الجمعة، يناير 07، 2011

طبول الحرب تُقرع بين المغرب والجزائر..


اَلعُقد التاريخية ومحاولة التفوق ومحاربة الإرهاب والحفاظ على وحدة الوطن الواحد، كلها أسباب أجَّجت الصراع ما بين المغرب والجزائر فاشتد التسابق بينهما نحو تعزيز تَرسانتيهما الحربية، إلى درجة جعلت المنتظم الدولي يدق ناقوس الخطر، وإلى درجة إصدار إسرائيل لتقرير استراتيجي يحذر من تزايد النشاط النووي الجزائري. فهل هي بداية العد العكسي لاشتعال حرب بين الشقيقتين؟

إسرائيل كشفت تزايد النشاط النووي الجزائري

هل يعتبر تحذير الأمم المتحدة الذي نشر بداية السنة التي نودعها، من مغبة التمادي في التسلح، كافيا لكبح جماح الجزائر، التي شرعت منذ مدة في إعادة بناء ترسانتها العسكرية، مستغلة في ذلك عائدات الغاز الطبيعي والنفط التي تضاعفت في الآونة الأخيرة، وجماحِ المغرب الذي يسير على نفس الخطى رغم أنه بلد غير نفطي؟

يكاد يجمع المتتبعون للشأن العربي والمغاربي تحديدا، في سياق دراستهم للوضع، على أن التسابق نحو التسلح، الذي يجري في بلدان المغرب العربي حاليا، والذي تم رصده من طرف منظمات دولية وأخرى غير دولية، ومن لدُن حكومات الدول العظمى، يتعدى كونه موجها لمحاربة الإرهاب، كما يحلو للمسؤولين بالشقيقة الشرقية، أن يرددوا ذلك كلما أوشكوا على عقد صفقة شراء أسلحة، وأن المسألة تتعلق بأجندة خاصة ذات أبعاد جيوسياسية، تبدو ملامحها واضحة من خلال الاستعداء المعلن للوحدة الترابية للمغرب، وهو ما يتجلى بالأساس في الدعم المفضوح، ماديا ومعنويا ولوجيستيكيا، لقادة أطروحة الانفصال، مما يحتم بالضرورة على المغرب الذي لا ينتج غازا طبيعيا، نهج السياسة نفسها، في مسعىً حثيث من أجل تحقيق نوع من "التوازن"، على الأقل، في ما يتعلق بجانب تسلح القوات البرية الذي يُشهَد للقوات المغربية بالتفوق فيه.

تسلُّح رغما عن أنف الفقراء!

يبدو أن مختلف الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الدولتان، لم تمنعهما من المضي قُدما في التسابق نحو اقتناء آخر ما ابتكرته مصانع التسليح الأوروبية والأمريكية، وهو ما يفيد أيضا بكون أولوية التسلح باتت ضرورة تمليها أجندات الدولتين، اللتين تضعان نصب أعينهما هدفا يكاد يكون هو نفسه، إنه "ملف الصحراء"، الذي نزف الكثير من الأرواح البشرية والإمكانيات المادية الهائلة، طيلة أزيد من ثلاثة عقود، دون أن يجد طريقه إلى الحل.

التسابق على اقتناء مزيد من الأسلحة، والذي يترك المزيد من الأفواه الجائعة بالبلدين، حيث تشير الأرقام الرسمية وإحصائيات المنظمات الدولية، إلى ارتفاع نسبة الفقر بكِلي البلدين إلى حوالي 30 بالمائة من الساكنة، يطرح أكثر من سؤال حول نوايا الساسة بالبلدين وما إذا كانوا يتسلحون فقط من أجل دعم الجبهة الداخلية لمواجهة خطر الإرهاب الآخِذ في التصاعد بالمنطقة، بسبب اتساع رقعة نفوذ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أم أن سباقهم المحموم على التسلح في ظل عجز اقتصادي واجتماعي، يعتبر قرعا لطبول الحرب؟

وتشير المعطيات المتوفرة لدى معهد استوكهولم الدولي المتخصص في أبحاث السلام، إلى أن المغرب خصص لمجال التسلح، مبلغا ماليا يزيد عن 10 ملايير درهم لاقتناء عدد من الأسلحة، برسم سنة 2009 فقط، في حين اعتمدت الجزائر ما يناهز 5 أضعاف هذا المبلغ لميزانية دفاعها، والتي فاقت 50 مليار درهم. بعدما سبق للمغرب أن أنفق في سنة 2005 ما مجموعه 2 مليون و306 ألف دولار، حسب تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، محتلا بذلك الصف 44 في لائحة الدول الأكثر إنفاقا على التسلح، بينما جاءت الجزائر متقدمة في المرتبة 37 عالميا، بحجم إنفاق يُقدر بـ 2 مليون و 994 ألف دولار برسم نفس السنة.

تسابُق جنوني..

رغم أن الأرقام الصادرة عن المخابرات الأمريكية بناء على مجرد تقارير وإفادات عملائها المنتشرين في مختلف ربوع المعمور، يمكن التعامل معها بكثير من الاحتياط على اعتبار الخلفيات التي تؤطر عمل الأجهزة المخابراتية، إلا أن هذه المعطيات الحكومية الأمريكية، أكدها تقرير كشف عنه، في ربيع هذه السنة، معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الذي تحظى إحصاءاتُه بكثير من المصداقية، حين صنف الجزائر ضمن خانة أكبر عشرة بلدان مستوردة للأسلحة، خلال الفترة ما بين سنتي 2005 و 2009، وهي المرة الأولى التي تحتل فيها الجارة الشرقية هذه المرتبة ضمن خارطة سوق التسلح العالمية.

ووفقا لنفس المعطيات التي توصل إليها المعهد المذكور، فإن الجزائر تعتبر أول دولة مستوردة للسلاح على مستوى القارة الإفريقية، خلال الفترة المحددة آنفا، حيث كان من نصيبها لوحدها، استيراد 43 بالمائة من إجمالي الواردات العسكرية إلى القارة السمراء. ولم يختلف تصنيف الجزائر كثيرا خلال السنتين الماضيتين، وظلت تتربع على زعامة ترتيب دول إفريقيا، التي استوردت 7 بالمائة من إجمالي صادرات الأسلحة بالعالم في الفترة موضوع الدراسة. التهافت الجزائري على التسلح كشف عنه تقرير حديث صادر في الشهر الماضي عن "معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي للدراسات الإستراتيجية"، الذي كشف أيضا عن "تقدم ملحوظ في البرنامج النووي وأسلحة الدمار الشامل" لدى الجزائر، وكذا عن قدرات هذا البلد "النووية والبيولوجية والكيميائية"، موضحا أن الشقيقة الشرقية تملك مفاعلا نوويا صينيا قدرته 15ميغاواط، ومن المحتمل أن يكون قد تم تحديثه إلى 40 ميغاواط، علاوة على مفاعل للأبحاث النووية استقدمته من الأرجنتين قدرته 1 ميغاواط، وهو ما يخدم "برنامجا سريا لأسلحة نووية".

ويذكر التقرير الاستراتيجي الإسرائيلي بأن الجزائر وقعت على معاهدة "بيلندابا، ومعاهدات عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، ملمحا إلى خرق حكام الجزائر للمعاهدة الدولية، والمعاهدات ذات الصلة.

وتستمر عقدة حرب الرمال!

يعتقد كثير من المتتبعين للشأن العربي عموما، ولـ"الحرب الباردة"، بوجه خاص، التي ظلت قائمة بين الجزائر والمغرب، منذ عهد صراع القطبية الثنائية بين المعسكرين الشرقي والغربي، بأن الوضع بين البلدين بات يتعدى كونه يتعلق فقط بدعم الجزائر لموقف البوليساريو الراغبة في إقامة دُويلة بأقاليم جنوب المغرب، وما يترتب عن ذلك من موقف هذا الأخير الراغب في الذود عن وحدة أراضيه بكل ما أُتيح له من إمكانيات، إلى كون الصراع بين الشقيتين تمتد جذوره إلى فجر حصول البلدين على استقلالهما، وتحديدا إلى أول مواجهة عسكرية بينهما، في سنة 1963، على إثر اندلاع "حرب الرمال"، والتي حقق فيها الجيش المغربي انتصارا بيِّنا، يبدو أنه خلق لدى العسكر الجزائري، عقدة الإحساس بالانكسار، تحولت مع مرور السنين، خاصة بعد استرجاع المغرب لأراضيه الجنوبية في سنة 1975، إلى اعتبار المغرب "عدوا استراتيجيا" يُهدد غرب بلادهم، وهو ما سيقابله تبني نفس الموقف، من طرف الرباط التي لا يخفي مسؤولوها اتهام نُظرائهم بالجزائر بأنهم "أعداء الوحدة الوطنية"، بالنظر إلى كشف حكام قصر المُرادية بعاصمة بلاد المليون شهيد، عن وجههم الحقيقي، واعترافهم العلني بالتأييد غير المشروط لأُطروحة خلق دُويلة في خصر المغرب، بعدما احتضنتها طوال سنين في مخيمات لحمادة بتندوف.

حرب مع وقف التنفيذ!

حسب مصادر عسكرية وسياسية بالبلدين، فإن سباق التسلح بين الجارتين بات يحكمه مبدأ "توازن الردع"حينا، وأحيانا الرغبة في الحصول على قصب السبق في الظفر بترسانة حربية، متقدمة تقنيا وكميا، استعدادا لحربٍ يكتفي ضباط العسكر بالبلدين، برسم ملامحها وسيناريوهاتها داخل ثكناتهم فقط دون أن تعرف التنفيذ على أرض الواقع، وهو ما أكده خبير في الدراسات الإستراتيجية، فضل عدم ذكر اسمه، في تصريحات خاصة لـ"ما وراء الحدث"، حين استبعد نشوب حرب حقيقية بين البلدين رغم اشتداد تسابقهما لأجل توازن الردع، قبل أن يضيف أن هذا التسابق المحموم على تعزيز قدراتهما العسكرية، بالإضافة إلى أنه سيكرس التوتر بين البلدين، فإنه سيُديم بقاء "المحافظين العسكريين" على هرم السلطة الجزائرية، حيث يستغلون هذا "الوضع القذر"، في إشارة إلى التزايد المضطرد في التسلح، من أجل سيطرتهم على السلطة.

وحسب المصادر نفسها، فمهْما وصلت حدة هذا السباق على شراء السلاح، فإن استعماله من طرف الجانبين يبقى غير وارد في الغالب، بالنظر إلى أن القوى العظمى، التي ما فتئت تدعو البلدين إلى توحد الجهود في مواجهة الإرهاب، لا تريد قيام حرب بالمنطقة، على الأقل في الأمد القريب والمتوسط، من أجل أن لا يتم تعقيد خارطة طريقها في مواجهة أتباع أسامة بن لادن.

وبالرغم من أن المتشائمين من انفراج الوضع بين الجارتين يذهبون إلى إمكانية اشتعال فتيل الحرب بينهما، فإنهم يؤكدون على أن ذلك "لن يعدو يكون صراعا بين سيف ودرع، لأن ما يملكه طرفٌ من أسلحة، يعادله ما يملكه الطرف الآخر من أسلحة مضادة تُفقد الأولى مفعولها"، ليبقى التساؤل مطروحا، حول ماهية جدوى هذا السباق المحموم، في الوقت الذي يكتفي فيه الطرفان بالقيام بمناورات عسكرية هنا وهناك، تُكلف هي الأخرى ميزانيات باهظة من أموال دافعي الضرائب، الذين يطوقون إلى تنمية مستدامة تقيهم مذلة ركوب أمواج البحر للعبور إلى الضفة الشمالية للبحر المتوسط.

ويظل توجس السؤال يؤرق المتتبعين؛ خاصة في ما يتعلق بتسلح الجارة الشرقية للمغرب متسائلين، هل لهذا التسلح ارتباط فعلا بتنامي خطر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، كما يزعم حكام قصر "المرادية"؟ أم أنه تسلح لدرء هجومات مفترضة مستقبلا من قِبل التنظيمات الجهادية القابعة في الجبال أو الموزعة بالصحراء الكبرى؟ أم أن توجه الجزائر إلى دعم ترسانتها العسكرية راجع بالأساس إلى الخوف من انتقال عدوى الحروب الأهلية، التي تشهدها بعض دول إفريقيا جنوب الصحراء، إليها؟ أم أن للأمر علاقة بما يبرز داخليا من قلاقل تتطور إلى ما يشبه "العصيان المدني"، كما هو الشأن بالنسبة لساكنة منطقة القبايل مثلا؟ إنها "صفقات غير عادية"، يخلص أحد الخبراء، في تعليقه على الإقبال المتزايد للجزائر على الزيادة من حجم وقوة ترسانتها الحربية.

أسلحة من كل الأصناف!

حسب معطيات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) المتخصص في مجال التسلح، والذي تأسس سنة 1966، فإن الجزائر استوردت في السنوات الخمس الأخيرة ترسانة مهمة من الأسلحة المتنوعة، ما بين طائرات حربية وغواصات وأنظمة دفاع جوي، من حليفتها التقليدية روسيا، وهي السوق المفضلة لدى ساسة الجزائر الذين ظلوا يتعاملون مع الاتحاد السوفييتي البائد طيلة الحرب الباردة.

وتلقت الجزائر في الفترة ما بين 2004 إلى 2008، حسب تقرير هذا المعهد، 180 دبابة من نوع ''تي90"، و18 قطعة من نوع ''أم. كا. أ 30 سو''، وهي طائرات مقاتلة من صنع روسي. وبمقتضى عقد خاص ستزود المصانع الروسية الجيشَ الجزائري، بغواصتين بحريتين من نوع ''360 مَىْ ف كس يُو ثِي''، وعدد مهم من القطع الحربية وأنظمة للدفاع الجوي القصيرة والطويلة المدى، و28 طائرة ''أم. كا. أ 30 سو''. مما جعل الصفقة التي وصلت قيمتها إلى 2 مليار و200 مليون دولار، أكبر صفقة عسكرية تبرمها موسكو مع بلد عربي في السنوات الأخيرة. بالإضافة إلى صفقة أخرى لشراء غواصات "ديازل" الكهربائية من صنف "فارشافيانكا"، التي يبلغ طولها72 مترا، وتصل سرعتها تحت الماء إلى 17 عقدة، وعمقُ غوصها إلى 300 متر، كما تتوفر على منظومة إطلاق صواريخ مجهزة بست قاذفات من نوع 533 مليمتر، وتستطيع حمل طاقم مكون من 52 فردا.

وكان من نتائج زيارة الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، لموسكو في العام 2007، أن ألغت هذه الأخيرة ديونها المستحقة على الجزائر، والتي قُدرت بأزيد من 7 مليارات دولار، في الوقت الذي تلقت فيه طلبا جزائريا لإبرام صفقة تسلح قيمتها 7.5 مليارات دولار، من أجل شراء 28 طائرة حربية من طراز سوخوي (30 أم. كيو Su-30MK)، و36 مُقاتلة من طراز ميغ (29 MiG-29SMT )، و16 طائرة تدريب من طراز (ياك 130)، بالإضافة إلى 300 دبابة من طراز (تي 90 أس T-90S))، ورادارات وكميات أخرى من العتاد. كما شملت الصفقة أيضا ثمانية أنظمة صواريخ أرض جو من طراز (تونغوسكيS-300 PMU Almaz-Antei)، وتجديد 250 دبابة جزائرية من طراز "تي 72"، وعدد غير يسير من الصواريخ المضادة للدبابات من طراز "ميتيس" و"كورنت"، بالإضافة إلى القيام بأعمال صيانة للسفن الحربية الجزائرية روسية الصنع. وتمتلك الجزائر مصانع ضخمة متخصصة في الصناعات الحربية، أهمها القاعدة المركزية للإمداد، التي تقع في "بني مراد" بولاية البليدة، وهي القاعدة الضخمة التي تم إنشاؤها في سنة 1975، وتم تجهيزها بمختلف الآلات التكنولوجية الحديثة، لتطوير و تصليح الآلات الحربية مثل الدبابات والمدرعات، مما يغني الجزائر عن إرسال دباباتها ومدرعاتها إلى الدول المصنعة لتطويرها. وتقوم هذه القاعدة بتطوير وتصليح عتاد عسكري لعدة دول عربية وإفريقية، كما هو الشأن مثلا مؤخرا عندما تم تطوير كل المدرعات والدبابات الليبية بمصنع القاعدة، الذي يشغل، حسب مصادر عسكرية، نحو20 ألف عامل ومهندس وتقني وخبير، تم تكوينهم في جامعات ألمانيا وروسيا.وقد انتقل المصنع إلى مرحلة تصنيع دبابات من تصميم و تطوير جزائري، أطلق عليها اسم bcl-m5، وكان أول ظهور لها في 1993، وهي مدرعة مزدوجة المهام، أي أنها مدرعة مقاتلة، ومدرعة حاملة للجنود.

بينما يشير تقرير معهد استوكهولم إلى أن المغرب قد تقدم خلال سنة 2009، بطلب شراء 24 قطعة من طائرات "إف16" من الولايات المتحدة الأمريكية، وثلاث فرقاطات من نوع "سيجما 90" من هولندا وبارجة بحرية من صنع فرنسي.

وستكلف الـ24 طائرة حربية الـ"إف16" المغربَ، دفع أكثر من 1.2 مليار دولار للتأمين عليها فقط، وهو التأمين الذي سيشمل الفترة الممتدة من إتمام الصفقة إلى غاية التسليم الفعلي على الأراضي المغربية، في الفترة الممتدة ما بين يوليوز سنة 2011 ودجنبر سنة 2012 فيما سيتوصل بالطائرتين المتبقيتين في وقت آخر من سنة 2013.

لِمن تميل كفة ميزان القِوى؟

لا يختلف اثنان حول مدى التجربة التي اكتسبتها القوات المسلحة البرية المغربية، وخاصة منها القوات البرية، في حربها الضروس مع البوليساريو، التي امتدت منذ سنة 1975 إلى سنة 1990، بعد تدخل الأمم المتحدة من أجل تطبيق خط السلام بين الطرفين، وهي الحرب التي خرج منها المغرب متفوقا، على الأقل ميدانيا، عندما تمكن من دحر الانفصاليين وإرغامهم على التقوقع خلف جدار أمني يمتد على الجنوب الشرقي للمملكة، مما جعل الخبراء العسكريين يشهدون بدُربة ومهنية القوات المغربية، في مقابل خمول العسكر الجزائري، الذي ظل يراقب ويدعم حرب العصابات التي خاضتها عناصر البوليساريو ضد القوات المغربية، على أمل استنزاف هذه الأخيرة، قبل أن يوجه سلاحه إلى الداخل الجزائري في الحرب الأهلية التي اندلعت بداية العقد الأخير من القرن الماضي. وقد أسهمت الحرب مع البوليساريو في تطور القوات المغربية كمّا وكيفا، واستمر تزايد تعداد هذه القوات منذ سنة 1975، ليعرف تطورا ملحوظا في عقد الثمانينات، أي في أوج الحرب، كما رصد ذلك خبراء معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، حيث ارتفع العدد من 149 ألف جندي إلى 192 ألفا، قبل أن يصل في سنة 2005 إلى ما يزيد عن 196 ألفا، إضافة إلى 150 ألف جندي احتياطي.

بينما وصل تعداد القوات العسكرية الجزائرية 170 ألف عنصر سنة 1980، قبل أن يعرف تقلصا سنة 1990 إلى 150 ألف جندي، ليستقر في ما بين 122 و128 ألف جندي إلى غاية سنة 2005، فيما لا يتعدى الجيش الاحتياطي 85 ألف رجل، بينما ارتفعت أعداد القوات الشبه عسكرية كالدرك والأمن والحرس الجمهوري بسبب الحرب الأهلية.

واستنادا إلى معطيات المعهد المذكور فإن هناك تقاربا تقنيا كبيرا على مستوى بنية ترسانتي البلدين العسكرية، إلى غاية سنة 2008 دون اعتبار صفقات الأسلحة التي توصل أو سيتوصل بها البلدان بعد هذه السنة، حيث يضم العتاد المغربي 744 دبابة قتالية، و559 من المدرعات، و785 ناقلة مصفحة لنقل الجنود، و255 مدفعية ذاتية الدفع، و190 مدفعية مقطورة، و39 قاذفة صواريخ من نوع (م ر ل س).

وتتوفر القوات الجوية المغربية على 95 طائرة مقاتلة، و24 من طائرة هليكوبتر الهجومية، في حين تتوفر القوات لبحرية على مركز رئيسي واحد على سطح السفينة، وأربعة زوارق محملة بصواريخ، و23 زورقا حربيا، وأربع سفن برمائية.

وتكاد تكون هذه الأسلحة هي نفسها الذي يتوفر عليها الجانب الجزائري، الذي يملك ألف دبابة قتالية، وما بين 124 و173 مدرعة، و730 ناقلة جند مصفحة، و185 مدفعية ذاتية الدفع، و406 مدفعية مقطورة، و144 قاذفة صواريخ. أما القوات الجوية الجزائرية فتضم 175 طائرة مقاتلة، و93 طائرات هليكوبتر هجومية، في حين أن القوات البحرية تشتمل على أزيد من غواصة، وثماني سفن كبرى، و12 زورقا حربيا، وثلاث سفن برمائية.

ميزانيات ضخمة لبناء الترسانة الحربية بالبلدبن

في الوقت الذي لم يكشف فيه بعد عن قسط الوقت المسلحة من ميزانية سنة 2011، وكذلك الشأن فإن البند 38 من مشروع قانون المالية المغربي برسم السنة الماضية، جاء فيه أن الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بإدارة الدفاع الوطني، مفوض له التصرف مقدما في المبالغ المخصصة برسم سنة 2010، للحساب المالي المدعو "اقتناء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية"، والبالغ 63 مليار و959 مليون درهم. ووصل الغلاف المالي لميزانية الدفاع برسم السنة الماضية، إلى 34.7 مليار درهم، أي ما يناهز 16 بالمائة من الميزانية، خُصص منها 10.2 مليار درهم لاقتناء الأسلحة وإصلاح المعدات (أي ما نسبته 27.27 بالمائة)، و15 مليار درهم لنفقات الموظفين والأعوان العسكريين (43.22 بالمائة) و5 ملايير درهم للنفقات المختلفة (14.40 بالمائة).

أما ميزانية الدفاع الجزائرية برسم سنة 2009، فقد ناهزت 55 مليار درهم، بعد أن كانت سنة 2008 لا تتجاوز 23 مليار درهم (6.5 مليار دولار سنة 2009 و 2.5 مليار دولار سنة 2008). وتمثل ميزانيتا الجيش والأمن الجزائريين 15 بالمائة من الميزانية العامة للدولة، المقدرة سنة 2009 بـ 80 مليار دولار.

الأربعاء، يناير 05، 2011

مغامَرات حسناواتٍ يمتهن دعارة "هاي كلاص" بالعاصمة الرباط

يرتدن أشهر العلب والنوادي الليلية والمقاهي الفاخرة بالعاصمة، لاقتناص مسؤولين وسياسيين، ويتقاضين أجرا يصل إلى 3 آلاف درهم لليلة الواحدة، ومن هن من لها أجرة شهرية وخط هاتف "فُورفي"، وأخرى تتقاضى مبالغ خيالية دون أن تمارس الجنس لأن "زلاَّلها ماتينوضش"، إنها دعارة "هاي كلاص"

متخصصات في اقتناص زبنائهن من السياسيين وكبار المسؤولين

بدأتُ أقترب من باب هذه العلبة الليلية المتواجدة بالهرهورة، ناحية الرباط، والمعروفة "كثيرا" باستقطاب مسؤولين كبارا، مدنيين وعسكريين..كان "الفيدور" يُمعن النظر في الزوار، لكن مرافقي، الذي لم تكن زيارته هاته للمكان أول مرة، أعفاني من "استفزاز" هذا الشخص الضخم..فقد أحضر تذكرتين للدخول إلى هذا العالم...وميض الأضواء يخفت ويسطع على صخب موسقى غربية..الفتيات الحسناوات هنا وهناك..منهن من تجلس إلى "زبناء"، حيث تبادُل الهمس واللمس والقُبل..ومن هن من لا تزال تنتظر الذي سيؤدي ثمن قارورات الجعة التي أفرغنها في بطونهن، فيذهبن معه بعدما يكون الاتفاق على الثمن قد تم...

"لعبتي" كانت تقتضي أن أستدرج أكثر ما يمكن من الفتيات العاهرات؛ على أن لا أتجاوز أربعا، أي تناول أربع قارورات "بيرّا"، واحدة لكل واحدة، سيدفع ثمنها صديقي، كما اتفقنا على ذلك من ذي قبل... بدأت لغة الإشارات بالأعين أو "ادْراڭ"..الأولى فالثانية ثم الثالثة..."ليلى"، "إلهام"، ثم "سعاد"..كل منهن جلست إلينا ما بين30 دقيقة وساعة كاملة..كان كل همي أن أجعلهن يتحدثن ما أمكن بصراحة عن عالمهن...والبداية ستكون بمناقشة "ثمن" الليلة المفترض قضاؤها معي..

"ليلى"..مُذكِّرة السياسيين!

تبدو أصغرهن سنا والأجمل كذلك، أول ما سألتني عنه هو محل الإقامة، فأجبتها..الرباط! بعدها سألتني كم سأعطيها، فرددت... حسب "العرض"، "لنتفق عن الثمن..ما غادي تكون غير على خاطرك"، هكذا أجابت! قبل أن تخوض في سرد حكاياتها..كان سبب دخولها عالم الدعارة هو "الزيغة"، لأنها من والدين ميسوري الحال، ويملكان منزلين الأول بالرباط والثاني، ويتكون من ثلاث طبقات، بتمارة، إضافة إلى أن شقيقين لها يعملان بفرنسا..عمرها الآن لا يتجاوز 23 سنة، لكن ذاكرة هاتفها مملوءة بأسماء أشخاص مهمين تطلبهم عند الحاجة، كما يطلبونها عندما يريدون "قضاء الحاجة"..خمّنتُ بأن كثيرا مما تقوله افتراء، وحاولت نقل ريبي في كلامها إليها، فجاء ردها في شكل تحدّ كبير..أظهرت لي شاشة هاتفها، وبدأت تستعرض الأسماء، بعدما نبهتني أن أشير إليها إن كنت أعرف أحدهم..وكذلك كان، عرفت جل الأسماء، وتساءلتْ كيف لي بذلك، ولم أكشف لها عن هويتي الحقيقية..طلبتُ منها مهاتفة أحد السياسيين فأخبرتني أنها للتَّو قطعت الخط معه، ويوجد باجتماع الآن في البرلمان..."يناقشون الميزانية"، قالت، قبل أن تظهر لي اسما لآخر ينتمي لحزب بالحكومة، ومعروف كثيرا بالعاصمة والنواحي، "ما رأيك في هذا؟"، قلت لا بأس..فطلَبتْه..وما لبثت..قبل أن يرن هاتفها ليأتي الصوت من الجهة الأخرى واضحا، بعدما شغلت الـ"هوت باغلوغ"..تيقنت أن الصوت لصاحبه، فقد اتصلْت وإياه كثيرا..

مثلُ هذا وأكثر، هم زبناؤها، من ألفي درهم إلى 3 آلاف إلى 4، وفي مرات قد يصل الرقم، بالهدايا، إلى 10 آلاف درهم، في ليلة واحدة، تتقاضاه "ليلى" لقاء بيعها جسدها هذا الغض.."الله يلعن بو الخليجيين"، شتمت تلك العينة من زوار مملكتنا السعيدة، الذين يأتون إلى بلادنا فقط من أجل الجنس، عندما سألتُها إن كانت تلتقي أحدهم، قبل أن تؤكد لي أنها لا تهوى أولائك، وإن كانت "لمكلخات"، حسبها، يهوين هؤلاء كثيرا..

إلهام وسعاد...هدف واحد!

"إلهام" و"سعاد"، قالتاها صراحة منذ البداية، إنهما لن يذهبا معنا، لأننا بحسبهما شابين وسيمين "ديال اتصاحيب"، لكنهما لم يمتنعا عن تجدد اللقاء في المكان نفسه كلما شئنا، أنا وصديقي، من أجل المذاكرة ليس إلا..كانت الفرصة مواتية للغوص أكثر في الحديث حول عالمهما...لبّيتا الدعوة، وخاصة "إلهام"، التي لم تجد حرجا في الحديث إلي بالرغم من معرفتها بهويتي!

عمرها 30 سنة، و"إلهام" هو اسمها الحقيقي، كما أقسمت بذلك، وتمارس "اتصاحيب ديال لكلاص" منذ خمس سنوات..ولا تريد مغادرة هذا العالم، إلا عندما "دير علاش تْولي"، و"الحمد لله أنها بدأت في تحقيق أحلامها"، منذ استطاعت شراء بقعة أرض بمدينة سلا، وبنت عليها منزلا من طابقين، تسكن بهما أسرتها، بل وفتحت في أسفل الدار مقهى للأنترنيت ومخدعا هاتفيا يديرهما شقيقها..والبقية تأتي.."حرام أم لا" هذه الأعمال التي أقوم بها، لا يهمني ذلك، تقول إلهام، بقدر ما يهمني إسعاد عائلتي المتكونة من سبعة أفراد لا معيل لها غيري، بعدما اشتد المرض بأبي، وتهالكت قوى والدتي من شدة العمل كـ"فام ميناج"، منذ أن كنت صغيرة أنا وإخوتي..

تبيع السعادة لزبنائها، وتشتريها لأفراد العائلة.. تبًّا لها من تجارة اعتبرت تاريخيا الأقدم على وجه البسيطة.. تتعدد أسباب الارتماء في عالم الدعارة، لكن أكثرها هو الفقر والحاجة، إضافة إلى عوامل أخرى تربوية واجتماعية، تلخصها التقارير الحقوقية، في غياب وعي كاف لدى الفتيات، وانتشار عدد من الأعراف التي تحرم الحديث عن مواضيع بعينها وإيجاد الحلول لها، كالطلاق والاغتصاب وزِنا المحارم، مما يرفع نسبة الإقدام على البغاء، بالإضافة إلى آفة الأمية المستشرية في صفوف العنصر النسوي، بالخصوص، فضلا عن عدم إتمام الدراسة لدى فئات واسعة..لكن الدعارة "هاي كلاص"، تكاد تكون لها مبرراتها "الخاصة جدا"، تقول "سعاد"، الطالبة الجامعية الحاصلة على درجة "الدوغ" في الاقتصاد، والتي لم تُتمم دراستها، لأنها "عشقت" هذا العالم!

بالنسبة لسعاد فإن لكل شخص مهنة، ومهنتها هي شاء القدر أن تكون "بائعة هوى للناس الألبا"...لم لا ينظمون لنا مهنتنا؟ تتساءل، قبل أن تزيد موضحة، الآلاف من الفتيات والنساء، يمتهن الدعارة، والجميع يعلم، لكن لا يريدون أن يعترفوا..وتسترسل كاشفة عوالمها..بعدما ولجت الدعارة، وأنا طالبة بالكلية، شعرت لأول وهلة بأنني أستطيع تحقيق آمالي بأسرع وقت، خاصة أني كنت وما أزال ذاك "النموذج الأنثوي" المطلوب أكثر من طرف الرجال.. فلماذا لا أختار الشخص المناسب؟

من حقها أن تتحدث كذلك! فارهة الطول، بيضاء البشرة، سوداء اللونين، كثيفة الشعر، مملوءة الصدر والمؤخرة، مقعرة البطن...جسدها هذا الرياضي كثيرا ما كان سببا في إثارة مشاكل لها..وحذرتنا من أن أحد زبائنها و"زَلاَّلْها" الذي تنتظر قدومه بعد حين، سيأتي ويُقبلها أمامهم، ويطلب معرفة هوياتهم، فعليهم أن لا ينزعجوا! إنه أكثر غيرة عليها، ويبدو أنه مسؤول كبير، بمؤسسة شبه عسكرية، كما قدمته..يشهد قصره المتواجد بـ"بير قاسم"، بأن سعاد عاشت أكثر من ليلة، أميرة زمانها، وما تزال تسهر ليلتين إلى ثلاث مع "فارسها"، الذي يملك "فيرْما لِيمون" بالغرب، زاراها أكثر من مرة..يخصص لها مصروفا شهريا، يزيد وينقص حسب مزاج "الفارس"، لكنه لا يقل في الغالب عن 10 آلاف درهم، علاوة على أقساط الدراسة بالمدرسة الخاصة للتدبير الإداري "المانانجمنت"، التي يؤدي شهريا 3 آلاف درهم مقابلا لها، وخمسمائة درهم مقابل الخط الهاتفي الـ"فورفي"، مع خط مفتوح في اتجاه رقمه..وتذكر كيف حقق لها أحد أحلامها حين سافرت برفقته في عطلة، من أسبوع، إلى فرنسا اقتنى لها من عاصمة "المودا" والجمال أجمل الملابس والهدايا!

"سعاد"... المصير!

كانت عقارب الساعة تقترب من السادسة مساء، عندما رفعت رأسي كي أستريح قليلا من إنهاك أشعة الحاسوب الموضوع أمامي رفقة قهوة سوداء في تلك المقهى الكائنة وسط حي أكدال بالرباط..فوقعت عيناي على فتاة في العشرينات من عمرها، بدت حسناء المظهر؛ ماكياج موضوع بعناية، وشعر أسود قاتم مسدول على الأكتاف، ووجه متناسق الأعضاء والقسمات، بينما يداها كانتا مشغولتين، واحدة تحمل سيجارة من ذاك الصنف الغالي، كما يظهر ذلك من خلال العلبة الموضوعة فوق طاولة الفتاة، بينما اليد الثانية تداعب الهاتف المحمول ذي اللون الفضي، الذي يبدو هو الآخر رفيع الثمن..

لم يكن هدفي استفزازها، بل كانت الصُّدفة وحدها هي من لاقت أعيننا في نفس خط التماس، فبدت أكثر مني راغِبة في الحديث، فالمسافة بيننا لم تكن تتعدى أكثر من مترين، وكنت لا أرغب في ذلك، وإن كان من باب تقديم التحية لشخص يريد التحية وما بعدها، على الأقل هذا ما بدا لي في البداية وما سيتأكد بعد حين..

هززت رأسي مرة ثانية، لأن استفزاز جارتي بالمقهى ازداد درجة، بل درجات عدة، عندما رأيتها تتغنج إلي بعينيها اللامعتين الشائكتين، طرحت للتو على شخصي سؤال الوقت الذي يزاحمني، والذي يربطني إلى أجندة مليئة عن آخرها، فرئيسي في العمل وعدته بأن أرسل إليه موادي الصحفية ليلا وأخرى بالغد، وكذلك الأسرة التي تنتظرني في عشاء نادرا ما يتكرر، لذلك فأي دقيقة وقت خارج هذا الثنائي، تعتبر هدرا لاريب..لكني مع ذلك لبّيت طلبها عندما أومأت لي بالانتقال للجلوس على مائدتها..

ردت على تحيتي بمثلها بل وبأجمل منها، عندما تكلفت عناء النهوض لمساعدتي على نقل حاسوبي وحقيبتي وأغراضي الأخرى..

- ما اسمكَ؟

- قُلت لها..

- وأنتِ..."سعاد"! تذكرت "سعاد" صاحبة "الفارس"، فخطر ببالي أن تكون

هذه منهن، ربما! سأستفيد من حيث لن أتعب..

خُضنا مباشرة في لعبة "سين جيم"، وأعجبها كثيرا أنني صحافي، وأقسمت أنها كانت تود منذ صغرها أن تكون صحافية، لكن القدر شاء غير ذلك...27 سنة هو رقم السنوات التي قضاها عمرها لحد تلك الساعة، واسمها غير "سعاد"..إنه اسم ضارب في أعماق البدو، استحلفتني على أنه من بين ما باحَث به تحت يافطة "غير قابل للنشر"! وكذلك التزمت..

"مهنتي بائعة هوى..وأردت فقط أن أدردش معك قليلا لأنك بصراحة أعجبتني..لا تذهب بعيدا...فقط لأنك شاب لطيف..ورأيتك منهمكا في عملك دون مبالاة بالفتيات اللائي يملأن المقهى..".

قاطعتها...تريدين فقط تزجية الوقت بي؟

لا بالعكس..لِم لا تقل يمكن أن نكون أصدقاء، رغم أني أستبعد أن تقبل، لأنك متزوج على ما يبدو...

لِم لا! قلت لها..خاصة بعد كشْف كل شيء منذ البداية... مهنتها ومهنتي، ووضعيتها الاجتماعية ووضعيتي..

"صديقتي" الجديدة قبلت أن تحكي قصتها بل مغامراتها، كما قالت، لأنها تريد أن ترى ذلك مكتوبا على الجرائد، لتحتفظ به كذكرى!

كانت تتابع دراستها بالسنة أولى ثانوي، قبل 10 سنوات، في تلك القرية بنواحي الفقيه بنصالح، عندما تطورت علاقتها بابن خالتها المتواجد بإيطاليا، والذي يكبرها بنحو ست سنوات..تبادلا الأحلام وتمناها أن تكون زوجته بالمهجر، لكن للأسف..لا شيء تحقق غير فقدانها لبكارتها من طرفه في صيف تلك السنة..ولتبدأ حكاياتها مع بعض الأساتذة، الذين كانوا يقايضونها نقط الامتحان بالفراش، وكانت تلبي تلك الرغبات لأولائك "الخبثاء"، وظلت على تلك الحال، إلى السنة الثالثة الثانوية، عندما لم يُجدِ نفعا بيع الجسد من أجل النجاح في البكالوريا، فكان الرسوب، وكان الهروب إلى العاصمة..بعدما أخبرت والديها أن صديقاتها ستساعدنها في العمل هناك..

من يدفع أكثر؟

لم تكن تعرف أحدا بالرباط، في ذاك المساء عندما وصلت إلى المحطة الطرقية، وكل ما كانت تلوي عليه هو بنات أفكار بمخيلتها، إضافة إلى 500 درهم تقريبا هي كل ما تحويه حقيبتها. كانت القبلة هي فندق بوسط العاصمة الرباط، مقابل ثمن رخيص حملها إليه سائق الطاكسي..في أول ليلة لها بالعاصمة، عاشت "أميرة"، كما تقول، ولم تبِتها في الفندق الذي حجزت فيه غرفة، بل في "قصر" الحاج ميلود، "صاحبي الأول" في العاصمة..تحكي "سعاد".. ارتبطتُ به 4 سنوات، وكان متزوجا ويتجاوز الستين، رغم أنه كان يصر علي بأنه خمسيني..كنت أعرف أنه يكذب..كما كنت أعرف أنه يسكن بالرباط رغم أنه كان ينفي لي ذلك أيضا..لكن ما كنت أصدقه فيه هو أن له ثروة، لم أعرف، رغم طول عشرتنا مصدرَها، ورغم أني عرفت أنه حقا رجل أعمال فهاتفه لم يكن يكف عن الرنين، وكان يصدر الأوامر لعماله ومستخدميه ويوجههم وهو معي... كنت أجني منه من 1500 إلى 2500 درهم، وأحيانا إلى 3000 درهم في اليوم...وامتلأت حقيبتي أموالا منذ البداية، وغيّرت الفندق إلى آخر أكثر أمانا واحتراما، قبل أن ينصحني هو بأن أفتح حسابا في البريد، وبعد ذلك فتحت آخر في البنك..كنت أرسل المال إلى والدتي، وكانت تُبلغني عطف ورضا "السيد الوالد"..فقد كانوا في حاجة إلى مال، ولم يكونوا يسألونني عن المصدر، بعدما كنت أخبرتهم بأني أشتغل في محل تجميل، وتجود علي الزبونات بـ"بوربوار" جيد! ثروة هذا الرجل جعلتني أحلم، لم لا! بأن أتزوجه..لكنه رفض بشدة عندما فاتحته بالأمر..ورد علي بأني "صاحبتو..ما يخصني حتى خير"، وبأنه إذا تزوجني فسيرميني بمنزل وراء جذران، ولن أحظى بنفس المعاملة..رغم ذلك كررت طلبي، فكان رده صارما لحد تهديدي، بطريقة غير مباشرة، بالويل والثبور إن أنا فكرت في إثارة المشاكل له، كما ألمحت بذلك!! ولتوي أدركت عاقبتي إن أنا سرت في خطتي كي أفوز به زوجا، فقد كان ذا شأن بعاصمة البلاد، ويكفي أن رجال أمن ودرك عديدين ممن كانوا يصادفوننا في طريق ما، كانوا يحيونه تحية رسمية وينادونه باسمه مرفوقا بـ"الحاج"..

في أثناء علاقتي بـ"الحاج" وذات عشاء في إحدى فيلات حي السويسي، تقول سعاد، تعرفت على "الرايس"، واسمه إدريس..رجل ضخم ذو ملامح بدوية، وكان في تلك الحفلة مصحوبا بفتاتين، كانتا ذواتا ملامح بدوية أيضا، رغم محاولتهما إخفاء ذلك..استغل فرصة ذهاب "الحاج" إلى مشوار "قصير" رفقة رجلين آخرين، لكي يغازلني، واقترح علي اللقاء مرة أخرى، بعدما تمكن من الانفراد بي، ووافقت..فقد بدا الرجل سخيا معي إلى حد إخراج دفتر شيكات من معطفه، للوهلة الأولى، وتوقيع شيك بـ5 آلاف درهم، مقابل "تشريفه" بحضور "اللقاء" المتفق عليه، واقتناء لباس يليق بضيوفه كما قال!

أخذْت الشيك، وانتظرت مكالمة هاتفية منه، لم تأت إلا بعد يومين، ربما كان يريد تشويقي أكثر، وكذلك فعل! اقترح علي شرب قهوة ووافقت بسرعة، خاصة أن اليوم كان يوم السبت، حيث كان ممنوعا علي، ويوم الأحد أيضا، لقاء "الحاج" أو ربط الاتصال به، لأنه كان يتفرغ للعائلة..التقيت إدريس الذي كان يمتطي سيارة سوداء فاخرة، لم أكن من هواة الماركات كي أحفظ اسمها..لكنها تشبه تلك التي يمتطيها كبار المسؤولين..انطلقنا صوب الدار البيضاء، وفي الطريق تحدث إلي كثيرا عن حياته الشخصية والمهنية..واكتشفت أنه نائب برلماني وعضو "كبير" بحزب سياسي، وفلاح "كبير" بمنطقة زعير، غير بعيد عن العاصمة.."واعطا الله الخير"، لكن اكتشفت أيضا أن لديه مشاكل عائلية لم أتبين حقيقتها إلا بعد أول ليلة لنا في الفراش.. تحدث إلي كثيرا وعرض علي أن أقبل بربط علاقة معه..قبِلت مبدئيا لأن العرض كان أغلى، لكني أخبرته أني لن أكون له لوحده إلا بعد أن أنهي علاقتي بـ"الحاج"، الذي بدأت أحس به يتبرم من لقائي في الأسابيع الأخيرة، بالإضافة إلى أنه أصبح أكثر بخلا معي..وبالكاد أصبحت أحصل أسبوعيا من المال على قدر الذي كنت أحصل عليه يوميا من ذي قبل..فجاء الفراق، وكان اللقاء الثاني مع إدريس..للاحتفال بعلاقتنا...كانت ليلة "فريدة"، على جميع المستويات، وحدنا كنا المدعوين، بمنزل يتوسط "فيرما"للزيتون وتحتضن اسطبلا كبيرة لتربية البقر، وكان رجل وامرأتان يخدماننا...والمفاجأة أن فرقة لـ"الشيخات"، جاءت من الدار البيضاء خصيصا لتحيي هذا الحفل، الذي أراده "صاحْبي" الجديد، أن يكون عرسا...كان الأكل وكانت كل الطيبات مما تشتهي الأنفس، وكان الخمر..و...وأشياء أخرى..حوالي الواحدة صباحا طلب من الجميع الانصراف، وبقينا رأسا لرأس، بل وجسدا إلى جسد..بعدما أصفق الباب وراء المغادرين..فكشف عن علبة ملفوفة بورق يلمع، وطلب مني ارتداء ما بداخله..كان هناك "شوميز دو نوي" أزرق فاتح، وعلبة صغيرة تحتوي على سلسلة عنق من ذهب خالص، وخاتمين أنثويين ذهبيين أيضا..وقارورة عطر..خضنا في حديث الهمس بعدما وجدته على السرير متجردا تماما من لباسه..بدأنا القٌبل..استرسلنا..استمرينا في القُبل.. دائما تلك المصحوبة بآهات مصطنعة..لمست ذكره لعله يقُم، فلم يقُم..طلب مني المحاولة دون توقف ففعلت ما بوسعي..استعملت الدّفال..بل وضعتُه في(..)..لم يقم...فأخبرني بأنه "ما تينوضش"..كانت المفاجأة الكبرى حينما كشف لي بأنه يعاني من ذلك منذ أزيد من ست سنوات، ولا يستبعد أن تكون زوجته التي لم يلد منها، هي من وضعت له "دْيار"، ووعدني، بعدما أقسم لي، إن استطاع إعادة رجولته المفقودة معي، فإنه سيتزوجني! مر على لقائي به أزيد من سنتين، ولا يزال على نفس الحال، ولازلت معه لأنه يغدق علي كثيرا..لا تتصور..أتدري مقابل ماذا..أن ألازمه في لقاءاته وأن أنام معه وقد ضمني على صدره بعدما يكون قد أمطرني سيلا من القُبل..فقط.

رن هاتف سعاد واستأذنت المغادرة، فـ"الرايس" يقف عند باب المقهى، وعدتني باللقاء مرة أخرى، وأخبرتني بأنها هي من ستدفع ثمن مشروبي، رغم إلحاحي، سلمت علي بـ"البيز" واتجهت نحو أدراج سُلم المقهى المؤدي إلى الباب..فتناسلت الأسئلة بداخلي حول هذا الجانب "الراقي" من الدعارة، وحول التكلفة المادية والأجواء الباذخة التي تحيط بنُشطائها..ليالي مخملية، وأموال باهظة تصرف في الليلة الواحدة..وفتيات أصبحن متخصصات في اقتناص أصحاب "اشكارة" وكبار المسؤولين، هذه من أجل قضاء ليلة أو بضع ليال، وأخرى لربط علاقات قد تمتد إلى سنوات..والثالثة لبيع وشراء السعادة..إنها الأوجه المتعددة لأقدم مهنة في التاريخ!

الأربعاء، ديسمبر 29، 2010

من يريد الإساءة إلى المطربة المغربية سميرة القادري؟


إنه السؤال الذي يثير الاستغراب حول الطريقة التي تم بها تسريب شريط مصور يُدَّعى أنه للفنانة المغربية، وهي ترقص داخل غرفة، يقول أصحاب الشريط أنها بفندق بباريس، على نغمات موسيقى الملحون، في الوقت الذي لا يتردد مرافقها داخل الغرفة، ومصورها أيضا، في إبداء الإعجاب بأدائها الراقص.

ومعروف أن الفنانة سميرة القادري استطاعت أن تقتحم فضاء الأغنية العربية، واضعة بصمتها المتميزة، ومعلنة أن الطرب ليس مجرد قيمة فنية، بل هو قيمة حضارية تسمو بسمو الفكر وعمق الروح.

ودخلت سميرة الفن من بابه الواسع، وخاضت في الذاكرة الكلاسيكية العربية لتنهل منها، خصوصا من التراث "الأسمهاني" البديع، فوضعت بالتالي أساسا صلبا لشخصيتها الفنية التي أضحت بين النجوم.

وتُركزُ سميرة في أبحاثها واختياراتها الإبداعية على الموسيقى العريقة كجسر للتواصل بين الثقافات. وهذا ليس غريبا على الفنانة المغربية التي نشأت في وسط فني مشبع بنغمات الطرب الأندلسي وطرب الملحون، فلم تكن لتترعرع فنيا بعيدا عن روح التراث، فأثثت بذلك صوتها وموهبتها بأبدع الطرق، و كانت الثمرة مطربة مميزة فنيا، أخلاقيا و إنسانيا.

وتمكنت سميرة، بفضل فنها المتميز، أن تلج أكبر المحافل الفنية عربيا وعالميا، فغدت ضيفة شرف دائمة فيها، كما هو الحال بالنسبة لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية بدار الأوبرا بالقاهرة.

وتقديرا لهذا المسار الإبداعي الحافل، وخاصة في الأندلسيات القديمة، أُقيم لها تكريم رسمي بالرباط، حيث حازت على جائزة الفارابي من المجلس الوطني للموسيقى التابع لليونيسكو، ثم جائزة أكاديمية الفنون والآداب والعلوم بباريس.

ويظل السؤال مطروحا؛ من له المصلحة في إيذاء هذه الفنانة؟ وما مدى ارتباط الشخص الذي صور الشريط بهؤلاء الذين أساؤوا إلى الفنانة؟ إنه الحسد الذي يغمر قلوب البعض من الناس، مما يولد الرغبة في الانتقام، خاصة إذا تعلق الأمر بأشخاص ناجحين، كما هو الشأن بالنسبة للفنانة سميرة القادري.

الثلاثاء، ديسمبر 28، 2010

"ممثل" لعصابة البوليساريو يجهل مسقط رأس زعيمه

قادة البوليساريو حين يُسألون أسئلة غير تلك التي تطرحها عليهم الصحافة الجزائرية...وحين يكونون أمام صحافيين حقا، وليس أمام عملاء المخابرات الجزائرية، الذين يمثلون(مِن التمثليل) كل الأدوار، بما في ذلك سفاكي الدماء، كما حدث مؤخرا بالعيون، وكما يحدث دوما بالشقيقة الجزائر، تحت يافطة إرهاب "القاعدة"...حين يُسأل قادة البوليساريو الأسئلة بمعناها الصحيح، وقتها لا يجدون ما يبررون به أطروحتهم المزعومة...والواهية..

الجمعة، ديسمبر 17، 2010

بعض أسرار صدَّام كما ترويها عشيقته اليونانية


تؤكد اليونانية باريسولا (ماريا) لامبسوس، في كتابها الصادر في السويد بعنوان "أنا – امرأة صدام"، أنها تعرفت على صدام حسين عندما كانت في سن 16 عاما، ولكنها لم تكن مستعدة لهذا اللقاء.

وتروي باريسولا في اعترافاتها، التي نشرت مجلة "أوغونيوك" الروسية، مقتطفات منها (وستصدر الترجمة الروسية للكتاب قريبا)، أنها لم تكن حسناء لكنها لم تخلو من الفتنة بعينيها اللوزتين وبقدها الممشوق وبياض بشرتها الملساء وشعرها الأشقر الذي يتهدل حتى الخصر. وقد وصفها أحد الأقارب في حديث مع أطفالها بقوله:- حين تمشي أمكم في الشارع يترك الجميع في بغداد أعمالهم ويأتون للتطلع إليها!

وحسب قولها: فهذا حق.. إذ أنني لم أكن أمشي بل أتهادى راقصة. وكنت بكامل كياني أشع نورا من السعادة.. وكانت لدينا فيللا ممتازة ذات حديقة رائعة في خيرة أحياء بغداد. وكان لدينا طباخ وخدم. وكان السائق يأخذنا بسيارة فاخرة إلى المدرسة أو إلى النادي الأهلي حيث تتمتع عائلتنا بعضوية امتياز فيه.. وكان والدي يلتقي وجهاء البلاد الذين يبدون له التكريم والاحترام. وكانت تقطن في جوارنا خيرة العائلات العراقية واغلبها من العائلات المسيحية مثلنا. ولم أكن أفقه شيئا في السياسة وأعتبر نفسي "أوروبية" لأن عائلتي تنتمي إلى الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية. ولم يكن الفارق بيني وبين صدام حسين كبيرا جدا في الواقع. وكان آنذاك في سن 30 عاما. بيد ان فرق السن لم يمارس دورا كبيرا مثل دور الاختلاف في أصولنا. فقد ولد صدام في عائلة فقيرة ببلدة قريبة من مدينة تكريت في شمال بغداد. وتوفي والده قبل ولادته نفسه. وتزوجت أمه مرة أخرى وأمضى صدام فترة كبيرة من طفولته في كنف عمه في بغداد. وكان صدام يعرف قسوة الحياة ويصبو دوما للانتقام لقاء إساءات الماضي.

التعارف

كانت والدتي تسمح لي أحيانا بزيارة الجيران من المسيحيين الأرمن. وكان أسم أحد الجيران حارث الخياط الذي كان يزود أفراد الطبقة الراقية بالبدلات التي تحمل اسمه. وكان حارث بالذات يعرف ولع صدام بالفتيات الصغيرات، ولربما كانت إحدى مهامه انتقاء الصبايا الجميلات له. وقد توفرت كافة المسوغات لدى حارث لأداء مثل هذه الخدمات إلى الرجل الذي سيحكم العراق مستقبلا. وكنت بمثابة هدية جديدة إلى الديكتاتور القادم في ذلك المساء.

وعندما كنت أرقص مع حارث في الصالون وتنورتي منشورة مثل زهرة، وأنا مغرقة في الضحك دخل ثلاثة رجال. ووجه أحدهم إلي أنظاره فورا. كان أنيق الملبس – ببدلة زرقاء وقميص ناصع البياض. إنه صدام حسين. وكان أول ما جذب اهتمامي فيه هو عيناه المتألقتان مثل المعدن المصقول. وقلت له : عيناك مثل عين وحش مفترس..إن نظراتك باردة. وأثارت صراحتي البهجة لديه ربما لأنه اعتاد على أن الجميع حوله يخافونه. وقتئذ أمسك بيدي وأخذ يدور بي في أرجاء الغرفة حتى ضمني إلى صدره. وقال لي : عيناك ساحرتان. وأجلسني إلى جانبه.

هناك عادات في العالم العربي لها مغزاها يجب مراعاتها لمعرفة ما يجري في واقع الحال. مثلا إننا كنا نأكل السمك "المسكوف" الذي جرى اصطياده في نهر دجلة وتم طهيه بمهارة وباستخدام أصناف التوابل التي يعرفها العراقيون فقط. فهناك في سمكة الشبوط قطعة من اللحم تحت الرأس تعتبر عادة الألذ مذاقا وطراوة. وعندما تقدم لك قطعة اللحم هذه فهذا دليل على التكريم الكبير. وقد اقتطع صدام قطعة اللحم هذه وقال لي: افتحي فمك!. وبهذا أعطى إشارة إلى الحاضرين بأنني امرأته. إلى الأبد. والآن عرفت كيف كان وولداه فيما بعد يستحوذون على الفتيات الشابات والجميلات. والفرق الوحيد بينه وبينهم هو أن علاقتنا لم تتوقف واستمرت. وكان صدام حسين الرجل الأول في العراق لكنه لم يرغب بالزواج من غير مسلمة أولا . وثانيا أن عائلتي لم تكن لتوافق على ذلك أبدا. وثالثا أنه كان متزوجا. علما أنني لم أرغب أبدا في الزواج من صدام، وكنت حتى أشفق على زوجته ساجدة.

كان صدام يقول لي: إنك ستكونين لي إلى الأبد .. وسأقتلك قبل أن افترق معك.

الحب

إن صدام الذي ولد في ضواحي تكريت كان يحلم بأن يصبح شبيها بالارستقراطي الانكليزي. وهكذا حدث أن عشقت صدام حسين. وكان يروضني كما تروض الجياد الفتية. واستخدم معي أسلوب الترغيب والتهديد… السوط والكعكة. فتارة يقربني إليه وتارة يبعدني عنه. وهكذا روضني على أن أتحسس وجوده دائما في حياتي . ولم أكن أهتم بشيء آخر غير حب صدام. علما بأنه لم يعرقل مجريات حياتي. وكان يردد: – أنا معك دائما أينما كنت. يجب أن تعرفي أنني أرى وأعرف كل شيء.

وكان ذلك كافيا بالنسبة لي أنا الصبية العاشقة. واعتبرت أقواله هذه بمثابة اعتراف بالحب. وأنا سعيدة حتى الآن لكوني فقدت بكارتي في مثل هذه الظروف الرومانسية. وأنا أعجب حتى الآن كيف كنت أشعر بمثل هذه الأحاسيس اللذيذة مع رجل معروف بقسوته.

وبعد أعوام كنت أتطلع إلى صدام وهو نائم. كان وجهه ينم عن الإجهاد والتعب. والسلاح عند رأسه. وحتى في النوم لم يكن يستطيع التخلي عن وضع التوتر: إن المخاوف والشكوك كانت تحول دون نومه بهدوء.

وعندما كنت أنظر إليه أعجب: "يا ترى هل إنه نفس الرجل ذاك؟ كيف يمكن ذلك؟".

لقد أصبح من الصعوبة بمكان مواصلة حياتي العادية بعد كل ما حدث. وكان من الصعب أن أخفي سرا أول عشق لي في حياتي، ناهيك عن كوني كنت التقي صدام سرا وأمارس معه الجنس. وأنا نفسي لا أدري كيف كنت استطيع ذلك. ربما لم يكن لدي مخرج آخر فحسب. وما كانت عائلتي لتغفر لي هذا لأنها كانت تعتبر صدام حسين رجلا غير متعلم، كما لا تشاركه أفكاره السياسية ولا أساليبه. إن غضب والدي كان سيعني نهايتي.

إنني أردت في سن 16 عاما القيام بمغامرات. وكنت أنجذب إلى الرغبة المحرمة. وكان كل شيء في صدام يثيرني – فحولته وقوته وخطورته. بينما كان تجذبه إلي الأرومة الطيبة والتربية والشعور بالكرامة. وكان صدام حسين دائما يحلم بامتلاك ما يفتقده.

بعد الزواج . الملاحقة

كان غالبا ما تذاع عبر التلفزيون خطب صدام حسين التي يتحدث فيها عن التغييرات الجديدة في الدولة. وفي أحد الأيام أذيع كشف الأثرياء العراقيين الذين صودرت ممتلكاتهم وأراضيهم لصالح الدولة. وكان في طليعة الكشف اسم زوجي سيروب اسكندريان. وجمد الدم في عروقي لدى سماع ذلك. لماذا زوجي بالذات؟ وفي الرقم1. فهناك أشخاص آخرون أكثر غنى ولديهم قطع أراض أوسع؟ وعندما أنهى صدام خطبه انهالت المكالمات الهاتفية على البيت. وتم الاتفاق على إجراء لقاءات ومناقشة ما يجب عمله. وحلت الاقتراحات محل الاحتجاجات. وأدركت في أعماق روحي بما يجري. أنني سألت نفسي مرارا: كم ستدوم سعادتي؟ إنني لم استطع نسيان تعبير عيني صدام حين قال لي : إنني سأرصد حركاتك أينما تكونين. لا تأملي في أنني سأنسى أنك ملكي.

بعد مصادرة الممتلكات لم تصبح عائلة سيروب من أغنى العوائل وأكثرها قوة في البلاد. ولم يستطع زوجي التسليم بهذا الواقع القاسي ووجد الملاذ للترويح عن النفس في لعب القمار واحتساء الكحول. وكان الهدف التالي لهجوم صدام هو بيتي. ففي أحد الأيام أعلنوا فحسب أن بيتنا لم يعد ملكا لنا.

لئن كانت لدي سابقا بعض الشكوك بصدد نوايا صدام فأنها تبددت الآن. إن صدام حسين لا يهدأ حتى يقضي على كل ما هو عزيز لدي. في البداية صادر ثروتنا والآن حان دور بيتنا. ومن ثم وجهت الضربة الثالثة. وكنا عادة نتناول الشاي في الساعة الخامسة مساء وفي الوقت ذاته نستقبل الضيوف. لهذا لم يدهش أحد حين دق جرس الباب في الساعة الخامسة. ودخل رجلان من حاشية صدام الذي كان يوم ذاك في منصب نائب رئيس الجمهورية. لكنهما كانا أيضا من أصدقاء زوجي منذ وقت بعيد. وقد استغل تقليد تناول الشاي في الساعة الخامسة من أجل زيارة بيتنا بعيدا عن الشبهات وحذرا زوجي بقولهما:

- غادر البلاد. فورا. سيأتي إليك في المساء رجال صدام.

- وأراد زوجي أن يتصل بأبي ليرجوه العناية بي لكن صديقي سيروب أقنعاه بعدم القيام بذلك.

وقال:

- يجب أن تكون لديك كدمات زرق. وأنت نفسك يجب أن تتصلي بالوالد. وعندما سيأتي قولي له أن زوجك ضربك ويجب عليه أن يأخذك.

فقلت: – اضربني .. اضربني بشدة.

وأنا أتذكر نظرات الفزع في عينيه عندما ضربني فسقطت على الأرض.

- أضربني مرة أخرى .. يجب عليك الإسراع في الذهاب.

إن البشر أقوى بكثير مما يعتقدون. وفي تلك اللحظة كنت أفكر فقط في أن حياة زوجي في خطر. عندما جاء أبي إلى البيت كانت أشعر بآلام في كل كياني. ولم أستطع الوقوف على قدمي وانخرطت في النحيب بلا توقف. بيد أن أشد ما كان يؤلمني هو أن حياتي لن تعود إلى سابق عهدها أبدا.

في الليل جاء رجال صدام حسين. إنهم لم يطرقوا الباب بل حطموه. هكذا كان حالهم دائما. لكنهم لم يجدوا ما كانوا يبحثون عنه. وفي وقت لاحق جاء آخرون وعلقوا لافتة كتب عليها إن البيت وما فيه أصبح ملكا للدولة العراقية. لكن باستثناء غرفة نومي وغرفة الأطفال، لأنه بموجب التقاليد العربية يحظر دخول الغرباء إلى غرف الحريم. وتعتبر هذه الغرف وما فيها ملكا للمرأة.

إنني أعرف الآن أن سيروب سافر إلى لبنان عبر سورية في سيارة. وفي بيروت قدم له الأرمن المساعدة. ورحبوا به لأن الأرمن شأنهم شأن أتباع القوميات الأخرى يقدمون المساعدة إلى أبناء جلدتهم. وقد فكرت في هذا الأمر كثيرا، فأنا يونانية ولدت في لبنان ومواطنة عراقية سابقة، أما الآن فأنا من رعايا السويد. لكن ألا يكفي المرء أن يكون مجرد إنسان كائن بمفرده؟

كنت أعيش في رعب دائم. وفي إحدى أمسيات آب/أغسطس القائظة والرطبة، توقفت سيارة أمام بيت والدي. كانت سيارة بيضاء من طراز أولدز موبيل. إن مثل هذه السيارات موجودة فقط لدى حاشية صدام حسين، ولم يكن بوسع أحد آخر اقتنائها. وطرق الحارس الشخصي لصدام الباب وقال لي: لدي أمر بأن أنقلك إلى القصر.

في تلك الليلة بقيت إلى جانب صدام. وكانت أول ليلة من بين عدة ليال قضيناها معا بعد الفراق.. وما أن رأيت صدام مجددا حتى انبثقت مشاعري السابقة إزاءه بقوة من جديد. وكنت أعرف في أعماقي أنني منذ لحظة اللقاء الأول سأكون مرتبطة به إلى الأبد. واحتقرت نفسي لأنني سمحت له بأن يغريني، ولكوني أصبحت عشيقة له. وحين تقيم المرأة في العراق علاقة مع عشيق فإنها تجلب العار ليس إلى نفسها فقط، بل وإلى عائلتها كلها. بينما أنا جددت العلاقة مع رجل جلب كل تلك المحن والآلام إلى زوجي، فهذا أمر لا يمكن قبوله عموما.

ولكن ما العمل؟ لقد كان لدي عشيق فعلا واسمه صدام. إن القلق والاحتقار والحقد والتوبة والوحدة والشهوة والرغبة ..والجاذبية الجنسية يمكن أن تتحول بيسر إلى رغبة طاغية ، بالأخص إذا ما جرى استمالتي إلى ما هو محرم ومخجل. كنت أعرف كل هذا ، بيد أن هذه المعرفة لم تجد نفعا. وتولد لدى شعور بأنني جلست في ثلاجة مدة ثلاثة أعوام وفجأة وضعت في موقد ملتهب. إنني تحولت من غلو إلى غلو أكبر، وكان مرسى الاستقرار الوحيد في البحر الهائج هو إدراك أنه لم يكن بوسعي أن أحيا بدون هذا الرجل. ولا يهم أن يكون طيبا أم شريرا – فلم يمارس هذا أي دور بالنسبة لي.

وقلت له:- ما حاجتك إلي؟ ولماذا لا تتركني وشأني؟

كان بوسعي أن ألقي عليه مثل هذه الأسئلة حين كان صدام في مزاج رائق، ويأتينا الجواب كما يلي: – أنت زهرتي التي اقتطفتها والتي هي ملكي.

أو كان يقول:- لأنني لا أستطيع أن أحيا بدونك يا شقراء. ستكونين معي دائما.

لقد وجب علي دوما أن ألتزم الحذر. وأن أحدس مزاج صدام بغية عدم استثارة غضبه. وتحضرني في الذاكرة كيف تحدثت مرة أمامه عن النساء الأخريات في حياته، واللواتي كنت لا أشك في وجودهن. جلس صدام عندئذ في مقعده بينما واصلت الثرثرة بلا توقف، وفجأة أخرج مسدسه وأطلق النار في السقف. وقد ارتعبت وفكرت بأنني سأموت. وأطلق النار مرة أخرى وثالثة.

- صه ، أغلقي فمك يا شقراء.

كلا ، لم يمنعني أحد من هذا الكلام رسميا. لكنني كنت أعرف أن صدام يعلم بكل شيء، فقد وضعت أجهزة التنصت في كل مكان تقريبا. وكان رجال أجهزة الأمن يتلقون عبرها جميع أقوالنا. وعندما كان يزورنا الضيوف نلجأ أحيانا إلى لغة الإشارات والإيماءات. وبهذه الصورة أيضا كنا نتحدث مع الأطفال حول الأمور الهامة. وأصبح ذلك بسرعة بمثابة عادة لدينا وجزءا من حياتنا اليومية، شأنه شأن جميع فظائع نظام صدام حسين.

كان صدام حسين يعرف حق المعرفة أن ولديه لن يقفا ضده أبدا. كما أنهما بدورهما كانا يعرفان بأنهما إذا فعلا ذلك فسوف يقتلهما. ولدى الرجوع إلى العادات العراقية يمكن ألا نعجب، لكون صدام حسين قد عينني في وظيفة مساعدة لابنه عدي في اللجنة الاولمبية العراقية، وتوليت مهام إدارة اللجنة طوال 10 أعوام.

لم أكن أعرف متى سيتم اللقاء القادم بيننا. وكان يعجب صدام أن يبدو شخصا يصعب التنبؤ مسبقا بأفعاله. وأن يظهر العطف والحنان ويقدم الهدايا في يوم، وفي اليوم الآخر يمارس الجنس البدائي بفظاظة.

لقد كان صدام رجلا قوي الشخصية. حتى حين يكون لوحده معي. لكن في بعض اللحظات تصيبه نوبات ضعف لن أنساها أبدا. وكانت هناك أمسيات استلقى فيها صدام إلى جانبي ورأسه على ركبتي. وبدا كالطفل تماما.

إنني لن أعرف أبدا سبب تعلق صدام بي بشدة. ربما أنه اعتاد فحسب على وجودي. وكنت أشغل مكانة خاصة في حياته، لكنني لم أستطع مناقشة هذا الأمر معه أو مع أي شخص آخر. وكنت أحتل مكانة خاصة في حاشيته. ولم أكن من أقرباء صدام. ولم أكن مسلمة، ولم تربطني أية رابطة بحزب البعث، ولم يوجد أحد يدافع عني ويحميني. وأيامذاك تولدت لدي عادة التحدث إلى القمر. وكنت في الأمسيات، حين ينام الأطفال، وترتكب في بغداد الأفعال الشنيعة السوداء، أجلس في حديقتي وكأنها من حدائق الجنة، ويحيط بي جدار عال، أتحدث إلى القمر عن همومي وحياتي. وكان القمر يبدو أحيانا غاضبا وحزينا وحتى مبتهجا، لكنه لم يمل أبدا من الإصغاء إلى أحاديثي.

وحدث مرة في المساء وبعد تناول العشاء أن جلست مع صدام في الشرفة المطلة على نهر دجلة وبيدي قدح النبيذ، فقال صدام فجأة إنه يريد أن أبلغه بما يفعله ابنه الأكبر عدي. لكنني رفضت. إنني لم استطع التجسس على الابن بموجب أمر من أبيه.

وقد غير صدام خطته قليلا فوجب علي لاحقا أن أقدم التقارير، ليس إلى الدكتاتور بل إلى جهاز المخابرات. وعمليا لم يوجد أي فرق في ذلك. لكنني من الناحية النفسية كنت مرتاحة أكثر. وكان لدي اسمان مستعاران هما "ليلي" و"أم أمين". لا ريب في أن رجال المخابرات كانوا يراقبونني ويكتبون بدورهم التقارير عني، بغية أن يتأكد صدام من صحة المعلومات التي أقدمها.

ولدنا …

لم أكن أخطط لأكون حبلى، ولكنني عندما علمت ذلك لم أدهش، إذ أنني كنت أعاني من التهاب الغدة الدرقية ومنعني الأطباء من تناول حبوب منع الحمل. وما كان بالمستطاع القيام بعملية إجهاض بدون إبلاغ صدام، كما أنني لم أرغب في قتل طفلي القادم. وبعد تردد طويل اخترت لحظة مناسبة وأخبرت صدام بالحقيقة كاملة. فتغيرت سحنة صدام كليا وقال: إذا رغبت، يا براي، في التخلص من الطفل فاعتبري نفسك في عداد الأموات.

وقرر صدام أنه لا يجوز لامرأة حامل أن تحيا بدون زوج، فزوجوني على الفور من رجل اختاره صدام بنفسه. وظهر أن زوجي من النوع الذي لا يبالي بشيء، وكان لا يهتم بشأني البتة. وكان يعبد في هذه الدنيا شخصا واحدا هو صدام حسين. وكان عمله يتضمن بين أمور أخرى رصد حركاتي وإبلاغ صدام بكل شيء عني. وكان ينال مقابل عمله الطعام اللذيذ والملابس الأنيقة وارتياد الحفلات في الأمسيات.

سمح صدام لي ولابنتي ( من الزواج الأول) بالسفر إلى اليونان لفترة من الوقت. وبموجب الرواية الرسمية فإنني كنت أسافر إلى هناك مع زوجي في إجازة، لكن بعد فترة قصيرة تم استدعاؤه إلى العراق فبقيت وحدي في أثينا من أجل أن ألد الطفل.

شعرت ببهجة بالغة لدى السفر إلى اليونان. وكنت في سن 26 عاما، وأنتظر الطفل الثالث، وراودتني الآمال في أن تصبح حياتي في نهاية المطاف طبيعية. وبعد مولد ابني قسطنطين حصلت على وظيفة في شركة خطوط الشرق الأوسط الجوية. كنت أعمل وأساعد ابنتي في مراجعة الدروس وأعنى بابني. وكنت آمل في أعماقي أن ينسى صدام حسين وجودي.

حين جاءت سيارة السفارة لأخذي كنت في ملابس الخروج وجاهزة للمعركة. لقد كان معي ابني الصغير الذي لم يوجد من اتركه معه. وسلمني السفير مظروفا بصمت. ففتحته وقرأت فيه الأسطر التالية: "يجب أن تعود باريسولا لامبسوس وأطفالها الثلاثة إلى بغداد في غضون ثلاثة أيام، اعتبارا من التاريخ المذكور أدناه". فأصبت بصدمة. وارتجفت ركبتاي. وفي بغداد سلموني جواز سفر عراقيا مما جعلني أبدي دهشتي. فبأي مناسبة أصبحت مواطنة عراقية الآن؟ وأين جواز سفري اليوناني؟ وتطلعت إلى الصورة في جواز السفر بصمت. فمن أنا؟ ومن أصبحت؟ هل يعقل أن هذه المرأة هي أنا؟

المصيبة

اغتصب ابنتي عدي الابن الأكبر لصدام. وعندما روت لي ليزا ما جرى، سجدت أمامها واحتضنتها كطفل، فهي كانت طفلة حقا آنذاك.

- ماذا سأعمل ؟ خبريني ، ماذا سأعمل ؟ هل أقتله؟ أنت تودين أن أقتله؟ خبريني يا ليزا؟

لكن ليزا لزمت الصمت. وكانت على مدى عدة أسابيع تجلس في المقعد دون أن تتفوه بكلمة. ورفضت ارتياد المدرسة. وكنت احتضنها وأقبلها طوال الوقت رغبة مني في أن أمحى آثار يدي عدي القاسيتين من على جسدها.

وقلت لها وأنا أغمرها بالقبل :- ستحبين ! وستتزوجين الرجل الذي تحبين! وسيكون كل شيء على ما يرام! ستنسين كل شيء.

كانت ليزا في سن 16 عاما، وشعرت بأن التأريخ يعيد نفسه وتتكرر القصة. ولم أبلغ صدام بما حدث إلا بعد نصف عام. وبعد مضي عدة ساعات وضع عدي وراء القضبان في السجن. بدون محاكمة وتحقيق. لكن أفرج عنه بعد فترة قريبة بلا ريب. وكنت أعرف أن عدي لن يغفر لي ذلك. وبالرغم من ذلك فقد أفلح في توجيه الضربة بصورة مفاجئة.

كنت عائدة إلى البيت من المتجر. وعندما دخلت غرفة الاستقبال وجدت أفراد حماية عدي. وقد اقتادوا الأطفال والخدم إلى زاوية الغرفة. وعندما شاهدوني أمروا الأطفال بعدم التحرك. اقتادني الرجال الأشداء إلى الصالون وأغلقوا الباب. وبعد ذلك أخرجوا الهراوات الكهربائية وبدأوا بضربي. واعتقدت أنني سأموت. ولم يتبق جزء من جسمي لم يمسه الضرب. وسقطت على الأرض بينما واصلوا ضربي.

أنا أعرف فقط أن أحدا ما هتف إلى صديقتي التي استدعت الطبيب. كانت الكدمات تغطي جسمي كله. ومضت عدة أشهر قبل أن استعيد عافيتي.

ولم أخبر صدام بأي شيء حول الاعتداء علي. في أغلب الظن أنه كان يعرف سببه.

التحذير الأخير

لقد عاش صدام في عالمه الدموي المظلم، وهو يغوص أعمق فأعمق في لجة الجنون. وكان لديه أعداء كثيرون. ولم يكن يغفر لأحد الإساءات وينتقم لكل واحدة منها، وحتى لأقل هفوة بريئة. وكان يتراءى له في كل مكان شبح الخيانة. وفي كل يوم كان الأفراد يلقون مصرعهم في ظروف غامضة. وأصبح الموت جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية. وفي إحدى المرات نظر صدام إلي بعينين متعبتين وقال:

- يجب علينا أن نضع حد للأمر يا شقراء.

فسألته وأنا أحاول إخفاء جزعي:- كيف ؟

- لا أعرف. يجب علي أن أفكر مليا. لكنني أعرف شيئا واحدا بدقة هو أنه لن يمسك أي رجل آخر.

كانت تلك أول إشارة تبعث على القلق. وقد ألمح لي صدام في وقت ما بجلاء بأنني اعتبر ملكا له. والآن أعلن بجلاء أيضا أن الموت بانتظاري. لكنه لم يقل متى. لقد حان الوقت لكي أهرب أنا من العراق أيضا.

كان اللقاء الأخير مع صدام عاديا تماما مثل غيره من اللقاءات السابقة. فبعد تناول العشاء عدنا إلى غرفة مكتب صدام التي رتبت كغرفة مكتبة.

- باري ، أنت تغيرت.

فتظاهرت بأنني لم أفهم شيئا. وابتسمت لصدام وقلت له بلهجة لطيفة:

- أنت الذي تغيرت يا حبيبي! أنت تغيرت ولست أنا !

وتجاهل صدام أقوالي.

- أنا أرى كل شيء. أنت لست باري التي كانت سابقا. كم مرة قلت لك لا تتغيري؟ ويجب أن تبقي كما كنت سابقا.

- أنا أحبك يا حبيبي! أحبك كالسابق.

- أنت كاذبة! ما العمل معك؟

وبالرغم من هذا الحوار الباعث على الخوف، فإننا رقدنا في الفراش كما لو لم يحدث شيء، وكالعادة كان مسدس صدام موضوعا في مقدمة السرير. وفي الصباح ودعته وتوجهت إلى مكان عملي. ولم أر صدام بعد هذا . وحتى بعد حديثي من القناة الفضائية الأمريكية (أي-بي-سي)، لم يحاول صدام الاتصال بي. كما لم يعلق عليه. لكنه شاهده. لا ريب في هذا أبدا.

إنني كنت أعرف جيدا بأنني يجب.. أن أهرب.

عن دنيا الوطن

* * *

لقد أطلق الأمريكيون على باريسولا لامبسوس، لدى خروجها من العراق لاحقا اسما مستعارا هو "ماريا"، الذي تعرف به الآن في السويد، حيث تعيش تحت حماية أجهزة الأمن وبالاسم المستعار. أما اسم باريسولا فهو من طيات الماضي. لكن صاحبته تعيش في السويد . إنها موجودة فعلا. وقد رفضت إطلاق تسمية "عشيقة" صدام على كتاب ذكرياتها، باعتباره يمثل إهانة لها، فقد كان هدفها هو سرد الأحداث الواقعية كما هي بلا رتوش.