الخميس، مايو 28، 2009


اعتبر نجيب الوزاني الأمين العام لحزب العهد الديمقراطي في حواره مع "المساء" أن خروجهم من الأصالة والمعاصرة جاء بعد اكتشافهم أن هاجس الهيمنة هو المسيطر داخل حزب "التراكتور"، مقرا بأن مشاركة حزب العهد الديمقراطي في الانتخابات المقبلة ستكون متوسطة ولكن أولوية الحزب ستتمحور حول تقديم مرشح نوعي بعيدا عن هاجس العدد

عاد للتذكير بخروجهم من حزب فؤاد عالي الهمة متهما إياه بالرغبة في الهيمنة
الوزاني يتهم بعض الأحزاب باستغلال ورقة الإصلاحات السياسية عشية الانتخابات

حاوره: نورالدين اليزيد

بعد تجربة الاندماج الفاشلة مع حزب الأصالة والمعاصرة، والتي أدت إلى خروجكم منه والعودة إلى حزب العهد، في صيغة جديدة، كيف يستعد حزبكم الذي تأسس فقط قبل أسابيع للاستحقاقات المقبلة؟

فعلا ليس سهلا أن يستعد حزبنا الجديد للانتخابات المقبلة، وذلك راجع إلى التجربة الفاشلة التي مررنا بها، ولكن مع ذلك أستطيع القول أن استعدادات حزب العهد الديمقراطي، بدأت بالموازاة مع التحضير للمؤتمر التأسيسي منذ مدة طويلة نوعا ما، بحيث شرعنا في عقد لقاءات ومشاورات سواء مع الإخوة الذين كانوا ينتمون إلى حزب العهد سابقا، أو مع أسماء أخرى عبرت عن رغبتها في ركوب تجربة حزب العهد الديمقراطي، وكان ذلك في عدد من المناطق المغربية القروية منها والحضرية للبحث في معايير المرشحين الذين ينوون الترشح بلون حزبنا، إن على مستوى الدوائر القروية التي ستخوض انتخابات فردية، أو في ما يتعلق بالدوائر التي ستجري فيها الانتخابات بنظام اللوائح. ولازلنا بالحزب نعقد سلسلة من اللقاءات التشاورية، خاصة في المدن الكبرى، حيث قمنا بزيارة عدد من الجهات والأقاليم؛ منها مدينة مراكش وطنجة والدار البيضاء والحسيمة والناظور وغيرها من المدن، بحيث يبدو للمتتبع أننا نقوم بدورنا المتواضع في الاستعداد للاستحقاقات المقبلة، تماما كما يقوم بذلك غيرنا من الأحزاب من أجل خوض الانتخابات من موقعنا الجديد والمتواضع على كل حال، ولكن الذي نحن فخورون به.

من خلال تقييمكم الأولي، هل تستطيع إعطاء صورة عن حجم تغطية الدوائر الانتخابية من طرف حزبكم؟

في الحقيقة يمكن أن نؤكد أن تواجد مرشحينا على مستوى التمثيلية بالدوائر الانتخابية سيكون متواضعا بدون شك، أي أننا لن نستطيع تغطية عدد كبير من المناطق، وهذا شيء طبيعي بالنظر إلى حجم المشاكل التي عانيناها جراء التجربة الاندماجية السابقة، لكن يمكن القول أن تواجدنا لن يكون هزيلا وبالمقابل فلن يكون قويا أيضا، ونستطيع تحديد درجة تواجدنا في مرتبة المتوسط، وهذا راجع كما أسلفت لما أخذته منا التجربة الاندماجية الفاشلة من وقت وجهد كبيرين، إلا أن كل هذا لا يجعلنا نتخوف على مستقبل حزبنا، بل على العكس من ذلك فإننا متفائلون ونسعى إلى أن نكون ممثلين على صعيد أكبر عدد ممكن من الجماعات المحلية، سواء داخل المعارضة أو في صفوف الأغلبيات، حيث يصبح من حقنا أن نطمح إلى الظفر برئاسة بعض الجماعات.

هل يُفهم من هذا أن المشاركة في الاستحقاقات المقبلة بالنسبة لحزبكم ستكون فقط بهدف إعادة ما ضاع منكم نتيجة عملية الاندماج الفاشلة؟

أكيد وكما لا يخفى على أحد بذلنا مجهودا كبيرا في تلك التجربة وسيكون مطلوبا منا، كما ذكرتم، إعادة ما ضاع منا من مجهود وإمكانات، وسيكون ذلك أحد أهم الأهداف المسطرة من طرف الحزب الجديد، هذا من جهة، لكن من جهة أخرى سنعمل على بلورة المبادئ التي تخص الحزب، ولن نمنح التزكية إلا لمن يؤمن بها وليس لكل من هب أو ذب ويريد فقط تزكية من هذا الحزب أو ذاك، ولذلك لن نكون قَطعا حزبا احتياطيا للأحزاب الأخرى بإمكان من يشاء أن يستبدلنا بحزب آخر وقت ما شاء. إننا سنحاول، وهذا ما تدارسناه بداخل الحزب، أن نحقق نقلة نوعية على درب اختيار المرشح النوعي الذي باستطاعته الالتزام أخلاقيا وسياسيا مع الحزب، ومن هذا المنطلق نكون حققنا هدفا آخر أيضا، ألا وهو محاربة ما بات يعرف بظاهرة الترحال السياسي من حزب لآخر، وهي الظاهرة التي باتت للأسف متفشية بشكل كبير وخطير جدا، ما يستدعي من الجميع وقفة تأملية للبحث عن السبل الكفيلة بمحاربتها، خاصة عندما يتعلق الأمر بترحال نواب برلمانيين من أحزاب عريقة إلى صفوف أخرى جديدة تحت مغريات شتى، ما يثير الاستغراب حول الأسباب الكامنة وراء ذلك، ليُطرح معه سؤال كبير أمام المتتبعين السياسيين.

هل تقصد بالأحزاب الجديدة حزب الأصالة والمعاصرة الذي أغراك أنت أيضا كأمين عام لحزب وفضلت التخلي عن حزبك مقابل الاندماج فيه؟

أكيد أن المشكل مطروح وهو يتجاوز هذا الشخص أو ذاك، فالساحة السياسية تعرف انتقالات كبرى لبرلمانيين وقياديين حزبيين وأعضاء مكاتب سياسية، وأحيانا تطال هذه الانتقالات لتشمل حتى أحزاب عريقة ولها جذور تاريخية، وهو ما تطالعنا به الصحف يوما بعد يوم، عندما تنقل أسماء سياسيين وبرلمانيين ينتمون لأحزاب، انضموا فجأة إلى الحزب الجديد(الأصالة والمعاصرة)، والذي جاء، ليس ليخدم المشهد الحزبي والسياسي عموما ببلادنا، كما أُعلن في مرحلة تأسيسه، بقدر ما بات يمثل النكوص والرجوع إلى الوراء بالتجربة الديمقراطية المغربية. ومن خلال تجربتنا الفاشلة في الاندماج مع هذا الحزب، استطعنا بالمقابل استغلال ما هو إيجابي في التجربة، حيث تمكنا من القيام بما يشبه الغربلة الطبيعية، وتمت معرفة الأشخاص ذوي المواقف الضعيفة، في مقابل الوصول إلى معرفة حقيقية بالأشخاص الذين يتوفرون على مواقف مشجعة ومبادئ تستطيع السير قدما بتجربتنا الفتية الجديدة داخل حزب العهد الديمقراطي. ولذلك فإننا متفائلون أن تجربتنا الجديدة ستكون أحسن على المستوى النوعي للأحزاب، وفي ما يتعلق كذلك بالوسائل والمعايير المعتمدة في اختيار المنتخبين، وهنا أود التذكير بأن العدد ليس هو هاجس حزبنا حاليا بقدر ما نركز على مسألة الكيف، سواء على صعيد اختيار من يمثل الحزب أو على مستوى الأجهزة التنظيمية للحزب.

أعود إلى حزب الأصالة والمعاصرة، لأسأل لماذا فضلتم هذا الحزب من أجل الاندماج قبل أن تنسحبوا منه؟

أولا نريد لفت الانتباه لمن يحتاج إلى ذلك، بأن حزب الأصالة والمعاصرة لا وجود له حاليا من الناحية القانونية، وهذا ما نشير إليه للأسف في كل المناسبات ولا أحد يصدق، بحيث أن هذا الحزب نحن من دعونا إلى تأسيسه كمشروع في البداية، حين اجتمعت خمسة أحزاب وتدارست في ما بينها لتخلص إلى إنشاء حزب سياسي يشملها جميعها، بحيث لم يكن قائما في السابق، إذن الأمر لا يتعلق بحزب كان موجودا والتحقنا به بقدر ما يتعلق بتأسيس من لدن خمسة مكونات حزبية، ولكن حين أدركنا أن ليس هناك رغبة في العمل الجماعي، وأن هاجس الهيمنة هو المسيطر تراجعنا وانسحبنا. صحيح أن فكرة القطبية وتجميع القوى تخدم المشهد السياسي الوطني إلى حد كبير، إلا أن الطريقة التي كانت تدار بها الأمور هي التي كانت محط خلاف ولم نتفق معهم عليها، والمسألة لم تكن تتعلق برغبتنا في معانقة مناصب أو درجات على مستوى الحزب، بالعكس فالأحزاب المندمجة تخلت عن قيادتها لأحزابها ومواقعها بها من أجل المشروع، رغبة منا في إصلاح المشهد السياسي، ولكن لاحظنا وتبين لنا بعد نقاش طويل، أن الأمور سارت في اتجاه غير الاتجاه المتفق بشأنه، فكان لا بد لنا أن ننسحب من مشروع ليست لنا فيه مساهمة. وبإمكان المتتبع أن يلاحظ اليوم أن الكيفية التي تدار بها الأمور داخل حزب الأصالة والمعاصرة هي غير سليمة، وهو ما تترجمه طريقة استقطاب أعضاء برلمانيين من أحزاب أخرى، وأحيانا يكونون قياديين بأحزابهم، كما هو الشأن بالنسبة لقياديين بحزب التقدم والاشتراكية، الذين استقطبهم حزب الأصالة والمعاصرة، وهو ما لا يمت بأية صلة بالرغبة في إصلاح المشهد الحزبي ببلادنا بقدر ما يساعد على التفتيت وزرع بذور الشك في صفوف الأحزاب.

هناك من يتهم حزب الأصالة والمعاصرة بأنه يسعى إلى نسف بعض الأحزاب بعينها، هل تشاطرون هذا الرأي؟

طبعا هذا أمر لا غبار عليه، ويبدو جليا وواضحا من خلال استقطاب هذا الحزب لكل هذه الأسماء وفي أوقات متقاربة، أنه يسعى إلى ضرب أحزاب معينة في العمق، من خلال محاولة دعوة مناضليها للالتحاق به، وهنا يجب التذكير أيضا أننا عندما بدأنا من خلال المشروع الاستعداد لإنشاء الحزب، كان هدفنا يتمحور ويصب في اتجاه استقطاب قوى سياسية جديدة وفئات الشباب غير المتحزب ومكونات المجتمع المدني، وكان الخطاب السائد في أوساطنا كفاعلين هو مخاطبة العزوف، ومحاولة استمالة تلك الـ75 بالمائة من المصوتين الذين لم يدلوا بصوتهم، أما إذا كان الأمر يتعلق فقط بالاقتصار على الـ 37 بالمائة فقط، وأن يظل هذا يخطف لذاك منتخبيه ومؤيديه، فإن من شأن هذا الحزب الجديد أن لا يشجع المواطن المغربي على المشاركة في الانتخابات، بقدر ما سيكون داعيا له إلى الاشمئزاز من العملية السياسية برمتها، وهذا ما لا يخدم الوطن.

مؤخرا تم تداول نسب مئوية منسوبة إلى وزارة الداخلية، قبل أن تنفيها الأخيرة، أشارت إلى احتمال حصول حزب "التراكتور" على حصة مهمة من المقاعد الجماعية، كيف تنظر إلى مثل هذه التسريبات؟

على ما يبدو فإن الأمر يتعلق بضجة إعلامية فقط، وهذا شيء منتظر من طرف جهات تسعى إلى الحصول على مقاعد بأي ثمن وإلى تحقيق انتصارات، ما يجعلها تلجأ إلى مثل هذه السبل، لكن الحديث عن استطلاعات للرأي، هذا كلام آخر، مع العلم أن استقراء آراء المواطنين يحتاج إلى إمكانيات وأدوات اشتغال كما هو متعارف عليه في البلدان التي تأخذ بنظام استطلاعات الرأي، بينما عندنا في المغرب لا زال هذا النظام غير منظم ولا يخضع لمعايير علمية تمنحه المصداقية اللازمة. وبالمناسبة فإني لا أعتقد أن وزير الداخلية له تحيز لهذا الحزب أو لآخر، وما يعرف عن شكيب بنموسى أنه رجل معقول ومحايد، وهذا ما تشهد به كل الأحزاب السياسية، هذا بالإضافة إلى أنه ليس من مصلحة وزارة الداخلية أن تصدر عنها مثل هذه الأمور، ويبقى ذلك مجرد تأويلات نقلتها الصحف.

من خلال اتصالكم بالمواطن هل تلمسون استعدادا لديه لمشاركة مكثفة في الاستحقاقات المقبلة بعكس انتخابات 2007؟

الملاحظ من خلال لقاءاتنا مع المواطنين أننا سجلنا حماسا كبيرا لدى مواطني العالم القروي للمشاركة في الانتخابات، ما يشير إلى إمكانية ارتفاع نسب المشاركة بالبوادي، ولكن بالمدن لا أعتقد أن المشاركة ستكون مرتفعة، اللهم إذا ما تم استغلال اللوائح الانتخابية الجديدة المنقحة بكيفية إيجابية من طرف ممثلي الأحزاب، وعموما هناك احتمال ارتفاع نسب المشاركة مقارنة مع الانتخابات الجماعية السابقة. ولا يمكننا أن نقوم بتقييم حول نسب المشاركة في الاستحقاقات المقبلة لنقول أنها كانت أقل أو أكثر من نسب المشاركة في انتخابات سنة 2007، لأنه علينا انتظار الانتخابات النيابية لسنة 2012 حتى يمكننا أن نقارن ونقيس نسبة المشاركة.

هل بإمكان وعْد المواطن بالقيام بإصلاحات دستورية وسياسية أن يشجعه على الذهاب إلى صناديق الاقتراع؟

أظن أن ورقة الإصلاحات الدستورية والسياسية أصبحت ورقة تستعملها بعض الأحزاب كلما اقتربنا من استحقاق وطني، وباعتقادي الشخصي أن الظرفية الحالية للمغرب تؤكد على عدم أولوية مثل هذه الدعوات بالقيام بالإصلاحات الدستورية والسياسية، لأن الشعب المغربي هو في حاجة اليوم، أكثر من أي وقت سابق، إلى إصلاحات تنموية واجتماعية. وتبقى الإصلاحات الدستورية أولوية هي الأخرى لكن ستأتي في وقتها عندما يتم توافق بين مختلف القوى والفعاليات السياسية من جهة وباتفاق مع الملك من جهة أخرى.

في حوار مع الباحث الاقتصادي عمر الكتاني

يجب على الدولة نهج سياسة تقشفية وتشجيع الاستثمار الذي يخدم المجتمع

هل صحيح أن حصيلة الاستثمارات في ظل الحكومة الحالية كانت إيجابية، كما جاء على لسان الوزير الأول ؟

إيجابية على أي صعيد؟ هذا كلام عام لا يُؤخذ به، لأنه إذا كان معدل النمو ببعض الدول الأسيوية فقط هو 30 بالمائة من الدخل الوطني، بينما عندنا لا يتجاوز 6 إلى سبعة بالمائة، مع شرط نزول الأمطار، فعن أي نمو في الاستثمارات يتحدث الوزير الأول وحكومته، إذا كان المغرب لازال يخرج سنويا 100 ألف حامل للشهادات دون أن تتاح لهم إمكانية الاندماج العملي. أنا أستغرب حديث المسؤولين المغاربة بمثل هذا الكلام، في الوقت الذي لم نصل فيه حتى إلى مستوى بعض الدول السائرة في طريق النوم، كالسودان مثلا التي حققت 11 بالمائة من نسبة النمو، رغم أنها تعتبر في مصاف الدول الفقيرة، لذلك يجب على المسؤولين التحلي ببعض الموضوعية.

جاء في التصريح الأخير للوزير الأول أيضا أن انعكاسات الأزمة المالية كانت محدودة على الاقتصاد الوطني ألا ترون، كخبراء اقتصاديين، نفس ما تذهب إليه الحكومة؟

لا يستطيع أحد نفي التأثير السلبي للأزمة المالية العالمية على مختلف مكونات الاقتصاد الوطني، خاصة في السنتين المواليتين، وذلك راجع بالأساس إلى ارتباط الاقتصاد المغربي بشكل كبير بالاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية المشتركة، التي يقر الجميع أنها تأثرت بفعل الأزمة المالية العالمية، ولذلك فإنه من الطبيعي أن يتأثر اقتصادنا الوطني وعلى صعيد مختلف القطاعات. ولذلك فإنه من اللازم على المسؤولين المغاربة إعادة النظر في نظام الاقتصاد، وفي عدد من الأمور، ومن ذلك بالأساس إعادة النظر في نظام الخوصصة الذي يعول على عائدات ريعية جراء تفويت المؤسسات العمومية للخواص، كما ينبغي عدم الاعتماد بشك كبير على ريع النظام الضريبي، للحفاظ على التوازنات المالية من هنا لا بد من نهج سياسة تقشفية من لدن الحكومة والحد من تبذير المال العام، وتشجيع نوع من الاستثمار الاجتماعي الكفيل بالمساهمة في تنمية البلاد على كافة الأصعدة اجتماعيا واقتصاديا، لا أن يكون هناك استثمار يحافظ على مسافة بينه وبين المجتمع، ويضع نصب أعينه فقط الربح المادي.

ما هي الوسائل الكفيلة بجلب استثمارات تخدم الاقتصاد الوطني بشكل فعال؟

هناك لازمة تقول بالارتباط الوثيق بين ما هو سياسي واقتصادي، لذلك فإن أي حديث عن تطور اقتصادي لا بد أن تواكبه عملية إصلاح شاملة للمجال السياسي في بلدنا، والتي أصبحت مطروحة بشكل أكثر إلحاحا. لذلك فإن الضرورة تقتضي الإسراع بإصلاحات سياسية قمينة بتشجيع الاستثمار الإيجابي القادر على إحداث تغيير في اتجاه تطور المجتمع، لا بشكل ينعكس سلبا على الوطن. كما أن الحديث عن تشجيع الاستثمار لا يستقيم في ظل قضاء لا يواكب التطور الذي يشهده العالم في ظل العولمة واجتياز الحدود، وهو القضاء الذي يجب أن يكون قضاء مستقلا وقادرا على لعب دوره كاملا في التنمية، بدل ترك الآلاف من الملفات في رفوف المحاكم دون البث فيها. كما أن إصلاح التعليم يصبح الأولوية الأكثر إلحاحا خاصة على ضوء مقارنة بلدنا ببلدان أخرى قريبة منا، على مستوى جودة وحجم إمكانيات التعليم، بحيث في الوقت الذي نتفاجأ فيه مثلا بوجود 64 جامعة ببلد كالسودان و50 جامعة بالجارة الجزائر، فإننا لا نتوفر إلا على 15 جامعة بالمغرب لثلاثين مليون نسمة، وهو شيء غير معقول.

السبت، مايو 16، 2009

حول الإصلاحات السياسية بالمغرب

المطالبة بالإصلاحات الدستورية دعوة لإصلاح المشهد السياسي أم ورقة انتخابية!


نورالدين اليزيد

كثُر الحديث عن الدعوة إلى إصلاحات دستورية تكون ممهدة لإصلاح مؤسساتي وسياسي شامل على الساحة الوطنية، لتجاوز المرحلة الحالية التي أُطلق عليها مرحلة "انتقال ديمقراطي"، وهي المرحلة التي بدأت مباشرة بعد تعيين الكاتب العام الأول للاتحاد الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي وزيرا أولا سنة 1998، في إطار توافق بين القصر والمعارضة على التداول على السلطة.
بيد أن المرحلة الانتقالية التي كان يعول عليها المغاربة من أجل بناء مغرب يتوفر على مؤسسات دستورية تحظى بسلطات مستقلة، ما لبثت تمتد ولا يعرف أحد متى ستنتهي وإن كانت بدايتها أسست لها حكومة تناوب ترَأس نسختها الأولى الاتحاديون بعدما صوتوا على تعديل الدستور سنة 1996، رغم شُح تلك التعديلات التي لم تمس بجوهر الفصل 19 المخول للملك صلاحيات تنفيذية واسعة، وهو ما يُفقد العمل الحكومي سلطة اتخاذ القرار والمبادرة، يقول متتبعون للشأن السياسي الوطني.
ويضرب هؤلاء نماذج صارخة تبرز الدور المحوري للملك في عمل الجهاز التنفيذي على حساب باقي أعضاء الحكومة، ومنهم الوزير الأول والذين تصبح أدوارهم مجرد تنفيذ لـ"التعليمات المولوية" وليس تنفيذا لبرامجهم السياسية التي وعدوا بها الناخب المغربي؛ ويذكر هؤلاء بحدث "الإنذار" الذي ميز السنة الأولى من عمر حكومة عباس الفاسي، حين أراد الأخير إلحاق وكالات التنمية الاجتماعية التابعة مباشرة له، إلى صهره نزار البركة الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالشؤون الاقتصادية والعامة، فكان رد القصر الملكي سريعا وصارما عندما أصدر ظهيرا ينص على عودة الوضع إلى ما كان عليه، ما جعل الفاسي يصرح بأن ما أقدم عليه كان "خطأ" فتدخل الملك لإصلاحه.
هكذا، وبمبرر الصلاحيات التي يضمنها الدستور للملك، يتخلى رئيس حزب، جانبا، عن أحد أهم محاور برنامجه الانتخابي الذي وعد به الناخب، والمتمثل بالأساس في الإصلاح بكل تجلياته الإدارية والسياسية والدستورية. ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة لحليف الاستقلال في الحكومة والكتلة الديمقراطية، التي من بين أهم مبررات وجودها العمل على بناء مغرب قوي بمؤسساته الدستورية، حزب الاتحاد الاشتراكي الذي يبدو أن الرجة التي أحدثتها نتائج انتخابات شتنبر 2007، في صفوف مناضليه جعلت القيادة الاتحادية تدعو في مؤتمرها الثامن، في السنة الماضية، إلى ضرورة القيام بإصلاحات سياسية جذرية ومنها أساسا ضرورة أن يسود الملِك ولا يحكم، أو ما يطلق عليه في القانون الدستوري والعلوم السياسية بـ"الملكية البرلمانية"، وهي الدعوة التي اعتبرها حتى الحلفاء في الحكومة بل ومن داخل الكتلة نفسها، كلاما إنشائيا ومزايدة سياسية لا تقدم ولا تؤخر، مستدلين على ذلك بأن عبد الواحد الراضي الذي وعد قبل المؤتمر الثامن لحزبه بتقديم استقالته، في حالة فوزه بالكتابة العامة للحزب، من أجل التحضير لإصلاح شمولي داخل بيته الاتحادي استعدادا للإصلاحات الجذرية على الساحة، سرعان ما ارتد على كلامه بمجرد ما حظي بـ"الثقة المولوية" حين استقبله الملك رافضا إعفاءه من مهامه كوزير للعدل.
ويبرز جليا من خلال هذين المَثلين لحزبين "وطنيين"، ظل المواطن المغربي يعول عليهما كثيرا لسنين طويلة بقصد رسم معالم مغرب ديمقراطي تحظى فيه السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية بما يلزم من استقلالية، أن مسألة الإصلاحات في أدبيات الأحزاب المغربية مطبوعة بالسطحية ويغلب عليها الطابع الفرجوي وتصلح فقط لتأثيث المهرجانات الحزبية من قبيل المؤتمرات والاستعداد لخوض الاستحقاقات الوطنية، في الوقت الذي تتطلب فيه عملية، من قبيل الدعوة إلى إصلاح دستوري أو سياسي، إلى إرادة قوية لأجرأتها وتفعيلها وعدم الاكتفاء بترديدها في المناسبات.
ويأبى جانب من المحللين إلا أن يصفوا المرحلة التي نعيشها، خاصة بعد العزوف الخطير للناخبين في استحقاقات سنة 2007، بأنها فترة خواء سياسي عكسه فقدان الثقة لدى المواطن في المؤسسات وفي الأحزاب، التي ترفض تداول الأجيال على تسيير دواليب شأنها الحزبي، وليس أدل على ذلك من "البيعة" الثالثة التي هيأ لها عباس الفاسي مناضليه في مؤتمر الحزب الخامس عشر بداية السنة الجارية، ما يجعل أي قول برغبة مثل هؤلاء القادة الحزبيين في القيام بإصلاحات، مجرد لغو ليس بإمكانه ملأ ذاك الخواء المتحدث عنه.

لن أفاجأ إذا حظي المغرب باهتمام أوباما


عامر: طرح قضايا المهاجرين على طاولة المفاوضات لبنة أساسية في الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي


لم يستبعد محمد عامر، الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالجالية المغربية بالخارج، تأثيرَ الأزمة المالية العالمية على عائدات المهاجرين المغاربة في الشهور المقبلة، مشيرا إلى أن الحكومة المغربية تتابع باهتمام كبير مسألة التعويضات التي اقترحتها اسبانيا على المهاجرين لمغادرتها. وأضاف عامر في حوار خص به الجريدة الأولى على كون عمل المتدخلين في مجال الجالية يسوده الانسجام والتكامل، مؤكدا على ضرورة الأخذ بالدبلوماسية الموازية للتعريف بقضايا المغرب


هناك تقارير تشير إلى انخفاض عائدات المهاجرين المغاربة بالخارج في الثلاثة أشهر الأخيرة، هل يمكن أن تؤكد الوزارة المكلفة بالجالية ذلك؟


لحد الآن تؤكد تقارير مكتب الصرف المغربي أنه لم تسجل هذه التحويلات أية تراجعات؛ ذلك أن آخر تقرير لدينا يؤكد أن تحويلات الجالية المغربية بالخارج مستقرة في الستة أشهر الأولى من السنة الماضية، حيث بلغت هذه التحويلات 46 مليون درهم و214 ألف درهم. مقابل 46 مليون درهم و198 ألف درهم مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2007. لكن بالرغم من غياب معطيات ودراسات دقيقة حول هذه التأثيرات على المستوى الدولي خلال السنوات المقبلة، من غير المستبعد أن تؤثر وضعية الأزمة الدولية على حجم هذه التحويلات في الشهور المقبلة والمؤشرات الموجودة لحد الساعة تؤكد ذلك؛ فالأزمة المالية نتج عنها انكماش للاقتصاد العالمي، غير أن عُمقها وتجلياتها تبقى صعبة الضبط. كما أن تأثيراتها يمكن أن تختلف من منطقة جغرافية إلى أخرى وكذا حسب القطاعات الإنتاجية. لذلك غالبا ما يكون العمال المهاجرون أول ضحايا فقدان الشغل وقد يفكر البعض في العودة إلى بلدانهم الأصلية.
إذن ما هي الإجراءات التي تعتزم الحكومة القيام بها في هذا الشأن؟
في هذا الإطار تتابع الوزارة عن كثبٍ هذا الموضوع، ونسعى من خلال محادثاتنا مع مختلف شركائنا على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف الإحاطة بمختلف الجوانب التي يمكن أن تنير وتحدد الجوانب التي تعني شؤون وقضايا المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج. ولهذا وحتى نتمكن من الإحاطة بتداعيات هذه الأزمة العالمية على أوضاعنا، فإننا نعتزم تنظيم لقاء دولي خلال الأسابيع المقبلة للتفكير في هذه الوضعية الجديدة، من خلال دعوة عدد من الخبراء الاقتصاديين والباحثين المغاربة والدوليين والفاعلين الاقتصاديين وجمعيات المجتمع المدني العاملة في مجال الجالية، لتعميق البحث والدراسة والإحاطة بكل المعطيات العلمية. كل ذلك بهدف البحث في الصيغ والاقتراحات الكفيلة بمواجهة كل تداعيات الأزمة ووضع سياسات مندمجة ومتكاملة لتدبير قضايا الهجرة بكل أبعادها، من أجل حماية حقوق المهاجرين أخذا بعين الاعتبار حاجياتهم وتطلعاتهم، وكذا من أجل تدعيم الأدوار الإيجابية للهجرة.


أقدمت اسبانيا في الآونة الأخيرة على اقتراح تعويضات مادية للمهاجرين الراغبين في مغادرة اسبانيا. كيف تتابع الحكومة المغربية هذه المسألة مع مسؤولي الجارة الشمالية؟


بالفعل فالوزارة تتابع عن كثب هذا الموضوع، خاصة فيما يتعلق بالإجراءات والقوانين المتخذة من طرف دول الاستقبال لفائدة أو ضد مصالح وأفراد جاليتنا المقيمة بهذه الدول. وفي حالة إسبانيا تابعت ممثلياتُنا الدبلوماسية الموضوع بكثير من الاهتمام. وفي هذا الصدد قام سفير صاحب الجلالة منذ البداية إلى جانب وزير الشغل والهجرة الإسباني المكلف بهذا الملف، وقبل صدور القرار، بالاطلاع على مضمون المشروع آنذاك بهدف إخبار وطمأنة العمال المغاربة بإسبانيا. وخلال هذه اللقاءات أكد المسؤولون الإسبان على أن العودة ستكون حرة وطوعية ومرتبطة برغبة وقناعة المعنيين بالأمر الذين تتوفر فيهم الشروط. وبالرغم من العدد الهائل من العاطلين الذي خلفته الأزمة العالمية إلا أن أغلب أفراد الجالية لم يستجيبوا لسياسة العودة الطوعية التي اعتمدتها إسبانيا وفضلوا البقاء بهذا البلد. وهذا ما كشفت عنه استطلاعات للرأي أجرتها إحدى الجمعيات المغربية، حيث أظهرت أن 85 بالمائة من المستجوبين رفضوا المقترح. وكانت القنصليات المغربية قد فتحت سجلات لإحصاء المرشحين الراغبين في العودة، لكنها لم تسجل إلا أعدادا قليلة. وسجلنا أن أغلب المغاربة العاطلين عن العمل هناك يكتفون في الوقت الراهن بالتعويضات عن البطالة أو يحاولون تغيير مجال عملهم كالالتجاء للعمل في القطاع الفلاحي الإسباني الذي يبقى من المجالات التي لم تتأثر بهذه الأزمة. وللإشارة فقط فإن المغرب يعد من بين 20 دولة خارج الاتحاد الأوروبي، الذين تربطهم اتفاقيات مع إسبانيا خاصة في مجال الضمان الاجتماعي مما يمكن من حماية حقوق جاليتنا هنا.


أُثيرت مؤخرا مسألة الجنسية المزدوجة للمقيمين الأجانب في بعض الدول الأوروبية خاصة فيما يتعلق بتقلد مناصب عمومية في الدول المستقبِلة. كيف تتعامل الحكومة مع هذا المُعطى؟


أضحت ازدواجية الجنسية أمرا واقعيا، خصوصا بعد تلاحق الجيلين الثاني والثالث من أبناء المغاربة المقيمين بالخارج. والحكومة المغربية تتبنى مقاربة شمولية في التعاطي مع هذه الثنائية؛ بحيث نسعى إلى تبني موقف يدافع عن المواطنة المزدوجة لأبناء الجالية المغربية المقيمين بالخارج. وهنا نشير إلى الموقف الصارم الذي عبر عنه المغرب بخصوص ما راج حول محاولة تجريد المغاربة من جنسيتهم المغربية بهولندا. فهؤلاء يظلون مواطنين مغاربة رغم حملهم جنسية بلد الإقامة التي تجعلهم سواسية في الواجبات والحقوق مع مواطني ذاك البلد وبالمغرب أيضا. وهو ما جعلهم يلِجون تدبير الشأن العام المحلي وبرلمانات كل من بلجيكا وهولندا، ونجاحهم في تحمل مسؤوليات حكومية بعدة دول أخرى.


أقامت الدول الأوروبية معسكرات للمهاجرين غير الشرعيين تُنتهك فيها حقوق الإنسان، كما تنقل ذلك تقارير مختلفة. في ظل الوضع المتقدم الذي حظي به المغرب هل سبق أن فاتحت الحكومة نظراءها الأوروبيين في هذا الموضوع؟


الوزارة لم تتوصل بأية تقارير تشير إلى وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في مراكز تجميع المهاجرين غير القانونيين بأوربا. فمهمة هذه المراكز هي إيواء المهاجرين غير القانونيين قبل عرضهم على المحاكم المختصة أو قبل صدور قرار بترحيلهم بحسب قوانين البلدان المستقبلة. وفي حالة وقوفنا على أية تجاوزات فإننا نُعلِم السلطات المختصة في هذه الدول عن طريق وزارة الخارجية والتعاون، انطلاقا من مقاربة جديدة تتوخى التدخل السريع والفعال عبر المتابعة ومواكبة وتسهيل عودة المهاجرين المغاربة إذا ما صدرت بحقهم قرارات بالترحيل. كما نعمل مع جمعيات المجتمع المدني، للوقوف على الخروقات ومحاولة رصدها لكي يتم طرحها على طاولة المفاوضات مع الدول الأوربية في إطار حوار بناء ومسؤول، وهذا ما يعتبر اللبنة الأساسية للوضع المتقدم الذي حظي به المغرب مؤخرا مع الاتحاد الأوربي.


نريد أن نعرف ما هي الإجراءات التي تقوم بها الحكومة في هذا الصدد؟


أشير في هذا الإطار إلى أن الجمعيات المدنية في الدول الأوربية تقوم حاليا بحملة حق النظر داخل مراكز الاعتقال، وذلك طوال الفترة الممتدة ما بين 14 و30 من الشهر الجاري. كما كانت هناك جلسة استماع في البرلمان الأوربي في ستراسبورغ حول هذه الحملة يوم 14 يناير، بغرض الاستماع إلى تدخلات ممثلي البلدان التي أطلقت فيها تلك الحملة. وتمحورت تلك المداخلات حول درجة تعبئة هذه المراكز وإشكاليات الولوج إليها، خاصة في بلدان إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وتركيا وبلجيكا. وفي 30 يناير سيتم تنظيم يوم خاص بـحق النظر داخل مراكز الاعتقال عبر زيارات يقوم بها نواب برلمانيون وطنيون ودوليون لهذه المراكز. كما نود الإشارة هنا إلى أن إشكالية الهجرة تعتبر من أهم المواضيع المطروحة للتفاوض في إطار الوضع المتقدم للمغرب مع الاتحاد الأوربي، خاصة فيما يتعلق بمراكز إيواء القاصرين ومراكز تجميع المهاجرين عموما وشروط اعتقالهم ومدى احترام هذه المراكز للمواثيق الدولية والاتفاقيات الثنائية. وكذا فيما يتعلق باتفاقية إعادة استقبال المهاجرين المغاربة وغير المغاربة الذين هاجروا إلى الدول الأوربية عبر المغرب حسب زعم هذه الدول.


هناك فعاليات مهاجرة تجمع تواقيع لِحث البيت الأبيض على أن يكون أول بلد مسلم يزوره الرئيس الأمريكي المنتخب هو المغرب. هل هناك تنسيق مع هذه الفعاليات؟


كما يعلم الجميع تربط المغرب والولايات المتحدة علاقات تاريخية عريقة، حيث كان المغرب أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة. وتربطنا بهذا البلد علاقات تعاون تشمل العديد من القطاعات والميادين، تُوِّجت باتفاقية التبادل الحر بين البلدين، بالإضافة إلى الموقع الجيوستراتيجي لبلدنا والتوجهات السياسية الواقعية والمتوازنة للمغرب. كلها عوامل تجعلني شخصيا لا أُفاجأ إذا كانت بلادنا محط اهتمام المسؤولين الأمريكيين وعلى رأسهم الرئيس أوبام.


إلى أي حد إذن يمكن استغلال ما يسمى الدبلوماسية الشعبية كلُوبي، إنْ صحَّت العبارة، في التعريف بقضايا المغرب؟


بكل تأكيد الدبلوماسية الموازية لها دور مهم في اتجاه التعريف بقضايانا الوطنية وتحسيس الحكومات والرأي العام بالدول الأخرى. وعلى رأس تلك القضية طبعا هناك قضية وحدتنا الترابية. ومواطنونا بالخارج متشبثون ببلدهم الأصلي وبثوابته الوطنية وهم دائما سباقون إلى مناصرة كل قضايا المغرب في جميع المنتديات والمحافل. لذا فالحكومة المغربية والوزارة المكلفة بالمغاربة بالخارج، على الخصوص، تشجع وتدعم كل هذه المبادرات، بل وتتفاعل بشكل إيجابي مع كل الطلبات التي تتلقاها في هذا الاتجاه من طرف المغاربة المقيمين بالخارج.


بخصوص هذا الموضوع هناك مِن مُمثلي الجالية المغربية بالخارج مَن يشتكون مِما يسمونه التهميش الذي يطالهم بحيث لا يتم اللجوء إليهم إلا عندما تريد جهات رسمية تحريكهم من أجل قضية الصحراء. هل هذا صحيح؟


أريد أن أوضح بداية أن قضية الصحراء هي قضية كل المغاربة سواء كانوا بالداخل أو بالخارج؛ فهي قضية مركزية بالنسبة للشعب المغربي بل هي أحد ثوابت ومرتكزات الأمة. والمغرب فخور بما تقوم به الجالية من تعبئة ودفاع عن القضية الوطنية الأولى انطلاقا من حبها لوطنها وإيمانها بقدسية القضية. ومن جهة أخرى فإن الحكومة المغربية ومن خلال الوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج تبدل مجهودات جبارة للإحاطة والعناية بقضايا مواطنينا بالخارج وإدماجهم في التحولات السياسية والاقتصادية والثقافية التي يعرفها المغرب مند عقد من الزمن. لذلك نحرص على أن يمارس المغاربة القاطنون بالخارج مواطنتهم كاملة وأن يساهموا في المشروع الديمقراطي والتنموي والحداثي الذي يرعاه جلالة الملك. ويتجلى كل ذلك من خلال تمكين مواطني المهجر من حق المشاركة السياسية وإقامة مجلس خاص بالجالية المغربية يشتغل تحت الرئاسة الفعلية لملك البلاد.


ماهي إستراتيجية الحكومة إذن لإدماج المهاجرين في هذا المشروع المجتمعي؟


بالفعل هناك مخطط استراتيجي استلهمته الحكومة، وعلى رأسها وزارتنا، من الرغبة الملكية التي تقوم على أساس وضع تصور شامل بتنسيق وتكامل مع مختلف الأطراف المعنية كوزارة الشؤون الخارجية والتعاون ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة القاطنين بالخارج ومجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج. ويمكن تلخيص بعض محاور إستراتيجية الوزارة فيما يلي؛ هناك المحافظة على الهوية الوطنية واللغوية والدينية والثقافية والحضارية للأجيال الجديدة لمواطني المهجر وتقوية وترسيخ ارتباطهم بوطنهم الأم، بتدريس اللغة العربية والتعريف بالحضارة المغربية، بما يتطلبه ذلك من توفير للشروط المادية واللوجيستيكية. بالإضافة إلى المشروع الطموح الذي أطلقته الوزارة، والذي يخص إنشاء مراكز ثقافية ببعض دول المهجر. وهنا أذكر أننا لأول مرة في تاريخ الهجرة المغربية شرعنا في إنجاز خمسة مراكز بكل من اسبانيا وفرنسا وبلجيكا وكندا وليبيا. كما تهدف إستراتيجية الوزارة إلى تحقيق الإدماج الكلي والفعلي للمهاجرين في تدبير الشأن العام، وإلى توفير الإمكانيات الكفيلة بتأطير وجلب جيل جديد من المستثمرين، والعمل على تشجيع إخواننا بالخارج على ممارسة مواطنتهم الكاملة بدول الاستقبال وتسهيل اندماجهم. ثم هناك المحور المتعلق بالدفاع عن مصالح المهاجرين وصون كرامتهم والنهوض بحقوقهم الإنسانية والاجتماعية سواء ببلدان الاستقبال أو ببلدهم الأصلي، حيث أصبحت الوزارة تتوفر على قسم خاص لتظلمات هؤلاء المهاجرين، كما أن هناك قاضيا ملحقا بالوزارة يساهم بشكل فعال في الإرشاد القانوني وتبسيط المساطر لهؤلاء. وعموما فإن المقاربة التشاركية التي تبنتها الوزارة من خلال الإنصات في عين المكان لمواطنينا بالخارج هي أبرز سيمات إستراتيجية عملنا.


هناك من ينظر إلى وجود تداخل بين الجهات المكلفة بالجالية، خاصة بين الحكومة والمجلس الأعلى للجالية. هل يتعلق الأمر بتكامل في الأدوار أم أن هناك اختلافا في المهام؟


إن قضايا الجالية تهم كل القطاعات الحكومية والقطاعات الوزارية، حيث تصبح مهمتنا أفقية سواء في القضايا الثقافية أو في ما يتعلق بالتأطير الديني والاستثمار والتعليم والمصالح الإدارية والقضاء. فمسؤوليتنا الأكبر إذن في الوزارة تكمن في التنسيق بين مختلف هذه المؤسسات والوزارات والعمل على مواكبة عملها. أما في ما يخص مجلس الجالية المغربية بالخارج الذي أنشئ بقرار ملكي، فقد تمكنتُ شخصيا، بعد عمل تشاوري واستشاري واسع ومتميز، من الاطلاع على جزء من أشغاله لتحضير الرأي الذي طلبه منه صاحب الجلالة. واليوم يعتبر هذا المجلس قوة اقتراحية سيساهم في كل ما يهم قضايا الجالية والدفاع عن حقوقها داخل الوطن وخارجه. يمكن القول إذن أن الهندسة المؤسساتية الموجودة تتجلى في وزارة لها مهام سياسية والتنسيق والمساهمة في وضع السياسات، إلى جانب فرقاء آخرين، وتعبئة الموارد المالية. ثم هناك مجلس الجالية الذي يشكل قوة اقتراحية واستشارية، بجانب جلالة الملك. بالإضافة إلى مؤسسة الحسن الثاني التي تقوم بتنفيذ وإنجاز عدد من الأوراش على أرض الواقع. خلاصة القول إذن هي أن هذه المؤسسات الثلاث تعمل بشكل متكامل في ما بينها في أفق واحد منسجم ومندمج. وشخصيا أرى أن هناك تفهما وتجاوبا كبيرين واستعدادا للعمل المشترك من طرف كافة الفرقاء، هذا دون أن ننسى الإشارة إلى أن هناك مؤسسات ووزارات أخرى تتدخل هي أيضا في مجال عملنا كوزارة التعليم ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة الخارجية.

الولاءُ للإمبراطورية التُّركْعُثمانية

نورالدين اليزيد

لم يتقبل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مقاطعة الصحافي المشرف على تسيير جلسة من جلسات ملتقى دافوس الاقتصادي، عندما انبرى رئيس الوزراء التركي إلى محاولة الرد على كلمة شيمون بيريز وكذا على الذين صفقوا له كثيرا، وهي الكلمة التي حاول فيها بيريز تبرير الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة وسياسة الأرض المحروقة التي نهجتها الصهيونية، قبل ذلك، لإبادة شعب فلسطين بعد عام ونصف العام من حصار تجويعي قضى فيه الحرث والنسل. وقرر أردوغان الانسحاب مِن على المنصة لكن ليس قبل أن يوجه كلمات رغم قِلّتها فإنها كانت أدلَّ من كل الكلام الذي قاله بيريز في مدة تعدّت العشرين دقيقة. فرغم مناوشات الصحافي، مُسَير الجلسة، الذي يبدو أنه فطِن منذ الوهلة الأولى لجسامة كلام أردوغان، إلا أن حفيد السلطان عبد الحميد العثماني الذي قاد الإمبراطورية العثمانية في زمن تكالُب القوى عليها وكان رافضا إقامة دولة لليهود على الأرض العربية، أبى إلا أن يُسارع في تمرير ذاك اللوم الشديد اللهجة الذي أربك الرئيس الإسرائيلي، فبدا الأخير حائرا بين أن يزيل السماعتين اللتين تحملان إليه كلام أردوغان الصادِم المترجم فوريا، وبين أن يستمر في السماع رغم شدة وقْع الكلمات، التي نزلت على رئيس اليهود كالصواعق؛ نظرا لكونها هي المرة الأولى، بعد محرقة النازية لأجدادهم، حيث لم يستطع حتى زعماء الدول الكبرى في العالم على مجرد توجيه لوم بسيط في حضور رؤساء وحكام الدولة العبرية رغم عديد المجازر والمحارق التي ارتكبوها منذ تأسيس دولتهم على أنقاض بلاد فلسطين، وفي تلك الصورة أكثر من قراءة لما يشكله اليهود من قوى ضغط عالمية تشرف على الاجتماعات والندوات والمؤتمرات العالمية برمتها، حتى وإن اختلفت دواعيها ما بين اجتماعية واقتصادية وسياسية.
الصدمة لم تُفاجئ بيريز وحده والحاضرين بقاعة الاجتماعات بمنتجع دافوس السويسرية، ولكن صدَمتْ كذلك ولِحد الطامّة الكبرى ملايينَ العرب الذين تابعوا الحدث البارز والمشرِّف، هذه الأيام، الذي وقَّعه هذا الرجل بأحرف قلائل، في هذا الزمن الجبان حيث الرجال قلائل! ولتأتي السلوى والعزاء في الجرح الموغِر الذي خلفته الآلة الحربية الصهيونية عندما خطفت أرواح أكثر من 1350 فلسطينيا والآلاف من الجرحى أكثرهم سيُرافقه الجرح والإعاقة مدى حياته؛ لقد صُدم العرب في تلك الصورة المرتجفة التي بدا عليها عمرو موسى الأمين العام لجامعةٍ يُقال عنها أنها عربية، وهو يقوم مرتعدا ليُصافح أردوغان مهنئا إياه على كلمته وهو يودع ونهائيا وأبدا هذا الملتقى الاقتصادي، كما خاطب الحاضرين قائلا؛ فبدا موسى كالأبله وهو لا يعرف ماذا بوسعه أن يفعل أمام هذا الهرم التركي الذي تسري في عروقه، بكل تأكيد، دم غير تلك التي تجري في عروق موسى والذين يمثلهم من الحكام العرب، وإن كان موسى يعرف شيئا واحدا ووحيدا هو الالتزام بالأدب مع جليسه شيمون بيريز كما يُملى عليه، والذي يظهر أن موسى كادت المفاجأة أن تنسيه المطلوب منه على المنصة لولا تدخُّل الأمين العام للأمم المتحدة مُنبِّها إياه بالجلوس، وهو ما فعله أمين عام نادي حكام العرب في الحال.
ستكون صدمة العرب ذات وجهين؛ أولهما قاتم غير ذي نضارة ويعني أن الحكام الجاثمين على صدورهم يفتقدون إلى شجاعة مثل شجاعة رئيس الوزراء التركي، وثانيهما وجه ساطع بالأمل والإشراق يشي بغد أحسن حالا من هذه الأيام الحالكة التي نحياها اليوم، وهو الغد الذي سيَسحب فيه رجال من طينة رجب طيب أردوغان البساط من تحت أقدام هؤلاء الحكام الذين من كثرة جلوسهم على الكراسي يبدو أنهم أُصيبوا بمرض فقدان الرجولة، والله أعلم.
قد يقول قائل أن الرئيس التركي بموقفه هذا الرافض لسياسة إسرائيل بالمنطقة، يريد اللعب على وترين حساسين؛ الرد على التلكؤ الأوروبي بعدم قبول عضوية تركيا باتحادهم لحد الآن، في الوقت الذي سارع فيه الأوروبيون إلى تخويل بلدان أوروبا الشرقية ذاك الانتماء، ثم رغبة تركيا في إحياء زعامتها الإقليمية التي فقدتها بداية القرن الماضي، خاصة في ظل بوادر إعادة صياغة شرق أوسط جديد لم تكتمل ملامحه بعدَ الذي جرى في العراق وما يجري من تحرش بإيران الشيعية. ولكن ذلك لم يمنع من القول أن الرجل في كلتي الحالتين توفر على الشجاعة الكافية، لقول كلمة(لا) للجبروت الصهيوني وهو، لعمري، ما يعجز قوله حتى رئيس أعظم دولة في العالم خشية أن يعصف به اللوبي الإسرائيلي فيصُد في وجهه أبواب البيت الأبيض.
لقد أكد هذا الرجل الذي ينحدر من سلالة العثمانيين، ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، عندما ذكر بني يهود أن الدولة العثمانية في سالف الأيام هي من آوتْهُم حينما كانوا منبوذين بأوروبا والعالم، أنه يتوفر على كل مواصفات الزعيم الحقيقي، التي أولها المروؤة، وهو ما يجعله يتوفر على كافة الحظوظ في الظفر بقيادة وولاء شعوب هذا العالم العربي إذا ما نُظمت انتخابات حرة ونزيهة يكون خصومه فيها حكامُنا الحاليون، كما علَّق أحد المُكتوين بحال العرب المهين.