الأحد، يونيو 05، 2011

بعد دعمها له بالمرتزقة والسلاح..الجزائر تتخلى عن القذافي في آخر أيام حكمه

أمر وزير المالية الجزائري كريم جودي بتجميد أموال العقيد الليبي معمر القذافي وعائلته وأقاربه في الجزائر، وذلك تطبيقا لقرار مجلس الأمن الدولي


ونشرت جريدة الشروق المقربة من قصر المرادية، اليوم الأحد، مذكرة مؤرخة في 12 ماي وجهها وزير المالية كريم جودي "إلى جميع البنوك وشركات التأمين وجميع الإدارات العمومية والمؤسسات الاقتصادية، يخطرها بإلزامية تعقب الأموال الليبية في البنوك والمؤسسات المالية الجزائرية تنفيذا للعقوبات المالية التي فرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد نظام مع

وتضمنت المذكرة قائمة بأسماء المعنيين بالقرار وهم القذافي وأبناؤه عائشة وهنيبال وخميس معمر ومعمر محمد أبو منيار والمعتصم وسيف الإسلام القذافي، بالإضافة إلى قيادات عسكرية.

ويشكك العديد من المتتبعين في توقيت الإعلان الجزائري عن مثل هكذا قرار يقضي بالحجز عن أموال النظام الليبي الآيل للسقوط، بشهادة حلف "الناتو" الذي بدأ مرحلة جديدة من الحرب على نظام القذافي، عندما شرع في استعمال المروحيات في قصف أهداف عسكرية. مما يفسر، حسب خبراء عسكريين، بداية حسم المعركة واندحار نظام العقيد. مما جعل الجزائر تحاول "إنقاذ ماء وجهها" الممرغ في وحل المستنقع الليبي.

يذكر أن المجلس الوطني الانتقالي ممثل الثوار الليبيين كان اتهم الجزائر أكثر من مرة بدعم نظام القذافي بالسلاح والآلاف من المرتزقة. وأكد أكثر من مسؤول بالمجلس الوطني الانتقالي أنهم يملكون "الأدلة اللازمة وسيأتي اليوم للكشف عنها"، التي تورط الجزائر في دعمها لكتائب القذافي.

وتضمنت قائمة المؤسسات؛ البنك المركزي الليبي، هيئة الاستثمارات الليبية، بنك ليبيا الخارجي، صندوق الاستثمار الليبي في إفريقيا، بالإضافة إلى شركة النفط الليبية الحكومية.

وقال مصدر مصرفي للصحيفة الجزائرية إن الأموال المصرية والتونسية لم تخضع لنفس الإجراء لأنه لا يوجد قرار من الأمم المتحدة بتجميدها وتعقبها.

وفي سياق ذاك الكشف عن التورط الجزائري لدعم كتائب القذافي، شن الحكام الجزائريون هجوما لاذعا ضد الدبلوماسية المغربية متهمين إياها باستعمال لوبي أمريكي لمناهضة الجزائر واتهامها بالضلوع في المستنقع الليبي. وهو ما نفته الرباط بشدة.

ويرى متتبعون أن "التخبط" الجزائري مرده إلى "النقاط الحسنة" والمكاسب التي نالتها الدبلوماسية المغربية في الآونة الأخيرة على المستويين الإقليمي والدولي؛ فمن جهة انخرط المغرب في دعمه للتحالف الدولي الرامي إلى الإطاحة بنظام القذافي والاصطفاف إلى الثوار. ومن جهة أخرى تأتي كل هذه التطورات في سياق الدعوة المفاجئة التي وجهها مجلس التعاون الخليجي إلى المملكة المغربية للانضمام إليه، وهو ما "استغرب" له المسؤولون الجزائريون وجعل البعض منهم يفتقد إلى "لباقة وكياسة الدبلوماسية" ويخرج بتصريحات "نشاز"، تعتبر الدعوة الخليجية "غريبة" بينما واقع الحال، تقول مصادر، يعكس انكماش الدبلوماسية الجزائرية وتطويق آلة دعايتها التي ظلت تجد لها الدعم حتى من لدن بعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي.

يأتي ذلك في سياق تنويه المجتمع الدولي بالمبادرات الإصلاحية التي باشرها الملك محمد السادس، بينما تُصر الجزائر على رفض مطالب الشعب الجزائري المتمثلة بالأساس في محاربة فساد المؤسسة العسكرية المسيطرة على مقدرات البلاد البترودولارية.

وكالات. أطلس آنفو

السبت، يونيو 04، 2011

استنساخ ونقل وتبني للخطاب الملكي..أبرز عناوين المذكرات الدستورية الإصلاحية


المتتبع لمختلف المذكرات الحزبية التي قدمتها الأحزاب السياسية أمام أنظار اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور يجد فيها الكثير من الاستنساخ والكلام الإنشائي والمبادئ العامة، إلى درجة أن البعض ذهب إلى حد التشكيك في بعض المذكرات واتهام أحزاب بـ"النْقيل" من مذكرات أحزب أخرى، بينما اختلط الأمر على الأحزاب "العريقة" مباشرة بعد الخطاب الملكي/ الثورة لـ9 مارس، فانبرت تتبناه حرفيا دون شعور


في قراءة سريعة لنماذج مذكرات الأحزاب بخصوص الإصلاح الدستوري الذي بشر به خطاب الملك في 9 مارس الماضي، يكاد المرء لا يجد فرقا بين مذكرة هذا الحزب أو تلك، بل إن قواسم مشتركة كثيرة تربط بين كل المذكرات تقريبا إلى درجة أنك لا يمكنك التمييز بين إيديولوجية وأخرى، هذا إذا سلمنا أن لأحزابنا أيديولجيات؛ فالكل يتحدث عن الملك كممثل البلاد الأسمى، وحامي حمى الملة والدين، والحاكم الذي يُلجأ إليه في الضراء أكثر من السراء للفصل بين المتخاصمين من كائناتنا الحزبية، وبين تنازع الاختصاصات بين إداراتنا المختلفة وجماعاتنا الترابية المحلية منها والإقليمية والجهوية. لكن القاسم الأكثر تشاركا بين كل الأحزاب، أو على الأقل التي تسنى لنا قراءة مذكراتها، هو استغراقها في أسلوب الإنشاء وسرد "المبادئ العامة"، كما تنص على ذلك مذكرات بعينها، علما بأن القول بذلك يعتبر انتقاصا من قيمة المنظمة الحزبية ما دام أن المبادئ العامة معروفة سلفا من قبل الجميع وحتى من طرف المواطن العادي، بل إن خطاب الملك في 9 مارس قد لخص كل تلك المبادئ في ما وصفه بـ"المرتكزات" السبعة لإصلاح شامل للدستور. ها هنا نجد جل الأحزاب ولأسباب يعلمها الجميع قد سقطت في متاهات التعابير الإنشائية إلى حد أن القارئ يجد صعوبة في استخراج جملة مفيدة من فقرات عدة، وهو ما يفسر، من جهة، أن العديد من أحزابنا لا تتوفر على أطر تفقه في القانون العام وبخاصة القانون الدستوري، ومن جهة ثانية ما يؤكد فرضية عدم بذل بعض الأحزاب لأي مجهود يتعلق بهيئتها السياسية، وانتظارها تقديم مذكرات الأحزاب الأخرى لتتلقفها وتعيد صياغتها؛ إنه "النّْقيل" على حد تعبير مصادر حزبية متعددة؛ مما أدى إلى وجود عبارات وجُمل في تلك المذكرات بقدر ما تدعو إلى التحسر والشفقة على حال أحزابنا، بقدر ما تمثل مبعثا للضحك ذاك الضحك الأسود..

نشير بداية قبل تصفح نماذج من تلك المذكرات المضحكة المبكية إلى أن مشروع إصلاح الدستور المغربي الذي أعلن عنه الملك محمد السادس في خطاب 9 مارس الماضي، يرتكز على سبع نقاط أساسية؛ أولا التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة، دون استثناء. ثانيا ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، بكل أبعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، والثقافية والبيئية، ولاسيما بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة، والالتزامات الدولية للمغرب. ثالثا، الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، توطيدا لسمو الدستور، ولسيادة القانون، والمساواة أمامه. رابعا، توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها، وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها، وذلك من خلال، يوضح الخطاب الملكي، 1- برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة، يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة، مع توسيع مجال القانون، وتخويله اختصاصات جديدة، كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية. 2 - حكومة منتخبة بانبثاقها عن الإرادة الشعبية، المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع، وتحظى بثقة أغلبية مجلس النواب. 3- تكريس تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي، الذي تصدّر انتخابات مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. 4- تقوية مكانة الوزير الأول، كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية، يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية، وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي. 5- دسترة مؤسسة مجلس الحكومة، وتوضيح اختصاصاته. ثم ينتقل الخطاب الملكي إلى المرتكز الخامس وهو تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين، بتقوية دور الأحزاب السياسية، في نطاق تعددية حقيقية، وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية، والمجتمع المدني. سادسا، تقوية آليات تخليق الحياة العامة، وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة. دسترة هيآت الحكامة الجيدة، وحقوق الإنسان، وحماية الحريات.

إنها المبادئ العامة والمؤطرة لخارطة الطريق التي أعلنها الملك محمد السادس، في 9 مارس، والتي جعلت البعض من الأحزاب لا يتردد في إعادة نسخها، بحسب العديد من المتتبعين، وتذييلها باسم المنظمة الحزبية التي يمثلها، وأحيانا بإعادة نسخ للمرة الثانية، عندما اضطرت أحزاب إلى استنساخ مذكرات أحزاب أخرى ترى أنها أكثر منها حضورا في المشهد الحزبي والسياسي الوطني. ولإخفاء عملية "النقل" قامت تلك الأحزاب تماما كما يفعل التلميذ غير النجيب، بتمييع ما تم نقله بعبارات وجُمل مطاطية. والنتيجة أن الحزب اليميني تراه أحيانا اشتراكيان والاشتراكي يميني أكثر من اليمينيين، والإسلامي أضحى يمينيا لمن يريد ذات اليمين ويساريا لذوي الشِّمال.

"البام"..الذي بُني على الترحال..يحاربه اليوم

بعكس الأحزاب الأخرى فقد كان حزب الأصالة والمعاصرة الذي أسسه وما يزال يشرف على تحريكه صديق الملك الأول، فؤاد عالي الهمة، فقد توفرت لدى الحزب "الجرأة" الكافية للحديث عن الإصلاحات المتعلقة بالمؤسسة الملكية مع ذكر الفصل 19 المثير للجدل بصراحة، وإن كانت كلمة "جرأة" فيها الكثير من النقاش. حيث أن مذكرة الحزب وبعد أن تشير إلى ضرورة "إعادة النظر في الفصل التاسع عشر بما يضمن تكريس الاختيار الديمقراطي ضمن الثوابت الوطنية، التي يضمنها الملك وينسجم مع تصورات الحزب لتوزيع السلط وتحديد صلاحيات البرلمان في مجال التشريع، واستعمال لغة حداثية تترجم مفهوم الملكية المواطنة"، نجدها تؤكد على أن "الملك هو رئيس الدولة والممثل الأسمى للأمة، ورمز وحدتها وضامن استمرارها، وهو الحكم والساهر على احترام الدستور والاختيار الديمقراطي والحقوق والحريات والضامن للاستقلال والوحدة الوطنية والترابية في حدودها الحقة، ويمارس المهام المخولة له طبقا للدستور"، و"الملك هو أمير المؤمنين، الساهر على الحقل الديني والضامن للأمن الروحي ولحرية ممارسة الشعائر الدينية".هذا هو مقترح "البام" بخصوص الفصل 19، لكن ما هي الصيغة الحالية للفصل المذكور؟ ينص الدستور الحالي على أن الملك هو "أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة المغربية ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور المغربي، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات. وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة المغربية في دائرة حدودها الحقة"، فأين هي إعادة النظر في الفصل المثير للجدل التي دعا إليها الحزب اليميني المقرب من دوائر القرار؟

"البام". ونجد التناقض واضحا في مذكرة "البام" في باب "مـكـانة دستـوريـة للأحـزاب السيـاسيـة والنـقابات"، عندما تتحدث عن "حرية انخراط المواطنين في الأحزاب السياسية والانسحاب منها"، وهنا نستحضر جميعا الظاهرة الشاذة التي تميز العهد السياسي المغربي المعاصر اليوم، بحيث أن حزب "البام" الذي لم يخض غمار انتخابات سنة 2007 التشريعية، أصبح بقدرة قادر يتوفر على نحو 50 نائبا برلمانيا نتيجة "الترحال" الذي دافع عليه الحزب بقوة واستماتة منقطعتي النظير غداة تأسيسه بداية سنة 2009، لكن الحزب نجده اليوم ينص في مذكرته الإصلاحية على ما يسميه "التقييد الدستوري لظاهرة الترحال (الانتداب الانتخابي يمر عبر الانتماء الحزبي ولا يجوز تغيير هذا الانتماء خلال فترة الانتداب تحت طائلة فقدان الصفة الانتخابية المحصل عليه)". وللقارئ التعليق.

"الاستقلال" يتبني خطاب 9 مارس..

بعكس مذكرات قدمها حزب علال الفاسي في وقت سابق (في إطار الكتلة سنوات 1992و1996و2007)، والتي اعتبرت ذات قيمة، فإن الاستقلاليين أصيبوا بما يشبه الارتباك، خاصة أنهم فوجئوا بمدى "ثورية" الملك محمد السادس الذي فاجأهم هم بالخصوص داخل الكتلة، ولاسيما حلفاء الاستقلال التاريخيين الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذين انقلبوا على عقبيهم وانسحبوا من المذكرة المشتركة التي كانت تنوي الكتلة الوطنية تقديمها، وفضلوا تقديم مذكرة إصلاح دستورية منفردين قبل أزيد من سنة، اتضح في ما بعد 9 مارس أنها لا ترقى حتى إلى ربع ما جاء به الخطاب التاريخي للملك.

دهشة الاستقلاليين وانبهارهم بالخطاب/الانقلاب جعلهم مأسورين به فانخرطوا في صياغة مقدمات طللية حوله منها أنه "اعتمادا على ما ورد في الخطاب التاريخي ليوم تاسع مارس 2011 الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس للأمة بخصوص الإصلاحات الدستورية المعززة بالإصلاح السياسي الشامل والاقتصادي والتنموي والاجتماعي والثقافي بالتعبئة الجماعية، لإنجاح هذا الورش الكبير بثقة وإقدام، وإرادة والتزام، وجعل المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار"، و"اعتبارا لما أكد عليه الخطاب الملكي من مراجعة دستورية عميقة وإصلاح دستوري شامل، وإعطاء دفعة قوية لدينامية الإصلاح العميق جوهرها منظومة دستورية ديمقراطية متقدمة لمغرب الحاضر والمستقبل"، فإن حزب الاستقلال وأمام هذا "التوجه الإصلاحي الحاسم الذي من شأنه تغيير بنية الدولة المغربية بشكل عميق، ليقدر ثقل المسؤولية وعظمتها. وبهذه المناسبة فإن حزبنا ليؤكد بقوة وابتهاج تقديره العالي وتثمينه اللامحدود لخطاب جلالة الملك يوم تاسع مارس، ويعتبره خطابا تاريخيا وثورة شمولية وتوجيها محكما للإصلاح المرتجى في ترسيخ قيم الديمقراطية الحقة في المجتمع، ويفخر بالصدى العميق الذي خلفه على المستوى الوطني والدولي مما يعزز مكانة بلادنا الإستراتيجية في عالم اليوم".

بعد هذه المقدمات الطللية التي تمططت كثيرا يعود حزب الاستقلال إلى خطاب 9 مارس، ويذكر في باب "السلطة التشريعية= البرلمان بمجلسيه"، بأن "الأمر يعني هنا بالضرورة الاستيعاب الواعي والواسع للفقرات المضيئة والفاصلة في خطاب جلالة الملك، وهو يتحدث عن توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها وتعميق ودمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها، والتأكيد على ربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة". بعد ذلك يطالب حزب الاستقلال بتوسيع مجلسي البرلمان -بعكس حزب "البام" الذي دعا إلى التخفيض من عدد اعضاء الغرفة الثانية إلى نحو نصف العدد المتواجد حاليا- وبـ"إعادة النظر في تركيبته وعدد مقاعده وحجمه وتحديد اختصاصاته، بما يضمن له ممارسة اختصاصاته في كل ما هو اقتصادي واجتماعي وثقافي وبيئي، وقاعدة تمثيليته حتى يصير الإطار المؤسس لتكريس التمثيلية الترابية للجهات، بالإضافة إلى تمثيل المغاربة المقيمين بالخارج"؛ لكن الحزب لا يتحدث عن كيفية إعادة النظر في تركيبة غرفتي البرلمان، وبقي الكلام فضفاضا يحتمل أكثر من تأويل بما في ذلك زيادة أعباء كاهل خزينة الدولة، في الوقت الذي ترتفع فيه الأصوات المطالبة بإحدى الغرف وبتقليص المصاريف الباهظة على المؤسسة التشريعية. ويبدو موقف حزب الاستقلال أكثر رجعية عندما ينص، في ما يتعلق بالغرفة الثانية، عن "إلغاء حق التنبيه وإسقاط الحكومة" الذي يتمتع به المجلس. لكن المثير في مذكرة حزب الاستقلال هو أن الهاجس الصحي الذي ظل عباس الفاسي، الأمين العام للحزب والوزير الأول يسيطر على أعماله الحكومية، كان حاضرا في مذكرة الحزب الذي طالب بـ"الرأفة" بأعضاء الحكومة حين دعا إلى التخفيض من ساعات عمل الحكومة بحيث يتم "تخصيص يوم من أيام الأسابيع الثلاثة في كل شهر لانعقاد مجلس الحكومة، وتخصيص يوم في الأسبوع الرابع منه لانعقاد المجلس الوزاري".

وتأبى مذكرة حزب الاستقلال التي بدأت بمدح الخطاب الملكي إلا أن تنتهي به، في إشارة إلى أن الحزب لم يتعد الحدود المرسومة بالخطاب، حيث يقول الاستقلاليون بكلام إنشائي؛ "نعتبر في هذا السياق أن أية منظومة دستورية متقدمة وديمقراطية لن تكون كافية لتشييد المجتمع الديمقراطي المنشود إلا إذا كانت مصحوبة ومعززة كما عبر عن ذلك جلالة الملك بالإصلاح الشامل السياسي والاقتصادي والتنموي والاجتماعي والثقافي".

"الاتحاد".. مع الفصل19 والملكية البرلمانية...

على عكس حزب "البام" الذي أطلق عليه أحد قيادييه بانه "الوافد الجديد" لم يتطرق حزب القوات الشعبية إلى الفصل 19 تماما، ولم يلمح إليه حتى، بل إنه كان قاب قوسين أو أدنى من أن ينص في مذكرته على بقاء الفصل 19 وعدم المس به، حيث يتضح من اللائحة الطويلة من الصلاحيات التي خولها الحزب للملك، بأن رفاق المهدي بن بركة أضحوا ملكيين أكثر من الملك، ويمينيين أكثر من حزب الاستقلال ومن الأحزاب التي ظلوا يصفونها بـ"الإدارية". وتشير مذكرة القوات الشعبية إلى أن الملك هو "الضامن لاستقلال البلاد ووحدتها الترابية ولاحترام الاتفاقيات والعهود الدولية، وهو يجسد وحدة واستمرارية الأمة ومؤسساتها"، و"يمارس الملك بصفته أميرًا للمؤمنين الإشراف على تدبير وتنظيم الحقل الديني، ويضمن صيانة حقوق المواطنين والجماعات والهيئات في ممارسة شؤونها الدينية"، و"يمارس الملك السلطات المخولة له كأمير للمؤمنين بمقتضى ظهائر، وفي ما عدا ذلك يمارس اختصاصاته الدستورية بمقتضى مراسيم ملكية يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، ويعفيه من مهامه بناء على تقديم استقالة الحكومة. وباقتراح من رئيس الحكومة يعين الملك باقي أعضاء الحكومة ويعفيهم من مهامهم يمارس الملك مهام التوجيه العام، والتحكيم، ويترأس الملك المجلس الوزاري وفق دورية محددة، ويمكن للملك بمبادرة منه أو بطلب من رئيس الحكومة أن يفوض لهذا الأخير ترأس المجلس الوزاري بجدول أعمال محددة". ثم تشير المذكرة إلى "يضطلع الملك بدور توجيهي في مجالات الدفاع الوطني والأمن الداخلي والشؤون الخارجية، ويوقع رئيس الحكومة بالعطف على المراسيم الملكية الخاصة بهذه المجالات، ويعين الملك بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية في الوظائف العسكرية، ويعين القضاة بمرسوم ملكي باقتراح من المجلس الأعلى للقضاء". كل هذه الصلاحيات بالإضافة إلى أخرى يمنحها حزب القوات الشعبية للملك، مع الإشارة إلى أنه تصدر مذكرته بأنه يريد "ملكية برلمانية".

العدالة والتنمية..العلماني

بعد تنصيصها على "المرجعية الإسلامية الموحدة للمجتمع الضامنة لتماسك البنيان الاجتماعي"، وعلى أن "الملكية القائمة على المشروعية الدينية المجتمعة لمكوناته والضامنة للحريات والاستقلال والمضطلعة بوظائف التحكيم والعلاقة مع الخارج وتعبئة القدرات لمواجهة تحديات المحيط"، تنتقل مذكرة "البيجيدي" إلى "التسابق" مع الجمعيات العلمانية والأحزاب الليبرالية على ما يسمى مبادئ كونية لحقوق الإنسان، حيث يشير الإسلاميون إلى أن "مستقبل المغرب هوية ووحدة واستقرارا هو في الديمقراطية، ومستقبل الملكية المغربية هو في الديمقراطية، وكسب هذا الرهان يمر حتما عبر الأخذ بقواعد النظام الديمقراطي بالمعايير الدولية المتعارف عليها دون تجزيء أو تقسيط". وسدا للأفواه القائلة بأن حزب بنكيران ضد الفن، فقد جاء في المذكرة بأنه "اعتبارا لأهمية الإعلام والفن في خدمة المجتمع وتأهيل قدرته على متابعة على الشأن العام، والتعبير عن التنوع الثقافي والتعددية السياسية والاجتماعية، وتنمية القيم وتشجيع الإبداع، نقترح أن تتم دسترة المؤسسات المعنية بتدبير الحقل الإعلامي، وضمان قواعد الاستقلالية والحرية والمسؤولية"، مما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن الإسلاميين لبسوا عباءة العلمانية، التي باتت تهون في سبيل الظفر بمنصب وزير أول كما بات عبد الإله بنكيران الأمين العام للحزب يردد ذلك في مختلف المناسبات التي حضرها مؤخرا.

على سبيل الختم...

لا يتسع المقام لذكر مختلف المذكرات الحزبية الأخرى، واقتصرنا على هذه النماذج لحضورها الوازن في المشهد السياسي الوطني، لكن لا بأس من ذرك بعض "المستملحات" التي ميزت بعض تلك المذكرات، حيث أننا نجد مذكرة الاشتراكي الموحد الذي ظل "الرفاق" به يرددون منذ أمد طويل أسطوانة "التقشف" ينصون اليوم في مذكرتهم على أن لا يقل عدد وزراء الحكومة عن 35 وزيرا، فأين هو التقشف وحفظ المال العام.

وخرجت جبهة القوى الديمقراطية في مذكرتها بخرجة فريدة من نوعها بحيث أكدت على "إدماج البعد المتوسطي للمنظومة الهوياتية للمغرب من خلال التنصيص على كون المغرب دولة متوسطية إضافة إلى كونها مغاربية وإفريقية"، وكأن الجغرافيا تحتاج إلى تأكيد، بالإضافة إلى أن الحزب اقتبس الكثير من الخطاب الملكي ومن ذلك، "دسترة مجلس الحكومة الذي يرأسه الوزير الأول وتحديد اختصاصاته في المسائل التي تحال في ظل الدستور الحالي على المجلس الوزاري باستثناء القضايا التي نقترح توسيع مجال القانون ليشملها".

أما حزب التقدم والاشتراكية فقد كان ملكيا أكثر من الملك كذلك حين نص في ديباجة مذكرته على أن المغرب ينخرط في عملية بناء الدولة الديمقراطية الحداثية التي تنهل من تراكماتها الحضارية وانفتاحها على المستقبل، من خلال الحراك الوطني العميق الذي رسم له جلالة الملك أبعادا دستورية طموحة"، مع تحفظ الحزب عن ذكر السبب الرئيسي لهذا الحراك، وهو ظهور حركة 20 فبراير. ولكي يفور عليه الوقت فإن الحزب الشيوعي المغربي سابق يلخص مذكرته المطلبية في أن "أي دستور لا يستقي قيمته إلا من قدرته على الاستجابة الموضوعية للحاجيات المعبر عنها من لدن المجتمع في هذه المرحلة أو تلك من مساره التاريخي، وقد جاء الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011 ليعبر عن هذه الحقيقة بكل وضوح وجرأة".