نورالدين اليزيد
لاشك أن النقاش
العام الذي ما تزال بلادنا تعيشه منذ تقديم مشروع قانون المالية للسنة المقبلة
أمام البرلمان، والمتعلق بإجراءات عملية جاء بها أول مشروع قانون مالي للحكومة
الجديدة، وفي ظل الدستور الجديد، وهي الإجراءات التي تمهد للشروع في إصلاح صندوق
الدعم (المقاصة)، هو نقاش إيجابي وضروري وحتمي، كان علينا أن نخوض فيه منذ زمن
مادام يتعلق بآلاف الملايير من السنتيمات، التي تصرف بقصد دعم منتوجات ومواد
حيوية، إلا أن المستفيد الأكبر كان دائما هي المقاولات والطبقة الميسورة، بينما
بقيت جيوب الطبقة المعوزة بعيدة عن الاستفادة من الدعم، بسبب عدم التمييز بين هذا
وذاك في توزيعه.
الحديث اليوم عن
الرفع من قيمة الضريبة على بعض الأجور المرتفعة، وكذا خفض الدعم الموجه إلى العديد
من المواد والأدوات، المستعملة لدى المقاولات والشركات الكبرى لإنتاج وصناعة
منتوجاتها، ينبغي أن يقابل بروح وطنية عالية، وبانخراط جميع مكونات المجتمع،
السياسية منها والاقتصادية والمدنية، في إطار مواطَنة واحدة، لا تقبل المزايدة أو
الاستغلال والوصولية.
صحيح أن البعض يرى
في الإجراءات التي جاءت بها الحكومة الحالية في مشروع القانون المالي الجديد مسّا
بمصالحها، وهو ما ذهب إليه ليس فقط أرباب العمل بل – ويا للعجب- حتى بعض نواب
الأمة الذين رفضوا أي اقتراب من أجورهم، لكن يبقى عذر هذه الحكومة، والتي يشفع لها
إقدامها على تلك الإجراءات، هو أن العائدات ستؤول إلى صندوق دعم التضامن الموجه
بالأساس إلى الفقراء؛ معنى ذلك أن الغاية تبرر الوسيلة التي تتوخى محاربة الهشاشة
الاجتماعية والإقصاء والعوز في إطار تضامني يفرضه علينا الواجب الشرعي والأخلاقي
قبل الإكراهات الاقتصادية التي تعصف بالعالم، والتي جعلت بلدانا تعيش في الرفاه
والازدهار تُقدم على إجراءات تقشفية وتخفض من الأجور العليا لموظفيها وترشد
نفقاتها مع اهتمام خاص بذوي الدخل المنفض أو معدميه.
ويبدو أن السلطات
العليا بالبلاد التي تدخلت في الوقت المناسب لإخماد صراع غير مُجد بدت بوادره تلوح
في الأفق، بين الحكومة وممثلي أرباب العمل، تؤكد مرة أخرى مدى اهتمامها بدعم
الطبقات المعوزة وقربها منها وانشغالها بهمومها، وهو ما سمح للحكومة بالمضي قدما
في إجراءاتها القاضية بتنمية صندوق التضامن بالموازاة مع ترشيد نفقات صندوق
المقاصة وإصلاحه لاسيما على مستوى إيجاد أدوات رقابة وتتبع لما يقدمه من دعم.
هذه الإجراءات،
ومن باب الإنصاف، لا ينبغي أن تخدم هذه الجهة دون تلك من مكونات الوطن؛ وكلنا يعرف
مدى أهمية الدور الريادي والحاسم في تنمية البلاد الذي يقوم به المستثمرون
الوطنيون قبل الأجانب، وإن كانت هناك بعض النقائص في عمل البعض ليس هذا مجال
لذكرها. ومن هنا كان لزاما على الحكومة أن لا تنزل تلك الإجراءات دفعة واحدة، وأن
تحفظ لكل الفاعلين مصالحهم تماما كما يجب أن تحفظ مصالح المكونات الأخرى من
المجتمع.
وفي خضم هذا
النقاش ربما يختلط على البعض الأمر أو يجعله هو مختلطا وملتبسا، لاسيما عندما نكون
بصدد مقاربة كالتي نعيشها هذه الأيام؛ وهي أن هناك حكومة جاءت من صناديق الاقتراع،
وتريد الوصول إلى تحقيق ما لم يتم تحقيقه منذ حصول المغرب على الاستقلال، وهو جعل
المواطن الفقير يحصل على مقابل مادي يعينه على تربية أبنائه وعلى باقي متطلبات
الحياة الأخرى؛ وبالمقابل هناك طرف يشكك في هذا التوجه ويذهب إلى حد اتهام الحكومة
الحالية بمحاولة استغلال هذا الجانب الاجتماعي بقصد الرفع من أسهمها في بورصة
السياسة !
نكاد نجزم أن
مسألة دعم الفقراء هي سيرورة تاريخية بدأنا نلمسها واقعا منذ تولي جلالة الملك
محمد السادس العرش، ليتم التأسيس والتقعيد له بالمبادرة الإستراتيجية التي تستهدف
الطبقات المعوزة(المبادرة الوطنية للتنمية البشرية)، وليتطور أكثر هذا الدعم
بإعطاء جلالته تعليماته لتخصيص دعم طبي (رميد) أو المساعدة الطبية، وهي الخدمة
التي باتت توفر للفقراء التطبيب والاستشفاء بمختلف المؤسسات الصحية، وليتبع ذلك
برنامج "تيسير" الذي يهدف إلى محاربة الأمية والهدر المدرسي في صفوف
المواطنين؛
إن كل هذا الدعم
الاجتماعي لا ينبغي أن ينظر إليه على أنه برنامج هذا الفريق أو ذاك، ولكنه برنامج
أمة بدأته بخطوات، فانتقلت إلى مبادرات، وهي اليوم بصدد فقط تجميع كل هذه
المبادرات ومأسستها، ومن تم بات من اللازم إنشاء قطب اجتماعي يرعى هذا الدعم
ويصونه.