الثلاثاء، فبراير 15، 2011

أضرحة الرباط بدائل طبية لمستشفيات العاصمة

يرتادها مختلف المرضى والباحثات عن أزواج

نورالدين اليزيد

غير بعيد عن مستشفيات ابن سينا الجامعي والشيخ زايد والعسكري والرازي للأمراض العقلية وغيرها من المصحات العامة والخاصة، وهي المراكز الاستشفائية المجهزة بأحدث التقنيات في مجال التطبيب، تؤوي العاصمة الإدارية للمملكة، بالمقابل، عددا من الأضرحة التي ما فتئت تستقبل فئة معينة من المواطنين بقصد التداوي من أمراض استعصى على الطب الحديث إيجاد الدواء الناجع لها أو لعدم قدرة المواطن البسيط على دفع التكلفة، بينما تأبى فئة من الفتيات إلا أن تلوذ ببعض هذه الأضرحة طلبا لعريس طال انتظاره.

عرفت العاصمة الإدارية للمملكة، منذ القدم، بمآثرها التاريخية المشهورة كقصبة الوداية وشالة وصومعة حسان وأبوابها وأسوارها العتيقة المتعددة كباب الرواح وباب الأحد وغيرها، لكن ما لا يعرفه العديد من زوار المدينة، هو أن من وراء جدران العاصمة ترقد جثامين أشخاص يقال عنهم أولياء، شاء التاريخ والظروف الاجتماعية المختلفة أن يحظوا بمكانة خاصة من طرف الإنسان الرباطي الذي أبى إلا أن يُشيد لهم قبورا، تختلف قيمتها العمرانية، من ضريح إلى آخر، وهي القبور التي تحولت عبر الأزمنة المتعاقبة من تاريخ المغرب إلى أضرحة شُيدت على الطراز المغربي التقليدي، الذي يتخذ من القباب والزخرفة والنقوش مظاهر للاحتفاء بأمكنة لها من القداسة والاحترام لدى المغاربة ما يجعلهم يبرعون في جعلها تحفا عمرانية.

الأضرحة... المستشفيات!

لم تستأثر أضرحة الأولياء، بالعاصمة المغربية الرباط، باهتمام الباحث المغربي فقط، بل كانت كذلك محط اهتمام الباحثين الأجانب كالمستشرق ليفي بروفينسال الذي تحظى الأضرحة، حسبه، بمكانة خاصة جدا في التاريخ الاجتماعي المغربي، وفي كتابه «مؤرخو الشرفاء»، قال ليفي «إن المغرب له مكان الريادة على مستوى العالم الإسلامي، من حيث إيواؤه لعدد هائل من أضرحة الأولياء؛ فمدينة الرباط ونواحيها وحدها يوجد بها أكثر من عشرة أضرحة، إضافة إلى العشرات من قبور الأولياء والصالحين المنتشرة في مختلف مناطق المغرب».

وباختلاف أضرحة العاصمة الإدارية للمملكة الشريفة، تختلف أيضا «بركاتها» التي يتبرك بها الزوار القادمون إليها من أجل قضاء حاجة في أنفسهم أو الاستشفاء من مرض قد يستعصي حتى على الأطباء إيجاد دواء لعلاجه، فتغدو تلك البركات بمثابة اختصاصات، فيختص كل واحد من هذه الأضرحة في تقديم وصفة العلاج المناسبة للحالة المعروضة عليه، وهي الوصفة التي قد لا تكلف غير أداء ثمن بعض الشموع.

فأضرحة سيدي اليابوري وسيدي العربي بن السايح وسيدي القجيري وسيدي بومجيمر وسيدي الحاج بن عاشر وسيدي عبد الله بن حسون وسيدي موسى، وغيرها من الأضرحة التي تتوزع على العدوتين الرباط وسلا ونواحيهما، كلها أماكن يحج إليها الزوار من المدينتين ومن خارجهما، إن لم يكن ذلك طمعا في جلب عريس لعانس أو حظ لتعس أو لطلب العافية من مرض، فعلى الأقل من أجل راحة نفسية لم يجدها أشخاص حتى في صالونات عيادات مكيفة لأطباء نفسانيين، كما صرح بذلك أكثر من شخص.

بحث عن عريس!

يثير انتباه مرتادي الساحل الأطلسي بمدينة الرباط، بالقرب من قصبة الوداية التاريخية، توافد زوار على ضريح حيث يرقد جثمان شخص يدعى سيدي اليابوري، والذي شُيد بجانب البحر ليظل عبر السنين مزارا للعوانس من الفتيات بقصد الاغتسال بمياهه لجلب السعد، الذي ليس إلا زوجا يحول دونه الحاسدون والسحرة، تقول «سعيدة» الثلاثينية، والتي لم ترفض الحديث إلى «المساء»، وإن ألمحت إلى أن الاسم الذي أدلت به غير حقيقي. وأقسمت بأن «بركة» سيدي اليابوري هي من أنقذت إحدى صديقاتها من أن تبقى «بايرة»، عندما تزوجت من مغربي مقيم بإيطاليا، ولتعيش معه هناك إلى جانب ابنهما، بعدما كانت مواظبة على زيارة هذا الضريح كل يوم أربعاء والاغتسال بمائه.

وتحكي روايات الزوار أن الاغتسال بمياه «الولي» جزئيا أو كليا، إن استطاعت الزائرة إلى ذلك سبيلا داخل الضريح يوم الأربعاء، سيجعلها تتخلص من السحر أو العين فتضحي الطريق سالكة أمام فتى الأحلام ليخطب ود هذه الفتاة. وبالإضافة إلى بركة منح الأزواج فالضريح كذلك معروف بأنه يزيل «التثقاف» وهو السحر الذي يحول بين المرء وزوجه فيجعل العلاقة الزوجية تفتقد إلى المعاشرة الطبيعية.

وتتناسل بالعاصمة الإدارية العديد من الأضرحة، التي تعرف حركات دؤوبة من قِبل الزوار، بينما تجد مريدات بلغن من العمر عتيا، يشرفن على تنظيف فضاءات تلك الأضرحة، مقابل الاستحواذ على بيع الشموع بأبوابها للزوار، الذين لن يشفع لهم عالمنا المتطور اليوم بطرق أبواب هذه الأضرحة؛ فالناس ما زالوا يتجهون إلى الممارسات غير المفهومة ويدمنون عليها، كما يورد الدكتور مصطفى أخميس، في كتابه «طقوس وأسرار أضرحة الدار البيضاء»، الذي يوضح أيضا أنه سوف تتواصل العادة لسنوات مقبلة، لأن هذا في واقع الأمر نتاج ما انغرس في نفوس الناس منذ صباهم، «قدسية» الضريح.

عيادات للطب النفسي

لم تعر امرأة تحمل بين ذراعيها رضيعا في ربيعه الأول، وهي تجتاز باب سيدي القجيري الكائن في زقاق مزدحم بالمارة بالعاصمة، أي اهتمام لسؤالنا لها حول دواعي زيارتها لهذا الضريح، ولكن بائعة الشموع المتدترة برداء أخضر فاقع لونه، والجالسة القرفصاء أمام الضريح تكفلت بالإجابة. حسب رأيها فإن سيدي القجيري يشفي من «العوّاقة» التي تصيب حلق الأطفال الصغار، بالإضافة إلى أمراض أخرى يكون الرضع عرضة لها؛ ذلك ما يظهره المكان الممتلئ بالنساء الحاملات بين أيديهن رُضعا، منهم كثيرون يصرخون، وكأنهم بذلك يحتجون ضد فناء الضريح هذا الذي تعمه الفوضى، حيث أزبال متناثرة هنا وهناك وقطط بئيسة تثقل الخطى في اتجاه قاذورات علّها تجد بها ما يسد الرمق، بينما كلب ضال يقف عند الباب غير آبه بزوار ألِف وجودهم بالمكان.

في «السويقة»، بالمدينة القديمة أيضا، وبمحاذاة أحد الأسوار الأثرية التي تفصل هذه المدينة عن شارع الحسن الثاني النابض بالحيوية، تكثر الحركة، خاصة بعد توقيت العصر. ورغم أن سكان مدينة الرباط ألفوا المرور أمام هذا الضريح أو ذاك، إلا أن العديد من هؤلاء لا يجد أدنى حرج في وصف «سيدي بومسيمر»، بأنه مُشفي الجرب والعديد من الأمراض الجلدية الأخرى. ويسترسل إدريس وهو أحد الباعة المتجولين، يروج بضاعته بالقرب من ضريح بومسيمر، في سرد حالات أتت إلى المكان للتبرك فنفعتها البركة. وألح البائع على ذكر حالة شخص قريب له كان مجرابا، فاقترح عليه هو نفسه زيارة الضريح فكان له الشفاء.

وعلى الضفة الأخرى لنهر أبي رقراق، وبالقرب من حي شعبي بمدينة سلا، يرقد «سيدي الحاج بن عاشر»، الذي أحيط ضريحه بمقبرة لموتى سكان المدينة. قبته المبيضة بالطلاء باتت إحدى مكونات المقبرة في ذاكرة زوارها، والذين لا يترددون في التبرك في الغالب بالضريح بعد أن يُعرجوا على الترحم على فقيد مدفون هناك. ولكن زيارة هذا الولي أفضل بكثير من زيارة الفقيد، يقول «السي محمد»، الذي قدم نفسه على أنه حفيد الحاج بن عاشر، وأحد الساهرين على العناية بضريحه. وحسب هذا الحفيد فالضريح قبلة للمجانين والمرضى نفسيا وحتى الصبيان منهم المصابين بمرض «الجعرة»، فإن الولي ينفعهم ببركته، ويكفي بالنسبة للمراهق المجنون أن يعكف على التمسح بجدران الضريح الداخلية، وأن تضع أم الصبي صبيها بإحدى نوافذه ثم تنبري تطوف حول الضريح، ليأتي الصرْع، فيخرج الجن من المصاب ويتعافى من مرضه، يروي حفيد هذا الولي.

طقوس غريبة

كانت كل التحركات والإقبال المكثف للزوار على ضريح سيدي موسى الكائن بالحي الذي يحمل اسمه والمطل على المحيط الأطلسي، قُبيل العصر في هذا اليوم الاثنين، تشي بالاستعداد لشيء ما سيحدث؛ الزوار معظمهم من النساء والكثيرات منهن فتيات بلباس عصري. وغير بعيد، مقابل الضريح ببضعة أمتار، احتشد بعض الشباب الذين يحملون غيطة وطبولا، وإلى جانبهم آخرون يخوضون في عزف معزوفات من تراث «كناوة»! وسرعان ما بدأ أصحاب الغيطة هم الآخرون في تقديم عروضهم، فلم يكونوا غير فرقة «حمادشة»، التي تنشط هنا عصر كل اثنين احتفاء ب«رجال البلاد»، في هذا المكان ذي الجغرافيا الرائعة على ضفاف الأطلسي، الذي أبى الراقد هنا «سيدي موسى»، وإلى جانبه «عائشة البحرية»، إلا أن يختاراه، قبل قرون من الزمان، للإقامة، حيث لم يعيشا ما يعيشه اليوم المغاربة من مشكلات مع ضيق الوعاء العقاري المخصص لدفن موتى المسلمين. يرتفع صوت الغيطة وقرع الطبول ويتكاثف الزوار على شكل حلقات فاغرين أفواههم يتابعون عروض «حمادشة» و«كناوة»، بينما فتيات ونسوة عجائز أخذتهن الجذبة التي يصل إليها الشخص عندما يندمج جسدا وروحا مع إيقاعات الحضرة؛ إنها لحظة الذروة بالنسبة للمصابات بعين أو حسد أو سحر، فيحول دونهن والعريس الموعود حائل، وبالحضرة سيتم لفظ «الدْيار» أو «السحر»، تقول فتاة تراقب شقيقتها التي تخوض في جذبتها، والتي تأتي منذ أسابيع عدة إلى نفس المكان من أجل نفس الطقوس علّ ذلك يخفف من معاناتها وأزماتها النفسية، فليست هنا بقصد البحث عن عريس، كما تقر أختها، وإن كانت معظم الفتيات يأتين لهذا الغرض، ولكنها تواظب كل اثنين على حضور عروض «حمادشة»، فقط للترويح عن نفسها بالحضرة.

وبينما كانت الأجساد الذكورية والأنثوية تتزاحم مشرئبة بأعناقها إلى داخل «الحلْقة»، كانت فتيات عديدات منهن من ترافقهن أمهاتهن، يتجهن نحو صخور منحدرة نحو مياه المحيط؛ منهن من تحمل ديكة حمراء وسوداء، ومنهن من اكتفت بقوارير ماء الزهر وشموع وحناء، قاصدات عائشة «مولات المواج» مانحة الأزواج. وعند منحدرات تلك الصخور يطالعك شباب تبدو ملامحهم كملامح ذوي السوابق الإجرامية، يسارعون إلى مساعدة هؤلاء الفتيات على النزول إلى المنحدر فينحرون أمامهن تلك الديكة ويدمدمون بكلام لا تعرف منه إلا القليل، ثم يطالبون الفتيات ب«الفْتوح»، أي القليل من المال بعدما يأخذون الذبيحة، ثم يطفقون إلى توديع هؤلاء الفتيات، وقد أخبروهن بقضاء حوائجهن من طرف «جدِّهم سيدي موسى وجدَّتهم عائشة البحرية».

وغير بعيد عن هذه المنحدرات يثير انتباه الزائر رجالٌ يلتفتون التفاتة الوجلين، يمينا ويسارا، ثم يختفون فجأة وراء صخرة من الصخور ليظهروا بعد فترة قصيرة؛ إنهم يقصدون المكان أيضا للاستشفاء من مرض اسمه الضعف الجنسي، والوصفة، كما روى أحد الذين يشتغلون بها، هي بيع هؤلاء المرضى سمكا صغيرا اصطادوه بالقرب من عائشة البحرية، فيضع المريض الواحدة من هذا السمك على عضوه التناسلي، ويحكه بها ثم يرمي بها في البحر، ليكون ذلك كافيا لاستعادة فحولته، حسب هؤلاء الصيادين للسمك والبشر.

المساء : 05 - 05 - 2009

الاثنين، فبراير 14، 2011

لكل ثورته...والخليجيون لهم ثورتهم كذلك حين يرقصون على الملايير...


ثورة المال والجسد القادمة من خليج البترودولار:

الإعلامي حافظ الميرازي يدعو "الجزيرة" و"العربية" إلى تناول النظامين القطري والسعودي

دعا الإعلامي المصري حافظ الميرازي قناتي "الجزيرة" و"العربية" إلى تناول الوضع في السعودية وقطر كما تتناولان الوضع في مصر.

جاء ذلك إثر تردد أنباء عن إقالة الإعلامي المعروف من العربية بعد أن اقترح مناقشة تأثير ثورة مصر على السعودية.

وقال الميرازي، الذي عمل سنوات في "الجزيرة" القطرية، لـ"فرانس برس"، الاثنين "قبل أن يتحرر الإعلام المصري كنا مضطرين للعمل في الجزيرة أو العربية لأننا لم نكن نستطيع أن نتحدث في الإعلام الخاص أو الحكومي".

وأضاف "الان وقد تحرر الإعلام المصري فإن أي زميل يتحدث عن الأوضاع في مصر يجب أن يتمكن من الحديث أيضا عن الأوضاع السياسية في قطر على قناة الجزيرة أو عن الأوضاع في السعودية على قناة العربية".

وكان الميرازي انتقد بحدة الإعلام السعودي في حلقة من "أستوديو القاهرة" الذي تذيعه قناة العربية، والتي تناول فيها تغطية الصحافة السعودية للثورة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك في مصر.

وقال خلال الحلقة التي استضاف فيها الإعلامي المصري حمدي قنديل "هل تجرؤ الصحف السعودية أن تقول كلمة على الملك عبد الله أو على النظام السعودي"، مضيفا "إن لم نستطع أن نقول رأينا فلنتوقف، الحلقة القادمة سنجرب ذلك سنتحدث عن تأثير الأحداث في مصر على الوضع في السعودية، إذا تم ذلك فالعربية قناة مستقلة وإذا لم يتم فأودعكم وأشكركم على متابعتكم معي خلال هذه الفترة من أستوديو القاهرة".

وفي تصريحه لـ"فرانس برس"، قال الميرازي إنه فوجىء بعدم إعادة بث هذه الحلقة في موعدها المعتاد في الثانية عشرة من بعد منتصف الليل، مضيفا "بدلا من ذلك أذاعوا برنامج أستديو بيروت الذي كان متوقفا منذ بداية الأحداث في مصر".

وأضاف "في اليوم التالي أبلغناهم بأننا جاهزون للحلقة الجديدة من البرنامج إلا أنهم ردوا قبل ساعتين فقط من التصوير بأن القناة قررت خفض حجم تغطيتها للوضع في مصر بسبب تحسن الأوضاع، ولذلك ستعود إلى برامجها العادية، وبالتالي يعود البرنامج إلى موعده الأسبوعي".

وقال الميرازي إن الحلقة القادمة "يفترض أن تذاع يوم الجمعة في السابعة مساء، وعلى الهواء، وأن الموضوع لم يتغير وهو نفس الموضوع".

وكانت عدة مواقع عربية نشرت غداة الحلقة الأحد أن الوليد بن إبراهيم رئيس مجلس إدارة مجموعة "إم بي سي" المالكة لقناة "العربية" أصدر قرارا عاجلا بإعفاء الميرازي من العمل في القناة.

لكن الميرازي نفى تبلغه بهذا القرار، وقال "لن أتوقف عن تقديم البرنامج حتى إذا أرادوا أن يكون شهريا أو حتى سنويا، أنا حريص على البقاء معهم لأنها محطة جديرة بالاحترام وإذاعتها لبرنامجي ستؤكد ذلك".

بوتفليقة ونظام العسكر يرتعدان من الثورة القادمة

اعتقال أزيد من 400 متظاهر يوم السبت وأبناء المليون شهيد يجمعون الصفوف

أعلنت المعارضة الجزائرية يوم الأحد أنها ستنظم تظاهرة جديدة في 19 فبراير في الجزائر العاصمة، وذلك في سعيها لتغيير النظام الحاكم في البلاد على غرار الانتفاضتين التونسية والمصرية.

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن العضو في حركة المعارضة الجزائرية، التنسيقية الوطنية للتغيير والديموقراطية، المحامي مصطفى بوشاشي، قوله إن "التنسيقية الوطنية انتهت للتو من اجتماع وقررت تنظيم مسيرة السبت المقبل في العاصمة الجزائرية".

وأوضح بوشاشي أن مكان التحرك سيكون نفسه، مؤكدا معلومات سرت الأحد عن احتمال تنظيم تظاهرة جديدة الأسبوع المقبل.

وتمنع التظاهرات في العاصمة الجزائرية بموجب حالة الطوارىء التي أُعلنت في البلاد العام 1992، وتم تشديدها في العاصمة العام 2001.

وكانت قوات الأمن الجزائرية قد اعتقلت يوم السبت حوالي 400 متظاهر شاركوا في مسيرة محظورة تطالب بتغيير النظام، شارك فيها الآلاف، حسب ما ذكر ناشط حقوقي لوكالة "أسوشيتد برس".

وانتشر ثلاثون ألف شرطي بالزيين الرسمي والمدني، معززين بمئات المدرعات في وسط العاصمة لمنع المسيرة السلمية التي دعت إليها التنسيقية الوطنية للتغيير والديمقراطية.

ومن بين المعتقلين فضيل بومالة أحد مؤسسي التنسيقية الوطنية للتغيير والديمقراطية، كما حدثت صدامات بين الجانبين قبل انطلاق المسيرة في ساحة الوئام المدني وسط العاصمة.

إلى ذلك أشارت مصادر من العاصمة الجزائرية إلى لجوء النظام الجزائري العسكري إلى توظيف "بلطجية" من أجل التشويش على المتظاهرين، رافعين صور الرئيس الجزائري ومرددين شعارات موالية للحكومة الجزائرية، في صورة "سمجة"؛ حيث تجمع مجموعة من الشباب لا تزيد أعمارهم عن 18 سنة، في ساحة أول ماي ينادون بحياة الرئيس بوتفليقة، ورددوا شعارات تطالب رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي بالرحيل من العاصمة، وحاولوا الدخول في صراعات مع المتظاهرين، غير أن عناصر الأمن جعلت حاجزا بينهم وبين المتظاهرين.

وطلب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، مصطفى بوشاشي، من المتظاهرين عدم الدخول معهم في صراعات، حيث قال "إن هؤلاء المراهقين هم أبناؤنا، لا يعرفون حقيقة ما يجري، وظفهم النظام ولا يجب الدخول معهم في شجار"، مضيفا أن ما يقوم به النظام شبيه تماما بما قام به النظامان التونسي والمصري في قمع المظاهرات.

وهو الطرح الذي أكده عالم الاجتماع السياسي، ناصر جابي، الذي كان بالقرب من المسيرة حيث قال، "إن هذا العمل نوع من البلطجة"، و"أن هؤلاء الشباب بطّالون يسهل توظيفهم في مثل هذه الحالات"، دون أن يستبعد أن يكون النظام هو من وظفهم.

وبعد الظهر، عادت حركة المرور بشكل محدود في هذه المنطقة التي أغلقتها بالكامل قوات أمن كبيرة معززة بعربات مدرعة.

وأفادت "فرانس برس" أن المواجهات اندلعت في ساحة الوئام المدني، وأن الشرطة اعتقلت النائب في البرلمان عن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عثمان معزوز.

وأكد رئيس الحزب سعيد سعدي اعتقال النائب معزوز، مضيفا أن "الرئيس الشرفي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان المحامي علي يحيى عبد النور وعمره 90 سنة، تعرض لسوء المعاملة من طرف الشرطة".

وأفاد صحافيون أنهم رأوا الشرطة تعتقل متظاهرين آخرين. وهتف المتظاهرون "الجزائر حرة" و"ليرحل النظام".

من جهة أخرى، ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن قوات الأمن الجزائرية قتلت ثلاثة من المتشددين الإسلاميين في غرب البلاد.

ونقلت الوكالة عن مصادر أمنية قولها إن الثلاثة قتلوا الجمعة في عملية أمنية في جبال تافرنت، وأن اثنين من القتلى هم أعضاء في جماعة حماة الدعوة السلفية المنشقة عن الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر.

الجمعة، فبراير 11، 2011

المغرب، مخابرات، تجنيد: كيف تصبح مُخبِرا بـ"لادجيد" والـ"الديستي"؟

في الآونة الأخيرة بدأت الإدارة العامة للأمن الوطني تجند عناصر الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني الـ"ديستي"، عن طريق مباراة توظيف خارجية، بعيدا عن الطرق التقليدية للتوظيف في المخابرات الداخلية المُكنى عنها "مول الغابة"، بينما ما تزال مديرية الدراسات وحفظ المستندات "لادجيد" تجوب دول العالم بحثا عن "طيور مهاجرة نادرة" وفتح مباريات توظيفن تحت مسمى المؤسسة العمومية، من أجل تدعيم عناصرها بموارد بشرية تستطيع الدفاع عن مصالح وطننا، إلا أن اللافت هو لجوء المخابرات الداخلية إلى تأنيث الجهاز في السنتين الأخيرتين

تعتمد على عناصر الكفاءة والكتمان والإيمان بالملكية باقتناع


فوجئ "إدريس" عندما تناول رسالة من ساعي البريد تحمل عنوان "المشور السعيد" بالرباط، سرعان ما فتحها ليجد ما بداخلها "استدعاء" بالحضور إلى عين المكان في التاريخ الفلاني، لاجتياز اختبار من أجل "التوظيف"..

حاول صاحبنا أن يرجع بذاكرته إلى الوراء، لعله يسترجع أسماء المؤسسات العمومية والشبه العمومية وغير العمومية، التي كاتبها في الآونة الأخيرة من أجل التوظيف، لكن دون جدوى..كتمها في نفسها قليلا قبل أن يطرح سؤالا على نفسه كان أشبه إلى محاولة للإطمئنان، ولإبداء التفاؤل؛ هي وظيفة حساسة بدون شك..لِم لا؟ هكذا تساءل، قبل أن يخبر أفراد العائلة بالأمر، وتدعو له والدته بالتوفيق، أو "باللي فيها الخير..مارْحبا بيها"..

لم تمض إلا ساعة من الوقت حتى جاءه إلى المنزل صديق، كان يتابع معه دراسته الجامعية، وهو على نفس حالته الاجتماعية أيضا، أعزبان في انتظار بناء أسرة، علاوة على أنهما يحملان نفس الشهادة الجامعية (الإجازة في القانون العام)، ويعانيان معا منذ أزيد من ثلاث سنوات من البطالة..

ابتسم الصديق، وكانت ابتسامته تلك تشي دوما بشيء ما، قبل أن يبادر "إدريس" بالسؤال عما إذا توصل اليوم برسالة ما، فأجابه على الفور بسؤال، هل أنت أيضا توصلت بها؟ ثم ذكّره الصديق بذلك الإعلان الذي نشر قبل أزيد من نصف سنة على إحدى الجرائد الوطنية، والذي كان يشير إلى رغبة "مؤسسة عمومية" في توظيف حاملي الإجازة في الحقوق والاقتصاد والترجمة، وهو الإعلان الذي لم يبد إدريس اهتماما لإرسال طلب إليه، قبل أن يفعل ذلك، بعدما أقنعه صديقه بالمحاولة، على غرار محاولات عدة كانت ظروفهم تلح عليهم بها..

مباراة مخبِر..

انطلق الصديقان باكرا، في ذاك اليوم، من مدينتهم التي تبعد عن العاصمة بأزيد من 100 كيلومترا، في اتجاه المشور السعيد..كان المكتب رقم 5 هو مقصدهم، لإجراء ذاك "الاختبار"، لكن قبل ذلك كان عليهم الإدلاء ببطائق هويتيهما للأمن الواقف عند باب"المشور"، والإجابة عن سؤال "ما سبب الزيارة؟"، الذي كان الجواب عنه تأشيرة الولوج إلى "المشور"، حتى دون أن يُكمل رجال الأمن التدقيق في بطائق الهوية، لا بل إن أحدهم بالغ في "المزح" مع الصديقين، في صورة مرحة نادرا جدا ما تبدو على وجوه رجال الأمن في معاملاتهم مع المواطنين، بأحرى أن يكون الأمر يتعلق بداخلين إلى محيط "دار المخزن".

في صالة الانتظار كان بضعة أشخاص ينتظرون، سرعان ما اكتشف الصديقان أنهم مثلهم مرشحون أيضا لاجتياز هذا الامتحان، بينما كان موظفون في أزهى ملابسهم، يُحذقون النظر إلى هؤلاء "الوافدين" الجدد على "وظيفتهم"..عدد الوافدين تجاوز العشرة، وفي بضع دقائق، تعدى بقليل عتبة العشرين شخصا..تبادل الموظفون المشاورات..فطلبوا من المرشحين دخول القاعة رقم..بل المكتب رقم 5 أو 9، لم يعد إدريس يذكره بالضبط..في الحين سرت همسات بين المرشحين تحاول الإجابة عن سؤال يحمله كل واحد منهم منذ أسبوع عندما تسلم الرسالة/الاستدعاء، ما طبيعة الوظيفة التي سيَمتحنوننا فيها؟ لا أحد عنده جواب، حتى هؤلاء الموظفين، الذين سيسهرون على تنظيم الامتحان، لا يريدون الإجابة بوضوح، وفي أدب يطلبون منهم الكف عن هذا السؤال، والإجابة بتأنٍّ عما سيطلب منهم قبل قليل، لكن مرشحا بدا وكأنه الأجرأ في المجموعة، تطوع للإجابة مؤكدا بالقول "هادي ما تكون غير شي خدما في العسكر، أو لادجيد"..إنها مديرية الدراسات وحفظ المستندات، أو المخابرات المغربية الخارجية، المعروفة اختصارا بـ"لادجيد" التي خمّن فيها، ذات لحظات، "إدريس" وتمنى أن يحظى بقبوله في مباراة الولوج إليها..

دخل الحضور الذين لم يتجاوز عددهم الـ27 مرشحا إلى القاعة وانتظروا أوراق الامتحان.. وأخيرا تم الإفراج عنها، وهي عبارة عن مطبوعات ملصقة إلى بعضها البعض ويتراوح عدد صفحاتها ما بين 40 و60 صفحة، تحوي أسئلة معرفية تهم كل جوانب الحياة، بدءا بالحياة الخاصة، إلى الحياة العامة الوطنية، والسياسة الدولية، بالإضافة إلى أسئلة تقنية تخاطب ذكاء المرشحين وتجمع بين ما هو رياضي حسابين وما يتعلق بقوة البداهة والتركيز لدى المرشح، عدا عن أسئلة باللغة الإنجليزية وأخرى بالفرنسية.. وانتهى الاختبار بعدما تعرف المرشحون على بعضهم وتبادل البعض منهم أرقام هواتفهم، في انتظار أن يلتقوا أو لا يلتقوا..المناسبة كانت مواتية للصديقين، ليكتشفا هذا النوع من الوظائف والمباريات؛ مرشحون قليلون يخوضون مباراة داخل المشور السعيد، وأناس يحرسونهم حريصون على أن لا يقولوا أكثر من إرشاد المشاركين وتنبيههم بطريقة الإجابة عن الأسئلة..لكن الذي أثار انتباه المشاركين هو بعض الزملاء الذين لم ينبسوا ببنت شفة طيلة "المبارة" فيما كانوا "مميزين" عن باقي المرشحين..ألبسة أنيقة مع ربطة العنق، وحملقات متبادلة بين بعضهم البعض.. بعد أسابيع انتهى إلى علم المشاركين في تلك المباراة أن أولائك "المهندمين" بطريقة راقية، كانوا هم الناجحين، بالإضافة إلى زملاء آخرين لهم، يبدو أنهم تجاوزوا المباراة في وقت سابق، حيث تم اكتشاف أن المشاركين قسموا إلى فوجين أو ثلاثة، في كل واحد منهم ما يقرب الـ30 فردا..هكذا هي طريقة أولى للتوظيف في "لادجيد"..البعض يريد القول بأن ذلك يتعلق بتوظيف في القصر، كيف لا والمباراة يتم إجراؤها داخل المشور السعيد..قد يقول قائل أن مقري كل من الوزارة الأولى ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية يجدان أيضا داخل المشور السعيد، فهل يعتبر العمل بهما عملا داخل القصر؟

البحث عن "الطيور المهاجرة"

الجواب عن هذا الإشكال يأتي من "إشاعة" التقطها مقيمون بفرنسا، وتحديدا في ربيع سنة 2007، في صفوف طلبة بعض مدارس المهندسين المعروفة لدى الطبقات الراقية بالمغرب، حيث يدرس أبناؤهم.. الإشاعة التي راجت وقتها، بحسب مصادر مقربة من مهندسين متخرجين من إحدى تلك المدارس، تقول بأن القصر الملكي يوظف هذه الأيام..وتحديدا من المتخرجين من هذه المعاهد والمدارس الفرنسية، فقط يجب أن تتوفر فيك بعض الشروط..أكيد أن الشرط الأساسي وهو الشهادة، متوفر لدى جميع من يدرسون بهذه المدارس، يبقى فقط أن تتوافر لديك القدرة على الكتمان، وخاصة في العمل، والإيمان بالملكية حقيقة لا نفاقا.. البعض استصغر الفكرة، معتبرا أن لا غرابة من ذلك فبالقصر الملكي المؤسسة، هناك اختصاصات بالجملة، وطبيعي أن يتم توظيف أهل تلك الاختصاصات، لكن البعض الآخر ومنهم "عادل"، تأمل جيدا دون أن يبدي رأيه، فقد وجد تشابها في ما يدور حوله من حديث وبين ما حدث لزميلته السابقة وصديقته التي غادرت باريس متوجهة إلى الرباط، بعدما قررت عدم مواصلة الدراسة العليا، لأنها حصلت على عمل بالمديرية المركزية لـ"لادجيد"، كما أخبرته دون أن تعطي مزيدا من التفاصيل.

تأنيث المخابرات

في الذراع الأخرى للمخابرات المغربية (الديستي)، تكثر طرق تجنيد المجندين وتتعدد مصادرها؛ فمن إدماج عناصر شرطة الأمن وانتقاء العناصر المتوفرة فيها شروط النباهة والتكوين والتكوين اللغوي، إلى اختيار "رؤوس الحربة" في صفوف طلبة المعاهد والمدارس العليا، إلى إدماج بعض حاملي الشواهد العليا، إلى تجنيد أطر المؤسسات العامة والخاصة، وخاصة في صفوف الأحزاب والنقابات والمؤسسات الإعلامية، بمختلف مشاربها، كلها سبل يعتمدها هذا الجهاز الأمني المخابراتي لتدعيم هياكله بالأطر. إنها طرق باتت "عتيقة" ولا تتماشى مع متطلبات زمن العولمة والإكراهات المتزايدة والمتعددة للعمل المخابرات، حسب مصادر مطلعة، التي كشفت عن أن الإصلاحات الأمنية وإعادة النظر في الظهير المنظم لمديرية الأمن الوطني، في السنة الماضية، سبقته إجراءات تطبيقية على الأرض، مست جوهر "انتقاء" عناصر هذه الهيئة الأمنية، بل وجعل طرق ذاك الانتقاء أكثر شفافية، تستجيب وما تدعو إليه السلطات العليا من ضرورة الأخذ بالحكامة والشفافية. لكن الملفت في النظر هو أن استجابة مسؤولي الأمن ببلادنا لدعوات السلطات العليا ذهبت إلى حد الاقتداء بالدول الغربية، في ما يتعلق بطريقة توظيف عناصر الـ"ديستي"، حيث بدا أنه من الملف للنظر، أن تعلن إدارة الأمن الوطني، في سنة 2009، عن حاجتها لـ100 رجل وامرأة للعمل في هذا الجهاز الأمني. وتكشف المصادر أنه جرى تعيين أزيد من 100 عنصر جديد من بينهم 14 فتاة، جرى اختيارهن بعد مباراة دارت في أحد مقرات المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بتمارة. الإدارة العامة للأمن الوطني حددت شروطا صارمة ومحددة لاختيار هذه العناصر، لاسيما النساء المراد تجنيدهم، واللائي سيجري اختيارهن بناء على توفرهن على عدد من الشروط، أبرزها التفوق الدراسي، والوضع الاجتماعي بحيث أن لا تكون متزوجة، على الأقل في مرحلة التوظيف ولا يسمح لها بذلك إلا بعد أداء فترة من الخدمة، وبشروط تحت طائلة الفصل من العمل، هذا بالإضافة طبعا إلى "أونكيت" على المرشحة للعمل مع هذا الجهاز، يشمل علاقاتها بالمقربين منها والعائلة، وانتماءاتها السياسية والجمعوية إن كانت.

مصادرنا أشارت إلى أن التوجه إلى "تأنيث" هذا الجهاز المخابرات بالخصوص، راجع إلى عدة أسباب فرضتها الظروف الراهنة التي يعيشها المغرب، والتي تتميز بالتحديد بتزايد ظاهرة الاحتجاجات، والأنشطة الجمعوية والسياسية، التي تقتضي "اختراقا" بات يصعب على "العنصر الذكوري" القيام به. هذا عدا عن أن العنصر الأنثوي يعتبر أكثر "جاذبية" إزاء مختلف "الفاعلين" من أجل "الحديث بأريحية" حول مختلف المواضيع. بل إن فرص ذلك تبدو أكثر نجاحا ومردودية، يقول أحد المصادر، عندما تكون المجندة تحظى بقدر من الجمال والأنوثة (يضحك قليلا).

المبارة التي تم تنظيمها من طرف إدارة "الديستي" شارك فيها أزيد من 600 مترشح ومترشحة، خضعوا دون علمهم بذلك إلى تقارير "تشخيصية صارمة" تَحوطا من أن يكون هناك تسريب من قبل "الجماعات المتطرفة"، أو من طرف منتمين سياسيا لكن غير معلِنين لذلك الانتماء.

وتصف المصادر أنه تم تعيين "لجنة أمنية خاصة" تضم ضباطا بإدارة مراقبة التراب الوطني للإشراف شخصيا على عمليات التحقيق في الطلبات المقدمة لاجتياز المباراة، سواء من الذكور أو الإناث، وركزت اللجنة على "بروفايلات" المرشحين الذين يتقنون اللغات، ويتوفرون على تكوين جامعي عال، مع التركيز أكثر على المرشحين الذين يتوفرون على شهادات في تخصص العلوم السياسية، وعلى فتيات بالإضافة إلى أنهن مكونات تكوينا علميا جيدا، فإنهن حسناوات كذلك. هؤلاء تلقوا تدريبا مكثفا وتنوعا قبل أن يحصلوا على شواهد تخرجهم برتبة مفتشين ومفتشات أو ضباط وضباطات. المثير إذن في الطريقة التي بدأت مديرية "الديستي" تنهجها لاختيار المرشحين للعمل في أقسامها هي مختلِفة تماما عما عهدناه في السابق، حيث لم تعمد إلى اختيار عناصرها من صفوف متدربي الشرطة بالمعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة، أو مدرسة الشرطة ببوقنادل، ناحية سلا، أو ممن يعملون أصلا بأسلاك الشرطة، بل إن اعتمادها على نشر إعلان عمومي موجه إلى كل من تتوفر فيه شروط اجتياز المباراة الخارجية، يعتبر "منعطفا مثيرا" يعلن عن بداية "تطليق" إدارة الأمن الوطني لأساليبها القديمة، التي ما فتئت تثير الكثير من المؤاخذات من طرف مختلف مكونات المجتمع. واللافت أيضا للانتباه هو أن تلك المباراة فُتحت أيضا حتى في وجه المغاربة المقيمين بالخارج، وهو ما يؤشر على أن هذه الإدارة، ربما فكرت في الاستفادة من إمكانيات بعض المهاجرين الشباب، الذين يتوفرون على الكفاءة التعليمية واللغوية، وهو ما قد يشكل جانبا آخر "للتنافس" وربما لـ"التصادم"، لم لا، مع جهاز المخابرات العسكرية الخارجية، "لادجيد"، التي تعتَبر "المجال الخارجي" حكرا على عناصرها، سواء كحقل للعمل أو للتنقيب عن "الطيور المهاجرة النادرة"، تقول مصادرنا.

خطة الإدماج الجديدة التي ستتبناها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ستنبني على الانفتاح على جميع شرائح المجتمع، ذكورا وإناثا، وعلى أن تكون عناصر الكفاءة والكتمان المهني وعدم "الولاء" لأي جماعة أو منظمة، الفيصل والمحدد الرئيسي والجوهري للاختيار، على أن الإدارة ستعمد إلى إدماج فوج الإناث عبر دفعات، بعد اختيار ما بين 14 إلى 20 شابة، كدفعة أولى، يتوفرن على تكوين عال ومعرفة جيدة باللغات الحية. بعد ذلك سيتلقى جميع الناجحين في مباراة الانتقاء "تكوينا خاصا"، على أيدي مسؤولين بالمديرية العامة لمراقبة الترب الوطني، حول كيفية إنجاز التقارير الخاصة المتعلقة بمختلف الشبكات الإجرامية، التي تعتبر الأولوية التي يتم التركيز عليها، بالإضافة إلى التكوين على طرق "التسرب" داخل التجمعات الاحتجاجية والاجتماعات التي تتناول "مواضيع تحريضية" ضد مصالح الوطن العليا، هذا عدا عن أن المتدربين سيتدربون أيضا على كيفية التمكن من طرق ووسائل العمل، خاصة في ما يتعلق بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الأخرى، ومع مصالح الدرك الملكي، بالنظر إلى أن أفراد المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، لا تتوفر فيهم الصفة الضبطية، ولا يسمح لهم القانون باعتقال المتهمين وتقديمهم إلى العدالة، كما لا يحق لهم مباشرة عمليات الحجز، مما يفرض عليهم ضرورة التنسيق مع ضباط الشرطة القضائية، ومع عناصر الدرك الملكي، عن طريق مدهم بالمعلومات الكافية حول نشاط الشبكات الإجرامية، والمنتمين إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة أو المحظورة.

طرق مختلفة لأجهزة متنوعة

الحديث عن كيفية تجنيد موظفي الجهازين المخابرتين الرئيسيين في البلاد، يحيلنا على طرح السؤال عن الكيفية أيضا التي يتم بها اختيار عناصر باقي الأجهزة المخابراتية المغربية، التي يبلغ عددها بالإضافة إلى الجهازين السابقين، 15 جهازا، موزعا بين أجهزة مدنية وعسكرية وشبه عسكرية. وتشير المعطيات المتوفرة، من خلال رصد مصادر مختلفة، انها تكاد تكون هي نفس الطرق التي تم الإشارة إليها سابقا، والتي تتركز بالخصوص على عناصر الكفاءة والكتمان وعدم الانتماء السياسي أو الإيديولوجي إلى هذه المنظمة أو تلك. إلا أن الأمر يختلف بالنسبة للمؤسسة العسكرية، التي يصعب عليها اختيار عناصرها المخابراتية، نظرا لطبيعة عملها وضيق مجال اشتغالها، وهو ما يجعل التكوين العسكري الإطارَ المحدد أكثر لتجنيد عناصر مخابرات هذه الأجهزة، لكن ذلك لا يمنع من انفتاح هذه الأجهزة على المدنيين من خلال بث "متعاونين وعملاء، هنا أو هناك، تحت غطاء اللباس المدني، الذي يسمح له بولوج المؤسسة العسكرية من منظور الموظف في سلك الوظيفة العمومية، أو في دثار عباءة العامل في القطاع الخاص، الذي يحتك بمؤسسة الجيش بشكل دائم، كما هو الأمر بالنسبة للممونين مثلا للمؤسسة بمختلف مستلزمات الحياة.

فالمغرب يتوفر حاليا على 15 جهازا استخباراتيا، تتوفر على إدارة مركزية وملحقات وتفرعات ومكاتب للتنسيق تابعة لها في مختلف ربوع المملكة. وتكاد شبكة المخابرات بالمغرب تكون جد معقدة، سواء من حيث البنية او من حيث مجال اشتغالها.

وعلى مستوى المخابرات ذات الطابع المدني فإن وزارة الداخلية تتوفر على خمسة أجهزة مخابرات؛ أولها مديرية الشؤون العامة، التي تعتبر البنية التحتية لكل أجهزة المخابرات المغربية، من حيث كونه يقدم المادة الأولية، في الغالب، لجل الأجهزة الأخرى. ويعمل هذا الجهاز حاليا بحرفية عالية وكفاءة تثير اهتمام المتتبع، ومهمته جمع وتصفية وتصفيف المعلومات البسيطة والخام حول المواطنين، التي تمر عبر مصادر وسلسلة عريضة، ابتداء من الوالي والعامل، ومرورا بالباشا والقائد، ووصولا إلى الشيوخ والمقدمين. ويستطيع هذا الجهاز أن يعمل حتى في أقصى وأنأى مناطق المملكة، لكونه يتوفر على موارد بشرية كثيرة يتجلى بالخصوص في جيش من أعوان السلطة، الذين لا يمكن حصرهم فقط في المقدمين والشيوخ. ولهذا الجهاز مكاتب لدى جميع المصالح الخارجية لوزارة الداخلية، أي أنك تجد في كل عمالة أو باشوية أو قيادة مكتبا للشؤون العامة. وهناك أيضا جهاز الاستعلامات العامة التابع للإدارة العامة للأمن الوطني، وهو مكلف بجمع المعلومات السياسية، في المجال الحضري، وتتكلف عناصره بتغطية كافة المظاهرات وجميع النشاطات الحزبية وجمعيات المجتمع المدني. لكن النقطة الأكثر فاعلية لهذا الجهاز، حسب المتتبع، تتجلى في أنه يتوفر على قسم مهم مكلف بالتنسيق مع مجموعة من الناشطين، بغرض "التشويش" على الناشطين في المجال الحقوقي وإحراجهم، ويتواجد هذا القسم مركز "مارشي النوار" للأمن بالرباط بالعاصمة. هذا القسم طوّر عمله إلى درجة أنه لم يعد يخف صفة عناصره، الذين أصبحوا يعلنون انتماءهم بشكل "فاض ومكشوف" عندما يظهرون في الشارع العام وهم يحملون كاميرات تصوير لتغطية احتجاجات المتظاهرين.

وفي الوقت الذي لا يخفي البعض من أن مديرية القصور لها جانب من العمل ذو الصبغة المخابراتية، إلا أن المتتبعين للشأن الأمني يرون أنه من الصعب تصنيف بعض أنشطة هذه الإدارة ضمن خانة الأجهزة المخابراتية، بالرغم من أنها تقوم عند في اختيار عناصرها بما يلزم من جمع للمعلومات، هذا بالإضافة إلى أنها ملزمة كذلك بجمع ما يمكن من المعلومات المتعلقة بظروف حماية الملك والأسرة الحاكمة، في جميع القصور والإقامات الملكية، وكذا بقيامها بمراقبة تحركات الحراس وحمايتهم من أجهزة التجسس الأجنبية. وهناك كما أشرنا سابقا هو إدارة مراقبة التراب الوطني "الديستي"؛ الجهاز المكلف بمكافحة التجسس داخل المملكة، ومراقبة جميع الأعمال والنشاطات التي يمكنها أن تمس بسلامة الدولة السياسية والأمنية والاقتصادية والعلمية. ويتكون هذا الجهاز من مكتب للمدير العام ومصالح مركزية، بالإضافة إلى مصالح جهوية. كما يتوفر هذا الجهاز على قسم مهم ملحق بالمصالح المركزية، وهو مديرية شرطة الاتصالات والموجات، الذي يعتبر مركزا للتصنت على المكالمات ومراقبة الإنترنت والموجات الرادارية والرنينية، إنه بنك معلومات يحتوي على قاموس من الكلمات بأغلب اللغات المتوفرة في المغرب، بحيث أن كل مكالمة تتضمن كلمة مشبوهة مثل جيش، سلاح، ملك .. يتم تسجيلها تلقائيا ليتم إعادة تحليليها وقراءتها من لدن مختصين لمعرفة أسباب ورودها وتداولها من طرف المتصلين، مما يتطلب كفاءة عالية للتوظيف فيه.

هذا ما يتعلق بالمخابرات المدنية، أما في ما يتعلق بالأجهزة الاستخباراتية التابعة للجيش، فأغلبها يعمل إلى جانب أو مع أو تحت إمرة إدارة الوثائق والمستندات "لادجيد". هذا الجهاز الذي يقوده حاليا صديق الملك والمقرب منه كثيرا، ياسين المنصوري، يركز عمله التجسسي بالخصوص في البؤر الأكثر تأثيرا على مصالح الوطن، حيث أن عناصره مكلفة تحديدا بالتجسس داخل تندوف والجزائر والتراب الأوربي، وبعض الدول المناوئة للوحدة الوطنيةن والتي لا تظهر مواقفها بوضوح أو أنها ما تزال مترددة. كما أن الجهاز مكلف بالتنسيق مع أجهزة الاستخبارات الخارجية في القضايا المشتركة، وخاصة منها القضية المحورية في هذه السنوات، وهي الإرهاب، حيث كشفت الوثائق المسربة عن الموقع الشهير "ويكيليكس"، مدى اهتمام المخابرات الأمريكية الـ"سيا" وكذا المخابرات الأوروبية بالخبرة المغربية. ويتوفر الجهاز على مصالح خارجية، خصوصا الملحقين الدائمين بالبعثات الدبلوماسية، وهي تابعة لمصلحة المدير العام، كما تتوفر على ثلاثة أجهزة مخابرات تابعة للإدارة المركزية، وهي مصلحة التنفيذ، ومهمة هذا القسم هو عمل عناصره في الميدان والتدخل السريع عبر فرق "كوموندو"، من أجل الحفاظ على مصالح الوطن العليا. وهناك مديرية مكافحة التجسس، وهي بمثابة "خلية نائمة"، تصف المصادر، داخل الجيش المغربي، حيث تعمل بشكل سري للغاية وتنسق مع مراقبة التراب الوطني في نفس الموضوع، ويشبه البعض عمل هذه المديرية بطريقة عمل الاستخبارات السوفيتية السابقة، بحيث لا أحد مهما كانت رتبته من عناصره يعلم ما يجري داخل هذا الجهاز، إلا أن البعض يعيب عنه كونه يرجع إلى التعاون والتنسيق مع جهاز إدارة مراقبة التراب الوطني، وهو ما يعتبر نقطة ضعف هذا الجهاز، بل غن هناك من الخبراء من يحذر من خطورة هذا العمل التنسيقي، الذي قد يؤثر على التعامل مع أسرار الدولة وسلامة جواسيس الجهاز. وتتبع للإدارة المركزية لـ"لادجيد" كذلك، مديرية الاتصالات، التي تعتبر جهازا مكلفا بتنسيق الاتصال وحماية الوسائط الاتصالية بين كافة مصالح الجهاز الأب.

وعلى صعيد مؤسسة الدرك يتوفر المغرب على جهاز استخباري تابع له، ويعمل على جمع المعلومات داخل صفوف الدرك، وعلى جمع المعلومات في الأماكن التي لا تتوفر فيها الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني على مراكز دائمة. ويتوفر هذا الجهاز في الرباط على عدة أقسام، منها قسم حقوق الإنسان وجمعيات المجتمع المدني. وهناك جهاز آخر مرتبط بالجيش ويسمى "المكتب الثاني"، وهو جهاز مكلف بالاستخبار في المراكز الحدودية، والتنسيق مع "الديستي" و"لادجيد"، في المواضيع والملفات المشتركة او التي يحصل في لقاء بصورة مفاجئة لمكن مصلحة الوطن تقتضي فرض ذاك التنسيق. ويوجد جهاز آخر هو "المكتب الخامس"، المرتبط كذلك بالجيش وهو مكلف بجمع المعلومات حول الجنود والثكنات وكل ما يتعلق بالجسم العسكري. وهناك جهاز آخر يصفه المتتبعون بأنه جهاز "مخضرم"، وهو تابع نظريا لوزارة الداخلية، لكن تسيطر عليه عمليا مؤسسة الجيش، وله مهام ثلاثية الأبعاد داخل المدن والقرى والمراكز الحدودية. وهناك جهازان آخران مرتبطان بالجيش، كذلك، هما جهاز أمن المنطقة الجنوبية، و جهاز أمن المنطقة الشمالية.