استراتيجية طموحة

ارتفع عدد المستفيدين من برامج محو الأمية من 180 ألف مستفيد ومستفيدة، سنة 1998-1999، إلى 286 ألف خلال موسم 2002-2003، ليصل إلى أكثر من 702 ألف مستفيد ومستفيدة في الموسم 2009-2010. وخلال السبع سنوات الأخيرة (2003-2010)، بلغ عدد المستفيدين من برامج محو الأمية أكثر من 4.5 ملايين شخص، وهو أكثر من ضعف العدد المتراكم خلال عشرين سنة، ما بين 1982 و2002، والذي لم يتجاوز المليوني مستفيد. وتمثل النساء أكثر من 80 بالمائة من مجموع المستفيدين، بينما سكان الوسط القروي يمثلون نصف الأعداد الإجمالية المسجلة.

وتتركز أهداف إستراتيجية الوزارة، بالخصوص، حول محو أمية النساء وإدماجهن سوسيو-اقتصاديا، بواسطة مجموعة من البرامج التي تعتبر خارطة طريق للقضاء على هذه الآفة، التي تؤثر على سير المغرب نحو تنمية شاملة ومندمجة. ومن تلك البرامج مشروع "محو الأمية من أجل استقلالية النساء: تعزيز القدرات الوطنية لتنمية مستدامة"، في إطار مبادرة "القرائية من أجل التمكين"، التي أطلقتها منظمة اليونسكو سنة 2005، بهدف دعم مشاريع محو الأمية الموجهة أساسا للنساء، والهادفة إلى تعزيز استقلاليتهن.

أما على مستوى المناهج التعليمية، فقد تم إدراج مجموعة من المضامين والمفاهيم المساهمة في الرقي بالعنصر النسوي ضمن المقررات المعتمدة، كالتغذية وتربية الأطفال والتربية البيئية والقانونية والمدنية وحقوق المرأة والطفل والصحة الإنجابية. كما تم إعداد كتيب حول مدونة الأسرة مبسط وموجه إلى النساء المستفيدات من دروس محو الأمية، وكُتيب حول الإدماج السوسيو - اقتصادي للنساء. ومن أجل تجاوز التباين الواضح بين نسبة الأمية بين الرجال (26 بالمائة) والنساء (40 بالمائة)، فإن الوزارة تعمل على إعطاء الأولوية في برامجها للعنصر النسوي، بوضع برامج مندمجة بتعاون مع الجمعيات الفاعلة في هذا المجال، وكذا مع بعض الشركاء الآخرين كالتعاون الوطني.

مشروع مجتمعي

بالنظر إلى أن محاربة الأمية تعتبر رهان مجتمع، ولا تعني فقط مختلف القطاعات الحكومية، فإن الإحصائيات تشير إلى تزايد مساهمة باقي المتدخلين في مجال محاربة الأمية، حيث تشير وضعية الموسم 2009- 2010، إلى أن عدد المسجلين للاستفادة من محاربة الأمية، بلغ 702 ألف و488 شخصا، موزعين حسب المتدخلين على الجمعيات بـ338 ألف و940 (48.2 بالمائة)، والقطاعات الحكومية بـ290 ألف و182 (41.3 بالمائة)، والتربية الوطنية بـ70 ألف و56 ( 10 بالمائة)، والمقاولات بـ 3310 (0.5 بالمائة). وبلغ عدد المراكز المحتضنة لبرامج محو الأمية 15 ألف و640 مركزا تابعا لمختلف المتدخلين، فيما أشرف على تكوين المستفيدات والمستفيدين 17 ألف و600 مكونة ومكونا.
وقد أثمرت روح العمل الجماعية التي أبدتها كل فعاليات المجتمع، من مسؤولين وجمعويين ومقاولين، المساهمة في إعادة الأمل لمن فاتتهم فرص التعلم، وهو ما تجلى بالخصوص في القضاء على الأمية لدى ما يفوق 3 ملايين مستفيد ومستفيدة، فيما لا تزال الجهود متواصلة لإنجاح هذا الورش المجتمعي الكبير، انسجاما مع روح وأهداف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2005، إيمانا من جلالته بأهمية التأهيل المندمج والمتكامل للمواطن المغربي، بغية تمكينه من مسايرة ركب التنمية والتحديث الذي تنهجه المملكة.

تشخيص..وتوصيات

في رأيه الذي أدلى به بعنوان "واقع برامج التربية غير النظامية ومحاربة الأمية وآفاقها"، في دورته العادية ليوليوز سنة 2009، قدم المجلس الأعلى للتعليم تشخيصا دقيقا لنتائج تطبيق إستراتيجية الحكومة لمحاربة آفة الأمية، وأوصى بـ"مداخل استشرافية" لهذه البرامج، استنادا إلى أعمال خبرة ودراسة وبحث، وتشاور مع مختلف القطاعات والمتدخلين في المجال مع استلهام التجارب الدولية في هذا الصدد. وتهدف هذه المداخل، التي أوصى بها المجلس، إلى التسريع بوتيرة إعادة الإدماج الفعلي لمئات الآلاف من الأطفال قبل 15 سنة من العمر، الموجودين خارج المنظومة التربوية، وفي الوقت نفسه تمكين فئات المجتمع، التي تعاني الأمية، من المعارف والكفايات الأساسية، المرتبطة على الخصوص بالقراءة والكتابة والحساب.

فعلى مستوى التربية غير النظامية، فإنه يستفاد من المعطيات الإحصائية لسنة 2009، أنه يوجد ما يقارب 940 ألف طفل وطفلة خارج المدرسة، بعد أن كان العدد يفوق المليون سنة 2004. وأما العدد الإجمالي للمنقطعين عن الدراسة في سلكي الابتدائي والثانوي الإعدادي فقد بلغ خلال موسم 2007/2008 ما يفوق 340 ألفا، حسب المجلس، وهو مؤشر سلبي يعكس محدودية قدرة المنظومة التربوية، على الاحتفاظ بجميع الأطفال في المدرسة. وهناك أسباب أساسية، في رأي المجلس الأعلى للتعليم، للوصول إلى تلك الوضعية، ومنها عدم التطبيق التام لمقتضيات القانون 00-04 المتعلق بإلزامية التعليم؛ الفشل الدراسي؛ محدودية الدعم البيداغوجي والاجتماعي؛ الطرد من المدرسة، افتقار بعض المؤسسات التعليمية للداخليات، صعوبة بعض الأسر في تغطية تكاليف تمدرس أبنائها؛ ضعف إسهام شركاء المدرسة في دعمها وتيسير إنجاز مهامها. كما أن أهم الثغرات التي ما تزال تعترض برامج التربية غير النظامية، غياب خريطة جهوية ومحلية لرصد الأطفال غير الممدرسين، ومحدودية استقطابهم، وعدم ملاءمة مكتسباتهم الدراسية لمستلزمات إعادة الإدماج في المدرسة، وغير ذلك.

وعلى مستوى محاربة الأمية، فإن المجلس يرى أن وتيرة محاربتها "بطيئة ودون مستوى الأهداف المتوخاة"، حيث رغم انخفاض نسبة الأمية من 47.7 بالمائة سنة 2004، لدى الفئة العمرية 15 سنة فما فوق، إلى ما يقارب 43 بالمائة سنة 2006، وانخفاضها أيضا بالنسبة للفئة العمرية 10 سنوات فما فوق من 43 بالمائة سنة 2004 إلى 38.5 بالمائة سنة 2006، ما تزال الأعداد المطلقة مرتفعة، إذ تبلغ حوالي 8.8 ملايين من الأميين من الفئة العمرية 15 سنة فما فوق. كما أن التفاوت في نسب الأمية يظل قائما على مستوى النوع بمعدل 52 بالمائة بين النساء، مقابل ما يناهز 34 بالمائة لدى الرجال، وعلى مستوى الوسط بنسبة 61 بالمائة بالوسط القروي، مقابل 30 بالمائة بالوسط الحضري.

ومن أجل استدراك تمدرس الأطفال الذين فاتتهم فرصة الدراسة، ولـ"تعبئة مجتمعية حازمة وأكثر نجاعة" لمحاربة الأمية أيضا، يوصي المجلس بعدد من التوصيات منها؛ على مستوى التربية غير النظامية، إنجاز إحصاء شامل، يتم على أساسه اعتماد خريطة تحين باستمرار للأطفال الموجودين خارج المدرسة، حسب النوع والسن والوسط، وتجفيف منابع عدم التمدرس، وإرساء برنامج وطني لتعليم أولي جيد لفائدة الأطفال بين 4و5 سنوات، وغير ذلك. أما على مستوى محاربة الأمية، فيدعو المجلس إلى تخصيص العشرية المقبلة 2010/2020، للتعبئة المجتمعية اليومية من أجل القضاء على الأمية، بإطلاق برنامج عمل وطني شامل، بمقاربة لا متمركزة ولامركزية. كما يوصي بتبني إستراتيجية مندمجة، ذات أهداف كمية ونوعية، وحكامة جيدة.

إعادة النظر

يبدو أن الوزارة المعنية أخذت توصيات المجلس الأعلى للتعليم بعين الاعتبار، وهي تعيد صياغة إستراتيجيتها في مجال محاربة الأمية، حيث أعلن وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، أحمد اخشيشن، نهاية السنة المنصرمة عن إحداث الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، التي تهدف إلى "إعطاء نفس جديد لإنجاز برامج مكثفة في مجال محاربة الأمية، لتحسين مؤشرات التنمية البشرية بالبلاد"، والتي تأتي في إطار تفعيل الدعامة الثانية من الميثاق الوطني للتربية والتكوين، التي تنص على التعبئة الوطنية لتحقيق المحو الشبه التام للأمية في أفق عام 2015. هذا بالإضافة إلى أن الوزير أعلن أيضا، أنه في إطار تنفيذ الإستراتيجية الوطنية، في مجال محاربة الأمية، عن اقتراح برامج عمل على الحكومة، تهدف إلى محاربة الأمية في أفق القضاء عليها، والبحث عن الموارد لتمويل البرامج المسطرة وتطوير التعاون الدولي الثنائي ومتعدد الأطراف.

وبخصوص "الآفاق المستقبلية" للوزارة، فإنها تتركز على أربعة محاور،بحسب الوزير، تهم رفع وتيرة الإنجاز بهدف تقليص نسبة الأمية إلى 10 بالمائة سنة 2015، و5بالمائة في أفق عام 2020، والقضاء على الأمية لدى الفئة العمرية ما بين 15 و24 في أفق سنة 2015، وتقليص نسبة الأمية لدى الفئة النشيطة إلى حوالي 10 بالمائة في أفق سنة 2015.

الأربعاء، مارس 16، 2011

السلوك المدني هو الحوار واحترام الآخر والشعور بالانتماء للوطن

يرى الخبراء في مجال التربية وعلم الاجتماع السوسيولوجي أن مفهوم "السلوك المدني" يحيل مباشرة على الأخلاق و"الإيتيقا"، أو ما يفسره الفلاسفة بنوع من التفكير الذي يستعمل عناصر التعقل والنقد الذاتي والتروي في التخاطب والحوار مع الآخر، وهو ما يضفي على الفكر الذاتي بُعدي الالتزام والمسؤولية.

"يجب أن تشارك في تنميته مكونات المجتمع من أسرة ومدرسة وإعلام"

نورالدين اليزيد

يصبح السلوك المدني، بالمعنى المشار إليه أعلاه، ذا مفهوم محوري واسع يشمل في طياته العديد من المفاهيم، التي تحيل في مجموعها، على التمدن والتحضر، أي على مجتمع الديمقراطية والمواطنة والتربية على احترام حقوق الإنسان، وكلها خصائص مجتمعية يتم اكتسابها والوصول إليها عبر صيرورة تاريخية، وتداخل وتحول في القيم الإنسانية، تساهم فيه عوامل مختلفة منها بالخصوص؛ الأسرة والنظام التعليمي، والإعلام، والمجتمع ككل، فما هو دور كل من هذه العوامل في خلق سلوك مدني قويم ومواطنة صادقة؟

الأسرة..المدرسة الأولى للمواطنة!

سبقت الإشارة إلى أن السلوك المدني، في أحد أبعاده، هو معنى من معاني المواطنة، التي تساهم عدة مؤسسات في تلقينها إلى الأفراد؛ أولها الأسرة التي ينبغي عليها أن تشارك، إلى جانب المؤسسات الأخرى الرسمية وغير الرسمية، في تلقين أفرادها وإكسابهم القيم والأخلاق والتوجهات الاجتماعية التي تسهم في تربية المواطنة، أي المساهمة في عملية التنشئة الهادفة إلى تنمية شعور الفرد بانتمائه إلى المجتمع والوطن، وإلى قيمه ونظامه وبيئته وثقافته، وجعله يشعر بدوره في الدفاع عن هذا الوطن وعن مؤسساته ومكتسباته، ويتفاعل إيجابيا مع باقي أفراده بشكل يسهم في تكوين مواطنين صالحين متضامنين في وجه ما قد يتهدد وطنهم من مخاطر.

ويُلخص علم الاجتماع مجال التربية على المواطنة والسلوك المدني، في أنها "عملية يتم من خلالها نقل ثقافة المجتمع إلى الأطفال". من هنا فإن الوالدين يصبحان المعلمين الأولين، والأسرة تصبح هي المدرسة الأولى التي تعلم وتلقن الأبناء كيفية انخراطهم في المجتمع بما يخدم الصالح العام؛ وذلك بتربيتهم على الأخلاق والقيم الدينية الصادقة، وإثارة انتباههم إلى مختلف القضايا الوطنية، وحضهم على الالتزام بالواجبات؛ ومن ذلك الانخراط في العمل الجمعوي الاجتماعي والتضامني مع باقي أفراد المجتمع، وخاصة منه العمل التطوعي من خلال تنظيف الشوارع والأزقة وتبييض الأرصفة والجذران وغرس الأشجار، وهذا ما يساهم في تنمية روح المسؤولية والحفاظ على الممتلكات العامة. وكذا الاستجابة لنداء الوطن في مختلف المناسبات، ومن ذلك الاستحقاقات الوطنية السياسية، حيث ما أحوج الوطن إلى أبنائه للانخراط في المجال السياسي، والمساهمة في تدبير الشأن المحلي، لقطع الطريق على السماسرة والذين لا يريدون الخير للوطن.

ولتعزيز السلوك المدني وتربية المواطنة الصالحة في نفوس أبنائها، يوصي الخبراء والمهتمون الأسرَ بضرورة التركيز على ربط الطفل بالمقومات الروحية والمادية للشخصية الوطنية، وتنشئته على التمسك بها وبقيم مجتمعه، والربط بينها وبين هويته الوطنية، وتوعيته بالمخزون الثقافي لوطنه.

المدرسة..فضاء لتكريس السلوك المدني!

في تقرير له، في يوليوز سنة 2007، أشار المجلس الأعلى للتعليم إلى أن دور المدرسة في تنمية الحس المدني وترسيخ قيم المواطنة في وجدان وسلوك المتعلمين، يتأكد من خلال استحضار وظائفها المتعارف عليها، المتمثلة في التعليم والتكوين والتأهيل، ولاسيما في التربية والتنشئة كوظيفة تجعل مسؤولية المؤسسة التعليمية مركزية ودورها راهنيا وحاسما في هذا المضمار؛ ذلك ان الغاية المثلى من التربية على السلوك المدني هي تكوين المواطن المتحلي بالأخلاق الحسنة، المعتز بالثوابت الدينية والوطنية لبلاده في احترام تام لرموزها، المتمسك بمقومات هويته بشتى روافدها، المتمتع بالحقوق والكرامة والحرية في احترام لحقوق الآخرين، الملتزم بالواجبات والقوانين والقواعد المتعاقد حولها، المسهم في الحياة الديمقراطية لبلاده، والمكتسب للمناعة تجاه السلوكات اللامدنية. ولذلك ينبغي أن تكون المدرسة فضاء يكرس كل تجليات السلوك المدني، ويتصدى بالمقابل لمختلف المظاهر السلبية المنافية له.

وبالنسبة لخبراء المجلس الأعلى للتعليم، الذين أعدوا التقرير المشار إليه، بعد قيامهم بإجراء أبحاث مع مختلف الفاعلين والمتدخلين في الحقل التربوي، محليا ووطنيا ودوليا، فإن الاهتمام بدور المدرسة في تنمية السلوك المدني يأتي على ضوء سياقات دالة أهمها؛ حتمية ترسيخ قيم المواطنة وفضائل السلوك المدني في الممارسات اليومية للأفراد والجماعات والمؤسسات، ولا سيما في خضم التحولات العميقة التي تشهدها في العصر الراهن المنظومات القيمية والثقافية، سواء في المجتمع المغربي أو غيره من بلدان العالم. ثم الدينامية التي ما فتئ يحركها إصلاح منظومة التربية والتكوين في واقع المدرسة ومحيطها، والوعي المتنامي بالدور الحاسم للمدرسة في توطيد مجتمع المواطنة المسؤولة والديمقراطية والتضامن والتنمية، والعمل الحازم لإجراء قطيعة مع كل مظاهر الإخلال بالقانون والتعصب والتطرف والانغلاق. وفي سياق، كذلك، البرامج والمبادرات التي تعرفها المدرسة المغربية في التربية على قيم المواطنة وحقوق الإنسان، وفي تنمية السلوكات الإيجابية.

لكن المكتسبات التي حققها المغرب في مجال التربية على المواطنة وحقوق الإنسان، التي واكبت دينامية الإصلاحات المجتمعية، وخاصة منها إصلاح المنظومة التربوية الوطنية، لم تبدد الضرورة الملحة، يقول تقرير المجلس الأعلى، للتصدي الحازم والعاجل لكل تجليات السلوك اللامدني التي أضحت تواجهها المؤسسات التعليمية ولاسيما؛ مسألة العنف بشتى أشكاله، والغش بمختلف أساليبه، وعدم احترام الأدوار وسوء المعاملة، والمساس بنبل الفضاء المدرسي والجامعي، وتراجع الالتزام بالأنظمة الداخلية للمؤسسة التعليمية، والإضرار بالملك العام والبيئة. بالإضافة إلى ذلك، فهناك إشكاليات تعترض تنمية السلوك المدني في المدرسة، سواء على مستوى علاقته بالممارسة، أو على مستوى مقاربته البيداغوجية والمنهجية، وتكريسه في الحياة المدرسية والجامعية؛ فعلى مستوى الممارسة يكمن الإشكال في الهوة المتنامية بين الخطاب حول القيم والحقوق والواجبات وبين الممارسة الفعلية لها، كما ترتبط بتراجع الانضباط لقواعد وأنظمة المهنة، والالتزام بما تقوم عليه من واجبات. وفي ما يتعلق بالإشكالات البيداغوجية والمنهجية، فتتمحور حول قضايا عدة، نذكر منها؛ كيفية ترسيخ منظومة بيداغوجية للحياة مع الآخرين تعتمد إعطاء القدوة الحسنة في السلوك والمعاملة، ويكون أساسها القيام بالمسؤولية والتمتع بالحقوق في التزام تام بالواجبات. ومدى تحقيق المدرسة لوظيفتها التربوية في التنشئة الاجتماعية عبر أساليب المناهج والبرامج التكوينية بجوانبها الإنسانية والاجتماعية والنفسية. والآليات الكفيلة بتنظيم العمل المشترك في الفضاء المدرسي والجامعين وغير ذلك من الإشكالات البيداغوجية التي تعترض المؤسسة التعليمية في القيام بدورها في تنمية السلوك المدني للفرد. من هنا فإن المجلس الأعلى للتعليم يوصي بعدد من الإجراءات التي ينبغي اتخاذها بشكل عاجل لمساعدة المؤسسة التعليمية على القيام بدورها كاملا في التنشئة على المواطنة والسلوك المدني، ومن هذه الإجراءات؛ التحديد الواضح للمسؤوليات بضبط الاختصاصات التربوية والإدارية لمختلف الفاعلين في فضاء المدرسة. واعتبار أن الارتقاء البيداغوجي بالسلوك المدني في مسالك التكوين لا يمكن أن يتم بجعله مادة تخصص دراسي، بل هو مهمة تتولاها مختلف المواد والتخصصات. واعتماد مبدأ التدرج في ملاءمة المناهج والبرامج، ومراعاة الفئات العمرية للمتعلمين، تبعا لأسلاك المتعلمين مع الأخذ بعين الاعتبار أن تنمية السلوك المدني يجب أن تتم بشكل مبكر، ابتداء من التعليم الأولي. وفتح نقاش حول إطار تربوي تعاقدي للسلوك المدني بارتباط مع القوانين الداخلية للمؤسسات التربوية، وإطلاق أوراش بيداغوجية ميدانية يشارك فيها مختلف المعنيين، بإعداد برامج مبتكرة لنشر ثقافة الاستحقاق والحوار واحترام الغير وتوطيد الممارسة الديمقراطية وصيانة الملك العام والمحافظة على البيئة، وبالتفكير الجماعي، وغير ذلك من الإجراءات التي تفرض نفسها بإلحاح، في سبيل تربية سليمة على سلوك مدني ومواطنة صالحة.

أي دور لمكونات المجتمع؟

يعتبر المجتمع مزيجا من العوامل والمؤسسات الرسمية المتبادلة التأثير في ما بينها (تأثير وتأثر)، وبقدر ما تكون هذه العملية في إطار التزام متبادل بقواعد متفق عليها داخل مجتمع معين، من أجل خدمة هذا الأخير والرقي به، بقدر ما يتأثر الفرد بذلك، إنْ إيجابا أو سلبا. ويحدد جانب مهم من الخبراء مكونات المجتمع، بغض النظر عن المؤسسات الرسمية، في عدد من المؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية غير الرسمية، ذات كيانات قانونية وتنشأ من قبل المواطنين. ويرتبط نشاط هذه المؤسسات، وهي تحديدا الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات والنوادي الرياضية والثقافية، بفلسفة المجتمع المدني الحداثي المتحضر، المنفتح على تنوع الأفكار واختلافها، بعكس المجتمع ذي المرجعية القَبلية الضيقة. مما يحفز الأفراد على العمل الجماعي والتخلي عن الأنانية، والتشجيع على المساواة، بما في ذلك دعم حقوق المرأة، واحترام الغير والتعدد في الانتماء والأفكار، ونبذ العنف في مقابل التشجيع على الحوار وإدارة الاختلاف بطرق سلمية، مما يُسهم في نشر ثقافة السلم والتسامح. وتستند هذه المؤسسات المجتمعية، من أجل أداء دورها كاملا في تنمية السلوك المدني، إلى مرجعية المجتمع الدينية والثقافية والوطنية، التي ينبغي احترامها من طرف الجميع، وبكيفية متساوية، في جو ديمقراطي لا تمييز فيه بين هذا أو ذاك إلا بقدر ما يقدمه خدمة للوطن، من هنا فإن تعدد هذه المؤسسات دخل الوطن، يعتبر دليلا على مدى احترامه لقواعد الديمقراطية والانفتاح على مواطنيه.

إعلام مواطن..لسلوك مدني

لا يخفى على أحد في عصرنا الحالي، حيث وسائل الاتصال تعرف طفرة هائلة، مدى الدور الكبير والخطير الذي يلعبه الإعلام، بمختلف ألوانه، ولاسيما منه الإعلام السمعي البصري، في خلق رأي عام وتوجيه المجتمعات وتمرير الخطابات التي لا تخدم دائما أفراد المجتمع. من هنا فإن المراهنة على هذا الجانب من وسائل الاتصال والإعلام، والذي يسخر آخر ابتكارات التكنولوجيا الحديثة، من أجل تكوين وتنشئة المواطن على المواطنة الصالحة والسلوك المدني السليم، تقتضي توخي الحذر من لدن الساهرين على مؤسسات الإعلام، الخاصة منها والعامة، وضرورة تشبثهم هم أولا بمبادئ المواطنة الصادقة، التي تلزمهم بالالتزام بمبادئ المهنة وتقصي الحقائق وتقديمها كما هي، دون محاباة هذا الجاني أو ذاك، وبعيدا عن الإثارة والتضليل والانتهازية. ولا يمكن أن يؤدي الإعلام رسالته المُثلى في المساهمة، من جانبه، في تنمية السلوك المدني لدى المواطن، إلا بالقيام بدوره المنوط به، كسلطة رابعة، كما هو متعارف عليه في الحضارات والأمم التي بلغت شأنا في الديمقراطية والحكامة الجيدة، ولن يتأتى ذلك سوى بأن ينفتح هذا الإعلام على كافة أصوات المواطنين، وبأن يكون قنوات بين الحاكم والمحكوم، وليس حاجزا بينهما، أو بوقا دعائيا لجهات معينة من أجل خدمة مصالحها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية و غيرها، بمعنى أن يكون إعلاما مواطنا منفتح على جميع مكونات الوطن، ولاسيما أبنائه من غير أصحاب الجاه أو المال والنفوذ.

الأحد، مارس 13، 2011

سحاقيات المغرب "يناضلن" من أجل اعتراف المجتمع بخصوصيتهن

لا يجدن حرجا، في مواقع الإنترنيت، للتعبير عن خصوصيتهن وعن حقهن في الحياة الآمنة، نظرا لأنهن لم يشأن أن يكن سحاقيات أو مثليات، بل سُنة الكون هي من شاءت ذلك، ولذلك فإن المِثلية يجب أن تحظى بحقها في الحياة وفي الاختيار، كما يقلن، وكما يردن أن يناضلن في إطارهن الجمعوي، الذي يضم العديد من "الأسماء الاعتبارية" التي لا تريد الكشف عن هويتها

"يتخذن من منتديات "الشات" وسيلة للتعارف والدفاع عن وضعهن"

(أنا لست سحاقية..منذ وقت بعيد كنت لا أطيق أن أسمع تلك الكلمة.. ذات الوقع الثقيل السيء على أذني.. سحاق.. سحاقية... ومنذ وقت قريب عرفت معنى الكلمة.. و أدركت أني لست سحاقية.. وكلمة "سحاق" هي الفعل الذي قد تقوم به أنثى مع أخرى من سحق أو حك أجسادهما معا.. ويبدو أن أصحاب هذا الوصف قد دفعتهم مخيلتهم لتخيل الوضع أو العلاقة الحميمية كيف تكون بين امرأتين، فانتهى خيالهم إلى أن الوصف يعني أن النساء يقمن بسحق أو حك صدورهن...وهناك كلمة إغريقة تحمل نفس معنى "سحاق" أو هي الترجمة الحرفية لسحاق ولكنها غير مستخدمة الآن..أما أنا فلا أعمل كذلك...إذن فإني لست سحاقية، وأرى أن من الغباء اختصار علاقة حب و مودة بين امرأتين ووصفه بأنه سحاق..حك الأجساد من أجل لذة كهاته يمكن أن تقوم به أي واحدة، وأي أحد لا يعرف شيئا... ولكنه يريد أن يجرب..كلمة سحاق لا تعبر عن أي توجه جنسي أو حسي..إذن فالكلمة لا تعبر عن المِثليات..مِثلي.)

بهذه الكلمات التي نشرتها كإحدى خواطر مدونتها الشخصية، تحاول "إنسانة" جاهدة تفنيد معنى "سحاق" و"سحاقية" من كونهما يدلان على المثليات من بنات حواء، دون أن تعطينا الشرح الضافي والشافي لهذه الكلمة، والاكتفاء فقط، بمفهوم المخالفة، بالقول أن "كلمة سحاق لا تعبر عن أي توجه جنسي أو حسي"، ما يُفهم من سياقه بأن كلمة "المثلية" هي من تعبر عن ذلك..بحسبها.

"إنسانة" كما اختارت أن تطلق على شخصها، في هذا العالم الافتراضي، وجدت أخيرا هذا المتنفس للتعبير عن أحاسيس ظلت لسنوات حبيسة دواخلها..ولتنتقد كل ما يُكتب من "قذف" و"ذم" في حق من اخترن نفس جنسهن للتأسيس لعلاقات عاطفية...بل وبفضل هذه النافذة والنوافذ الإليكترونية، استطاعت أن تخلق علاقات متعددة، قبل أن تعثر "على توأم روحها" كذلك، بعد التقائها بإحدى الفتيات التي اكتشفت هي الأخرى فقط مؤخرا أنها تميل إلى مثيلاتها من الجنس..فأسستا علاقة ما تزال مستمرة إلى اليوم، بعد أزيد من سنة على لقائهما الأول، الذي "كان رائعا بكل المقاييس..".

في ثنايا مقالاتها، أو خواطرها، التي تحرص على أن تكون بمثابة يوميات "تُوثق" لحياتها الخاصة، تأبى "إنسانة" إلا أن تحطم حاجز الصمت، هذا الذي يطوقها به الآخرون، تحت يافطة كبيرة اسمها "التقاليد"..إنه "الطابو" الذي يضاف إلى كثير من الطابوهات التي ابتليت بها بلادنا هذه الأيام، وكل البلاد العربية، والتي تجعل كل فتاة تريد أن تعبر عن خصوصيتها، والكلام لـ"إنسانة"، "تكون عرضة لوابل من الكلام الجارح، والقذف غير المبرر، بينما كل إنسانة مثلي..هي إنسانة يجب أن تحظى باحترام الآخرين مادامت تبادلهم نفس الاحترام، فطبيعتها جعلتها تحب نفس جنسها..وميولاتها المِثلية لا تنقص من أنوثتها، بل ومن واجباتها كزوجة إن هي تزوجت يوما من رجل"،"حقيقة ليس كل المثليات يحبن الجنسين معا..فهناك صنف ممن تهوى لعبَ دور الذكر، في العملية الجنسية، من لا تحب الذكر إلى درجة الكره..لكن هذا اختيار على كل حال ويجب احترامه.."

تبدو "إنسانة" واثقة مما تخطه في مدونتها الشخصية، وترفض رفضا قاطعا إلى حد الاستماتة في الدفاع عن رأيها، القول بأن الإنسان المثلي مريض نفسيا، أو أنه معتوه أو معتوهة..بل العته هو في هذا المجتمع، "الذي يعجز عن التواصل مع كل فئات شعبه، في ظل غياب سافر لقانون حريات يضمن الحق في الاختلاف".

مسؤولات..مِثليات

الواقع أن لجوء منجز هذا التحقيق إلى الشبكة العنكبوتية للخوض في عالم المثليات بالمغرب، جاء بعدما كشفت له إحدى الزميلات عن عنوان إحدى المدونات المثليات، التي اعتبرتها "صديقة حميمة"، وبعدما نبهته إلى أن "لا يذهب تفكيره بعيدا، وأن يشك فيها (الزميلة) بأنها مِثلية" كذلك..الزميلة ذاتها كشفت له عن "صدمتها" ذات يوم، عندما تعرفت على مسؤولة إعلامية كبيرة معروفة في التلفزيون، وتبادلت وإياها حديثا هاتفيا، من أجل إعداد مادة صحفية، شيء لها أن تبدأ على الخط الهاتفي وتنتهي بمكتب المسؤولة، ثم ليتجدد اللقاء، بعد إلحاح المسؤولة على الصحافية الزميلة بشرب قهوة، وهو ما لبّته..لتكشف المفاجأة؛ حيث اتضح للصحافية بما لا يدع مجالا للشك بأن المسؤولة مثلية، وهو ما لوحظ من خلال اختيار زاوية المقهى أولا ذات الضوء الخافت، الكائن بحي الرياض بالعاصمة الرباط، وثانيا استغلال القرب بينهما على الأريكة الوثيرة، ثم ثالثا، من خلال تكرار لمس المسؤولة ليدي الصحافية بشكل مثير، وهي تتحدث إليها في ما يشبه، حديث الرجل إلى أنثى عندما يخوض وإياها في أحاديث تهم العلاقات والماضي وما إلى ذلك..مما جعل الصحافية، التي تجاوزت العشرين ربيعا من عمرها تستأذن في الانصراف..بعدما أقنعتها بأن "اللقاء معها ممتع، وبأنها ستكون سعيدة إذا تجدد مرة أخرى"، وهو ما ردت عليه المسؤولة، التي هي على مشارف عقدها الخامس، بحماس زائد مخبرة الصحافية، بأن اللقاء القادم سيكون عندها في شُقتها.."إن شاء الله"، قالت الصحافية، وخرج الاثنتان من المقهى، وامتطيتا سيارة المسؤولة، قبل أن تفترقا في حي أكدال، وتطبع المسؤولة قُبلة على فيه الصحافية، التي بدت مذعورة خاصة أنها كان سبق لها أن فاتحتها في موضوع طلبها الذي قدمته إلى المؤسسة التلفزيونية التي تعمل بها المسؤولة منذ مدة، من أجل التوظيف، إلا أن لا جواب جاءها على الطلب، ووعدتها خيرا بعدما تجدد طلبها وتعطيه إياها تودعه هي شخصيا لدى الجهات المعنية..

ليست هي المرة الأولى التي ألتقي فيها بمِثلية، تقول زميلتي، "بل سبق لي التعرف على أخريين في المعهد العالي للإعلام والاتصال، واللتين كانتا على علاقة عاطفية، كانت حديث كل الفتيات، والعديد من الذكور، لأنهما لم تكونا تخفيان ذلك، ولا تُحسان بمركب نقص بسبب اختيارهن لتلك العلاقة "الشاذة"، على الأقل من وجهة نظر جانب من المجتمع.."كما تعرفتُ على العديد من المثليات، عن طريق (الشّات)، تقول الزميلة، وتبادلت وإياهن أحاديث طويلة ذات شجون، عبرن فيها لي عن أسباب اختيارهن ودوافع ميولاتهن الجنسية، وكن في الغالب يرفضن وصفهن بالشذوذ أو المرض"، "ألا تعرف أيها الصديق، أن المثليات ببلادنا أنشأن جمعية في السنة الماضية؟" سألتني زميلتي، وكأنها تريد إفهامي أن الموضوع اتخذ أبعادا تجاوزت المغامرات وراء أسماء مستعارة من خلف حجاب العالم الافتراضي، إلى واقع مجتمعنا هذا الذي ما يزال فيه قسم مهم يحرم حتى الحديث عن هكذا مواضيع، فبالأحرى تمتيع هؤلاء الناس بما يسمونه هم أو هن بـ"الحق" في الاختيار..وأي اختيار..شريك الجنس.

"منّا وفينا".جمعية السحاقيات المغربيات

كانت زميلتي تقصد جمعية "مَنَّا وْفينا" للمثليات المغربيات، التي أثار تأسيسها في السنة الماضية الكثير من القيل والقال، وأسالت حبرا كثيرا، وأججت نقاشا مجتمعيا لا يكاد يختفي حتى يظهر من جديد، وعلت كالعادة الأصوات الرافضة لـ"هذه الزمرة من السلاكط والسلكوطات"، كما لا يتردد كبار سياسيي الإسلاميين في نعتهم بذلك، متهمين الجرائد والمجلات التي تفتح لهم صفحاتها، بأنهم "يشجعون على الرذيلة والانحلال"، ومحذرين من أوخم العواقب على مجتمع المحافظ بثقافته ودينه.

الجمعية، كما جاء على لسان، سمير بركاشي، رئيس جمعية "كيف كيف" للمثليين المغاربة في حوار مع أسبوعية "الأيام"، تشكل الذراع النسوي لجمعيته، وتشتغل داخل إطار الجمعية الأم "كيف كيف"، وهي جمعية ليست مستقلة تماما عن الخط العام الذي تسير عليه هذه الجمعية الأم التي تضم مجموعة من المواطنين المغاربة من المثليين والمثليات، يقول بركاشي، ثنائيي ومتحولي الهوية الجنسية المغاربة".

وتكاد تكون تصريحات زميلتي التي التقت مع المسؤولة "المثلية" تجد لها بعض أوجه التشابه مع ما كشف ويكشف عنه رئيس جمعية "كيف كيف"، المقيم باسبانيا، في كل "خرجاته" الإعلامية، من أن المثليات المغربيات اللائي تقفن وراء تأسيس "منا فينا"، يحتلن مراتب اجتماعية مهمة وراقية بمجتمعنا، ومنهن "أسماء نسائية كبيرة" في ميادين ومجالات مختلفة، وحفاظا على صورهن وأوضاعهن الاعتبارية داخل مجتمع محافظ، لا يردن الظهور حتى بـ"التلميح"، و"إن كن في منتدياتهن الخاصة جدا يعشن حياتهن بكيفية طبيعية". بركاشي يقدر عدد اللائي اتخذن مبادرة التأسيس الجمعوي، غير المعترف به رسميا بطبيعة الحال بالمغرب، بأزيد من 100 مثلية عضو بالجمعية، منهن أستاذات جامعيات وفاعلات جمعويات ومناضلات حقوقيات وناشطات إسلاميات، حسب شهادة بركاشي، وأسماء وازنة في الساحة المغربية، "يتحركن في واجهة الدفاع عن المرأة لكنهن لا يستطعن الدفاع عن ميولاتهن الجنسية، ولا يستطعن الدفاع عن المثليات المغربيات من النساء لأن ذلك قد يعصف بهن وبوضعهن المهني والاعتباري في مجتمع محافظ لا يؤمن بالاختلاف في الهوية الجنسية وحاجات المثليات والمثليين".

عالم..آخذ في الاتساع

بالعودة إلى الحديث مع الزميلة، التي استَشفيت بأن لديها الكثير مما تقوله عن موضوع المثليات حاولت استقراء رأيها في دواعي وخلفيات اختيار الأنثى لهذا التوجه الجنسي؛ فانبرت تشرح بانسياب مستفيض..إنه حب الاكتشاف تارة، وتارة إشباع الرغبة لدى المرأة المتزوجة التي لا يُشبعها زوجها لذة الممارسة الجنسية التامة، لكن في مرات عدة يكون حب الفتاة إلى مثيلها الجنسي رغبة تكبر معها منذ أن اكتشفت عالم الجنس عند بلوغها..

زميلتي كانت متعاونة معي كثيرا، وأبت إلا أن تدلني على "مفتاح" مرور (مُو دو بّاس) إلى عوالم المثليات، عندما كشفت لي "غرفة" بمنتدى "شات" عمومي، ونصحتني بأن أنشئ حسابا باسم أنثى مستعار، وألصق صورة توحي بالمثلية.. ليس بالضرورة أن تكون صورة فتاتين تُقبلان بعضهما البعض أو شيئا مثل ذلك، ولكن فقط أن توحي الصورة بذلك، كأن أستخرج من "غوغل" صورة تبرز ساقين نسائيين وسط ساقين أخريين، أي متشابكين، أو ما شابه ذلك..لأن إلصاق صورة مثيرة على "البروفايل"، لا تعطي مصداقية لصاحبته وتجعل الأخريات يوحى لهن كأن الزائرة إنما هي "متلصصة" على عالمهن، تقول زميلتي..التي نصحتني أيضا بأن أتحدث مع المخاطَبات كأنني أفعل ذلك من مقهى للإنترنيت، وليس من حاسوب شخصي، لئلا يطلبن مني الكشف عن وجهي أو صوتي، عبر "الويب كام والمايك"، على الأقل لأنه يمكن التذرع بأن جهاز حاسوب نادي الإنترنيت لا يتوفر على ذلك، وكذلك فعلْت بعد سويعة من افتراقي مع الزميلة..

بسرعة الباحث عن شيء مفقود فتحت حاسوبي الشخصي بعدما انزويت في إحدى المقاهي المتوفرة على خدمة "ويفي" وسط العاصمة..ولجت "الحاج غوغل" أولا لاختيار الصورة ذات المواصفات التي أرشدتني زميلتي بها، ثم بعد ذلك، وبنقرة واحدة ثم ثانية..كنت أخوض في أكثر من حوار مع من يُفترض أنهن مثليات..بدأت في حوار مع الأولى والثانية ثم الثالثة..التي وقع عليها اختياري بعدما كشفَت لي أنها في الثلاثينات من عمرها، وتعمل أستاذة جامعية..واسمها "حسناء"..بمجرد ما بدأنا الدردشة وقدمتُ لها نفسي على أنني فتاة موظفة في وزارة الصحة، في السابعة والعشرين من عمري، مخطوبة لزميل، وفي الصيف المقبل سأُزف إليه لكنني حتى طلبتْ مني صورة شخصية، فأقنعتُها في الحال بأن ذلك سيكون بعد تعرفنا أكثر، قبل أن تبادر هي بأنها مستعدة لإرسال صورتها الشخصية حالا، وهو ما فعلته بعد هنيهة قصيرة...أكدتُ لها توصلي بالصورة، وأبديت لها إعجابا مبالغ فيه..ورغبة في ربط علاقة معها..أجابتني بأنها ستكون سعيدة بذلك، وطالبتني برقم هاتفي، وهو ما كنت أنتظره، لذلك أعطيتها رقم خطي الهاتفي الثاني، الذي لا أستعمله إلا نادرا، وطلبت منها أن لا تهاتفني في الحال بمبرر أن جهاز الهاتف معطوب ويوجد عند تقني للإصلاح، وقبل أن أدعها تشك في موقفي، بادرت إلى "إغرائها" بأني سأربط بها الاتصال ليلا ونتحدث طويلا "أو على راحتنا" مادمنا نحن الاثنتين نتوفر على خدمات نفس فاعل الاتصالات، وبإمكاننا استعمال خدمة تسمح لنا بالتخاطب طويلا وبسعر معقول..وقبل ذلك وعدتها أيضا بأني سأرسل لها صورة بل صورا شخصية لي حال ما أدخل غدا إلى مكتبي لأن كافة الصور التي أملك أحفظهم بحاسوب مكتبي.. تقبّلت العرض وبدت سعيدة، قبل أن تبدأ بسؤالي عما إذا بإمكاني تقديم شخصي إليها، الطول ولون البشرة..وغير ذلك..ففعلتُ..كذِبا. وسُررت لأنها بادرت هي بالسؤال..حيث مكنني ذلك من أن تجيبني عن كثير من الأسئلة، التي كانت تراودني، دون أن أطرحها..ومن ذلك كيف بدأتْ حياتها الجنسية المثلية، ومع من، ومتى، ولماذا؟ وغيرها من الأسئلة التي كنت ما أحوجني إلى سماع أجوبة عنها..كانت صريحة أكثر مما توقعت..وأخبرتني بأنها تحس بميولاتها إلى مثيلاتها من الجنس منذ صغرها، واشتد هذا الميول عندما بلغت سن المراهقة..ثم اشتد أكثر عندما تعرفت على إحدى الصديقات وزميلات الدراسة في الثانوية، التي بادلتها "الحب الحقيقي"، تقول، لكنها سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بعدما أُجبرت على الزواج من ابن عمها الذي يعمل هنالك..بعد ذلك.."خُضت في علاقات عابرة دون أن أعثر على ذاك الحب الحقيقي.."، "صعب علينا أن نعيش حياتنا كما نشاء..فماذا نفعل؟"، تساءلت ..بعدما كتبت كلمات تدل على ما يفيد حسرتها وأملها من واقع مفروض عليهن..شِئن أو أَبين..

أحسستُ أن "حسناء" لا تفكر في الزواج يوما، وبأن أملها الحالي يتجسد في العثور على "إنسانة تبادلها الحب نفسه". كما عبرت لي عن مدى تذمرها من "تنكر" المجتمع لهن، وعدم احترام ميولاتهن، بعكس الدول المتحضرة وخاصة منها الأوروبية، التي سمحت لها زيارة عدد منها، خلال العطل السنوية، بالتعرف على صديقات بكل سهولة، من خلال زيارة مقاه ونواد خاصة معروفة يرتدْنها..

زوجة مسؤول..سحاقية

حاولت أن أختم الحوار العاطفي، هذا الذي وجدتني متورطا فيه ومتقمصا دور فتاة، وأية فتاة..مِثلية..كم كانت تجربة فريدة ودورا غير يسير، لاسيما عندما يتعلق الأمر بسبر عالم لا تسمح كل القواعد المجتمعية بالاقتراب منه..رغم أنها عالم يستحق أكثر الخوض فيه وكشف كنهه بالنظر إلى تزايد عدد المنتمين والمنتميات إليه، إلى درجة بات لهن صوت جمعوي جهوري.. لكنه عالم يصبح أكثر عُرضة لـ"الهجوم"، ليس فقط من طرف فقهاء الدين وبعض الأحزاب ذات التوجه الإسلامي، ولكن حتى من طرف الجنس الآخر، لا سميا المتزوجين منهم، الذين منهم من اكتشف أن زوجته تخونه مع مثليات جنسيا، بحسب الشهادات التي تمكنا من استقائها..حيث روت إحداهن أنها مرتبطة بزوجة أحد المسؤولين بإحدى الوزارات.. والتي رغم أنها متزوجة منه لأزيد من عشرين سنة، ولها منه ابنان مراهقان، إلا أنها تفضل معاشرة منتمية إلى جنسها لأنها تحس بأنوثتها أكثر معها، على عكس مضاجعة زوجها لها، والتي يغلب عليها دائما طابع التسرع والقذف السريع، وهو ما يضايقها أكثر، ويحرمها، إلا نادرا، من "رعشتها" تلك التي تبحث عنها الراغبة في لذة الحب وليس فقط لذة الرغبة العابرة..مع الجنس المثلي، تقول، "حسناء" يمكن للإنسانة أن تُحلق في فضاء عالم غير منتهي من اللذة والسعادة..وأن تنأى بنفسها عن أفعال "الأمر والنهي"في الفراش، التي يتخذها غالبية أزواج مجتمعنا قاعدة لحياتهم الزوجية الحميمية.. وبدل ذلك فإن الفتاة والمرأة تصبح فاعلا ومفعولا، تُعطي وتُعطَى اللذة والإحساس بالأمان، بعيدا عن الأنانية..وبعيدا عن فعل"الاغتصاب" الذي تتعرض لها الآلاف من النساء كل ليلة تحت مبرر "الزوجة" التي تحافظ على أسرتها، أو وراء يافطة "حشومة" التي تخفي وراءها جرائم، لا تعد ولا تحصى..تقول هؤلاء اللواتي، استطعنا إلى عالمهن سبيلا.

"عزيزتي..

نحن مسلمون طبعا، لكن ليس بيدنا أن نكون مِثليات أو لا

هكذا أنا و سأبقى أنا ... مسلمة ومثلية..

"عزيزتي أريد أن أسالك هل أنت مغربية.."؟، قالت "سحاقية"، وهو الاسم المستعار الذي اختارته صاحبة مدونة عنونتها بـ"مذكرات امرأة مِثلية"، موجهة كلامها إلى إحدى زائرات المدونة التي أطلقت عليها اسم "صابرينا"، والتي بدأت في حوار معها على صفحات المدونة بقولها؛ "شكرا لك صديقتي على زيارتك، جوابا على سؤالك أنا جزائرية، أقيم حاليا في فرنسا.. صحيح لم نختر أن نكون مختلفين.. هكذا خلقنا الرحمان الرحيم.. أتدرين قرأت يوما في أحد الصحيحين، وأعتقد حديثا للرسول صلاة الله وسلامه عليه، في حديثه عن علامات يوم القيامة الصغرى..أنه لا تذهب الدنيا حتى يستغني الرجال بالرجال والنساء بالنساء.. فإذا كنا هكذا لحكمته، لماذا هذا الازدراء الذي يرانا به الدين وخاصة رجاله؟"؟. ثم تتدخل ثالثة في الحوار، محاولة هي الأخرى التوصل ما أمكنها ذلك، إلى ما يطمئنهن قليلا، ويقلل من حدة الهجوم الذي يتعرضن له من طرف مجتمعهن؛ "شكرا لك على مدونتك الجريئة..لقد آن الأوان لكي يتوقف الناس عن معاملتنا كمنحرفين، وأن يحترموا أن الله لحكمته خلقنا كما نحن.."، قبل أن تحيلهم على رابط للمثليين والمثليات قائلة؛ "تفضلوا بزيارة موقعنا... وهو موقع مخصص للمثليات العربيات، وكل من يريد أن يبني حوارا إيجابيا مع المثليين والمثليات.. لدينا مقالات ومنتديات وقائمة مدونات مثليين ومثليات..".

موقف الشرع..لا نص..

لقد اتخذت مسألة انتشار منتديات المثليين والمثليات أبعادا باتت أكبر من أن يتم تطويقها بمجرد مناهضة هذا التيار السياسي أو ذاك، أو فقط لأن فقيها في الدين أصدر فتوى بتحريم ذلك، رغم أن العديدين ممن يُقرون بغياب نص ديني صريح يحرم ممارسة الجنس بين أنثيين..هكذا أصبح يفكر مثليو ومثليات المغرب، بل إن منهم من لا يتردد في تقديم مواقف فقهاء كعبد الباري الزمزمي، يؤكدون على أنها مواقف "ضعيفة". والواقع أنهم كانوا يقصدون تصريحات الزمزمي للصحافة، التي أدلى بها عند الكشف عن تأسيس الجناح الأنثوي لجمعية "كيف كيف"، أي "منا فينا"، والتي قال فيها حرفيا؛ "في النصوص الشرعية ليس هناك أي حكم خاص بهذا الصنف من الشذوذ عند النساء، أي ما يسمى بالسحاق، ليس هناك حكم لا في القرآن ولا في السنة النبوية.. ومن باب القياس تقاس على الشذوذ عند الرجال، لأن المؤدى والعلة والغاية واحدة في المسلكين..لأن من طبيعة المرأة وفطرتها أن تميل للرجل، وبالتالي من باب القياس المعتمد في الشريعة الإسلامية يكون مسلكا محرما لأن العلة فيه هي العلة في تحريم الشذوذ بين الرجال". نفس التصريحات آخذ فيها الزمزمي على مبادرة مثليات "منا فينا" خروجهن إلى العلن والمجاهرة بما يفعلن صحيح أن بعضهن لم يخترن هذه الميولات طواعية، ونحن لا ننكر أن لكل واحد انحرافات، والكلام للزمزمي، يجد نفسه ميالا إليها، نحن نقول كما تقول الحكمة والحديث "من ابتلي منكم فليستتر" نحن لا نلوم هؤلاء، لكن نلومهن على المجاهرة، أما الإنسان في سريته فليفعل ما يشاء وأمره إلى ربه عز وجل".

ولا يتردد البعض في تأويل ما ذهب إليه هذا الجانب من الفقه بأنه "ضوء أخضر"، لكن ظروف المجتمع تجعل القائلين بذلك، لا يعبرون عنه صراحة، ولذلك فإن على المثليين والمثليات وحدهم "النضال من أجل انتزاع حقوقهم وحقوقهن"، ولذلك فإن جمعية "منا فينا" أطلقت جمعية موقعا على شبكة الإنترنيت من أجل الدفاع عن حق المثليات في العيش بحرية. ولأن المبادرة يقف وراءها "مجموعة مثليات وثنائيات ومتحولات الجنس، وأحرار الجنس المغربيات"، فإن الموقع "مكرس لمجتمع المثليات ويقدم أخبارا باللغة العربية، كما يضم دردشة ومنتدى حوار هدفه توفير مجال اتصال ونقاش آمن، وحر ومفتوح بين المثليات المغربيات"، في سبيل إحقاق حق يرونه مهضوما من طرف هذا المجتمع.

هؤلاء يجدون الدعم من طرف وطنية، لا تريد الكشف عن هويتها، كما يصرح بذلك الساهرون على إطلاق الإطار الجمعوي لـ"كيف كيف"، نظرا لمكانتها الاعتبارية والاجتماعية وحتى السياسية. كما يَلقون الدعم أيضا حتى منى الجهات الأجنبية، وكلنا يتذكر، في هذا السياق موقف منظمة "هيومان رايت ووتش" الداعي إلى "إلغاء الأحكام الصادرة جرّاء السلوك المثلي"، وكانت تقصد الأحكام الجنائية الصادرة ضد ستة رجال محكومين بالسجن "جراء انتهاج السلوك المثلي" بمدينة القصر الكبير في سنة 2008، مؤكدة على أنه يجب "أن تنحى الأحكام جانبا وأن يتم إطلاق سراح الرجال"، هذا في الوقت الذي لا يتردد كل السياسيين المغاربة، وأولهم الإسلاميون، في رفض المثلية، لفي الوقت الذي يختفي فيه الحقوقيون وراء ستار، ولا يكاد يظهر لهم موقف واضح، اللهم بعض "المواقف" غير الصريحة.