الثلاثاء، يونيو 19، 2012

نعم للتكافل الأُسري...لكن !


 نورالدين اليزيد

الدراسة التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط مؤخرا، والتي همت شريحة مهمة من مجتمعنا، هي فئة الشباب، بقدر ما تُطمئننا، نحن المغاربة، بأن مجتمعنا مازال بخير، وما زال التكافل الأسري، يحتل مكانة في حياة أمتنا ذات التقاليد والثقافة المتجذرة، بقدر ما تدق ناقوس الخطر أيضا تنبيها إلى ضرورة الاهتمام أكثر بهذه الفئة العمرية الحيوية، التي تشكل، ولله الحمد والشكر، القاعدة العريضة من النسيج الاجتماعي الوطني.
المعطيات تشير إلى أن أكثر من نصف الشباب المغاربة، أي ما يعادل 54 بالمائة، يعيشون ببيوت أسرهم؛ وإذا كان نصف الكأس المملوؤة يدعو إلى الاطمئنان، ويعلنها صراحة أن أسرنا لا تضيق ذرعا بتحمل تكاليف شبابها البالغ من العمر سن النضج الطبيعي والسوسيواجتماعي، وهو ما لا يمكن وجوده إلا في دول محددة، إلا أن النصف الآخر من الكأس تدعو إلى إعادة قراءة جد متأنية للواقع الحالي لشبابنا المغربي، بقصد الإجابة عن مختلف الأسئلة التي تجعل غالبية هذا الشباب لا تتوفر على مصدر كسب، وبالتالي، تفتقد إلى الاستقلالية وبناء أسرة صغيرة.
صحيح، نعم للتكافل العائلي، بما يتماشى ومبادئ ديننا الحنيف الذي يدعو إلى التعاون والتعاضد والتآزر، مكانة خاصة في آدابنا وأخلاقنا وحياتنا المعاشة عموما، لكن لا ينبغي، بأي حال من الأحوال، أن يكون ذلك مبررا لجعل أكثر من نصف شبابنا عالة على أسرهم، وبالنتيجة، قتْل كل ملكة للإبداع والعمل لدى هؤلاء الشباب.
ويبدو أن المسؤولين ببلادنا باتوا، أكثر من أي وقت مضى، أكثر استشعارا بمدى خطورة واقع الشباب المغربي، الذي لا يمكن إحداث أي تغيير أو تقدم في مسار التنمية ببلادنا دون الالتفات إلى وضعيته الاجتماعية والاقتصادية الفردية، أولا وأخيرا، قبل أي حديث عن مدى تعاطيه مع المجال السياسي ومدى قدرته على الاندماج في المنظمات السياسية. ولا أدل على ذلك من أن مؤسسات حيوية، بالإضافة إلى المندوبية السامية للتخطيط مثلا التي ترصد المعطيات الدقيقة والإحصائية، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، الذي أصدر قبل أيام فقط دراسة قيمة تروم تقديم إجابات عن طرق إدماج الشباب في المجتمع، ومن ذلك، كما جاء في توصيات المجلس، إدماجهم عن طريق الثقافة؛ علاوة على مؤسسات أخرى، كوزارة الشباب وغيرها؛ كل هذه المؤسسات، أصبحت تعطي أهمية خاصة لرصد هموم وآمال فئاتنا الشبابية، محاولة الإجابة عن مختلف الإشكالات التي تحُول دونهم والتأسيس لاستقلالية في الحياة تضمن لهم الحفاظ على الكرامة، والمساهمة بشكل فاعل في أي حراك، من أي نوع، يقود البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة.
وعلى ضوء هذه الدراسة، كمْ يجد المرء نفسه عاجزا عن إيجاد إجابات لواقع العشرات وربما المئات من الشباب والشبابات، من ذوي وذوات الشهادات العليا ببلادنا، الذين اتخذوا من الشارع الرئيسي لعاصمة المملكة مجالا لاحتجاج متواصل مطالبين بالشغل والتوظيف الفوري؛ وهو ما لا تستطيع الحكومة الحالية، كما صرحت بذلك صراحة، تلبيته رغم أن الحكومة السابقة كانت شرعت في تنفيذ توظيف مباشر يهم هؤلاء المحتجين، قبل أن تتراجع الحكومة الحالية، بدعوى عدم شرعية ما أقدم عليه المسؤولون سابقا.
وإذ نتقبل مبررات وحجج الحكومة الحالية في الدفع بعدم شرعية قرار سابقتها، وإصرارها على فسح المجال لجميع الفئات الحاملة لشواهد عليا من أجل ولوج مباراة شفافة ونزيهة للتوظيف، فإننا نأمل أن تكون هناك إجراءات اعتبارية تطبيقية لهؤلاء الذين تم وعدهم سابقا بالتوظيف، ولم يوظفوا إسوة بزملاء لهم جمعتهم أيام عسيرة من الاحتجاج افتقدوا فيها غير يسير من ماء الوجه؛
ولا أظن أن تخصيص نسب معينة ومحددة من التوظيف، لهؤلاء المحتجين، يخل بتطبيق القانون وخاصة منه القانون الأسمى (الدستور)، مادام أن الأخير قد نص صراحة على تخصيص نسبة محددة (كوطا) من المقاعد في مجلس النواب للشباب، ومادامت أيضا عدة قطاعات وزارية تعلن بوضوح في إعلاناتها بقصد التوظيف عن تخصيص نسبة محددة لذوي الاحتياجات الخاصة، ولمكفولي الأمة.
لذلك وقياسا على ما سبق، لم لا تفكر الدولة في السير على هذا النهج، وتخصص نسبة معينة لهؤلاء الشباب الذين أفنوا زهرة عمرهم في الدراسة، وهم اليوم يطرقون الأبواب من أجل مصدر رزق يكفل لهم عيشا كريما فيما تبقى لهم من أجل؛ وليشفع لهؤلاء أنهم أبناء هذا الوطن الذي درّسهم هذا النظام التعليمي غير القادر، في الغالب، على إدماج الشباب بيُسر في مجال التشغيل.                   
   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق