الأربعاء، أبريل 07، 2010

"الرفاق" حائرون بين الوحدة والانفتاح يمينا ويسارا!

في سياق بحثهم عن معنى الاشتراكية اليوم، اختلف "الرفاق"، مرة أخرى، حول ما إذا كانت المرحلة تقتضي وحدة وإدماجا أم مجرد تحالف؟
نورالدين اليزيد
ماذا تعني الاشتراكية اليوم؟ إنه السؤال الذي طرحه مركز الشروق للديمقراطية والإعلام وحقوق الإنسان، على الاشتراكيين المغاربة الذين يخوضون منذ مدة في سؤال الهوية والمرحلة ومتطلباتها، لكن هذه المرة يأتي التساؤل في إطار مشروع فكري متواصل يتدارس مختلف القضايا والإشكالات المطروحة على المغرب، المقبل على استحقاقات سنة 2012، كما قدم لذلك رئيس المركز، محمد أوجار، للخروج بنتائج بناءة، بعيدا عن الهجومات الشعبوية المجانية، كما قال القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار.

الراضي: من الثورية إلى الديمقراطية

الاشتراكية برأي الأخ أو "الرفيق" الأكبر، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، تعود جذورها إلى الحقبة الاستعمارية، عندما وجد أعضاء المقاومة الوطنية كأحمد بلا فريج والوازاني ومحمد القاسمي، لدى الفرنسيين من يقاسمهم هموم الاستقلال والإصلاح في كل الميادين الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا، يقول الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، عبد الواحد الراضي، لكن الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، ستعرف انخراط البعض من أعضاء المقاومة كالمهدي بنبركة ورفاق آخرين، في الأحزاب الشيوعية، ليصير هؤلاء سفراء للمقاومة الوطنية، خاصة لدى الاشتراكيين الفرنسيين الذين كانوا يتفهمون مطالب الحركات التحررية، ومن ثم كان تأثر أفراد المقاومة بالاشتراكية الثورية تحديدا، ولم يكونوا يميلون إلى الليبرالية.
إلا أن حصول وقائع من قبيل موت ستالين وأحداث بودابيست وبراغ، وكذا محاولتي الانقلاب بالمغرب، جعلت الاشتراكيين المغاربة يغيرون توجههم، يقول الراضي في ندوة المركز السالف الذكر، نهاية الأسبوع لماضي، حيث تم تبني النضال الديمقراطي والسياسي عن طريق البرلمان، كما أوصى بذلك المؤتمر الاستثنائي في سنة 1975، لحزب بنبركة، الذي يعتبر مشروع "المجتمع الديمقراطي المنبثق عن صناديق الاقتراع هو جوهره اليوم"، لتدارك "عيب" الديمقراطية ببلادنا، وهو مشروع "تشاركي وتمثيلي" كذلك، يتحقق بتبني الجهوية، يضيف المتحدث، وبضمان حقوق الإنسان والمساواة وتكافؤ الفرص أمام القانون، واحترام حقوق المرأة وكرامة الإنسان. إنها "الاشتراكية الإنسانية" التي تعني "التضامن والحماية الاجتماعية"، وهي بهذا المفهوم "اشتراكية ذات طابع مغربي تأخذ بعين الاعتبار إكراهاتنا وخصوصيتنا، دون التنكر للقيم الكونية التي نمد أيدينا لباقي التيارات السياسية الأخرى من أجل تقاسمها"، يخلص الراضي.

الخياري ولَمّ الشمل!

بعكس رفيقه الراضي، الذي بدا أكثر اعتدالا، فإن التهامي الخياري، الأمين العام لجبهة القوى الديمقراطية، وصف الرأسمالية بـ"المتوحشة"، وبأن الاشتراكية قدمت خير تفكير لتناقضات الرأسمالية، التي تعتبر الأزمة المالية الأخيرة، صورة واضحة لفشلها، مؤكدا بالمقابل أن فشل الاشتراكية بالاتحاد السوفياتي لا يعني فشل مبادئ عامة، وإنما فشل نموذج فقط، في الوقت الذي أكدت فيه هذه الأزمة تورط الرأسمالية في الفوارق الاجتماعية داخل نفس المجتمع، وكذا في الفوارق ما بين الدول المتقدمة والأخرى غير المتقدمة.
ويبدو أن الخياري، وجدها فرصة أخرى، ليكرر دعوته إلى باقي "الرفاق" لـ"لَم الشمل واستخلاص العبر من التجارب"، قبل دعوة الليبراليين أيضا إلى "التخلي عن كل ما يفرق بينهم وبين الاشتراكيين، كما هو الشأن مثلا في ما يخص الضرائب، وإلى تخليق الحياة العامة".
والأحزاب الاشتراكية، "ما تزال تصر على التشبث بجذورها التاريخية" رغم قول البعض بنهاية التاريخ ونهاية الاشتراكية التي تدعو من بين ما تدعو إليه، إلى تحرير الإنسان، وهي بهذا المعنى لن تكون إلا ديمقراطية، كما جاء على لسان عضو ديوان حزب التقدم والاشتراكية، سعيد فكاك، الذي حضر مكان إسماعيل العلوي المتغيب عن اللقاء، وهو ما يعني، يوضح فكاك، بأن الاشتراكية هي "التنمية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والفوارق والنهوض بدور المرأة ومحاربة كل أشكال الكولونيالية ونبذ الاستغلال"، ومعنى أن تكون اشتراكيا بالمغرب، وهذا جوهر حزب التقدم والاشتراكية، هو "الدعوة إلى التحكم في آليات الإنتاج وتشجيع الاقتصاد الاجتماعي، لذلك يصبح التفكير في تحالف يساري موحد ضرورة يتطلبها تقدم البلاد".

لشكر..لا توجد أحزاب إدارية!

هل يجب أن نتحدث عن يسار أم عن يساريين أم عن يسارات؟ كما يتساءل أستاذ العلوم السياسية وعضو المكتب السياسي لحزب القوات الشعبية، حسن طارق، في ورقة قُدمت خلال الندوة، وهل المرجعية الإيديولوجية لهذا النقاش ما زالت تعطي أهمية لمقولات الاشتراكية العلمية والاشتراكية الديمقراطية والديمقراطية الاجتماعية؟ وماذا عن المشروع الاشتراكي اليوم؟
وفي غياب باقي ألوان الطيف اليساري عن هذا اللقاء، فإن أسئلة أخرى متعددة أعادت إلى الأذهان "الحنين إلى الكتلة أو الحزب الاشتراكي الكبير"، لكن الظروف التي تمر بها البلاد اليوم "تملي تحالفات حتى بين أحزاب متباينة وذات مرجعيات متقاربة"، والقول لإدريس لشكر، عضو المكتب السياسي لحزب الوردة، الذي برر ما ذهب إليه بطريقة الاقتراع المعمول به، وبأن التناوب الحكومي فرض التعامل مع ما كان يسمى "الأحزاب الإدارية"، بطريقة مختلفة تماما، وهو ما وصلت إليه كذلك خلاصات المؤتمر الثامن للحزب ومجلسه الوطني الأخير، وهي الخلاصات التي أجمعت على "أن الإصلاحات السياسية أصبحت تهم كل الأحزاب"، ومن ثم على الاشتراكيين "أن يتوحدوا ويتجاوزوا القول بالتحالف"، لأنه "في غياب الوحدة فإننا سنشهد على نهاية أرقى ما وصلت إليه البشرية"، يقول لشكر، في إشارة إلى الاشتراكية العلمية التي أصبحت اشتراكية ديمقراطية بخصوصيتها المغربية، داعيا إلى فتح حوار واسع للتصدي للفساد ومحاربة الرشوة واقتصاد الريع وتفعيل مؤسسات الدولة.

كرين: الانفتاح يمينا ويسارا

وجاء الرد على "وحدة" لشكر سريعا، من عضو الديوان السياسي لحزب الكتاب، محمد كرين، الذي قال بـ"تحالف كل مكونات اليسار والكتلة وأحزاب من الأغلبية وكل الديمقراطيين، على أساس أهداف مشتركة"، من أجل الإصلاحات السياسية، داعيا الكتلة إلى الانفتاح يمينا ويسارا، في تسابق على ما يبدو مع الاتحاديين الذين باشروا التقارب مع أحزاب يمينية بشكل انفرادي، ورافضا في ذات السياق فكرة اندماج حزب في آخر، فـ"الأفضل أن نبقى مناضلين صغارا في حزب كبير، أحسن من أن نكون قياديين كبارا في حزب صغير"، يقول كرين، الذي ختم تدخله بالدعوة إلى تجاوز "الخطاب القديم" الذي يصنف الأحزاب إلى إدارية وما إلى ذلك.
ولكن جبهة القوى الديمقراطية ترى عكس ذلك، فـ"التحالفات ضرورية في هذه المرحلة بالذات، لكن ليست تلك التحالفات الهجينة التي ظهرت في الآونة الأخيرة ببلادنا، بتحالف أحزاب من الأغلبية مع أخرى من المعارضة"، حسب العضو بحزب غصن الزيتون، عمر الحسني، الذي انتقد بشدة "الخلط" الذي تحدثه التحالفات المبينة على توجهات غير معروفة، داعيا إلى "تحالفات طبيعية".

الأحد، مارس 28، 2010

هل أصبح المغرب بوابة الحملات "الصليبية" المعاصرة؟

نورالدين اليزيد
إلى أي حد يعتبر الإجراء الحكومي الأخير القاضي بترحيل 27 شخصا بتهمة ضلوعهم في أعمال تبشيرية/تنصيرية من بينهم 16 كانوا ينشطون في منطقة عين اللوح ويحملون جنسيات مختلفة، كافيا لوضع حد لهذه الظاهرة؟ وهل بات المغرب يشكل بوابة مفضلة للصليبيين الجدد؟ أسئلة يستعصي حتى على المختصين إيجاد جواب عنها، بالنظر إلى أن عمليات التبشير ظلت حاضرة بالمغرب منذ سنوات خلت، وتجدرت في سنوات الاحتلال قبل أن تجد لها المرتع الخصب في ظل الانفتاح الذي يشهده المغرب في هذه الأزمنة.
ورغم أن الظاهرة لم تثر كبير اهتمام لدى المسؤولين المغاربة كما لدى عامة الناس في السابق، وإن كان علماء المغرب في الماضي أثاروا انتباه أولياء الأمر، في ظل الاحتلال الفرنسي، إلى المبشرين الذين احتموا بالمستعمر من أجل نشر النصرانية، غير أن تزايد تنامي هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، واستغلال المنصرين لوسائل التكنولوجيا الحديثة في استقطاب الفئات المستهدفة، والتي تركز على الشباب بالخصوص، كما تنقل ذلك مصادر مختلفة، مستغلين العوز الاجتماعي لشرائح واسعة من المجتمع، جعل المسؤولين يقرعون ناقوس الخطر، وكانت البداية من تحت قبة البرلمان حين سأل نواب الأمة، قبل سنتين على الأقل، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، عن الإجراءات الحكومية المتبعة للوقوف في وجه هذه الحملات التبشيرية التي باتت خطرة على معتقد المغاربة، وهو ما قلل منه التوفيق وقتها، في إجابته عن سؤال النائب البرلماني، مؤكدا أن تزايد عمليات التنصير في المغرب وإقبال المغاربة على المسيحية "أمر مبالغ فيه وغير صحيح". وهو ما يقول عكسه اليوم الناطق الرسمي للحكومة، خالد الناصري، مباشرة بعد اجتماع الحكومة، في الأسبوع الماضي، وتدارس مشكل طرد المبشرين الـ 27، حين أعلن أن تحريات وزارة الداخلية أدت إلى معاينة "تصرفات يقوم بها مجموعة من الأجانب المخالفة للقانون، باعتبارها تدخل ضمن استغلال هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأشخاص معوزين والأخطر استغلال براءة أطفال في سن مبكرة، حيث أكبرهم لا يتجاوز عشر سنوات، من أجل إخراجهم من دينهم وتنصيرهم، تحت غطاء الأعمال الخيرية، من خلال الإشراف على ميتم يحتضن 33 طفلا، منهم 22 من الذكور و11 إناثا، ويشرف عليه 16 شخصا، يقول الناصري، الذي زاد موضحا أن نسبة التأطير التي وصلت إلى مؤطر واحد لكل طفلين، خير برهان على أن الأمر لم يكن يدخل ضمن أعمال البر الصادق".
وبرأي وزير الأوقاف الذي كان يدلي بشهادته أمام نواب الأمة، حين إثارة الموضوع بالبرلمان، فإن مسألة التنصير بالمغرب توجد تحت مراقبة السلطات العمومية، تنفيذا للضوابط والقوانين الجاري بها العمل، وهو ما "تجند الوزارة من أجله علماء عبر كل ربوع المملكة، لمحاربة كل ظواهر الانحراف المحتمل في الدين ومعالجتها بالأسلوب الحكيم والمناسب".

علماء المغرب والتبشير!

لم يغفل علماء المغرب، طيلة التاريخ، الحرص على مراقبة الأمن الروحي للمغاربة، وظلوا يتابعون عن كثب ما رأوه "أخطارا محدقة" بعقيدة المغاربة، راصدين ظاهرة المبشرين الذين كانوا يستغلون أوضاع المغرب الاجتماعية والسياسية، في أوقات مختلفة، من أجل محاولة زعزعة هذه العقيدة، وهو ما كان هؤلاء العلماء لا يترددون في إيصاله إلى الحاكم بهدف اتخاذ ما يلزم.
وتحثُّ رسالة أصدرها المجلس الأعلى لرابطة علماء المغرب، إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إبان الاستعمار، علال الفاسي، على ضرورة قيام السلطات الوصية بعمل حاسم إزاء "الاستفزاز" الذي يواجه به المبشرون المسيحيون والبهائيون المواطنين المغاربة ودين الدولة الرسمي.
وجاء في الرسالة التي تنقلها الكتب التاريخية، "أن الشعب المغربي المسلم بذل جهودا عظيمة في سبيل توحيد عقيدته، حتى تسلَم من كثير من النحل والشيع التي ابتليت بها بعض البلاد الأخرى، كما عمل على توحيد أحكام المعاملات حتى توحدت الإجراءات القانونية الإسلامية في المحاكم الشرعية، ولكن بعد وقوع "سيبة" الاحتلال الأجنبي الظالم، لهذه البلاد الإسلامية وسن قوانين لم يعرفها الإسلام، فخولفت كثير من أحكامه وأعرافه وآدابه، وكان من أثر بث سمومه في الوسط المغربي نزعة الدعوة لحرية الأديان، أي إباحة اعتناق أي دين يشاءه الشخص، حتى يجوز في عرف هذه النزعة أن يرتد المسلم عن دينه فلا يلام".
و" أنه اتباعا لهذا التيار جاء الصليبيون الذين غيروا دين المسيح من التوحيد إلى الوثنية، من فرنسا وانجترا وغيرهما، تقول الرسالة، فوجدوا الميدان خصبا لنشر دعوة الصليب وذلك بمساعدة الفرنسيين المحتلين، حتى أصدروا لهذه البلية الظهير البربري المشهور، فأرادوا بالجملة والجماعات لا باستدراج الأفراد، واتخذوا المركز الرئيسي لدعوة الصليبية وسط القبائل المسلمة بتيمومليلين، حيث يعقدون مؤتمرات عدوانهم، ولكن المغاربة برغم ضغط الاحتلال قاموا ضد مشروعهم لتنصير المسلمين، فكانت الانتفاضة الكبرى التي نتجت عنها الحركات الوطنية الصادقة حتى أدرك المغرب استقلاله.
وفي رسالة أخرى يلفت علماء المغرب انتباه وزير الأوقاف، علال الفاسي، إلى بعض العمالات التي تمثل الحكومة الإسلامية في تهيئة "نويل"، في حفلات عيد الميلاد، مؤكدين أنه "يؤسفنا إعطاء محلين بمعرض الدار البيضاء لموزعي وبائعي أناجيل التبشير الصليبي، هذا بالإضافة إلى مراكز الدعوة اليهودية والصليبية والبهائية التي تتستر تحت اسم التجارة أو التوظيف في بعض المصالح أو التطبيب والتعريض أو التعليم في المدارس أو التعليم، لبعض الصناعات مثل الخياطة وتفصيل الملابس فضلا عن مراكز التبشير التي أخذت تتجدد وتنتشر في كثير من أنحاء المغرب".
كل هذه العوامل جعلت علماء المغرب المشاركين في المؤتمر المنعقد في الرباط يومي 18/19 سنة 1960، يقررون ضمن الملتمسات التي قدمها ولاة الأمور، لفتَ نظر المسؤولين إلى الخطة التبشيرية التي تقوم بها المسيحية في مختلف نواحي المغرب، ولذلك رأت رابطة علماء المغرب "أن تُقدم طلب تغيير هذا الخطر العظيم لمعاليكم، تقول رسالة الرابطة إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، بصفتكم وزير الدولة المكلف بالشؤون الإسلامية، من طرف أمير المؤمنين...راجية اتخاذ الإجراءات اللازمة لجعل حد لهذا العدوان الصليبي".
وكان الرد الرسمي وقتها من وزير الأوقاف حينذاك، علال الفاسي، حين أعلن في بلاغ لوزارته أن الحكومة المغربية، وبأمر من أمير المؤمنين، أعلنت حربها على إغلاق المراكز المشبوه في أنشطتها، وهو ما جعل الرابطة تقدم على جرد لمراكز تنشط في التبشير، وأرفقت رسالتها إلى الوزير بلائحة تتكون من أسماء تلك المراكز، وبأسماء الكتب والنشرات التي توزعها تلك المراكز.

الثلاثاء، فبراير 16، 2010

المواطنون بسهل الغرب أصبحوا يتحاشون طلب الغيث خوفا من الدمار

يستعصي على منكوبي فيضانات منطقة الغرب تذكر ليالي الأسبوع الثاني من شهر فبراير الماضي، حين اتحدت عدة وديان وأنهار وضربت المنطقة في فيضانات اعتبرت سابقة من نوعها منذ ستينيات القرن الماضي، مما خلف تشريد الآلاف من الساكنة وجرف العشرات من الآلاف من الأراضي الفلاحية، وانتفاضة عدد من الغاضبين على عدم توصلهم بالمؤن والمساعدات

كابوس فيضانات السنة الماضية ما يزال جاثما على ساكنة المنطقة

منطقة الغرب: نورالدين اليزيد

لا يريد ساكنة سهل الغرب الخصب تذكر الأسبوع الثاني من شهر فبراير من السنة الماضية حين ثارت وديان بهت بسيدي سليمان والردم بسيدي قاسم والفكرون بسيدي يحيى وكل من نهري سبو وورغة اللذين يعبران المنطقة ويستقبلان مياه الوديان السالفة الذكر، مما أدى إلى فيضانات لم يشهد لها مثيلا الجيل الحالي من مواليد قبائل جهة الغرب اشراردة بني احسن، ووحدهم شيوخ هذه المنطقة من يتذكر مثل هذه الفيضانت في ستينيات القرن الماضي.
غير أن الأمطار التي هطلت هذه السنة وفي السنة الماضية، باتت تقض مضجع الساكنة وبعدما كان انتظار الغيث في الموروث الثقافي لقبائل بني احسان يعني الاستعداد لمواسم الحصاد وتنصيب الخيام وإقامة الأعراس، أصبح تلبد السماء بالغيوم، خاصة في مثل هذه الأيام الشتوية، نذير كوابيس تبدأ بـ"الديـﮚة" أو "الحملة"، وهما مرادفان للفيضان في العرف المحلي، لتنتهي بتدمير البيوت وجرف الحقول ونفوق رؤوس الماشية، في الوقت الذي يرى فيه الساكنة أن مساعدات الدولة سواء تلك التي قدمت في السنة الماضية أو هذه السنة غير كافية مقارنة بحجم الخسائر التي أحدثتها السيول.

كابوس السنة الماضية ما يزال جاثما!

على صورة الدمار والسيول الجارفة استيقظ الساكنة ليلة الثامن من فبراير من السنة الماضية، ليقضي العديد منهم ليلتهم تلك وليال أخريات في العراء؛ حيث بوسط مدينة سيدي سليمان فوجئ ساكنة أحياء أولاد الغازي والغلالتة والزهانة وأولاد مالك والوركة وغيرها، باجتياح مياه وادي بهت لبيوتهم فجأة، وما هي إلا دقائق معدودات حتى جرفت العشرات من المنازل والممتلكات، وهو ما أدى إلى تشريد العشرات من الأسر الذين اضطرت السلطات إلى إيوائهم بكنيسة بوسط المدينة تعود على حقبة الاستعمار وكذا بمخازن تابعة لوحدات تلفيف الحوامض بالمدينة، قبل أن يتم إحصاء حوالي 240 أسرة دمرت منازلهم بالكامل فاستحقوا بقعا أرضية بتجزئة الخير، في ما عبر آخرون عن عدم رضاهم من "إقصائهم" من الاستفادة متهمين السلطات، في تصريحات لـ"المساء"، بالتلاعب في وضع اللوائح، وهو ما أكدته أيضا مصادر من خلية شكلت في السنة الماضية من فعاليات سياسية وجمعوية بالمدينة ووقفت عند حالات لأسر "يُرثى لها"، وما تزال منذ السنة الماضية تعيش في أشباه أكواخ، دونما حصولها على أية مساعدة، في الوقت الذي ينظرون فيه إلى السماء بعين لا تكاد تنام خوفا من فيضان الوادي الذي ما يزالون يجاورونه في مساكنهم.
غير بعيد عن مدينة سيدي سليمان، وفي قرية الحسناوي التابعة لجماعة العبيات القروية، تبدو الصورة أكثر قتامة لدى المواطنين هناك، حيث "كلشي مشا العام اللي فات أو هاذ العام"، يقول محمد رحو، وهو شاب في الثلاثينيات من عمره، ويشتغل مساعد سائق سيارة للنقل المزدوج، والدمار طال حتى الطرق فلم يعد بإمكان السيارات المرور بسلام عبرها، مضيفا أن ستة هكتارات مزروعة بالقمح، وهو كل ما تملكه أسرته، جرفتها سيول نهر سبو قبل أسبوعين، لتنضاف الخسارة على نكبة السنة الماضية، ولم نتلق أية مساعدة من الدولة، يقول محمد الذي أضاف أن شاحنات محملة بالشعير والمواد الغذائية أرسلها "سيدنا" إلينا، لكنهم لا يوزعونها علينا، قبل أن يتهم ممثل السلطة المحلية "القايد" باستعمال أساليب تعود إلى سنوات الاستعمار، على حد تعبيره، عند مطالبته بالمساعدات، ليتساءل مستنكرا كيف يعقل أن يخاطب هذا القائد رجلا كهلا بقوله "سير تقـ..." فقط لأنه التجأ إلى السلطات لتقييده ضمن لوائح المستفيدين من بقع أرضية نتيجة انهيار منازلهم في فيضانات السنة الماضية.

المنكوبون.. بكاء وتذمر

حالات عدة قابلتها "المساء" أكدت أن لا شيء تغير في معاملة بعض رجال السلطة مع منكوبي فيضانات المنطقة، الذين وجدوا أنفسهم ضحية الطبيعة والسلطة، وهو ما عبر عنه العطار الصغير، بعبارته "واش احنا ماشي مسلمين"، وكان يقصد حرمانه هو وأسرته من الاستفادة من المساعدات إلا من خيمة وقارورة زيت ونزر قليل من الدقيق والسكر وهي كميات لا تكفي لأسبوع، مضيفا أنه اضطر للبقاء في منزله الآيل للسقوط لأنه حرم من الاستفادة من بقعة أرضية على غرار جيرانه الذين هدمت منازلهم في السنة الماضية؛ العطار ألح على "المساء" أن تذكر اسمه كاملا وتأخذ صورة له ولأبنائه الثلاثة من داخل بيته الذي تهدم جزؤه الأكبر بينما ما تبقى من جذران بات متداعيا، وتحدث إلى "المساء" باكيا من غضب نهر سبو الذي ضربت سيوله منزله مرتين في السنة الماضية وهذه السنة، ومشتكيا من ظلم ذوي السلطة الذين أرجعوه خائبا ولم ينل ما ناله جيرانه من بقعة أرضية ومبلغ مالي وصل إلى 15 ألف درهم تسلمها أرباب 36 أسرة على دفعتين، راجيا أن يلتفت إليه المسؤولون وينقذوه وعائلته من تشرد بات وشيكا.
وبأحد الغرف الملحقة بمسجد القرية تسكن منذ مدة سكينة، الأم لثلاثة أبناء، غير المتزوجة والتي وجدت "اجماعة" أرفق بها من السلطات عندما أسكنوها هذه الغرفة ويحاولون الآن جاهدين إعادة بناء مسكنها الذي دمره فيضان السنة الماضية في الوقت الذي يعيلها ساكنة القرية سواء في ما يتعلق بالمأكل أو المشرب والكسوة أيضا. وبالمحاذاة مع المسجد توجد المدرسة الابتدائية الوحيدة التي تهدمت أسوارها فيما استحوذت بحيرة مائية على ساحتها حيث كان يلعب التلاميذ في ما بين الحصص الدراسية، رغم أن انحسار مياه نهر سبو حدث قبل أيام، بينما بدت حجراتها مهجورة بسبب انقطاع الدراسة بها قبل أزيد من شهر نتيجة الفيضانات، حيث هجرها الإداريون والأساتذة والتلاميذ إلى إشعار قد يأتي في وقت لاحق، عندما يصحو الجو في الغالب، كما أخبرنا بذلك أحد الأساتذة الذي يأتي من مدينة سيدي سليمان للتدريس بها.
في قرية الحسناوي كما في دواوير أخرى مثل التعاونية والسحايميين والحميديين ولكبارتة وغيرها، كانت علامات الحسرة والتذمر بادية على وجوه كل الذين التقتهم "المساء"، والذين من شدة ترقبهم لقدوم مسؤولين يحملون إليهم بشرى تقديم مساعدة، كانوا يظنون أننا من هؤلاء أتينا لهذا الغرض وعندما يعلمون بالمهمة الصحافية يرجون منا إبلاغ أصواتهم هذه المبحوحة التي لا يسمعها حتى أولائك المنتخبون، الذين يأتون إليهم في المواسم الانتخابية فقط طمعا في أصواتهم لكن اليوم لا يظهر لهم أثر، يقول إدريس بوعبيد، الناشط الجمعوي في تعاونية فلاحية بالمنطقة الذي صرخ بصوت عال متسائلا "كيفاش غادي يدير الفلاح الدرويش واش البالا ديال التبن وصلت لـ 600 ريال"، مضيفا أن معظم الفلاحين الصغار على ذمتهم قروض صغرى تتراوح ما بين 5 آلاف درهم و30 ألف درهم، وهم اليوم مهددون من مؤسسات القروض الصغرى بالمتابعة القضائية أو حجز ما لديهم من متاع رغم بخص ثمنه، ونافيا في رده على سؤال "المساء" حول المساعدات المقدمة من طرف الدولة بقوله "ماشفنا والو..شفنا غير العسكر أو اجادارميا تيجيو يخلعونا".

هدوء..قد يسبق العاصفة!

بنواحي سيدي يحيى قد يبدو الوضع مختلفا بعض الشيء، حيث أقيم مخيم "المنزه" وسط غابة المعمورة بعيدا عن مدينة القنيطرة بنحو 13 كيلومترا لإيواء ساكنة عدة دواوير تضرروا نتيجة فيضانات نهر سبو بسبب الأمطار الأخيرة، وخاصة الأكثر تضررا كدوار أولاد عامر وتعاونية اليوسفية التابعة لجماعة المكرن القروية ودوار شراكة وتعاونية السلام وغيرها، لكن بمجرد حلول كل وافد جديد بالمخيم يباغته المقيمون فيه بالسؤال حول أسباب الزيارة وعما إذا كان يمثل السلطات في مهمة معينة كإبلاغهم بمنح مساكن أو غير ذلك.
وفي ناحية أخرى من منطقة الغرب، وغير بعيد عن جماعة لعبيات وبجماعة الخنيشات القروية التابعة لإقليم سيدي قاسم تطالعك وجوه تحمل قسماتها الكثير من الأسئلة الحذرة، حول ما إذا كانت بداية فيضانات هذه السنة ستحمل ما حملته السنة الماضية من خراب، أدى إلى قيام مظاهرات عارمة من طرف ساكنة غاضبة جراء فيضانات نهري سبو وورغة، والتي أدت إلى تدمير وجرف العشرات من المنازل بعدد من الدواوير التابعة للجماعة، فبدت دواوير كأولاد سلام واكميحات وأولاد برحيل وأولاد بوعزة والكبارة وأولاد صابون وأولاد بوعزة والشبيرات وصنيدقات شبه معزولة عن بعضها بسبب المياه. وفي ظل تأخر وصول المساعدات للمنكوبين خرج أزيد من 600 متظاهر إلى الشارع الرئيسي للجماعة، احتجاجا على عدم توصلهم بالمساعدات الغذائية والأغطية، وهي الاحتجاجات التي أدت إلى انفلات أمني نجم عنه تحطيم واجهات محلات تجارية وبنكية ومرافق عمومية واعتقال العشرات من الشباب الذين تمت إحالة البعض منهم على المحكمة، وكان رد حكومة عباس الفاسي بالإضافة إلى تدخل عناصر الدرك الملكي والقوات المساعدة، هو تعليق وزير الداخلية السابق، شكيب بنموسى، تقديم مختلف المساعدات التي كان تم الشروع في توزيعها على صعيد الجماعة القروية الخنيشات لفائدة المتضررين من جراء السيول، قبل أن تبدي الوزارة "رفضها" لما وصفته أعمال "الشغب غير المبررة" حيث "منذ بدء الاضطرابات الجوية استفاد سكان جماعة الخنيشات من دعم لوجيستيكي هام مكن من إجلاء وإيواء نحو 600 شخص انهارت منازلهم بشكل كامل"، يقول بلاغ وزارة الداخلية على عهد بنموسى.
غير أن ''انتفاضة'' الغاضبين بجماعة الخنيشات، كما أسماها فاعلون جمعويون بالمنطقة، تكررت بمدينة سيدي سليمان هذه المرة وفي نفس الفترة، أي في الأسبوع الثاني من شهر فبراير من السنة الماضية، حين قام شباب غاضب من عدة دواوير من نواحي المدينة كالرزاكلة والعوابد وأولاد الحيرش بمسيرة في اتجاه بلدية المدينة قاطعين أزيد من عشر كيلومترات مشيا على الأقدام احتجاجا على عدم استفادتهم من المساعدات نتيجة نكبتهم جراء فيضان وادي بهت؛ إنها الاحتجاجات التي ما تزال أسبابها قائمة، تقول مصادر جمعوية كانت قريبة طيلة السنة الماضية وهذه السنة من منكوبي الفيضانات بالمنطقة، ما لم تكن هناك سياسة حكومية ناجعة لإمداد المناطق المنكوبة بالمساعدات الضرورية، وقبلها بنهج سياسة وقائية تفاديا لخسائر فادحة على كافة المستويات
.

الجمعة، يناير 29، 2010

منعطف تاريخي عاشه التجمعيون يوم السبت


اجتماعان للجنة المركزية وندوتان صحفيتان في يوم واحد والتصحيحيون يتهمون المنصوري بـ"التحايل"

الرباط - نورالدين اليزيد

دخل الصراع بين الحركة التصحيحية ورئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار مراحله الحاسمة، عندما لم تستطع اللجنة المركزية التي دعا إلى انعقادها مصطفى المنصوري جمع النصاب القانوني، مما جعله يؤول بنود الحزب ويعلن عن عقد اجتماع بمثابة دورة ثانية بمن حضر من الأعضاء، خلال نفس اليوم، وهو ما اعتبرته حركة مزوار "تحايلا" على الرأي العام مؤكدة أن اجتماع المجلس الوطني القادم سيكون حاسما.
واحتشد منذ الساعة التاسعة من صباح يوم السبت العشرات من أعضاء الحركة التصحيحية مرددين شعارات مؤيدة لمزوار، بعدما كاد احتكاك بين أعضاء اللجنة التنظيمية وحراس الأمن الخاص من جهة، وبين أعضاء موالين للحركة التصحيحية، أن يتطور إلى تشابك بالأيدي، ليكتفي التصحيحيون بالبقاء خارج قاعة الاجتماع أمام أنظار عناصر الأمن العمومي التي نزلت بكثافة بمحيط نادي وزارة التجهيز بالرباط.
وبدأ المنصوري كلمته، في حدود الساعة الواحدة متأخرا أربع ساعات، بالإقرار بعدم توفر النصاب القانوني بسبب عدم التحاق باقي الأعضاء نتيجة "ضغوط" تمارسها "طائفة" التصحيحيين، بحسبه، مضيفا أن حزب الأحرار يمر اليوم بمنعطف تاريخي، أمام إصرار "العبثيين" على النضال خارج الأجهزة الحزبية "مع العلم أن يدي ستظل ممدودة لهؤلاء لمناقشة كل المسائل"، يقول المنصوري، الذي كان يقرأ من حين لآخر بنود القانون الداخلي للحزب، والتي بالاستناد إليها قرر اعتبار الاجتماع الزوالي بمثابة دورة أولى للجنة المركزية، تم رفعها من أجل تناول وجبة الغذاء، ليتم عقد الاجتماع الثاني (الدورة الثانية) في حدود الساعة الخامسة.
في نفس الوقت وزع التصحيحيون بيانا بخط اليد، أكدوا فيه "تعبئتهم" من أجل تصحيح "الأوضاع المزرية" بالحزب جراء "التدبير السلبي والمضطرب للقيادة الحالية"، و"شجبهم" لسلوك الرئيس الذي قام بخرق "سافر" للقانون ضاربا عرض الحائط ما تتطلبه المرحلة من النضج والتبصر وما تلقيه عليه وضعيته الاعتبارية كرئيس لمجلس النواب من خلال عدم الإقرار بانتفاء توفر النصاب.
وعقد المنصوري ندوة صحفية نفى فيها العديد من التهم، مؤكدا أنه كان الوحيد من بين الأغلبية الذي عبر عن موقف واضح إزاء التحالف مع حزب العدالة والتنمية، عشية الإعلان عن نتائج الانتخابات الجماعية، عكس ما يُتهم به، وهو نفس النفي الذي ذكره بخصوص اتهامه بأنه أشار إلى أن حزب "البام" يريد أن يعود بالمغرب إلى سنوات الرصاص، معتبرا أن ذلك كان مجرد وشاية من طرف "المتملقين"، وهو ما ذهب إليه أيضا حول "اتهامه" بأنه توسط لبوسعيد في الانتخابات لدى السلطات بفاس، حيث قال أنه كان يقصد فقط "السؤال عن حظوظ نجاح المعني بتلك الانتخابات".
وأفضى اللقاء الثاني للجنة المركزية الذي انتهى في حدود الساعة الثامنة والنصف إلى إصدار "توصية" للجنة تطالب من خلالها بـ"لا شرعية" التفويض الممنوح لمزوار وإلغائه، وبإقالة أو تجميد المكتب التنفيذي، وأشار أعضاء اللجنة المجتمعون، والذين لم يتجاوزوا43 عضوا، كما دون ذلك في محضريهما عونان قضائيان عُينا لهذا الغرض من طرف المحكمة، على أن يبقى الاجتماع مفتوحا في انتظار أن يقوم المنصوري بـ"استشاراته" حول عواقب الإقالة أو التجميد لأعضاء المكتب التنفيذي الذي تقول "الحركة التصحيحية" أنها تضم بين صفوفها 26 عضوا من أصل 32 هم مجموع هذه اللجنة.
وفي الوقت الذي كان المجتمعون لم يقرروا بعد في مصير اللجنة التنفيذية، استدعى على عجل، صلاح الدين مزوار الصحافيين إلى منزل بطريق زعير، لندوة صحافية اتهم فيها متزعمُ التصحيحيين بحزب الحمامة الرئيس الحالي بـ"تغليط وتمويه" الرأي العام، حين تم استدعاء أشخاص لا صفة لهم بالحزب، قبل أن يتضح أن أعضاء اللجنة المركزية الذين حضروا لا يتعدى 43 عضوا منهم أربعة من الحركة كانوا يتابعون الوضع.
وتبادل الكلمة خلال الندوة الأخيرة، والتي حضرها كل من بنقدور وبلخياط والطالبي وبوسعيد وبنخضرا وعبو وبيرو، كل من مزوار وأوجار والحافظي، مؤكدين أن الحزب عاش يوم السبت الماضي لحظة تاريخية، أفاقت الحزب من "سباته" بفضل ما تدعو إليه الحركة من إعادة هيكلة الحزب وتأهيله في أفق الاستعداد لاستحقاقات سنة 2012.
وحول سؤال لـ"المساء" حول أسباب عدم فتح نقاش مع الرئاسة، أجاب مزوار بأن المسألة لا تهم أشخاصا حتى يتم النقاش تحت الطاولة، ولكن القضية تتعلق بتصارع أفكار ومشروع سياسي، وأن مزوار هو فقط "هوت باغلوغ"، يقول متزعم الحركة، الذي زاد موضحا بأن المنصوري عليه أن يخضع للمشروعية والديمقراطية نافيا أن تكون حركته دعوة للانشقاق وتقسيم الحزب، ومؤكدا في ذات السياق أن الحزب مستعد للوقوف إلى جانب المنصوري لولاية أخرى برئاسة مجلس النواب إذا "امتثل" لقواعد الديمقراطية داخل الحزب، دون اعتبار ذلك "مقابلا" لتخليه عن الرئاسة.
وذكر التصحيحيون بأن عدد أعضاء اللجنة المركزية المنتمين إليهم يفوق الـ 300، بعدما كان هو 271 خلال لقاء بوزنيقة يوم الجمعة قبل أن يلتحق 38 عضوا آخر في آخر لحظة، مما يمثل "الأغلبية الساحقة" لمجموع الأعضاء الـ 405، مضيفين أن اجتماع يوم 23و24 من الشهر الجاري سيتم فيه "حسم" الأمور بترشيح مزوار للرئاسة التي تبقى مفتوحة في وجه الجميع.

اللحظات الحاسمة لـ"تهريب" حزب عصمان إلى حزب الهٍمة بدأت تقترب


الرباط / عبد الله توفيق

يعيش التجمعيون هذه الأيام المراحل الحاسمة في سياق الصراع بين الحركة التصحيحية التي يقودها وزير المالية صلاح الدين مزوار وبين رئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار في سعي محموم للإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطيا في المؤتمر الثامن مصطفى المنصوري. ولم تستطع اللجنة المركزية التي دعا إلى انعقادها مصطفى المنصوري، يوم السبت الماضي بالرباط من جمع النصاب القانوني، مما جعله يعمل على تأويل بنود الحزب ويعلن عن عقد اجتماع بمثابة دورة ثانية بمن حضر من الأعضاء، خلال نفس اليوم، وهو ما اعتبرته حركة مزوار "تحايلا" على الرأي العام مؤكدة أن اجتماع المجلس الوطني القادم الذي دعت إلى انعقاده الحركة التصحيحية بمدينة مراكش يوم السبت المقبل سيكون حاسما.
وشارك عدد من الوزراء السابقين والحاليين كبلخياط وأخنوش والوزير الحديث العهد الزناكي والطالبي وبوسعيد وعبو واوجار وغيرهم في تظاهرة حاشدة امام مقر الاجتماع بالنادي الاجتماعي التابع لوزارة النقل بحي الرياض وسط العاصمة، مرددين شعارات مؤيدة للحركة التصحيحية ومناوئة للمنصوري في ظل وجود مكثف لقوات الأمن، رافضين إلى دخول قاعة الاجتماع لإفشال خطة المنصوري، بعد حدوث احتكاك بين أعضاء اللجنة التنظيمية وحراس الأمن الخاص من جهة، وبين أعضاء موالين للحركة التصحيحية، كاد أن يتطور إلى تشابك بالأيدي.
وافتتح المنصوري كلمته، في حدود الساعة الواحدة متأخرا أربع ساعات، بالإقرار بعدم توفر النصاب القانوني بسبب عدم التحاق باقي الأعضاء نتيجة "ضغوط" تمارسها "طائفة" التصحيحيين، بحسبه، مضيفا أن حزب الأحرار يمر اليوم بمنعطف تاريخي، أمام إصرار "العبثيين" على النضال خارج الأجهزة الحزبية "مع العلم أن يدي ستظل ممدودة لهؤلاء لمناقشة كل المسائل"، يقول المنصوري، الذي كان يقرأ من حين لآخر بنود القانون الداخلي للحزب، والتي بالاستناد إليها قرر اعتبار الاجتماع الزوالي بمثابة دورة أولى للجنة المركزية، تم رفعها من أجل تناول وجبة الغذاء، ليتم عقد الاجتماع الثاني (الدورة الثانية) في حدود الساعة الخامسة.
في نفس الوقت وزع التصحيحيون بيانا بخط اليد، أكدوا فيه "تعبئتهم" من أجل تصحيح "الأوضاع المزرية" بالحزب جراء "التدبير السلبي والمضطرب للقيادة الحالية"، و"شجبهم" لسلوك الرئيس الذي قام بخرق "سافر" للقانون ضاربا عرض الحائط ما تتطلبه المرحلة من النضج والتبصر وما تلقيه عليه وضعيته الاعتبارية كرئيس لمجلس النواب من خلال عدم الإقرار بانتفاء توفر النصاب.
وبعد تناول وجبة الغذاء عقد المنصوري ندوة صحفية نفى فيها العديد من التهم، مؤكدا أنه كان الوحيد من بين الأغلبية الذي عبر عن موقف واضح إزاء التحالف مع حزب العدالة والتنمية، غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات الجماعية، عكس ما يُتهم به، وهو نفس النفي الذي ذكره بخصوص اتهامه بأنه أشار إلى أن حزب "البام" يريد أن يعود بالمغرب إلى سنوات الرصاص، معتبرا أن ذلك كان مجرد وشاية من طرف "المتملقين"، وهو ما ذهب إليه أيضا حول "اتهامه" بأنه توسط لبوسعيد في الانتخابات لدى السلطات بفاس، حيث قال أنه كان يقصد فقط "السؤال عن حظوظ نجاح المعني بتلك الانتخابات".
وتوصل المشاركون في اللقاء الثاني للجنة المركزية الذي انتهى في حدود الساعة الثامنة والنصف إلى إصدار "توصية" للجنة تطالب من خلالها بـ"لا شرعية" التفويض الممنوح لمزوار وإلغائه، وبإقالة أو تجميد المكتب التنفيذي، وأشار أعضاء اللجنة المجتمعون، والذين لم يتجاوزوا43 عضوا، كما دون ذلك في محضريهما عونان قضائيان عُينا لهذا الغرض من طرف المحكمة، على أن يبقى الاجتماع مفتوحا في انتظار أن يقوم المنصوري بـ"استشاراته" حول عواقب الإقالة أو التجميد لأعضاء المكتب التنفيذي الذي تقول "الحركة التصحيحية" أنها تضم بين صفوفها 26 عضوا من أصل 32 هم مجموع هذه اللجنة.
وفي ذات الوقت الذي كان اجتماع قاعة وزارة التجهيز لم ينته بعد استدعى، صلاح الدين مزوار الصحافيين إلى منزل بطريق زعير، لندوة صحافية اتهم فيها الرئيس الحالي بـ"تغليط وتمويه" الرأي العام، حين تم استدعاء أشخاص لا صفة لهم بالحزب، قبل أن يتضح أن أعضاء اللجنة المركزية الذين حضروا لا يتعدى 43 عضوا منهم أربعة من الحركة كانوا يتابعون الوضع.
وتناول الكلمة خلال الندوة الأخيرة، والتي حضرها كل من بنقدور وبلخياط والطالبي وبوسعيد وبنخضرا وعبو وبيرو، كل من مزوار وأوجار والحافظي، مؤكدين أن الحزب عاش يوم السبت الماضي لحظة تاريخية، أفاقت الحزب من "سباته" بفضل ما تدعو إليه الحركة من إعادة هيكلة الحزب وتأهيله في أفق الاستعداد لاستحقاقات سنة 2012.
ويرى المتتبعون أن حزب عصمان الذي تأسس في سبعينيات القرن الماضي على عهد الراحل الحسن الثاني، والذي اعتبر لوقت طويل "حزبا أغلبيا"، يؤدي اليوم فاتورة عدم قبوله الانخراط في "طاحونة" الوافد الجديد، حزب الأصالة والمعاصرة، الذي أسسه كاتب الدولة في الداخلية السابق فؤاد عالي الهمة، والذي تربطه بحركة مزوار علاقة قوية من خلال انتماء معظم أعضائها الوزراء إلى حركة لكل الديمقراطيين، النواة الأولى التي مهدت لتأسيس حزب التراكتور، وهو ما يعني، حسب مصادر تحدثت إلى "المغرب الملاحظ"، أن الصورة اكتملت حين قاد مزوار "الثورة" ضد المنصوري، إذ أن الهدف هو التحالف مع حزب "البام"، عندما يطيح بالمنصوري، هذا إن لم يتم الإعلان عن اندماج سياسي بين الحزبين الذين تكاد تكون طريقة تأسيسهما واحدة.
ونقلت مصادر حضرت لقاءات يوم السبت لـ"المغرب الملاحظ"، أن مزوار يعتبر الحركة التي يقودها "مسألة لا تهم أشخاصا حتى يتم النقاش بشأنها تحت الطاولة، ولكن القضية تتعلق بتصارع أفكار ومشروع سياسي"، وأن مزوار هو فقط ممثل لأصحاب هذا المشروع، يقول متزعم الحركة، الذي زاد بأن المنصوري عليه أن يخضع للمشروعية والديمقراطية نافيا أن تكون حركته دعوة للانشقاق وتقسيم الحزب، ومؤكدا في ذات السياق أن الحزب مستعد للوقوف إلى جانب المنصوري لولاية أخرى برئاسة مجلس النواب إذا "امتثل" لقواعد الديمقراطية داخل الحزب، دون اعتبار ذلك "مقابلا" لتخليه عن الرئاسة.
وبحسب التصحيحيين فإن عدد أعضاء اللجنة المركزية المنتمين إليهم يفوق الـ 300، بعدما كان هو 271 خلال لقاء بوزنيقة يوم الجمعة قبل أن يلتحق 38 عضوا آخر في آخر لحظة، مما يمثل "الأغلبية الساحقة" لمجموع الأعضاء الـ 405، مضيفين أن اجتماع يوم 23و24 من الشهر الجاري سيتم فيه "حسم" الأمور بترشيح مزوار للرئاسة التي تبقى مفتوحة في وجه الجميع.