نورالدين اليزيد
هذه الأيام
كثرت تحركات بعض مسؤولي الأحزاب، لاسيما منها المشاركة في الحكومة، بعدد من جهات
المملكة، يخاطبون بالخصوص الفئات الشابة ويحثونهم على ضرورة الانخراط في العمل
السياسي، وهو ما لا يمكن إلا التنويه به، على اعتبار أن من بين أبرز المهام
الدستورية للمنظمات الحزبية هو تأطير المواطن، وتأهيله ليصبح قادرا على التعاطي مع
واجباته وحقوقه على أكمل وجه.
لكن يبدو أن
هناك دوافع أخرى تجعل البعض يقوم بزيارات مكوكية إلى مختلف المدن المغربية، من أجل
ليس فقط دعوة هؤلاء الشباب إلى الانضمام إلى هذا الحزب أو ذاك، أو الانخراط في
استقطاب المزيد من المنخرطين بتلك الأحزاب، ولكن أيضا بغرض توزيع الوعود المعسولة
لأجل التوظيف، وليس هناك أحسن من تقديم الوعود ذات اليمين وذات الشمال، لإيجاد
مقعد داخل المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجهوي، الذي نص على تأسيسه دستور سنة
2011.
إن الأمر يصبح
أخطر عندما يسمح بعض السياسيين لأنفسهم، كما تسرب من خلال لقاءات حزبية بمدن عدة، بأن
يدوسوا على القانون ويتجاوزا حدود اللباقة السياسية والأخلاقية، فيعدوا هذا الشاب
أو ذاك بأن يجدوا له موطئ قدم في مؤسسة دستورية لم تر النور بعد، ولا صدرت بشأنها
قوانين تنظيمية تشرح طريقة تعيين أعضائها؛ وهو ما يلقي بالمسؤولية أولا على الجهة
الوصية بقطاع الشباب، التي ينبغي لها أن تتحرك لتبدد الضبابية التي يتعمد سياسيون
خلقها من أجل حاجات انتخابية في أنفسهم، ونفس المسؤولية ملقاة أيضا على مصالح
وزارة الداخلية التي ينبغي لها التحري في تلك اللقاءات "المشبوهة" ورفع
تقارير تنبيهية وتحذيرية للأحزاب المتورط "مناضلوها" في هكذا أفعال. هذا
عدا عن بعض أحزابنا السياسية التي ينبغي لها التحلي بروح المواطنة والابتعاد عن بث
التشويش في صفوف المواطنين بدعوى "توظيف" الشباب بهذه المؤسسة أو بتلك.
صحيح أن القاعدة الشبابية المغربية
التي تصل إلى 16 مليون شاب على الأقل، تصبح مثيرة للشهية للأحزاب السياسية، مهما
كان موقعها داخل الرقعة السياسية ببلادنا، وهو ما يجعلها، وهذا شيء طبيعي، لا
تتردد في التسابق من أجل كسب ود هؤلاء الشباب استعدادا للاستحقاقات الانتخابية،
وخاصة منها الانتخابات الجماعية المنتظر إجراؤها في الآجال القريبة، لكن الشيء غير
الطبيعي أو أن يركب البعض على مؤسسات دستورية لتحقيق هذا الاستقطاب.
لقد أعلنت وزارة الشباب والرياضة، قبل
أسابيع، عن إطلاقها لحوار وطني يروم إشراك أزيد من 35 ألف شاب فيه عبر كافة ربوع
المملكة، من أجل التوصل إلى تصور موضوعي وعملي لهذا المجلس المرتقب تأسيسه، وهو
التصور الذي يجب أن يتجاوز كل الحسابات الضيقة، ويتسع لكل شرائح المجتمع المغربي،
المنفتح بطبيعة الحال على المناضلين السياسيين، والفاعلين الجمعويين والاقتصاديين
والرياضيين، وعلى المواطنين الذين احتفظوا لأنفسهم بمسافة بين هذا وذاك لاعتبارات
لها ما يبررها؛ بحيث نجد على رأسها الاعتبار العلمي الذي يأخذ الوقت الوفير، ثم
الاعتبارات الاجتماعية التي تجعل العديد من الشباب يكرس كل وقته من أجل البحث عن
لقمة العيش.
إننا ونحن ننتظر، كشباب، التفعيل
الديمقراطي لمقتضيات الدستور نتساءل أولا عن مصير الحوار الوطني الذي أطلقته وزارة
الشباب والرياضة، وعما إذا كان كافيا لمواجهة حملات البعض الذين بالإضافة إلى
الزيارات الميدانية التي يقومون بها، من أجل توسيع قاعدة منخرطيهم ومؤيديهم، فإنهم
أصبحوا يستعملون المواقع الاجتماعية على الشبكة العنكبوتية، تحت يافطة جمعيات
وصفحات إلكترونية، تروج للمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، لجلب المزيد من الشباب؛
الذين يتم إخبارهم بإقامة ندوات أو فعاليات حول موضوع المجلس، وليتم إخبارهم بعدها
بأن الحزب "الفلاني" مثلا يقدم "شراكته" بقصد التعاون.
هذا الواقع يفرض علينا جميعا التحلي بالمسؤولية والشفافية والمساواة،
بقصد التوصل إلى تنزيل ديمقراطي ونزيه لمقتضيات الدستور المتعلقة بهذه المؤسسة
الدستورية، التي ينبغي أن تكون معايير اختيار أعضائها صارمة وتحترم شروط الكفاءة
والعلم والمقدرة على الترافع على قضايا الشباب.