السبت، مارس 19، 2011

هل يستعد محمد السادس لإعلان الثورة ضد الأجور الخيالية لبعض المسؤولين؟

في الوقت الذي يتقاضى عباس الفاسي، الذي يدعي زورا أنه يقود حكومة اجتماعية، 90 ألف درهم شهريا وتنتظره منحة 320 ألف درهم عن الخدمة ومعاشٌ شهري بـ48 ألف درهم، تشير تسريبات نشرت في عدد من المواقع الإليكترونية مؤخرا، إلى اتساع دائرة "الموظفين السامين" الذين يتقاضون أجورا خيالية لا تتماشى وظروف الشعب المغربي، ولا والظروف الاقتصادية العالمية، التي جعلت حتى أقوى الدول اقتصاديا وسياسيا، تنهج سياسة تقشفية، بينما عندنا بالمغرب، ظل هؤلاء الموظفون "الكبار"، يكدسون عائدات أجورهم وتعويضاتهم، بينما يعاني الآلاف من حاملي الشواهد العليا من البطالة، فهل يستعد الملك لإطلاق "ثورة" للقطع مع "تسيب" المال العام، كما بدت بعض الإشارات توحي بذلك؟

"محاربة الأجور الخيالية للوزراء وكبار الموظفين كانت أبرز مطالب 20 فبراير"

قبل أزيد من سنة، عندما كتبنا في منبر آخر، أن الوزير الأول عباس الفاسي الذي تدعي حكومته "الموقرة" أنها اجتماعية بكل المقاييس، ومن هذه المقاييس فتحها مع المركزيات النقابية جولات مكوكية للحوار الاجتماعي لم تنته بعد، بل كلما انتهت جولة إلا وفتحت مزيدا من الأبواب على احتجاجات الشارع المغربي، جاءنا "بلاغ توضيحي" من ديوان عباس الفاسي، يعتبر الأول من نوعه حيث تأكدنا فعليا أن الوزير الأول الاستقلالي، يقرأ الصحف الوطنية. وحاول مستشارو الوزير الأول "الاجتماعي"، الذي ما يزال يجر فضيحة اجتماعية كارثية بحجم "النجاة"، أن يجدوا تعليلات ذاك الأجر الذي يتقاضاه وزيرهم الاستقلالي، بعدما حمَّلوا هذا الأجر، ما لا طاقة له به من "تعويضات" التنقل والحضور في اجتماعات المجالس الاجتماعية والاقتصادية التي يعتبر الوزير الأول رئيس مجالسها الإدارية، وما إلى ذلك.

حديثنا هذه المرة عن أجور الموظفين "السامين" ببلادنا، له معنى خاص، بعدما تسربت مؤخرا في مواقع إلكترونية عدة لوائح ترصد الأجور "الخيالية" لبعض مدراء المؤسسات العمومية والشبه عمومية، والتي تصل بعضها إلى 300 ألف درهم شهريا، كما هو الشأن بالنسبة لأجر مصطفى التراب، مدير المكتب الشريف للفوسفاط، هذا دون الحديث عن مختلف التعويضات طبعا، والتي لا تُعد ولا تحصى، بدءا من الهاتف الثابت والمتحرك، المجاني، ومرورا بتنقلات الأسفار الوطنية والدولية، التي لا تنتهي، ووصولا إلى التعويض

عن السكن والخدم والحرس والسائق والطباخ والماء والكهرباء..وهلمّ جرّا..

دلالات الكشف عن أجور كبار الموظفين

أجْر مصطفى التراب، هذا، وزملاؤه من كبار المدراء، على شاكلة والي بنك المغرب، عبد اللطيف جواهري الذي يصل أجره إلى 250 ألف درهم، مستثنى منها التعويضات، وكل من مدير عام الخطوط الملكية المغربية (لارام)، إدريس بنهيمة الذي يتقاضى أجرا صافيا يصل إلى 130 ألف درهم، ومصطفى البكوري مدير عام صندوق الإيداع والتدبير (CDG) الذي له نفس أجر بنهيمة، مع اختلاف تعويضاتهما وتنوعها، بحسب طبيعة المؤسسة؛ هذه الأجور لم يمسها أي تغيير، رغم كل الشعارات التي ظل السياسيون، ومنهم الاشتراكيون الذين وصلوا إلى الحكم بصفقة "التناوب"، يرفعونها منذ سنة 1998، وبخاصة عندما تحل مناسبة الانتخابات.

وينبغي التذكير هنا، لمن يحتاج إلى ذلك، بواقعة رافقت حكومة التناوب منذ خروجها إلى حيز الوجود تحت يافطة "الانتقال الديمقراطي التوافقي السلس"، وهي أن الجمعيات والأحزاب السياسية عندما طالبت، عند بداية عهد التناوب سنة 1998، بضرورة نهج سياسة تقشفية والحد من الفوارق الاجتماعية، خاصة في ما يتعلق بالفرق بين سلم الأجر بين صغار الموظفين وبين نظرائهم السامين، فوجئ المغاربة بأن من بين الداعين إلى ذلك كان عباس الفاسي، الذي كان ضمن نفس التشكيلة الحكومية، عندما وجه رسالة، بصفته أمينا عاما لحزب الاستقلال، إلى الوزير الأول آنذاك الاتحادي، عبد الرحمان اليوسفي، يحثه فيها على إعادة النظر في الأجور العليا لأطر الدولة، ومنهم على وجه التحديد مدراء المجالس الإدارية لكبريات المكاتب العمومية والشبه عمومية، في رسالة شهيرة يذكرها المغاربة جيدا تتحدث عن "تخليق" الحياة العامة.

وتخليق الحياة العامة الذي دعا إليه في وقت سابق عباس الفاسي، الذي يتقاضى اليوم كأجر شهري عن منصبه كوزير أول ما يناهز 90 ألف درهم، يصبح الحديث عنه "ضربا من العبث"، بحسب شهادات حقوقيين وممثلي حاملي الشواهد العاطلين عن العمل، خاصة بعد تورط الوزير الاستقلالي، آنذاك وبعضٍ من أفراد عائلته، بعد أقل من أربع سنوات على عهد حكومة التناوب، في فضيحة "النجاة"، التي يبدو أن "أصحاب الحال"، التفتوا إليها أخيرا، حيث لن يجدوا ملفا أكثر "حجية" للإطاحة بالوزير الأول، في هذه الظرفية بالذات، حيث رياح التغيير تجتاح الوطن العربي، وحيث شباب "الفيسبوك" ومختلف المواقع الإليكترونية الاجتماعية، أسسوا "إطارا" للتغيير أسموه 20 فبراير إسوة بثورات الشباب العربي ببلدان أخرى، لم تُصلح النظام "الفاسد" في بلدانها فقط، بل أطاحت به كلية بشكل "دراماتيكي" لم يكن حتى أكثر المتفائلين بالتغيير في هذه الرقعة الجغرافية يضرب له حساب.

البداية.. إعادة النظر في الأجور السمينة

يرى المتتبعون ببلادنا، ومنهم الحقوقيون والسياسيون، القابعون طبعا في المعارضة، بل وخارج البرلمان في أغلب الأحيان، بأنه بغض النظر عن هذه الموجة "العاتية" التي تجتاح البلدان العربية والتي ترفع محاربة الفساد وإصلاح "النظام السياسي"، إن لم يكن "إسقاطه"، فإن المتفق عليه ببلادنا على الأقل هو أن الأجور "الخيالية والسمينة" التي يتقاضاها الوزراء بدءا من الوزير الأول وإلى غاية كاتب الدولة، بالإضافة إلى باقي المناصب السامية لكبار الموظفين، تعتبر أجورا مبالغا فيها، بالنظر إلى مستوى الدخل الفردي في البلاد، وبالنظر أيضا إلى نوع الخطاب الرسمي الذي يصب كله في اتجاه ترشيد النفقات العمومية، والذي لا يجد له أي صدى على أرض الواقع، إلا حملات انتخابية مدغدغة للفئات الشعبية العريضة، بمحاربة الفساد وتحسين الأوضاع الاجتماعية وإيجاد مناصب شغل، وغير ذلك من الشعارات التي ما تلبث تختفي بمجرد إغلاق باب الاقتراع في كل استحقاق انتخابي يأتي بمملكتنا "السعيدة"، وتظل دار لقمان على حالها.

هؤلاء الموظفون "السامون"، يجدون "العذر" في ارتفاع أجورهم، وإن كانوا لا يصرحون بذلك إلا في مجامعهم "الخاصة جدا" لمقربيهم، في كونهم "لا ينهبون تلك الأجور المرتفعة، وليسوا هم من حددها، بل إنه المشرع الذي أخذ بعين الاعتبار اعتبارات عدة عند التشريع لها، منها طبيعة عمل هذا الموظف السامي وتنقلاته في سبيل خدمة الصالح العام". إنه الاستناد إلى القانون، لاستنزاف أموال خزينة الدولة، يُعلق جانب آخر من المتتبعين، حتى وإن ظلت فئات عريضة من الشعب تعاني الفاقة وعدم الحصول على أي مورد أو دخل مالي. وبحسب هؤلاء المتتبعين فإن رفع "الحماية" القانونية، لا يبرر بأي حال من الأحوال تمادي هؤلاء في قبض تلك الأجور الخيالية، بل إن هناك مسالك قانونية أيضا ومؤسساتية، كان يمكنهم سلكها من أجل تخفيض هذه الأجور، وذلك عبر اللجوء إلى المؤسسة التشريعية، لاستصدار قانون آخر أو إلغاء القانون المتعلق بتحديد أجور كبار الموظفين.

القانون المقصود هنا هو الظهير رقم 331/74/1، الصادر في 23 أبريل سنة 1975، والذي أُدخلت عليه عدة تعديلات في سنوات 1993 و1995 و1996 و1998، عشية بدء عمل حكومة التناوب، والذي ينظم ويحدد أجورَ الوزراء وكتاب الدولة وتعويضاتهم وامتيازاتهم، وهو نفس الظهير المتعلق أيضا بتنظيم وضعية وتأليف دواوين أعضاء الحكومة، التي تعتبر "بؤرة" للزبونية والمحسوبية في أبشع وجهها، حيث تُخاض حروب وتحالفات في نفس الأحزاب السياسية المشاركة في أي حكومة، أو كلما تم تعيين وزير جديد، حيث جميع "مناضلي" الحزب الذي ينتمي إليه الوزير المعين، يريدون منصبا بالديوان، الذي يتراوح عدد أعضائه ما بين أربعة أو خمسة إلى ثمانية أعضاء، فتبرز الولاءات والمكائد حتى بين أبناء نفس الطيف الحزبي.

تعويضات الوزراء..لا سقف لها

بحسب هذا الظهير، فإن الوزير الأول الحالي عباس الفاسي يتقاضى، 32 ألف درهم كأجر صافي، أو ما يُطلق عليه عند الموظفين باسم "الراتب الأساسي"، الذي يتم احتسابه على أساس النقطة الاستدلالية مضروبة في قيمتها، ويضاف إلى هذا الأجر مبلغ شهري يُقدر بـ18 ألف درهم، كتعويض عن التمثيل في المهام الحكومية ويخصص لتغطية بعض المصاريف الخاصة ومجموع التكاليف المرتبطة بمهامه، هذا بالإضافة إلى تعويض عن السكنى، أثناء مزاولة مهامه، يصل إلى 15 ألف درهم شهريا علاوة عن تعويض شهري عن صوائر التأثيث والأواني والأدوات الزجاجية والفضية يقدر بـ5 آلاف درهم. مصادر مطلعة كشفت عن أن هذه التعويضات غير نهائية وتمثل فقط الحد الأدنى، لأن الوزير الأول يتلقى تعويضات أخرى من مالية الدولة، كلما اضطرته مهمة إلى التنقل إلى جهة معينة داخل الوطن، أو نتيجة مشاركة الوزير الأول في لقاء أو مؤتمر بالخارج، وهي التعويضات التي لا يوضع لها "سقف"، مما يتناقض مع حرص هؤلاء الوزراء، ومنهم عباس الفاسي، على رفع شعار "الحكومة الاجتماعية"، بحيث يغيب أي "حس تقشفي"ن لدى هؤلاء الوزراء، بالرغم من أن دولا متقدمة تبنت سياسات تقشفية في السنتين الأخيرتين نتيجة الأزمة المالية التي يمر بها الاقتصاد العالمي.

التعويضات غير النهائية نجد الظهير رقم 331/74/1، بمثابة قانون منظم لأجور وتعويضات الوزراء، يتحدث بتفصيل عنها، حيث من بين ما أشار إليه كذلك إمكانية وجود "أجرة أو تعويض آخر" غير منصوص عليها في الظهير، والذي قد يدخل ضمنه التعويض عن القيام بمهام رئيس مجلس إدارة مثل المؤسسات السالفة، التي تفيد المعطيات بأن المشرّع المغربي لم يحسم في عدد تلك المؤسسات التي يُطلق عليها في الإصطلاح السياسي وعلم المؤسسات بـ"المؤسسات الموازية"، ما دام العدد قابلا للارتفاع في أي وقت؛ وهي المؤسسات التي يكون لها دور هام في السياسات العمومية؛ ومن ذلك مثلا وكالات التنمية والمؤسسات المعنية بالمهاجرين وغيرها. نفس المعطيات المتوصل إليها، أكدت على أن تعويض أعضاء مثل هذه المؤسسات، ومنهم الوزير الأول بصفته رئيس مجلس الإدارة بها، مرتبط بالقوانين المنشئة لهذه المؤسسات، التي تختلف باختلاف طبيعة نشاط المؤسسة وما إذا كانت ذات طابع اجتماعي أو اقتصادي، حيث يتقاضى أعضاء بعض هذه المؤسسات مبالغ تفوق أحيانا أجور الوزراء ومنهم أجر الوزير الأول، الذي قدرت مصادر مطلعة، في تصريحات متطابقة، أن تكليفه بمهمة رئاسة المجالس الإدارية لن يقل بأي حال من الأحوال عن 18 ألف درهم، وهو التعويض الذي يتقاضاه عن مهامه الحكومية، هذا إن لم يكن أكثر إذا ارتبط مردود المؤسسة بنتائج ذات عائدات ربحية، حيث بالإضافة إلى التعويض، يتقاضى الأعضاء "بريم" بصفة دورية أو سنوية.

وزراؤهم ووزراؤنا..المفارقة

كم يجد المرء نفسه مندهشا عندما "يصدم" بشريط فيديو يروج هذه الأيام على مستوى واسع، في الشبكة العنكبوتية وتحديدا بالمواقع الاجتماعية، يُظهر وزير العدل النرويجي في روبورتاج أجرته معه القناة التلفزية الفرنسية الثانية، ويرصد كيف يقضي الوزير يوما كاملا من عمله، متنقلا على متن سيارة الحكومة التي يتبادلها مع 19 وزيرا آخرين، دون أن يكون له سائق وسيارة من صنف آخر الموديلات، كما هو الشأن بالنسبة حتى لبرلماني ببلدنا لا يحضر اجتماعات المؤسسة التشريعية. ثم يميط الروبورتاج اللثام عن ذهاب الوزير شخصيا إلى المدرسة الابتدائية العمومية-وأسطر على كلمة عمومية- لأخذ ابنيهن دون أن يرافقه حرس ويعرقل الطريق العام، ثم بعد ذلك يظهر الوزير، الذي ينتمي إلى دولة عضو في الاتحاد الأوروبي وتعتبر من بين أهم مصدري النفط في العالم، وهو يقضي أغراضه في الأسواق والإدارات تماما كما يفعل المواطن العادي، حرصا على النظام وحفاظا على المساواة بين أفراد الوطن الواحد، محذرا في تصريح مقتضب للصحافي، من أن عدم المساواة يعتبرا أمرا "خطيرا".

وينص الظهير ذاته، بمثابة قانون لـ"تقنين" الأجور المرتفعة، على أن الوزراء يتقاضون 26 ألف درهم كراتب أساسي، ومبلغا شهريا يُقدر بـ14 ألف درهم، كتعويض عن تمثيليتهم في الحكومة لتغطية (بعض) المصاريف الخاصة ومجموع التكاليف المرتبطة بمهامهم، بالإضافة إلى مبلغ التعويض عن السكن الذي يقدر بـ15 ألف درهم شهريا، وتعويض شهري يتعلق حتى بالأثاث والأدوات والأواني الزجاجية والنحاسية، كما يصفها الظهير، يصل إلى 5 آلاف درهم. كما يتقاضى، كأجر شهري، كلٌّ من كتاب الدولة ونواب كتاب الدولة، 20 ألف درهم و16 ألف درهم، على التوالي لكل منهما، بالإضافة إلى 10 آلاف و9 آلاف درهم، كمصاريف عن التكاليف بالمهام الحكومية شهريا، مضاف إلى ذلك تعويض السكن الآنف الذكر وكذلك تعويض الأثاث، باعتبار المنصبين ضمن التشكيل الحكومي.

وينص الفصل السابع من نفس الظهير على أن الوزير الأول يتقاضى مبلغا يقدر بـ20 ألف درهم كتعويض عن كل تنصيب، بينما الوزراء وكتاب الدولة ونواب كتاب الدولة يتقاضون 10 آلاف درهم عن نفس المناسبة، في ما يؤكد الفصل ذاته على أنه عند انتهاء مهام أعضاء الحكومة، يتلقون "تعويضا خاصا"، كما يصف الظهير، يعادل مُرتب عشرة أشهر، وهو ما يعني أن عباس الفاسي تنتظره عند نهاية مهامه في أي وقت، "منحة" من خزينة الدولة تقدر بـ320 ألف درهم، بينما ينتظر الوزراء مبلغ 260 ألف درهم عند انتهاء مهامهم، و200 ألف درهم بالنسبة لكتاب الدولة، و160 ألف درهم في ما يتعلق بنواب كتاب الدولة.

ويشير الظهير، الذي أكد ضمنيا على إمكانية وجود "أجرة أو تعويض آخر" غير منصوص عليهما في طياته، كما أسلفنا، إلى أن أعضاء الحكومة يتقاضون، عند الاقتضاء، التعويضات العائلية المخولة لموظفي الدولة، وأن هذه الأخيرة تتكفل بنفقات الماء والكهرباء والتدفئة والإنارة الخاصة بإقامات أعضاء الحكومة.

حكومة الفاسي..والنفاق

يتهم عدد من المتتبعين الحكومة الحالية، بكل ألوان طيفها السياسي، بأنها كل المعطيات تدينها أمام الرأي العام الوطني، خاصة في ظل "انهيار" أنظمة عربية مجاورة، اتضح أن مسؤوليها الحكوميين لم يكونوا يختلفون عن زملائهم الوزراء المغاربة، من حيث الخطاب السياسي الذي يخفي وراءه ما يخفي، من قبيل التذرع بالإكراهات الاقتصادية كأسباب لتفاقم الأزمات الاجتماعية وانتشار البطالة والإقصاء الاجتماعي؛ فعندما تحدث عباس الفاسي في بداية عهد حكومة التناوب، في رسالته المشهورة المتعلقة بتخليق الحياة العامة، الموجهة إلى زميله عبد الرحمان اليوسفي، كان يقصد أيضا، من وراء لفت انتباه الوزير الأول آنذاك، التقشفَ أكثر ما أمكن من الاستعمال المفرط لوسائل وسيارات الدولة، كما كان سائدا قبل مجيء حكومة الانتقال الديمقراطي، وهو ما يظهر عكسه الآن، بحيث ازدادت التكاليف والمصاريف نتيجة ازدياد امتيازات أعضاء حكومة الفاسي الحالية، حيث يستفيد الوزير الأول لوحده من ثلاث سيارات للمصلحة موضوعة رهن إشارته، كما تشير المعطيات، بينما وزراؤه يستفيدون من خدمة سيارتين لكل واحد منهما، وسيارة واحدة لباقي أعضاء الحكومة المصنفين بروتوكوليا ضمن قائمة كتاب الدولة ونواب كتاب الدولة، بالإضافة إلى أن الوزير الأول يصبح مباشرة بعد تقلده المنصب يتوفر على هيئة مستخدمين تتكون من رئيس للخدم ورئيس مطبخ وطباخ مساعد وبستاني واحد، ويجعل رهن إشارة الوزراء نفس العدد من المستخدمين المذكورين، كما يجعل نفس العدد رهن إشارة كتاب الدولة ونواب كتاب الدولة باستثناء الطباخ المساعد.

ويخلص الظهير المنظم لأجور أعضاء الحكومة إلى أنه يُصرف لهؤلاء، عند انتهاء مزاولة مهامهم معاش يساوي مبلغُه الشهري، بعد خصم الضرائب المحتجزة، الأجرةَ الشهرية الجزافية (أي الراتب الأساسي) لكل عضو من أعضاء الحكومة، مضروبة في واحد ونصف، وهو ما يعني أن عباس الفاسي سيتقاضى معاشا يصل إلى 48 ألف درهم شهريا، بينما الوزراء سيتقاضون كمعاش 39 ألف درهم شهريا، وكتاب الدولة 30 ألف درهم، و24 ألف درهم كمعاش شهري بالنسبة لنواب كتاب الدولة، كما تضاف إلى هذه المعاشات، عند الاقتضاء، التعويضات عن الأعباء العائلية الممنوحة وفق النظام المعمول به في هذا الميدان.

في ظل هذه الأجور الخيالية، في بلد لم يستقر حال حتى خبراء السياسة والاقتصاد في تصنيفه، هل هو بلد نامي أم متخلف أم ما بين البين، يخرج شباب الإنترنيت المغاربة، رافعين شعار "التغيير بالملك ومعه"، ورافضين بقاء وجوه ذكروها بالاسم، في الواجهة خاصة منها تلك التي تستغل قربها من الدوائر العليا للخوض في عالم الاقتصاد والمال. الدرس الذي جرى ويجري بالبلاد العربية، تلقته هذه الدوائر بإمعان، وقد كانت شرعت منذ وقت طويل، حتى قبل أن تشتعل شرارة التغيير في البلدان العربية، لكن مبادرات الملك محمد السادس، الذي ذهبت أدبيات غربية عدة إلى تصنيفه إلى جانب الطبقات الفقيرة، وأطلقت عليه اسم "ملك الفقراء"، كانت (المبادرات) "تجابه بقوة من طرف لوبي"، على حد تعبير مصادر عليمة بما يجري في دوائر صنع القرار، وهو اللوبي الذي بدأت رائحة "بارود" حروبه تزكم الأنوف مؤخرا، عندما التجأ البعض ممن ينتسبون إلى اللوبي، إلى تسخير الإعلام، وخاصة منه الصحافة المكتوبة، من أجل كسب الحرب، التي باتت معالمها لا تخفى، بكل تأكيد على السلطات العليا، التي تشير كل التقديرات والمعطيات بأنها تستعد إلى "إخماد" هذه الحروب الهامشية، للمقربين من القصر، وكذا، وهذا هو الأكثر أهمية، بنزع فتيل "غضب" شعبي بدأت ملامحه تقرأ واضحة على يافطات شباب 20 فبراير، العازمين على مواصلة المطالبة بمحاربة الفساد، فهل ستكون "الإشارات القوية" التي تم إرسالها مؤخرا، وخاصة نفض الغبار على ملف "النجاة"، وبدء الإعلان عن تصفية شركات منير الماجدي، بداية محاربة الفساد والمفسدين ببلادنا، وكذلك بداية ثورة تأتي من فوق، كما يأمل جل المغاربة؟ بكل تأكيد من المفترض أن يكون خطاب الملك، الذي تم الإعلان عن أن الملك سيلقيه، يوم الأربعاء ونحن نكتب هذه السطور، البداية الحقيقية للتغيير، كما تنبأ بذلك العديد من المتتبعين، والتسريع بالإصلاحات السياسية والدستورية التي ظلت تتأجل منذ أمد.

++++++++++++

ما هي خلفيات تسريب لائحة أجور كبار الموظفين في زمن الثورات العربية؟

في دراسة سابقة أجراها أكبر موقع للتشغيل في الشرق الأوسط "بيت.كوم"، أشار خبراء اقتصاد إلى أن 47 بالمائة من الموظفين بالمغرب يتقاضون أقل من 4300 درهم شهريا، مقابل 2 بالمائة فقط يتقاضون ما بين 43 و86 ألف درهم، و1 بالمائة تفوق رواتبهم 86 ألف درهم. وبحسب الدراسة نفسها فإن معدلات الرواتب في المغرب، كما في دول شمال إفريقيا كمصر والجزائر، هي الأدنى على صعيد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

هذه الدراسة جاءت معطياتها متوافقة إلى حد كبير مع تصريحات رسمية، بهذا الخصوص،

حيث كشف وزير الاقتصاد والخوصصة السابق، فتح الله ولعلو، في سنة 2006 وتحت إلحاح بعض البرلمانيين عن بعض أجور مسؤولي المؤسسات العمومية وشركات الدولة، بما في ذلك الأجر الأساسي، والتعويضات الممنوح لقاء المسؤولية والسكن والتمثيلية، إضافة إلى العلاوات السنوية أو "البريم". وبحسب المسؤول الحكومي السابق، فإنه ضمن 150 مؤسسة وشركة عمومية أو شبه عمومية، كانت توجد آنذاك تحت وصاية الدولة، تراوحت أجور 0.7 بالمائة من مديري هذه المؤسسات بين 120 و125 ألف درهم، و2.7 بالمائة بين 90 و120 ألف درهم، و10 بالمائة بين 60 و90 ألف درهم، و39.6 بالمائة بين 30 و60 ألف درهم، و47 بالمائة بين 20 و30 ألف درهم، على أن متوسط أجور هؤلاء المسؤولين هو 38 ألفا و600 درهم. على أن قرابة نصف مسؤولي المؤسسات والشركات العمومية يتقاضون زهاء 30 ألف درهم شهريا، حسب ولعلو، وثمة فئة قليلة منهم تتقاضى أجورا ضخمة قد تصل إلى 500 ألف درهم.

هذه الفئة التي ألمح إليها ولعلو، ظهرت بالأسماء مؤخرا، حين تداولت مواقع اجتماعية بالشبكة العنكبوتية، أسماءهم التي نوردها مصحوبة بالأجر الصافي الذي يتقاضاه هؤلاء المسؤولون، دون التعويض الذي نترك للقارئ أن يستعمل ما أوتي من معرفة بعلم الجبر والهندسة حتى، ليتوصل إليه إن استطاع إلى ذلك سبيلا. فاللائحة المتداولة، جاء على رأسها مصطفى التراب، مدير المكتب الشريف للفوسفاط، المرشح لأن يكون وزيرا أول بدلا عن عباس الفاسي، في هذه المرحلة، والذي يتقاضى 300 ألف درهم شهريا. يليه الحارس "الأمين" على بنك المغرب، عبد اللطيف جواهري بأجر يصل إلى 250 ألف درهم، ثم كل من مصطفى الباكوري وإدريس بنهيمة، مُديري الـ(سي دي جي) و(لارام)، اللذين يتقاضين 130 ألف درهم على التوالي. يليهما كل من محمد بنشعبون مدير البنك الشعبي وعلي هراج مدير مؤسسة القرض العقاري والسياحي (سياش)، بـ120 ألف درهم لكل منهما، ثم علي الفاسي الفهري مدير المكتب الوطني للماء والكهرباء الذي يتقاضى أجرا يصل إلى 100 ألف درهم. ثم فيصل العرايشي، المتربع منذ زمن على إدارة القطب السمعي البصري، الذي يتقاضى 95 ألف درهم في الشهر، وغيرهم من مدراء المؤسسات الذين تتراوح أجورهم ما بين 80 ألف درهم و50، لقاء إدارتهم لمؤسسات تثبت كل المعطيات أنه بالرغم من ارتفاع الأجر، فإن تلك المؤسسات تعاني مشاكل جمة ولا تستجيب لحاجيات المواطن اليومية بشكل أحسن، وهو ما يعرضها لمزيد من الانتقاد، تماما كما هو الشأن بالنسبة لأنس العلمي مدير بريد المغرب الذي يتلقى 80 ألف درهم شهريا، وربيع الخليع مدير المكتب الوطني للسكك الحديدية، الذي يتقاضى 75 ألف درهم.

هناك تعليقان (2):

  1. jamila Afandi23/3/11 21:39

    Je suis impressionnée et triste!Bravo d'avoir dénoncé tous ça mais ça m'a rendu de plus en plus triste sur notre sort!le sort de ses malades qui se meurent à défaut de trouver de quoi acheter des médicaments ;de ses ouvriers qui travaillent jour et nuit pour 200dh la semaine..........et la liste est longue

    ردحذف
  2. الله يكون في عون الشعب المسحوق الأخت جميلة

    ردحذف