اَلعُقد التاريخية ومحاولة التفوق ومحاربة الإرهاب والحفاظ على وحدة الوطن الواحد، كلها أسباب أجَّجت الصراع ما بين المغرب والجزائر فاشتد التسابق بينهما نحو تعزيز تَرسانتيهما الحربية، إلى درجة جعلت المنتظم الدولي يدق ناقوس الخطر، وإلى درجة إصدار إسرائيل لتقرير استراتيجي يحذر من تزايد النشاط النووي الجزائري. فهل هي بداية العد العكسي لاشتعال حرب بين الشقيقتين؟
إسرائيل كشفت تزايد النشاط النووي الجزائريهل يعتبر تحذير الأمم المتحدة الذي نشر بداية السنة التي نودعها، من مغبة التمادي في التسلح، كافيا لكبح جماح الجزائر، التي شرعت منذ مدة في إعادة بناء ترسانتها العسكرية، مستغلة في ذلك عائدات الغاز الطبيعي والنفط التي تضاعفت في الآونة الأخيرة، وجماحِ المغرب الذي يسير على نفس الخطى رغم أنه بلد غير نفطي؟
يكاد يجمع المتتبعون للشأن العربي والمغاربي تحديدا، في سياق دراستهم للوضع، على أن التسابق نحو التسلح، الذي يجري في بلدان المغرب العربي حاليا، والذي تم رصده من طرف منظمات دولية وأخرى غير دولية، ومن لدُن حكومات الدول العظمى، يتعدى كونه موجها لمحاربة الإرهاب، كما يحلو للمسؤولين بالشقيقة الشرقية، أن يرددوا ذلك كلما أوشكوا على عقد صفقة شراء أسلحة، وأن المسألة تتعلق بأجندة خاصة ذات أبعاد جيوسياسية، تبدو ملامحها واضحة من خلال الاستعداء المعلن للوحدة الترابية للمغرب، وهو ما يتجلى بالأساس في الدعم المفضوح، ماديا ومعنويا ولوجيستيكيا، لقادة أطروحة الانفصال، مما يحتم بالضرورة على المغرب الذي لا ينتج غازا طبيعيا، نهج السياسة نفسها، في مسعىً حثيث من أجل تحقيق نوع من "التوازن"، على الأقل، في ما يتعلق بجانب تسلح القوات البرية الذي يُشهَد للقوات المغربية بالتفوق فيه.
تسلُّح رغما عن أنف الفقراء!
يبدو أن مختلف الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الدولتان، لم تمنعهما من المضي قُدما في التسابق نحو اقتناء آخر ما ابتكرته مصانع التسليح الأوروبية والأمريكية، وهو ما يفيد أيضا بكون أولوية التسلح باتت ضرورة تمليها أجندات الدولتين، اللتين تضعان نصب أعينهما هدفا يكاد يكون هو نفسه، إنه "ملف الصحراء"، الذي نزف الكثير من الأرواح البشرية والإمكانيات المادية الهائلة، طيلة أزيد من ثلاثة عقود، دون أن يجد طريقه إلى الحل.
التسابق على اقتناء مزيد من الأسلحة، والذي يترك المزيد من الأفواه الجائعة بالبلدين، حيث تشير الأرقام الرسمية وإحصائيات المنظمات الدولية، إلى ارتفاع نسبة الفقر بكِلي البلدين إلى حوالي 30 بالمائة من الساكنة، يطرح أكثر من سؤال حول نوايا الساسة بالبلدين وما إذا كانوا يتسلحون فقط من أجل دعم الجبهة الداخلية لمواجهة خطر الإرهاب الآخِذ في التصاعد بالمنطقة، بسبب اتساع رقعة نفوذ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أم أن سباقهم المحموم على التسلح في ظل عجز اقتصادي واجتماعي، يعتبر قرعا لطبول الحرب؟
وتشير المعطيات المتوفرة لدى معهد استوكهولم الدولي المتخصص في أبحاث السلام، إلى أن المغرب خصص لمجال التسلح، مبلغا ماليا يزيد عن 10 ملايير درهم لاقتناء عدد من الأسلحة، برسم سنة 2009 فقط، في حين اعتمدت الجزائر ما يناهز 5 أضعاف هذا المبلغ لميزانية دفاعها، والتي فاقت 50 مليار درهم. بعدما سبق للمغرب أن أنفق في سنة 2005 ما مجموعه 2 مليون و306 ألف دولار، حسب تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، محتلا بذلك الصف 44 في لائحة الدول الأكثر إنفاقا على التسلح، بينما جاءت الجزائر متقدمة في المرتبة 37 عالميا، بحجم إنفاق يُقدر بـ 2 مليون و 994 ألف دولار برسم نفس السنة.
تسابُق جنوني..
رغم أن الأرقام الصادرة عن المخابرات الأمريكية بناء على مجرد تقارير وإفادات عملائها المنتشرين في مختلف ربوع المعمور، يمكن التعامل معها بكثير من الاحتياط على اعتبار الخلفيات التي تؤطر عمل الأجهزة المخابراتية، إلا أن هذه المعطيات الحكومية الأمريكية، أكدها تقرير كشف عنه، في ربيع هذه السنة، معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الذي تحظى إحصاءاتُه بكثير من المصداقية، حين صنف الجزائر ضمن خانة أكبر عشرة بلدان مستوردة للأسلحة، خلال الفترة ما بين سنتي 2005 و 2009، وهي المرة الأولى التي تحتل فيها الجارة الشرقية هذه المرتبة ضمن خارطة سوق التسلح العالمية.
ووفقا لنفس المعطيات التي توصل إليها المعهد المذكور، فإن الجزائر تعتبر أول دولة مستوردة للسلاح على مستوى القارة الإفريقية، خلال الفترة المحددة آنفا، حيث كان من نصيبها لوحدها، استيراد 43 بالمائة من إجمالي الواردات العسكرية إلى القارة السمراء. ولم يختلف تصنيف الجزائر كثيرا خلال السنتين الماضيتين، وظلت تتربع على زعامة ترتيب دول إفريقيا، التي استوردت 7 بالمائة من إجمالي صادرات الأسلحة بالعالم في الفترة موضوع الدراسة. التهافت الجزائري على التسلح كشف عنه تقرير حديث صادر في الشهر الماضي عن "معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي للدراسات الإستراتيجية"، الذي كشف أيضا عن "تقدم ملحوظ في البرنامج النووي وأسلحة الدمار الشامل" لدى الجزائر، وكذا عن قدرات هذا البلد "النووية والبيولوجية والكيميائية"، موضحا أن الشقيقة الشرقية تملك مفاعلا نوويا صينيا قدرته 15ميغاواط، ومن المحتمل أن يكون قد تم تحديثه إلى 40 ميغاواط، علاوة على مفاعل للأبحاث النووية استقدمته من الأرجنتين قدرته 1 ميغاواط، وهو ما يخدم "برنامجا سريا لأسلحة نووية".
ويذكر التقرير الاستراتيجي الإسرائيلي بأن الجزائر وقعت على معاهدة "بيلندابا، ومعاهدات عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، ملمحا إلى خرق حكام الجزائر للمعاهدة الدولية، والمعاهدات ذات الصلة.
وتستمر عقدة حرب الرمال!
يعتقد كثير من المتتبعين للشأن العربي عموما، ولـ"الحرب الباردة"، بوجه خاص، التي ظلت قائمة بين الجزائر والمغرب، منذ عهد صراع القطبية الثنائية بين المعسكرين الشرقي والغربي، بأن الوضع بين البلدين بات يتعدى كونه يتعلق فقط بدعم الجزائر لموقف البوليساريو الراغبة في إقامة دُويلة بأقاليم جنوب المغرب، وما يترتب عن ذلك من موقف هذا الأخير الراغب في الذود عن وحدة أراضيه بكل ما أُتيح له من إمكانيات، إلى كون الصراع بين الشقيتين تمتد جذوره إلى فجر حصول البلدين على استقلالهما، وتحديدا إلى أول مواجهة عسكرية بينهما، في سنة 1963، على إثر اندلاع "حرب الرمال"، والتي حقق فيها الجيش المغربي انتصارا بيِّنا، يبدو أنه خلق لدى العسكر الجزائري، عقدة الإحساس بالانكسار، تحولت مع مرور السنين، خاصة بعد استرجاع المغرب لأراضيه الجنوبية في سنة 1975، إلى اعتبار المغرب "عدوا استراتيجيا" يُهدد غرب بلادهم، وهو ما سيقابله تبني نفس الموقف، من طرف الرباط التي لا يخفي مسؤولوها اتهام نُظرائهم بالجزائر بأنهم "أعداء الوحدة الوطنية"، بالنظر إلى كشف حكام قصر المُرادية بعاصمة بلاد المليون شهيد، عن وجههم الحقيقي، واعترافهم العلني بالتأييد غير المشروط لأُطروحة خلق دُويلة في خصر المغرب، بعدما احتضنتها طوال سنين في مخيمات لحمادة بتندوف.
حرب مع وقف التنفيذ!
حسب مصادر عسكرية وسياسية بالبلدين، فإن سباق التسلح بين الجارتين بات يحكمه مبدأ "توازن الردع"حينا، وأحيانا الرغبة في الحصول على قصب السبق في الظفر بترسانة حربية، متقدمة تقنيا وكميا، استعدادا لحربٍ يكتفي ضباط العسكر بالبلدين، برسم ملامحها وسيناريوهاتها داخل ثكناتهم فقط دون أن تعرف التنفيذ على أرض الواقع، وهو ما أكده خبير في الدراسات الإستراتيجية، فضل عدم ذكر اسمه، في تصريحات خاصة لـ"ما وراء الحدث"، حين استبعد نشوب حرب حقيقية بين البلدين رغم اشتداد تسابقهما لأجل توازن الردع، قبل أن يضيف أن هذا التسابق المحموم على تعزيز قدراتهما العسكرية، بالإضافة إلى أنه سيكرس التوتر بين البلدين، فإنه سيُديم بقاء "المحافظين العسكريين" على هرم السلطة الجزائرية، حيث يستغلون هذا "الوضع القذر"، في إشارة إلى التزايد المضطرد في التسلح، من أجل سيطرتهم على السلطة.
وحسب المصادر نفسها، فمهْما وصلت حدة هذا السباق على شراء السلاح، فإن استعماله من طرف الجانبين يبقى غير وارد في الغالب، بالنظر إلى أن القوى العظمى، التي ما فتئت تدعو البلدين إلى توحد الجهود في مواجهة الإرهاب، لا تريد قيام حرب بالمنطقة، على الأقل في الأمد القريب والمتوسط، من أجل أن لا يتم تعقيد خارطة طريقها في مواجهة أتباع أسامة بن لادن.
وبالرغم من أن المتشائمين من انفراج الوضع بين الجارتين يذهبون إلى إمكانية اشتعال فتيل الحرب بينهما، فإنهم يؤكدون على أن ذلك "لن يعدو يكون صراعا بين سيف ودرع، لأن ما يملكه طرفٌ من أسلحة، يعادله ما يملكه الطرف الآخر من أسلحة مضادة تُفقد الأولى مفعولها"، ليبقى التساؤل مطروحا، حول ماهية جدوى هذا السباق المحموم، في الوقت الذي يكتفي فيه الطرفان بالقيام بمناورات عسكرية هنا وهناك، تُكلف هي الأخرى ميزانيات باهظة من أموال دافعي الضرائب، الذين يطوقون إلى تنمية مستدامة تقيهم مذلة ركوب أمواج البحر للعبور إلى الضفة الشمالية للبحر المتوسط.
ويظل توجس السؤال يؤرق المتتبعين؛ خاصة في ما يتعلق بتسلح الجارة الشرقية للمغرب متسائلين، هل لهذا التسلح ارتباط فعلا بتنامي خطر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، كما يزعم حكام قصر "المرادية"؟ أم أنه تسلح لدرء هجومات مفترضة مستقبلا من قِبل التنظيمات الجهادية القابعة في الجبال أو الموزعة بالصحراء الكبرى؟ أم أن توجه الجزائر إلى دعم ترسانتها العسكرية راجع بالأساس إلى الخوف من انتقال عدوى الحروب الأهلية، التي تشهدها بعض دول إفريقيا جنوب الصحراء، إليها؟ أم أن للأمر علاقة بما يبرز داخليا من قلاقل تتطور إلى ما يشبه "العصيان المدني"، كما هو الشأن بالنسبة لساكنة منطقة القبايل مثلا؟ إنها "صفقات غير عادية"، يخلص أحد الخبراء، في تعليقه على الإقبال المتزايد للجزائر على الزيادة من حجم وقوة ترسانتها الحربية.
أسلحة من كل الأصناف!
حسب معطيات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) المتخصص في مجال التسلح، والذي تأسس سنة 1966، فإن الجزائر استوردت في السنوات الخمس الأخيرة ترسانة مهمة من الأسلحة المتنوعة، ما بين طائرات حربية وغواصات وأنظمة دفاع جوي، من حليفتها التقليدية روسيا، وهي السوق المفضلة لدى ساسة الجزائر الذين ظلوا يتعاملون مع الاتحاد السوفييتي البائد طيلة الحرب الباردة.
وتلقت الجزائر في الفترة ما بين 2004 إلى 2008، حسب تقرير هذا المعهد، 180 دبابة من نوع ''تي90"، و18 قطعة من نوع ''أم. كا. أ 30 سو''، وهي طائرات مقاتلة من صنع روسي. وبمقتضى عقد خاص ستزود المصانع الروسية الجيشَ الجزائري، بغواصتين بحريتين من نوع ''360 مَىْ ف كس يُو ثِي''، وعدد مهم من القطع الحربية وأنظمة للدفاع الجوي القصيرة والطويلة المدى، و28 طائرة ''أم. كا. أ 30 سو''. مما جعل الصفقة التي وصلت قيمتها إلى 2 مليار و200 مليون دولار، أكبر صفقة عسكرية تبرمها موسكو مع بلد عربي في السنوات الأخيرة. بالإضافة إلى صفقة أخرى لشراء غواصات "ديازل" الكهربائية من صنف "فارشافيانكا"، التي يبلغ طولها72 مترا، وتصل سرعتها تحت الماء إلى 17 عقدة، وعمقُ غوصها إلى 300 متر، كما تتوفر على منظومة إطلاق صواريخ مجهزة بست قاذفات من نوع 533 مليمتر، وتستطيع حمل طاقم مكون من 52 فردا.
وكان من نتائج زيارة الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، لموسكو في العام 2007، أن ألغت هذه الأخيرة ديونها المستحقة على الجزائر، والتي قُدرت بأزيد من 7 مليارات دولار، في الوقت الذي تلقت فيه طلبا جزائريا لإبرام صفقة تسلح قيمتها 7.5 مليارات دولار، من أجل شراء 28 طائرة حربية من طراز سوخوي (30 أم. كيو Su-30MK)، و36 مُقاتلة من طراز ميغ (29 MiG-29SMT )، و16 طائرة تدريب من طراز (ياك 130)، بالإضافة إلى 300 دبابة من طراز (تي 90 أس T-90S))، ورادارات وكميات أخرى من العتاد. كما شملت الصفقة أيضا ثمانية أنظمة صواريخ أرض جو من طراز (تونغوسكيS-300 PMU Almaz-Antei)، وتجديد 250 دبابة جزائرية من طراز "تي 72"، وعدد غير يسير من الصواريخ المضادة للدبابات من طراز "ميتيس" و"كورنت"، بالإضافة إلى القيام بأعمال صيانة للسفن الحربية الجزائرية روسية الصنع. وتمتلك الجزائر مصانع ضخمة متخصصة في الصناعات الحربية، أهمها القاعدة المركزية للإمداد، التي تقع في "بني مراد" بولاية البليدة، وهي القاعدة الضخمة التي تم إنشاؤها في سنة 1975، وتم تجهيزها بمختلف الآلات التكنولوجية الحديثة، لتطوير و تصليح الآلات الحربية مثل الدبابات والمدرعات، مما يغني الجزائر عن إرسال دباباتها ومدرعاتها إلى الدول المصنعة لتطويرها. وتقوم هذه القاعدة بتطوير وتصليح عتاد عسكري لعدة دول عربية وإفريقية، كما هو الشأن مثلا مؤخرا عندما تم تطوير كل المدرعات والدبابات الليبية بمصنع القاعدة، الذي يشغل، حسب مصادر عسكرية، نحو20 ألف عامل ومهندس وتقني وخبير، تم تكوينهم في جامعات ألمانيا وروسيا.وقد انتقل المصنع إلى مرحلة تصنيع دبابات من تصميم و تطوير جزائري، أطلق عليها اسم bcl-m5، وكان أول ظهور لها في 1993، وهي مدرعة مزدوجة المهام، أي أنها مدرعة مقاتلة، ومدرعة حاملة للجنود.
بينما يشير تقرير معهد استوكهولم إلى أن المغرب قد تقدم خلال سنة 2009، بطلب شراء 24 قطعة من طائرات "إف16" من الولايات المتحدة الأمريكية، وثلاث فرقاطات من نوع "سيجما 90" من هولندا وبارجة بحرية من صنع فرنسي.
وستكلف الـ24 طائرة حربية الـ"إف16" المغربَ، دفع أكثر من 1.2 مليار دولار للتأمين عليها فقط، وهو التأمين الذي سيشمل الفترة الممتدة من إتمام الصفقة إلى غاية التسليم الفعلي على الأراضي المغربية، في الفترة الممتدة ما بين يوليوز سنة 2011 ودجنبر سنة 2012 فيما سيتوصل بالطائرتين المتبقيتين في وقت آخر من سنة 2013.
لِمن تميل كفة ميزان القِوى؟
لا يختلف اثنان حول مدى التجربة التي اكتسبتها القوات المسلحة البرية المغربية، وخاصة منها القوات البرية، في حربها الضروس مع البوليساريو، التي امتدت منذ سنة 1975 إلى سنة 1990، بعد تدخل الأمم المتحدة من أجل تطبيق خط السلام بين الطرفين، وهي الحرب التي خرج منها المغرب متفوقا، على الأقل ميدانيا، عندما تمكن من دحر الانفصاليين وإرغامهم على التقوقع خلف جدار أمني يمتد على الجنوب الشرقي للمملكة، مما جعل الخبراء العسكريين يشهدون بدُربة ومهنية القوات المغربية، في مقابل خمول العسكر الجزائري، الذي ظل يراقب ويدعم حرب العصابات التي خاضتها عناصر البوليساريو ضد القوات المغربية، على أمل استنزاف هذه الأخيرة، قبل أن يوجه سلاحه إلى الداخل الجزائري في الحرب الأهلية التي اندلعت بداية العقد الأخير من القرن الماضي. وقد أسهمت الحرب مع البوليساريو في تطور القوات المغربية كمّا وكيفا، واستمر تزايد تعداد هذه القوات منذ سنة 1975، ليعرف تطورا ملحوظا في عقد الثمانينات، أي في أوج الحرب، كما رصد ذلك خبراء معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، حيث ارتفع العدد من 149 ألف جندي إلى 192 ألفا، قبل أن يصل في سنة 2005 إلى ما يزيد عن 196 ألفا، إضافة إلى 150 ألف جندي احتياطي.
بينما وصل تعداد القوات العسكرية الجزائرية 170 ألف عنصر سنة 1980، قبل أن يعرف تقلصا سنة 1990 إلى 150 ألف جندي، ليستقر في ما بين 122 و128 ألف جندي إلى غاية سنة 2005، فيما لا يتعدى الجيش الاحتياطي 85 ألف رجل، بينما ارتفعت أعداد القوات الشبه عسكرية كالدرك والأمن والحرس الجمهوري بسبب الحرب الأهلية.
واستنادا إلى معطيات المعهد المذكور فإن هناك تقاربا تقنيا كبيرا على مستوى بنية ترسانتي البلدين العسكرية، إلى غاية سنة 2008 دون اعتبار صفقات الأسلحة التي توصل أو سيتوصل بها البلدان بعد هذه السنة، حيث يضم العتاد المغربي 744 دبابة قتالية، و559 من المدرعات، و785 ناقلة مصفحة لنقل الجنود، و255 مدفعية ذاتية الدفع، و190 مدفعية مقطورة، و39 قاذفة صواريخ من نوع (م ر ل س).
وتتوفر القوات الجوية المغربية على 95 طائرة مقاتلة، و24 من طائرة هليكوبتر الهجومية، في حين تتوفر القوات لبحرية على مركز رئيسي واحد على سطح السفينة، وأربعة زوارق محملة بصواريخ، و23 زورقا حربيا، وأربع سفن برمائية.
وتكاد تكون هذه الأسلحة هي نفسها الذي يتوفر عليها الجانب الجزائري، الذي يملك ألف دبابة قتالية، وما بين 124 و173 مدرعة، و730 ناقلة جند مصفحة، و185 مدفعية ذاتية الدفع، و406 مدفعية مقطورة، و144 قاذفة صواريخ. أما القوات الجوية الجزائرية فتضم 175 طائرة مقاتلة، و93 طائرات هليكوبتر هجومية، في حين أن القوات البحرية تشتمل على أزيد من غواصة، وثماني سفن كبرى، و12 زورقا حربيا، وثلاث سفن برمائية.
ميزانيات ضخمة لبناء الترسانة الحربية بالبلدبن
في الوقت الذي لم يكشف فيه بعد عن قسط الوقت المسلحة من ميزانية سنة 2011، وكذلك الشأن فإن البند 38 من مشروع قانون المالية المغربي برسم السنة الماضية، جاء فيه أن الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بإدارة الدفاع الوطني، مفوض له التصرف مقدما في المبالغ المخصصة برسم سنة 2010، للحساب المالي المدعو "اقتناء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية"، والبالغ 63 مليار و959 مليون درهم. ووصل الغلاف المالي لميزانية الدفاع برسم السنة الماضية، إلى 34.7 مليار درهم، أي ما يناهز 16 بالمائة من الميزانية، خُصص منها 10.2 مليار درهم لاقتناء الأسلحة وإصلاح المعدات (أي ما نسبته 27.27 بالمائة)، و15 مليار درهم لنفقات الموظفين والأعوان العسكريين (43.22 بالمائة) و5 ملايير درهم للنفقات المختلفة (14.40 بالمائة).
أما ميزانية الدفاع الجزائرية برسم سنة 2009، فقد ناهزت 55 مليار درهم، بعد أن كانت سنة 2008 لا تتجاوز 23 مليار درهم (6.5 مليار دولار سنة 2009 و 2.5 مليار دولار سنة 2008). وتمثل ميزانيتا الجيش والأمن الجزائريين 15 بالمائة من الميزانية العامة للدولة، المقدرة سنة 2009 بـ 80 مليار دولار.