مَن مِنا لا يتذكر قول نجل العقيد معمر القذافي، سيف الإسلام، أثناء ارتفاع حدة الصراع بين نظام والده والثوار، مخاطبا الصحافيين؛ "طُزْ" في محكمة الجنايات الدولية، وهي كلمة دارجة تقصد التحدي وعدم الاهتمام؟
"سيف" لم يعد ذاك الابن المدلل للعقيد الذي كان يصول ويجول بشوارع طرابلس بينما الثوار كانوا يحققون تقدما في اتجاه باب العزيزية، وهو اليوم في مكان ما من الصحراء على الحدود مع مالي، يفاوض المحكمة الدولية لتسليم نفسه وتجنب الأسوء.
وأفادت مصادر إعلامية أن سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم القذافي الراحل معمر القذافي، يفاوض حاليا عبر وسيط ألماني، محكمة الجنايات الدولية من أجل تسليم نفسه للمحكمة الدولية، وتجنيبه بالتالي موتة على غرار شقيقه المعتصم ووالد معمر، الذين تم إلقاء القبض عليهما قبل أسبوع واغتيالهما في ظروف غامضة.
وذكرت "العربية" نقلا عما أسمتها "مصادر موثوقة" في محكمة الجنايات أن الألماني برنارد شميتباور قطع شوطا كبيرا لإتمام اتفاق بين سيف الإسلام ومحكمة الجنايات الدولية، تقضي بتسليم سيف الإسلام نفسه من خلال الوسيط الألماني.
وقد كان عبد الله السنوسي، مسؤول المخابرات في نظام القذافي، وهو داخل في ذات المباحثات لأجل ذات الصفقة، قد بادر إلى فتح هذه القناة من الاتصال لمعرفته المسبقة بالوسيط الألماني.
وسبق للوسيط الألماني شميتباور التوسط لإتمام ما أصبح يعرف بصفقة "شاليط"، التي أدت إلى تسليم حماس للأسير الإسرائيلي شاليط مقابل الإفراج عن 477 أسير فلسطيني.
من جهته، أكد مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، الجمعة، أن المحكمة تجري "اتصالات غير رسمية" مع سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، بشأن إمكان تسليم نفسه إلى المحكمة التي تلاحقه بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وقال مورينو أوكامبو، بحسب بيان: "لدينا اتصالات غير رسمية مع سيف عن طريق وسطاء"، مضيفاً "مكتب المدعي العام أبلغه بشكل واضح بأنه إذا ما سلم نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية سيكون لديه الحق بتقديم إفادته أمام المحكمة وسيكون بريئاً حتى ثبوت العكس".
وكان مسؤول كبير في المجلس الوطني الانتقالي الليبي قد ذكر في وقت سابق أن سيف الإسلام القذافي المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية عَبَر الحدود الليبية إلى النيجر، وأوضح المصدر أن هناك اتصالاتٍ بين سيف الإسلام وحكومات مالي وجنوب إفريقيا ودولة مجاورة أخرى لتنظيم خروجه، لكنه لم يحصل على تأكيدٍ بعد.
وأضاف المسؤول أن سيف الإسلام يحاول الترتيب لتوفير طائرة تنقله خارج منطقة الصحراء حتى يتسنى له تسليم نفسه لمحكمة جرائم الحرب في لاهاي.
ومن جانبه قال عبد الحفيظ غوقة، المتحدثُ باسم المجلس الوطني الانتقالي الليبي، إنه إذا تم إلقاءُ القبض على سيف الإسلام القذافي أو عبد الله السنوسي فإن محاكمتهما ستكون في ليبيا وبموجب القوانين الليبية، أما إذا ألقي القبض عليهما في تشاد أو النيجر فهذه الدول ملزمة بتسليمهما إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد ذكرت في وقت سابق أنها تحاول التحقق من مكان ونوايا سيف الإسلام ورئيس المخابرات الليبية السابق عبد الله السنوسي الرجل الثالث في مذكرة الاتهام التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بعد القذافي وسيف الإسلام.
وقال مصدر في المجلس الوطني الانتقالي إن سيف الإسلام والسنوسي موجودان معاً في حماية قبائل الطوارق في الصحراء الواسعة بالقرب من الحدود بين الجزائر والنيجر.
وقال مصدر المجلس الوطني الانتقالي: "سيف قلق على سلامته.. يعتقد أن تسليم نفسه هو أفضل خيار أمامه".
ولم تتوفر تفاصيل کما لم يتسن التحقق من صحة هذه الأنباء لکن تشکلت صورة منذ مقتل القذافي قبل أسبوع بعد أن وقع في أيدي الثوار تشير إلى أن سيف الإسلام فر إلى الصحراء في جنوب ليبيا ولجأ إلى البدو هناک وأنه يسعى إلى ملاذ آمن في الخارج.
ويرى متتبعون أنه حتي إذا تمکن سيف الإسلام من الحصول على جزء من الثروة الطائلة التي جمعتها عائلته من السلطة على آبار النفط الرئيسية في ليبيا، خلال 42 عاما من حکم البلاد، فسوف تحد مذکرة الاعتقال التي أصدرتها المحکمة الجنائية الدولية من الفرص المتاحة له.
وربما يفسر ذلک عزمه فيما يبدو على تسليم نفسه للمحکمة الجنائية الدولية الذي يظهر في اتصالات راقبتها وکالات المخابرات وعرضتها على الحکام المؤقتين لليبيا، بعد أن فرت أمه وعدد من إخوته الذين بقوا على قيد الحياة إلى الجزائر والنيجر.
ويريد سيف الإسلام إشراک دولة ثالثة قد تكون تونس أو الجزائر في نقله جوا إلى لاهاي حيث يواجه فرصه أمام محکمة لا تحکم بحکم الإعدام .
وقال المصدر في المجلس الوطني الانتقالي عبر الهاتف من ليبيا "إنه يريد إرسال طائرة له.. يريد تطمينات".
وذکر فادي العبد الله المتحدث باسم المحکمة الجنائية الدولية "أن المحکمة تحاول التحقق من تصريحات المجلس الوطني والتوصل إلى کيفية نقل المتهمين".
ويرجح البعض أن يکون الاستسلام إلى المحکمة الجنائية الدولية مجرد خيار واحد من خيارات سيف الإسلام الذي ربما يتمنى أن ترحب به دولة افريقية من الدول التي أغدق والده عليها بالهدايا.
ويقول محامون إنه حتى إذا القي القبض عليه بتهم تتعلق بقتل المحتجين في فبراير شباط ومارس آذار، فمن الممکن أن يدافع سيف الإسلام عن نفسه بدفوع تحد من أي حکم، وهذا ما جعله يفكر في بعض الأحيان بتسليم نفسه إلى المحكمة الدولية خوفا من أن يقتل على أيدي الثوار .