الثلاثاء، يوليو 27، 2010

مدنيون وعسكريون يدخلون نادي المغضوب عليهم ملكيا من بابه الواسع


نورالدين اليزيد


بين التقاعس في أداء المهام وخرق القانون واستغلال النفوذ، تتعدد الأسباب التي أدت بالسلطات العليا إلى إعفاء مدراء عامين من مهامهم، لم يقدروا حساسية مواقعهم على رأس مؤسسات وطنية استراتيجية


تقرير الميداوي "أدان" بنعلو أمام الملك


رصد تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2008، المرفوع إلى جلالة الملك والمنشور مؤخرا، "اختلالات مالية" بالجملة بإدارة المكتب الوطني للمطارات، وهو ما كان سببا للإطاحة بالمدير العام السابق عبد الحنين بنعلو.

وتضمن التقرير مظاهر عدة لسوء التدبير كلفت أموالا طائلة ناهزت 8 ملايير درهم في ظرف خمس سنوات، وأشار إلى "الثغرات" التي حصلت في إبرام صفقة بناء المحطة الثانية بالدار البيضاء، وهو ما تجلى بالخصوص في إبرام عدة صفقات مع نفس الشركة التي فازت بصفقة بناء المحطة الجديدة للمسافرين عن طريق الاتفاق المباشر.

ورصد التقرير أيضا مظاهر أخرى لهدر المال العام بهذه المؤسسة، كما هو الشأن بالنسبة لبناء مدرج ثاني بنفس المطار، وصفقة شراء نظام معلوميات ليتضح في ما بعد أن الوحدات المعلوماتية لا تُستخدم.

وأكد التقرير أن المكتب على عهد بنعلو لم يكن "يحترم" مبدأي المنافسة والمساواة في تمرير الصفقات، كم اتهمه بـ"اللجوء المفرط وغير المبرر" للاتفاق المباشر، والذي همّ31 بالمائة من صفقات المؤسسة خلال فترة 2003\2007.


اعليوة وفضائح "السياش"


لم يكن ، خالد اعليوة، الرئيس المدير العام السابق للقرض العقاري والسياحي، يعتقد أن يثير شراؤه لشقة تابعة للمؤسسة بمبلغ مليون و800 ألف درهم وسط الدار البيضاء، كل تلك الضجة الإعلامية، بالنظر إلى أنه استفاد من هذا العقار كأي إطار من أطر المؤسسة.

ولم تنجح كل المبررات التي حاول اعليوة أن يدفع بها عنه تهمة استغلال النفوذ والاستفادة من عقار بثمن يقل كثيرا عن ثمنه الحقيقي، في تجنيبه "غضب" الملك، ذلك أن ما كشفت عنه مصادر مطلعة يشير إلى أن العقار من "النوع الممتاز" بحكم موقعه وسط العاصمة الاقتصادية، وأن الثمن المدفوع من طرف اعليوة بعيد كل البعد عن قيمة العقار، حتى قبل 10 سنوات، حسب تقرير خبير، حدد القيمة في ستة ملايين و900 ألف درهم. نفس المعطيات أشارت إلى أن إدارة القرض العقاري والسياحي سبق لها أن عرضت بيع هذا العقار قبل خمس سنوات بسعر حُدد في 3 ملايين درهم، عندما طالب المالك الأصلي للعقار باسترجاع ملكه بسعر حدده في مليون و800 ألف درهم. الفضائح التي لاحقت "البروليتاري" اعليوة لم تقف عند هذا الحد، بل إن رائحة "استغلال النفوذ" و"سوء تدبير" المال العام، ظهرت من خلال ما تناقلته أخبار حول صرف حوالي 81 مليون درهم، على إعادة هيكلة فندق "الليدو"، وهو ما أدى إلى حلول لجنة تفتيش، لم يعرف ما إذا كانت تابعة لوزارة المالية أو لمؤسسة "السياش"، للتحقيق في "خروقات" طالت حتى طريقة التوظيف في الفندق، حيث لم يتردد اعليوة في تعيين شقيقته مديرة للموارد البشرية، وابن أخته مديرا لمصلحة العلاج بالماء، وتوزيع مناصب أخرى على أشخاص آخرين من الأهل والأحباب، علاوة على قيامه بزيارة إلى كل من القاهرة وجنيف، لاقتناء أثاث جديد لفندق "الليدو"، برفقة محمد زيزي مدير سلسلة فنادق القرض العقاري والسياحي المتهم من طرف مجموعة "دنيا أوطيل"

بارتكابه لخروقات عندما كان يشغل منصب المدير العام لفندق المنصور الذهبي بمراكش.


تراجع الأرباح والتضييق على الفرنسيين يساويان "رأس" الباكوري!


إقالة المدير العام السابق لصندوق الإيداع والتدبير، مصطفى الباكوري، جاءت بعد "أخطاء قاتلة" في تدبيره لهذه المؤسسة المالية، مما أدى إلى تراجع أرباحها الصافية، خلال السنتين الأخيرتين من توليه الإشراف على "السيديجي" (2008و2009)، وهو ما كشفت عنه الأرقام التي تم الإعلان عنها مؤخرا، حيث تراجعت الأرباح بأزيد من مليار درهم خلال سنة 2009 أي بنسبة 74 بالمائة، مقابل نتيجة صافية قدرها مليار درهم و545 درهما خلال سنة 2008.

وهو التراجع الذي يعزيه متتبعون إلى الاستثمار "غير الموفق" في المؤسسة السياحية المعروفة كلوب ميد (نادي المتوسط(.

غير أن مصادر مطلعة تشير إلى أن الحيثيات التي أدت إلى التغيير المفاجئ لمدير الصندوق، خلال السنة الماضية، وتعيين أنس العلمي محله، في الوقت الذي كان الملك يقضي عطلة في ضيافة الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، مرده إلى بعض المواقف الشخصية للباكوري، التي تمثلت بالإضافة إلى "كثرة شكواه" للمحيطين به من حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، في كونه كان يسعى إلى شراء الأسهم الخاصة بالقرض العقاري والسياحي المتداولة ببورصة الدار البيضاء، مباشرة بعد إقالة خالد اعليوة من هذه المؤسسة، حيث كان الباكوري يسعى إلى التخفيف من تأثير الفرنسيين على "السياش"، الذي كانت مجموعة صندوق التوفير الفرنسية تساهم في رأسماله بنسبة 67.88 بالمائة.


الخطأ القاتل ليونس معمر..بيع محطة الجرف الأصفر!


ارتكب مدير المكتب الوطني للكهرباء السابق، يونس معمر، أخطاء عدة في تدبير المكتب الوطني للكهرباء، خلال الفترة القصيرة التي أشرف فيها على هذا المرفق الاستراتيجي، أي ما بين 15 فبراير 2006 و14 نونبر سنة 2008، حيث "اتُّهم" بأنه كان يمنح صفقات قدرت بالملايير، إلى شركات بعينها دون احترام المساطر القانونية، ومن هذه الصفقات، صفقة بناء محطة بالمحمدية تم تفويتها لإحدى الشركات بدون الإعلان عن طلب عروض، وكذلك برنامج المصابيح الاقتصادية التي ستعوض المصابيح الصفراء القديمة، باعتبارها مستهلِكة للطاقة، إلا أن الخبراء أكدوا على أن نتائج الصفقة لم تكن ناجعة بالنظر إلى أن المصابيح الاقتصادية تتطلب وقتا طويلا للاشتغال من أجل إعطاء مفعولها.

غير أن ما جرَّ "سُخط" السلطات العليا على معمر، على ما يبدو، هو النتائج المالية السلبية لصفقة بيع محطة الجرف الأصفر، التي تنتج حوالي 75 بالمائة من احتياجات المغرب للطاقة، لشركة أمريكية بمبلغ 350 مليون دولار، سرعان ما استرجعه الأمريكيون، بعد سنتين فقط، حين باعوا المحطة لشركة "طاقة" الإماراتية، في الوقت الذي ما يزال الغموض يلف حيثيات هذه الصفقة.


زيارة ملكية مفاجئة للمستشفى العسكري أطاحت بعرشان


أعفى الملك محمد السادس الجنرال إدريس عرشان من مهامه على رأس الهيئة الوطنية للأطباء وكمفتش للمصالح الصحية للقوات المسلحة الملكية، في صيف 2008، مباشرة بعد الزيارة المفاجئة التي قام بها للمستشفى العسكري بالرباط، والتي مكنته من الاطلاع مباشرة على الوضعية "المتردية" التي تعرفها هذه المؤسسة، وكذا مباشرة بعد سلسلة إضرابات خاضها الأطباء ضد الجنرال عرشان الذي اتهموه بالتسبب في "انهيار" هيأتهم.

وإذا كان البعض يربط التخلي عن عرشان بـ"إهماله" للمستشفى العسكري، فإن مصادر مطلعة ترجع أسباب ذلك العزل أيضا إلى إمكانية ضلوع عرشان والجنرال توبان، الطبيب الرئيسي للمستشفى العسكري، الذي أُعفي هو الآخر على إثر نفس الزيارة الملكية، في أنشطة أخرى!


العنيكري: تقهقر الرجل القوي في العهد الجديد!


اعتبر الكثيرون أن إعفاء الجنرال حميدو العنيكري، في خريف سنة 2006، من مهامه كمدير عام للإدارة العامة للأمن الوطني، وتعيينه مفتشا عاما للقوات المساعدة مكلفا بالمنطقتين الجنوبية والشمالية لهذه القوات، كان بمثابة "عقاب" للجنرال، على تقاعس الأجهزة الأمنية التي يشرف عليها، وهو ما أكدته أحداث متزامنة عرفتها البلاد، وكشفت عن وجود خلل أمني ينبغي تداركه بتغيير أعلى هرمه.

ولعل أهم تحدي فشل العنيكري في رفعه هو فشله في وضع حد لتنامي المد الإرهابي، بعد توالي الإعلان تفكيك الخلايا الإرهابية في أعقاب أحداث 16 ماي بالدارالبيضاء.

وتشير المعطيات، إلى أن العنيكري، لم يكن رجل ملفات بقدر ما كان رجل مغامرات، لذلك سرعان ما انكشف فشله في تدبير ملف الإرهاب، الذي حاول أن يستعمله كفزاعة للحصول على اعتمادات مالية إضافية تم تبديد جزء منها في صفقات خاسرة.

وتزامن إعفاء العنيكري مع إعفاء عدد من المسؤولين الذين وردت أسماؤهم على لسان بارون المخدرات، محمد خراز، الملقب بالشريف بين الويدان، كما تزامن ذلك مع تداعيات التحقيق في قضية خلية "أنصار المهدي" الإرهابية، التي أطاحت تصريحات أفرادها بالعديد من المسؤولين في أجهزة الأمن والمخابرات والدرك والسلطات المحلية، كان أبرزهم عبد العزيز إيزو مدير أمن القصور الملكية، بالإضافة إلى تزامن ذلك مع اكتشاف ضابط في الاستعلامات العامة بالإدارة المركزية مِن بين أفراد خلية "أنصار المهدي".

لكن هناك من يرى أن من بين أسباب "عدم رضا" السلطات العليا على أداء العنيكري، "عجزه" على حل المشاكل الاجتماعية لصغار رجال الأمن، التي وصلت إلى حد "التذمر".

الأحد، أبريل 25، 2010

حكومة الفاسي "الاجتماعية" تواصل بيع أراضي "صوديا" و"سوجيطا"

تفويت أراضي الشركتين تم بـ"مقابل مادي" لا يتلاءم وجودة هذه الأراضي، وهو ما شكل إحراجا حتى بالنسبة للأحزاب السياسية التي تصف نفسها بـ"الوطنية"، والتي سرعان ما أعرض إعلامها الحزبي عن الخوض في موضوع الكشف عن أسماء المستفيدين عندما اتضح أن قيادييهم استفادوا أيضا.

نورالدين اليزيد

من المتوقع أن تتخلى الدولة، خلال هذه السنة عن 20 ألف هكتار أخرى من الأراضي، ضمنها أراضي تخضع لدائرة الأملاك المخزنية، في إطار شطر ثالث من مسلسل تفويت الضيعات الفلاحية النموذجية، التابعة للشركتين الفلاحيتين الوطنيتين "صوديا" و"سوجيطا"، بالرغم من أن مسلسل التفويت، في شطريه الأول والثاني، لم يفض إلى تحقيق الأهداف والمرامي المرسومة له، بقدر ما مكن مجموعة من الأشخاص، لا علاقة لهم بالفلاحة، من بسط النفوذ على أراضي شاسعة، وتحويلها إلى منتجعات لقضاء عطلة نهاية الأسبوع و تربية الخيول، من دون أدنى التزام بدفتر التحملات ولا احترام لحقوق العمال.
وعندما شرعت الحكومة في تفويت أراضي الشركتين الفلاحيتين، في سنة 2006، في إطار عقود كراء طويلة الأمد تناهز نصف قرن من الزمن، تلقى حزب الحركة الشعبية، سيلا من الانتقادات حول طريقة تدبير تفويت حوالي 44 ألف هكتار إلى مستثمرين خواص.
غير أن رد فعل الفريق الحركي بالغرفة الثانية على المحتجين على استفادة رئيس الحزب، المحجوبي أحرضان، نجل امحند العنصر، الأمين العام، كان عنيفا، وذلك من خلال الدعوة إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، تقوم بدراسة وفحص ملفات المستفيدين، الذين ينتمون إلى مختلف أطياف اليمين واليسار والوسط ... أخرس الألسن، لكن الدعوة إلى إنشاء لجنة تحقيق برلمانية سرعان ما تلاشت ليرفع بين ممثلي الأمة أصواتهم بالدعوة فقط إلى الكشف على الأقل عن لائحة بأسماء المستفيدين، الذين وصل عددهم خلال الجزء الأول من العملية، إلى 174 منهم فقط 14 بالمائة من الأجانب، بينما الباقي كانوا قياديين سياسيين ومسؤولين كبارا ونوابا برلمانيين ورجال أعمال مقربين من أصحاب القرار، أغلبهم اختفى وراء شركات.


السياسيون محرجون

ولم تحرك الجهات المسؤولة عن عمليتي التفويت ساكنا، واكتفت بالقول فقط إن العملية مرت باحترام تام للمساطر والإجراءات القانونية، بينما خرج وقتها وزير الفلاحة الحركي، امحند العنصر، يلوح بالكشف عن أسماء المستفيدين، في ما يشبه "الدفاع عن النفس" أمام الهجوم الإعلامي الذي تعرض له الحركيون المستفيدون، قبل أن يتراجع في تصريحات صحفية عن ذلك، معللا موقفه بالقول "ليس من حقي أن أتحدث عن الأسماء انطلاقا من انتمائها السياسي لأن هذا لم يكن شرطا من الشروط".
والواقع أن العنصر، كان يلمح إلى رغبته في عدم إثارة الأسماء تجنبا لـ"الإحراج"، على اعتبار أن زعماء سياسيين ومسؤولين كبارا وضباط سامون في الجيش أو أنجالهم كانوا من بين المحظوظين الذين نالوا قسطهم من تفويت الضيعات الفلاحية التابعة للدولة، حتى خارج عمليات تفويت الشركتين المذكورتين، وبدون مقابل مادي، على عكس تفويت أراضي "صوديا" و"سوجيطا" الذي تم بـ"مقابل مادي" لا يتلاءم مع قيمةَ وجودة الضيعات موضوع التفويت، وهو ما كان يشكل إحراجا أيضا حتى بالنسبة للأحزاب السياسية التي تصف نفسها بـ"الوطنية"، والتي سرعان ما أعرض إعلامها الحزبي عن الخوض في الموضوع عندما اتضح أن قياديين حزبيين من هؤلاء هم بين السياسيين المستفيدين أيضا، من أصل 11 بالمائة من مجموع الذين فُوتت لهم الأراضي، واضعين اليد على أزيد من 5 آلاف هكتار من الأراضي.
في مقابل ذلك بقي في الجهة المعارضة لأكبر عملية تفويت لأراضي الدولة الخصبة، ممثلو العمال الزراعيين والنشطاء المدنيون، حيث نُظمت احتجاجات بالموازاة مع الشروع في التفويت، وبخاصة ضد البدء في عملية تفويت الشطر الثاني من الشركتين، عندما اعتبر ممثلو العمال الزراعيين أن التفويت تم دون التسوية القبلية للمشاكل الاجتماعية التي يتخبط فيها العمال والمستخدمون بالشركتين، وعدم قيام الحكومة بتقييم "موضوعي وعملي" لنتائج الشطر الأول، من شأنه أن يفضي إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع حد لما أسمته نقابات عمالية بـ"الخروقات الخطيرة"، التي مست دفاتر التحملات في شقيها الاستثماري والاجتماعي، مما أثر بشكل سلبي على حقوق العمال وطرد المئات منهم و"الاستهتار بقانون الشغل ومعاداة العمل النقابي".
وهو نفس الموقف المناوئ للعملية الذي تبنته أطراف من المجتمع المدني، حين راسل المنسق الوطني للسكرتارية الوطنية لهيئة حماية المال العام، محمد مسكاوي، وزير الفلاحة، عزيز أخنوش، عشية البدء في تفويت الشطر الثاني، الذي هم أزيد من 38 ألف من الأراضي الفلاحية، وُزعت على 121 مستثمرا، مطالبا بـ"نشر لائحة المستفدين من أراضي صوديا وسوجيطا والكشف عن مدى احترام المستفيدين لشروط دفتر التحملات في العمليات السابقة ومساهمتهم في التنمية الفلاحية"، ومنتقدا أيضا عملية تفويت الشطر الثاني من أراضي "صوديا" و"سوجيطا"، من طرف الدولة، في الوقت الذي كان عليها استغلال ذلك في "مخطط المغرب الأخضر" ترك أراضي الجموع والأحباس بيد صغار الفلاحين.
وفي ظل غياب أي تقييم شامل لعملية التفويت بشطريه الأول والثاني، وعدم التزام العديد من الملاكين الجدد بمقتضيات دفتر التحملات، مما أدى إلى طرد جماعي للعمال في حالات معينة وحدوث "كوارث اجتماعية"، يصعب القول بنجاح هذه الخطوة، رغم أن المسؤولين ما فتئوا يصرحون بنجاعتها.


الرغبة في التخلص من عبء

وبرأي مصادر مطلعة فإن المسألة تتعلق فقط بإقدام الدولة على التخلص من الشركتين، عبر وضع مخطط تصفية، ينص من بين ما ينص عليه، على إعادة توجيه مهمة "سوجيطا" نحو إنتاج البذور المختارة على مساحة إجمالية تقدر بـ 41 ألف هكتار، وتفويت أزيد من 52 ألف هكتار للمستثمرين الخواص، بشكل تدريجي على مدى ثلاث سنوات، ثم تفويت وعاء عقاري يقدر بـ 30 ألف و649 هكتارا، منها أزيد من 6 آلاف هكتار توجد في المدارات الحضرية للدولة، سيتم بيعها لتمويل مخطط التصفية، في الوقت الذي ينص فيه "المخطط الاجتماعي"، الموقع بتاريخ 29 أكتوبر سنة 2003 بين الدولة والمركزيات النقابية الأربع: الفيدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل، على نظام للتعويض عن المغادرة يهم 3 آلاف و 170 عاملا، وهو ما لا يمثل سوى 21 بالمائة من مجموع أجراء الشركتين، الذي يبلغ تحديدا 15 ألف و20 عاملا.
وهو ما دفع المركزيات النقابية، الموقعة على "مخطط التصفية الاجتماعي"، إلى القيام بإضرابات احتجاجا على ما وصفته بـ"الواقع الاجتماعي المتردي"، للأجراء في الضيعات المفوتة، وإلى دعوة الدولة إلى القيام بتقييم موضوعي لنتائج تفويت أراضي "صوديا" و"سوجيطا"، وإلى السهر على تتبع التزامات المستفيدين، بل وفسخ العقود مع المخالفين وتفعيل لجنة متابعة الجانب الاجتماعي، بالإضافة إلى تبني إجراءات عملية لتمكين المستخدمين والعمال من 3000 هكتار من أراضي "صوديا" و"سوجيطا"، الواقعة بالمدارات الحضرية المطروحة للبيع، وذلك من أجل إقامة مشاريع سكنية لفائدة العاملين بهاتين الشركتين.


مطالب العمال الزراعيين

ويعيب ممثلو عمال الشركتين المفوتتين إلى القطاع الخاص، على المسؤولين، عدم إجراء تسوية قبلية للمشاكل التي كانت قائمة بالشركتين في علاقتهما بالعمال، كما تنتقد جميع النقابات، بما فيها تلك الموقعة على "اتفاق التصفية الاجتماعية" مع الحكومة، الانتقال إلى تفويت الشطر الثاني دون إجراء تقييم موضوعي وعلمي لنتائج الشطر الأول، من شأنه أن يفضي إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع حد لـ"الخروقات الخطيرة"، لبنود دفاتر التحملات في شقيها الاستثماري والاجتماعي، مما شجع المستفيدين من عقود الشراكة في الشطر الأول، على "انتهاك حقوق العمال وطرد المئات منهم والاستهتار بقانون الشغل ومعاداة العمل النقابي".
وتطالب النقابات بضمان الاستقرار في العمل، وذلك عبر ترسيم جميع العمال المتوفرين على الشروط القانونية للترسيم المنصوص عليها في مدونة الشغل، واعتبار جميع العمال الذين قضوا أكثر من عشر سنوات من العمل الفعلي بالشركتين، عمالا رسميين لحمايتهم من الطرد، وحتى لا تتكرر المآسي الاجتماعية التي شهدها تفويت الشطر الأول، وإلزام المستثمرين بترسيم سنوي للعمال المؤقتين، والتزامهم بحق الأولوية في العمل بالنسبة للمؤقتين المرتبطين بالضيعات، والذي تضمنه مدونة الشغل، والحرص على احترام مبدأ الطوعية في المغادرة بالنسبة للمستخدمين، وضمان الاستقرار الاجتماعي لغير الراغبين فيها، ومأسسة اللجنة الوطنية لتتبع المشاريع المفوتة، وكذا اللجنة المشتركة الخاصة بالقضايا الاجتماعية، وغيرها من المطالب التي تتهم النقاباتُ المالكين الجدد بعدم احترامها كما تنص على ذلك دفاتر التحملات، في ظل غياب رقابة صارمة من طرف الدولة.

الأربعاء، أبريل 07، 2010

"الرفاق" حائرون بين الوحدة والانفتاح يمينا ويسارا!

في سياق بحثهم عن معنى الاشتراكية اليوم، اختلف "الرفاق"، مرة أخرى، حول ما إذا كانت المرحلة تقتضي وحدة وإدماجا أم مجرد تحالف؟
نورالدين اليزيد
ماذا تعني الاشتراكية اليوم؟ إنه السؤال الذي طرحه مركز الشروق للديمقراطية والإعلام وحقوق الإنسان، على الاشتراكيين المغاربة الذين يخوضون منذ مدة في سؤال الهوية والمرحلة ومتطلباتها، لكن هذه المرة يأتي التساؤل في إطار مشروع فكري متواصل يتدارس مختلف القضايا والإشكالات المطروحة على المغرب، المقبل على استحقاقات سنة 2012، كما قدم لذلك رئيس المركز، محمد أوجار، للخروج بنتائج بناءة، بعيدا عن الهجومات الشعبوية المجانية، كما قال القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار.

الراضي: من الثورية إلى الديمقراطية

الاشتراكية برأي الأخ أو "الرفيق" الأكبر، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، تعود جذورها إلى الحقبة الاستعمارية، عندما وجد أعضاء المقاومة الوطنية كأحمد بلا فريج والوازاني ومحمد القاسمي، لدى الفرنسيين من يقاسمهم هموم الاستقلال والإصلاح في كل الميادين الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا، يقول الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، عبد الواحد الراضي، لكن الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، ستعرف انخراط البعض من أعضاء المقاومة كالمهدي بنبركة ورفاق آخرين، في الأحزاب الشيوعية، ليصير هؤلاء سفراء للمقاومة الوطنية، خاصة لدى الاشتراكيين الفرنسيين الذين كانوا يتفهمون مطالب الحركات التحررية، ومن ثم كان تأثر أفراد المقاومة بالاشتراكية الثورية تحديدا، ولم يكونوا يميلون إلى الليبرالية.
إلا أن حصول وقائع من قبيل موت ستالين وأحداث بودابيست وبراغ، وكذا محاولتي الانقلاب بالمغرب، جعلت الاشتراكيين المغاربة يغيرون توجههم، يقول الراضي في ندوة المركز السالف الذكر، نهاية الأسبوع لماضي، حيث تم تبني النضال الديمقراطي والسياسي عن طريق البرلمان، كما أوصى بذلك المؤتمر الاستثنائي في سنة 1975، لحزب بنبركة، الذي يعتبر مشروع "المجتمع الديمقراطي المنبثق عن صناديق الاقتراع هو جوهره اليوم"، لتدارك "عيب" الديمقراطية ببلادنا، وهو مشروع "تشاركي وتمثيلي" كذلك، يتحقق بتبني الجهوية، يضيف المتحدث، وبضمان حقوق الإنسان والمساواة وتكافؤ الفرص أمام القانون، واحترام حقوق المرأة وكرامة الإنسان. إنها "الاشتراكية الإنسانية" التي تعني "التضامن والحماية الاجتماعية"، وهي بهذا المفهوم "اشتراكية ذات طابع مغربي تأخذ بعين الاعتبار إكراهاتنا وخصوصيتنا، دون التنكر للقيم الكونية التي نمد أيدينا لباقي التيارات السياسية الأخرى من أجل تقاسمها"، يخلص الراضي.

الخياري ولَمّ الشمل!

بعكس رفيقه الراضي، الذي بدا أكثر اعتدالا، فإن التهامي الخياري، الأمين العام لجبهة القوى الديمقراطية، وصف الرأسمالية بـ"المتوحشة"، وبأن الاشتراكية قدمت خير تفكير لتناقضات الرأسمالية، التي تعتبر الأزمة المالية الأخيرة، صورة واضحة لفشلها، مؤكدا بالمقابل أن فشل الاشتراكية بالاتحاد السوفياتي لا يعني فشل مبادئ عامة، وإنما فشل نموذج فقط، في الوقت الذي أكدت فيه هذه الأزمة تورط الرأسمالية في الفوارق الاجتماعية داخل نفس المجتمع، وكذا في الفوارق ما بين الدول المتقدمة والأخرى غير المتقدمة.
ويبدو أن الخياري، وجدها فرصة أخرى، ليكرر دعوته إلى باقي "الرفاق" لـ"لَم الشمل واستخلاص العبر من التجارب"، قبل دعوة الليبراليين أيضا إلى "التخلي عن كل ما يفرق بينهم وبين الاشتراكيين، كما هو الشأن مثلا في ما يخص الضرائب، وإلى تخليق الحياة العامة".
والأحزاب الاشتراكية، "ما تزال تصر على التشبث بجذورها التاريخية" رغم قول البعض بنهاية التاريخ ونهاية الاشتراكية التي تدعو من بين ما تدعو إليه، إلى تحرير الإنسان، وهي بهذا المعنى لن تكون إلا ديمقراطية، كما جاء على لسان عضو ديوان حزب التقدم والاشتراكية، سعيد فكاك، الذي حضر مكان إسماعيل العلوي المتغيب عن اللقاء، وهو ما يعني، يوضح فكاك، بأن الاشتراكية هي "التنمية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والفوارق والنهوض بدور المرأة ومحاربة كل أشكال الكولونيالية ونبذ الاستغلال"، ومعنى أن تكون اشتراكيا بالمغرب، وهذا جوهر حزب التقدم والاشتراكية، هو "الدعوة إلى التحكم في آليات الإنتاج وتشجيع الاقتصاد الاجتماعي، لذلك يصبح التفكير في تحالف يساري موحد ضرورة يتطلبها تقدم البلاد".

لشكر..لا توجد أحزاب إدارية!

هل يجب أن نتحدث عن يسار أم عن يساريين أم عن يسارات؟ كما يتساءل أستاذ العلوم السياسية وعضو المكتب السياسي لحزب القوات الشعبية، حسن طارق، في ورقة قُدمت خلال الندوة، وهل المرجعية الإيديولوجية لهذا النقاش ما زالت تعطي أهمية لمقولات الاشتراكية العلمية والاشتراكية الديمقراطية والديمقراطية الاجتماعية؟ وماذا عن المشروع الاشتراكي اليوم؟
وفي غياب باقي ألوان الطيف اليساري عن هذا اللقاء، فإن أسئلة أخرى متعددة أعادت إلى الأذهان "الحنين إلى الكتلة أو الحزب الاشتراكي الكبير"، لكن الظروف التي تمر بها البلاد اليوم "تملي تحالفات حتى بين أحزاب متباينة وذات مرجعيات متقاربة"، والقول لإدريس لشكر، عضو المكتب السياسي لحزب الوردة، الذي برر ما ذهب إليه بطريقة الاقتراع المعمول به، وبأن التناوب الحكومي فرض التعامل مع ما كان يسمى "الأحزاب الإدارية"، بطريقة مختلفة تماما، وهو ما وصلت إليه كذلك خلاصات المؤتمر الثامن للحزب ومجلسه الوطني الأخير، وهي الخلاصات التي أجمعت على "أن الإصلاحات السياسية أصبحت تهم كل الأحزاب"، ومن ثم على الاشتراكيين "أن يتوحدوا ويتجاوزوا القول بالتحالف"، لأنه "في غياب الوحدة فإننا سنشهد على نهاية أرقى ما وصلت إليه البشرية"، يقول لشكر، في إشارة إلى الاشتراكية العلمية التي أصبحت اشتراكية ديمقراطية بخصوصيتها المغربية، داعيا إلى فتح حوار واسع للتصدي للفساد ومحاربة الرشوة واقتصاد الريع وتفعيل مؤسسات الدولة.

كرين: الانفتاح يمينا ويسارا

وجاء الرد على "وحدة" لشكر سريعا، من عضو الديوان السياسي لحزب الكتاب، محمد كرين، الذي قال بـ"تحالف كل مكونات اليسار والكتلة وأحزاب من الأغلبية وكل الديمقراطيين، على أساس أهداف مشتركة"، من أجل الإصلاحات السياسية، داعيا الكتلة إلى الانفتاح يمينا ويسارا، في تسابق على ما يبدو مع الاتحاديين الذين باشروا التقارب مع أحزاب يمينية بشكل انفرادي، ورافضا في ذات السياق فكرة اندماج حزب في آخر، فـ"الأفضل أن نبقى مناضلين صغارا في حزب كبير، أحسن من أن نكون قياديين كبارا في حزب صغير"، يقول كرين، الذي ختم تدخله بالدعوة إلى تجاوز "الخطاب القديم" الذي يصنف الأحزاب إلى إدارية وما إلى ذلك.
ولكن جبهة القوى الديمقراطية ترى عكس ذلك، فـ"التحالفات ضرورية في هذه المرحلة بالذات، لكن ليست تلك التحالفات الهجينة التي ظهرت في الآونة الأخيرة ببلادنا، بتحالف أحزاب من الأغلبية مع أخرى من المعارضة"، حسب العضو بحزب غصن الزيتون، عمر الحسني، الذي انتقد بشدة "الخلط" الذي تحدثه التحالفات المبينة على توجهات غير معروفة، داعيا إلى "تحالفات طبيعية".

الأحد، مارس 28، 2010

هل أصبح المغرب بوابة الحملات "الصليبية" المعاصرة؟

نورالدين اليزيد
إلى أي حد يعتبر الإجراء الحكومي الأخير القاضي بترحيل 27 شخصا بتهمة ضلوعهم في أعمال تبشيرية/تنصيرية من بينهم 16 كانوا ينشطون في منطقة عين اللوح ويحملون جنسيات مختلفة، كافيا لوضع حد لهذه الظاهرة؟ وهل بات المغرب يشكل بوابة مفضلة للصليبيين الجدد؟ أسئلة يستعصي حتى على المختصين إيجاد جواب عنها، بالنظر إلى أن عمليات التبشير ظلت حاضرة بالمغرب منذ سنوات خلت، وتجدرت في سنوات الاحتلال قبل أن تجد لها المرتع الخصب في ظل الانفتاح الذي يشهده المغرب في هذه الأزمنة.
ورغم أن الظاهرة لم تثر كبير اهتمام لدى المسؤولين المغاربة كما لدى عامة الناس في السابق، وإن كان علماء المغرب في الماضي أثاروا انتباه أولياء الأمر، في ظل الاحتلال الفرنسي، إلى المبشرين الذين احتموا بالمستعمر من أجل نشر النصرانية، غير أن تزايد تنامي هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، واستغلال المنصرين لوسائل التكنولوجيا الحديثة في استقطاب الفئات المستهدفة، والتي تركز على الشباب بالخصوص، كما تنقل ذلك مصادر مختلفة، مستغلين العوز الاجتماعي لشرائح واسعة من المجتمع، جعل المسؤولين يقرعون ناقوس الخطر، وكانت البداية من تحت قبة البرلمان حين سأل نواب الأمة، قبل سنتين على الأقل، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، عن الإجراءات الحكومية المتبعة للوقوف في وجه هذه الحملات التبشيرية التي باتت خطرة على معتقد المغاربة، وهو ما قلل منه التوفيق وقتها، في إجابته عن سؤال النائب البرلماني، مؤكدا أن تزايد عمليات التنصير في المغرب وإقبال المغاربة على المسيحية "أمر مبالغ فيه وغير صحيح". وهو ما يقول عكسه اليوم الناطق الرسمي للحكومة، خالد الناصري، مباشرة بعد اجتماع الحكومة، في الأسبوع الماضي، وتدارس مشكل طرد المبشرين الـ 27، حين أعلن أن تحريات وزارة الداخلية أدت إلى معاينة "تصرفات يقوم بها مجموعة من الأجانب المخالفة للقانون، باعتبارها تدخل ضمن استغلال هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأشخاص معوزين والأخطر استغلال براءة أطفال في سن مبكرة، حيث أكبرهم لا يتجاوز عشر سنوات، من أجل إخراجهم من دينهم وتنصيرهم، تحت غطاء الأعمال الخيرية، من خلال الإشراف على ميتم يحتضن 33 طفلا، منهم 22 من الذكور و11 إناثا، ويشرف عليه 16 شخصا، يقول الناصري، الذي زاد موضحا أن نسبة التأطير التي وصلت إلى مؤطر واحد لكل طفلين، خير برهان على أن الأمر لم يكن يدخل ضمن أعمال البر الصادق".
وبرأي وزير الأوقاف الذي كان يدلي بشهادته أمام نواب الأمة، حين إثارة الموضوع بالبرلمان، فإن مسألة التنصير بالمغرب توجد تحت مراقبة السلطات العمومية، تنفيذا للضوابط والقوانين الجاري بها العمل، وهو ما "تجند الوزارة من أجله علماء عبر كل ربوع المملكة، لمحاربة كل ظواهر الانحراف المحتمل في الدين ومعالجتها بالأسلوب الحكيم والمناسب".

علماء المغرب والتبشير!

لم يغفل علماء المغرب، طيلة التاريخ، الحرص على مراقبة الأمن الروحي للمغاربة، وظلوا يتابعون عن كثب ما رأوه "أخطارا محدقة" بعقيدة المغاربة، راصدين ظاهرة المبشرين الذين كانوا يستغلون أوضاع المغرب الاجتماعية والسياسية، في أوقات مختلفة، من أجل محاولة زعزعة هذه العقيدة، وهو ما كان هؤلاء العلماء لا يترددون في إيصاله إلى الحاكم بهدف اتخاذ ما يلزم.
وتحثُّ رسالة أصدرها المجلس الأعلى لرابطة علماء المغرب، إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إبان الاستعمار، علال الفاسي، على ضرورة قيام السلطات الوصية بعمل حاسم إزاء "الاستفزاز" الذي يواجه به المبشرون المسيحيون والبهائيون المواطنين المغاربة ودين الدولة الرسمي.
وجاء في الرسالة التي تنقلها الكتب التاريخية، "أن الشعب المغربي المسلم بذل جهودا عظيمة في سبيل توحيد عقيدته، حتى تسلَم من كثير من النحل والشيع التي ابتليت بها بعض البلاد الأخرى، كما عمل على توحيد أحكام المعاملات حتى توحدت الإجراءات القانونية الإسلامية في المحاكم الشرعية، ولكن بعد وقوع "سيبة" الاحتلال الأجنبي الظالم، لهذه البلاد الإسلامية وسن قوانين لم يعرفها الإسلام، فخولفت كثير من أحكامه وأعرافه وآدابه، وكان من أثر بث سمومه في الوسط المغربي نزعة الدعوة لحرية الأديان، أي إباحة اعتناق أي دين يشاءه الشخص، حتى يجوز في عرف هذه النزعة أن يرتد المسلم عن دينه فلا يلام".
و" أنه اتباعا لهذا التيار جاء الصليبيون الذين غيروا دين المسيح من التوحيد إلى الوثنية، من فرنسا وانجترا وغيرهما، تقول الرسالة، فوجدوا الميدان خصبا لنشر دعوة الصليب وذلك بمساعدة الفرنسيين المحتلين، حتى أصدروا لهذه البلية الظهير البربري المشهور، فأرادوا بالجملة والجماعات لا باستدراج الأفراد، واتخذوا المركز الرئيسي لدعوة الصليبية وسط القبائل المسلمة بتيمومليلين، حيث يعقدون مؤتمرات عدوانهم، ولكن المغاربة برغم ضغط الاحتلال قاموا ضد مشروعهم لتنصير المسلمين، فكانت الانتفاضة الكبرى التي نتجت عنها الحركات الوطنية الصادقة حتى أدرك المغرب استقلاله.
وفي رسالة أخرى يلفت علماء المغرب انتباه وزير الأوقاف، علال الفاسي، إلى بعض العمالات التي تمثل الحكومة الإسلامية في تهيئة "نويل"، في حفلات عيد الميلاد، مؤكدين أنه "يؤسفنا إعطاء محلين بمعرض الدار البيضاء لموزعي وبائعي أناجيل التبشير الصليبي، هذا بالإضافة إلى مراكز الدعوة اليهودية والصليبية والبهائية التي تتستر تحت اسم التجارة أو التوظيف في بعض المصالح أو التطبيب والتعريض أو التعليم في المدارس أو التعليم، لبعض الصناعات مثل الخياطة وتفصيل الملابس فضلا عن مراكز التبشير التي أخذت تتجدد وتنتشر في كثير من أنحاء المغرب".
كل هذه العوامل جعلت علماء المغرب المشاركين في المؤتمر المنعقد في الرباط يومي 18/19 سنة 1960، يقررون ضمن الملتمسات التي قدمها ولاة الأمور، لفتَ نظر المسؤولين إلى الخطة التبشيرية التي تقوم بها المسيحية في مختلف نواحي المغرب، ولذلك رأت رابطة علماء المغرب "أن تُقدم طلب تغيير هذا الخطر العظيم لمعاليكم، تقول رسالة الرابطة إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، بصفتكم وزير الدولة المكلف بالشؤون الإسلامية، من طرف أمير المؤمنين...راجية اتخاذ الإجراءات اللازمة لجعل حد لهذا العدوان الصليبي".
وكان الرد الرسمي وقتها من وزير الأوقاف حينذاك، علال الفاسي، حين أعلن في بلاغ لوزارته أن الحكومة المغربية، وبأمر من أمير المؤمنين، أعلنت حربها على إغلاق المراكز المشبوه في أنشطتها، وهو ما جعل الرابطة تقدم على جرد لمراكز تنشط في التبشير، وأرفقت رسالتها إلى الوزير بلائحة تتكون من أسماء تلك المراكز، وبأسماء الكتب والنشرات التي توزعها تلك المراكز.

الثلاثاء، فبراير 16، 2010

المواطنون بسهل الغرب أصبحوا يتحاشون طلب الغيث خوفا من الدمار

يستعصي على منكوبي فيضانات منطقة الغرب تذكر ليالي الأسبوع الثاني من شهر فبراير الماضي، حين اتحدت عدة وديان وأنهار وضربت المنطقة في فيضانات اعتبرت سابقة من نوعها منذ ستينيات القرن الماضي، مما خلف تشريد الآلاف من الساكنة وجرف العشرات من الآلاف من الأراضي الفلاحية، وانتفاضة عدد من الغاضبين على عدم توصلهم بالمؤن والمساعدات

كابوس فيضانات السنة الماضية ما يزال جاثما على ساكنة المنطقة

منطقة الغرب: نورالدين اليزيد

لا يريد ساكنة سهل الغرب الخصب تذكر الأسبوع الثاني من شهر فبراير من السنة الماضية حين ثارت وديان بهت بسيدي سليمان والردم بسيدي قاسم والفكرون بسيدي يحيى وكل من نهري سبو وورغة اللذين يعبران المنطقة ويستقبلان مياه الوديان السالفة الذكر، مما أدى إلى فيضانات لم يشهد لها مثيلا الجيل الحالي من مواليد قبائل جهة الغرب اشراردة بني احسن، ووحدهم شيوخ هذه المنطقة من يتذكر مثل هذه الفيضانت في ستينيات القرن الماضي.
غير أن الأمطار التي هطلت هذه السنة وفي السنة الماضية، باتت تقض مضجع الساكنة وبعدما كان انتظار الغيث في الموروث الثقافي لقبائل بني احسان يعني الاستعداد لمواسم الحصاد وتنصيب الخيام وإقامة الأعراس، أصبح تلبد السماء بالغيوم، خاصة في مثل هذه الأيام الشتوية، نذير كوابيس تبدأ بـ"الديـﮚة" أو "الحملة"، وهما مرادفان للفيضان في العرف المحلي، لتنتهي بتدمير البيوت وجرف الحقول ونفوق رؤوس الماشية، في الوقت الذي يرى فيه الساكنة أن مساعدات الدولة سواء تلك التي قدمت في السنة الماضية أو هذه السنة غير كافية مقارنة بحجم الخسائر التي أحدثتها السيول.

كابوس السنة الماضية ما يزال جاثما!

على صورة الدمار والسيول الجارفة استيقظ الساكنة ليلة الثامن من فبراير من السنة الماضية، ليقضي العديد منهم ليلتهم تلك وليال أخريات في العراء؛ حيث بوسط مدينة سيدي سليمان فوجئ ساكنة أحياء أولاد الغازي والغلالتة والزهانة وأولاد مالك والوركة وغيرها، باجتياح مياه وادي بهت لبيوتهم فجأة، وما هي إلا دقائق معدودات حتى جرفت العشرات من المنازل والممتلكات، وهو ما أدى إلى تشريد العشرات من الأسر الذين اضطرت السلطات إلى إيوائهم بكنيسة بوسط المدينة تعود على حقبة الاستعمار وكذا بمخازن تابعة لوحدات تلفيف الحوامض بالمدينة، قبل أن يتم إحصاء حوالي 240 أسرة دمرت منازلهم بالكامل فاستحقوا بقعا أرضية بتجزئة الخير، في ما عبر آخرون عن عدم رضاهم من "إقصائهم" من الاستفادة متهمين السلطات، في تصريحات لـ"المساء"، بالتلاعب في وضع اللوائح، وهو ما أكدته أيضا مصادر من خلية شكلت في السنة الماضية من فعاليات سياسية وجمعوية بالمدينة ووقفت عند حالات لأسر "يُرثى لها"، وما تزال منذ السنة الماضية تعيش في أشباه أكواخ، دونما حصولها على أية مساعدة، في الوقت الذي ينظرون فيه إلى السماء بعين لا تكاد تنام خوفا من فيضان الوادي الذي ما يزالون يجاورونه في مساكنهم.
غير بعيد عن مدينة سيدي سليمان، وفي قرية الحسناوي التابعة لجماعة العبيات القروية، تبدو الصورة أكثر قتامة لدى المواطنين هناك، حيث "كلشي مشا العام اللي فات أو هاذ العام"، يقول محمد رحو، وهو شاب في الثلاثينيات من عمره، ويشتغل مساعد سائق سيارة للنقل المزدوج، والدمار طال حتى الطرق فلم يعد بإمكان السيارات المرور بسلام عبرها، مضيفا أن ستة هكتارات مزروعة بالقمح، وهو كل ما تملكه أسرته، جرفتها سيول نهر سبو قبل أسبوعين، لتنضاف الخسارة على نكبة السنة الماضية، ولم نتلق أية مساعدة من الدولة، يقول محمد الذي أضاف أن شاحنات محملة بالشعير والمواد الغذائية أرسلها "سيدنا" إلينا، لكنهم لا يوزعونها علينا، قبل أن يتهم ممثل السلطة المحلية "القايد" باستعمال أساليب تعود إلى سنوات الاستعمار، على حد تعبيره، عند مطالبته بالمساعدات، ليتساءل مستنكرا كيف يعقل أن يخاطب هذا القائد رجلا كهلا بقوله "سير تقـ..." فقط لأنه التجأ إلى السلطات لتقييده ضمن لوائح المستفيدين من بقع أرضية نتيجة انهيار منازلهم في فيضانات السنة الماضية.

المنكوبون.. بكاء وتذمر

حالات عدة قابلتها "المساء" أكدت أن لا شيء تغير في معاملة بعض رجال السلطة مع منكوبي فيضانات المنطقة، الذين وجدوا أنفسهم ضحية الطبيعة والسلطة، وهو ما عبر عنه العطار الصغير، بعبارته "واش احنا ماشي مسلمين"، وكان يقصد حرمانه هو وأسرته من الاستفادة من المساعدات إلا من خيمة وقارورة زيت ونزر قليل من الدقيق والسكر وهي كميات لا تكفي لأسبوع، مضيفا أنه اضطر للبقاء في منزله الآيل للسقوط لأنه حرم من الاستفادة من بقعة أرضية على غرار جيرانه الذين هدمت منازلهم في السنة الماضية؛ العطار ألح على "المساء" أن تذكر اسمه كاملا وتأخذ صورة له ولأبنائه الثلاثة من داخل بيته الذي تهدم جزؤه الأكبر بينما ما تبقى من جذران بات متداعيا، وتحدث إلى "المساء" باكيا من غضب نهر سبو الذي ضربت سيوله منزله مرتين في السنة الماضية وهذه السنة، ومشتكيا من ظلم ذوي السلطة الذين أرجعوه خائبا ولم ينل ما ناله جيرانه من بقعة أرضية ومبلغ مالي وصل إلى 15 ألف درهم تسلمها أرباب 36 أسرة على دفعتين، راجيا أن يلتفت إليه المسؤولون وينقذوه وعائلته من تشرد بات وشيكا.
وبأحد الغرف الملحقة بمسجد القرية تسكن منذ مدة سكينة، الأم لثلاثة أبناء، غير المتزوجة والتي وجدت "اجماعة" أرفق بها من السلطات عندما أسكنوها هذه الغرفة ويحاولون الآن جاهدين إعادة بناء مسكنها الذي دمره فيضان السنة الماضية في الوقت الذي يعيلها ساكنة القرية سواء في ما يتعلق بالمأكل أو المشرب والكسوة أيضا. وبالمحاذاة مع المسجد توجد المدرسة الابتدائية الوحيدة التي تهدمت أسوارها فيما استحوذت بحيرة مائية على ساحتها حيث كان يلعب التلاميذ في ما بين الحصص الدراسية، رغم أن انحسار مياه نهر سبو حدث قبل أيام، بينما بدت حجراتها مهجورة بسبب انقطاع الدراسة بها قبل أزيد من شهر نتيجة الفيضانات، حيث هجرها الإداريون والأساتذة والتلاميذ إلى إشعار قد يأتي في وقت لاحق، عندما يصحو الجو في الغالب، كما أخبرنا بذلك أحد الأساتذة الذي يأتي من مدينة سيدي سليمان للتدريس بها.
في قرية الحسناوي كما في دواوير أخرى مثل التعاونية والسحايميين والحميديين ولكبارتة وغيرها، كانت علامات الحسرة والتذمر بادية على وجوه كل الذين التقتهم "المساء"، والذين من شدة ترقبهم لقدوم مسؤولين يحملون إليهم بشرى تقديم مساعدة، كانوا يظنون أننا من هؤلاء أتينا لهذا الغرض وعندما يعلمون بالمهمة الصحافية يرجون منا إبلاغ أصواتهم هذه المبحوحة التي لا يسمعها حتى أولائك المنتخبون، الذين يأتون إليهم في المواسم الانتخابية فقط طمعا في أصواتهم لكن اليوم لا يظهر لهم أثر، يقول إدريس بوعبيد، الناشط الجمعوي في تعاونية فلاحية بالمنطقة الذي صرخ بصوت عال متسائلا "كيفاش غادي يدير الفلاح الدرويش واش البالا ديال التبن وصلت لـ 600 ريال"، مضيفا أن معظم الفلاحين الصغار على ذمتهم قروض صغرى تتراوح ما بين 5 آلاف درهم و30 ألف درهم، وهم اليوم مهددون من مؤسسات القروض الصغرى بالمتابعة القضائية أو حجز ما لديهم من متاع رغم بخص ثمنه، ونافيا في رده على سؤال "المساء" حول المساعدات المقدمة من طرف الدولة بقوله "ماشفنا والو..شفنا غير العسكر أو اجادارميا تيجيو يخلعونا".

هدوء..قد يسبق العاصفة!

بنواحي سيدي يحيى قد يبدو الوضع مختلفا بعض الشيء، حيث أقيم مخيم "المنزه" وسط غابة المعمورة بعيدا عن مدينة القنيطرة بنحو 13 كيلومترا لإيواء ساكنة عدة دواوير تضرروا نتيجة فيضانات نهر سبو بسبب الأمطار الأخيرة، وخاصة الأكثر تضررا كدوار أولاد عامر وتعاونية اليوسفية التابعة لجماعة المكرن القروية ودوار شراكة وتعاونية السلام وغيرها، لكن بمجرد حلول كل وافد جديد بالمخيم يباغته المقيمون فيه بالسؤال حول أسباب الزيارة وعما إذا كان يمثل السلطات في مهمة معينة كإبلاغهم بمنح مساكن أو غير ذلك.
وفي ناحية أخرى من منطقة الغرب، وغير بعيد عن جماعة لعبيات وبجماعة الخنيشات القروية التابعة لإقليم سيدي قاسم تطالعك وجوه تحمل قسماتها الكثير من الأسئلة الحذرة، حول ما إذا كانت بداية فيضانات هذه السنة ستحمل ما حملته السنة الماضية من خراب، أدى إلى قيام مظاهرات عارمة من طرف ساكنة غاضبة جراء فيضانات نهري سبو وورغة، والتي أدت إلى تدمير وجرف العشرات من المنازل بعدد من الدواوير التابعة للجماعة، فبدت دواوير كأولاد سلام واكميحات وأولاد برحيل وأولاد بوعزة والكبارة وأولاد صابون وأولاد بوعزة والشبيرات وصنيدقات شبه معزولة عن بعضها بسبب المياه. وفي ظل تأخر وصول المساعدات للمنكوبين خرج أزيد من 600 متظاهر إلى الشارع الرئيسي للجماعة، احتجاجا على عدم توصلهم بالمساعدات الغذائية والأغطية، وهي الاحتجاجات التي أدت إلى انفلات أمني نجم عنه تحطيم واجهات محلات تجارية وبنكية ومرافق عمومية واعتقال العشرات من الشباب الذين تمت إحالة البعض منهم على المحكمة، وكان رد حكومة عباس الفاسي بالإضافة إلى تدخل عناصر الدرك الملكي والقوات المساعدة، هو تعليق وزير الداخلية السابق، شكيب بنموسى، تقديم مختلف المساعدات التي كان تم الشروع في توزيعها على صعيد الجماعة القروية الخنيشات لفائدة المتضررين من جراء السيول، قبل أن تبدي الوزارة "رفضها" لما وصفته أعمال "الشغب غير المبررة" حيث "منذ بدء الاضطرابات الجوية استفاد سكان جماعة الخنيشات من دعم لوجيستيكي هام مكن من إجلاء وإيواء نحو 600 شخص انهارت منازلهم بشكل كامل"، يقول بلاغ وزارة الداخلية على عهد بنموسى.
غير أن ''انتفاضة'' الغاضبين بجماعة الخنيشات، كما أسماها فاعلون جمعويون بالمنطقة، تكررت بمدينة سيدي سليمان هذه المرة وفي نفس الفترة، أي في الأسبوع الثاني من شهر فبراير من السنة الماضية، حين قام شباب غاضب من عدة دواوير من نواحي المدينة كالرزاكلة والعوابد وأولاد الحيرش بمسيرة في اتجاه بلدية المدينة قاطعين أزيد من عشر كيلومترات مشيا على الأقدام احتجاجا على عدم استفادتهم من المساعدات نتيجة نكبتهم جراء فيضان وادي بهت؛ إنها الاحتجاجات التي ما تزال أسبابها قائمة، تقول مصادر جمعوية كانت قريبة طيلة السنة الماضية وهذه السنة من منكوبي الفيضانات بالمنطقة، ما لم تكن هناك سياسة حكومية ناجعة لإمداد المناطق المنكوبة بالمساعدات الضرورية، وقبلها بنهج سياسة وقائية تفاديا لخسائر فادحة على كافة المستويات
.