الجمعة، أكتوبر 31، 2014

الخبرُ السّار.. أن ترْحل

نورالدين اليزيد
في اليومين السابقين عن إضراب 29 أكتوبر أطلق رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران خبرا هو أقرب إلى "الإشاعة"، منه إلى خبر يحترم ذكاء المتلقي الذي هو دافع الضرائب، ومفاده أن حكومته تحتفظ للمغاربة بـ"خبر سارّ" سيُكشف عنه يوم الأربعاء، أي يوم الإضراب العام التحذيري الذي دعت إليه أبرز المركزيات النقابية بالبلاد وساندته العشرات من مكونات النسيج الحقوقي والمهني.
وبالرغم من أن المتتبع استبعد أية إمكانية لأن يكون هذا الخبر يتعلق مثلا برجّة اقتصادية (كأن يتم الإعلان عن كشف آبار هائلة من البترول وهو الخبر الذي لا شك أنه يُحتفظ الإعلان عنه للملك، هذا إن وُجد طبعا)، أو سياسية كأن يستقيل السيد رئيس الحكومة من منصبه لفشله الذريع في تحقيق ما وعد به المغاربة من تحسين معيشهم اليومي ومحاربة الفساد وغير ذلك، إلا أن رئيس الحكومة هذا نجح إلى حد بعيد في شد انتباه واهتمام المواطن المغربي البسيط وإشعال مواقع التواصل الاجتماعي، فانهمك المواطنون في تتبع الأخبار وترقب هذه "المفاجأة السارة" التي يريد بنكيران زفها لمغاربة أنهكتهم الانتظارات مما قد يأتي من هذه الحكومة، تماما كما أنهكت جيوبَهم الارتفاعات المتتالية للأسعار في عديد من المواد الاستهلاكية والضرائب وغيرها..
ويبدو أن السيد بنكيران كان يخشى على كرسيه الحكومي من إضراب عام (إنذاري) عُرف تاريخيا بالمغرب أنه كان مناسبة لـ"تصفية حسابات" بين قوى سياسية ونقابية من جهة، وبين الدولة من جهة أخرى، تحت يافطة مُدلس بها هي "مطالب الشغيلة"، وهو ما كان في الغالب ينتهي بأعمال شغب وتدخّل مبالغ فيه للسلطة بل وللجيش أيضا؛ هذا الأمر لا شك أن بنكيران كان يضعه نصب أعينه ويجعله يطرح أكثر من علامة استفهام حول مستقبله ومستقبل حزبه السياسي، ويمني النفس بأن تغرب شمس يوم الأربعاء وقد مرت الأمور في سلام، بدون أية أحداث مما كان سيجُر على "زعيم" حزب العدالة والتنمية "غضب" الدولة، على اعتبار مسؤوليته السياسية والمعنوية المفترضة في إثارة غضب الشارع الذي لم يحصل لحُسن حظنا جميعا !
ولعل تسريب خبر "الخبر السّار" كان واحدة من المناورات والأوراق التي باتت مكشوفة وباهتة في اللعبة السياسية الساذجة والسمجة، التي يلعبها رئيس الحكومة، ويستعملها ضد خصومه السياسيين الطبيعيين وأولئك الخصوم "غير الطبيعيين" المنتمين لعوالم العفاريت والتماسيح والأشباح، كلما تأزّم وضعه السياسي والاعتباري أكثر -وهو متأزم منذ مدة- لأجل ذر الرماد في العيون وتلهية الناس عن واقع اقتصادي واجتماعي آخذ في التأزّم، حتى ولو أصدرت مؤسسة دولية ترتيبا (رمزيا) لمؤشر ممارسة الأعمال ربِح فيه المغرب 16 درجة، ليصبح في المرتبة 71 بعدما كان في المرتبة 87...
هذا "الخبر السّار" بالنسبة للسيد بنكيران الذي لا يصلح إلا لأن يضمنه في حصيلته السياسية وقد تفيده داخل هياكل حزبه وعند مناضليه عند الدفاع عن "منجزاته"، لن يكون له الأثر بأي حال من الأحوال على المعيش اليومي للمواطنين، على الأقل، على المدى القصير، بحيث يسمح للعاطل من الشباب المغربي بأن يجد عملا في أحد مصانع رجال الأعمال الذين أغراهم ترتيبُنا الجديد في هذا "المؤشر" فاستثمروا في بلادنا، وهذا طبعا إذا لم يبنوا مصانع أشبه بالغيتوات (ghettos)، تشغل شبابا دون أدنى احترام لحقوق العمال وبتواطؤ سافر من مؤسسة رسمية اسمها "لانابيك" التابعة لوزارة التشغيل، تماما كما هو الحال بالنسبة لمصانع خيوط وأسلاك السيارات (الكابلاج) التي أصبحت تنتشر في بلادنا كالفطريات لرُخص تكلفة اليد العاملة..
وإذا كان رئيس الحكومة، كعادته، قد أفلح في تحقيق شيءٍ مما سعى إليه بتلك المزحة –حتى لا نقول الكذبة- وهو جعْل المئات وربما الآلاف من الموظفين يعرضون عن تلبية نداء إضراب 29 أكتوبر، أملا في "خبر" قد يأتي من رئيس حكومة قد يدخل بعض السرور عليهم وعلى أُسرهم، إلا أن ما فشل فيه بنكيران هو عدم قدرته على الخروج إلى الناس ووصف الإضراب بأنه كان "باهتا" كما فعل هو وقادة حزبه في مناسبة سابقة؛ وهو ما يعني أن الإضراب الإنذاري حتى وإن لم يكن "باهرا"، بحسب تعبير المركزيات التي دعت إليه، إلا أنه على الأقل كبح إلى حد بعيد جماح الغرور والتعالي و"حب الأنا" التي ميزت ليس فقط رئيس الحكومة، ولكن حتى باقي أعضاء حكومته من حزبه منذ أن تقلدوا زمام مسؤولياتهم الوزارية. وهذا ما جعل وزير اتصال حكومته مصطفى الخلفي يتحاشى، في برنامج "مباشرة معكم" مساء الأربعاء، إعطاء جواب قاطع حول نجاح أو فشل الإضراب، بل وأبى إلا أن ينوه به وبـ"المسؤولية" التي تحلى بها الداعون إليه، وفي ذلك اعتراف ضمني بنجاحه.
ولن ندخل مع رئيس الحكومة في بوليميك لا منتهي حول حجم ومستوى الربح أو الخسارة التي قد يجنيها المغرب من تحسين وضعيته على سلم مؤشر مناخ الأعمال، على اعتبار أن هذه ليست مهمتنا بل هي مهمة خصوم بنكيران من السياسيين وغيرهم، لكن يكفي أن ننوه إلى بعض الإشارات ذات الدلالات، إن كان ولابد لنا أن نسير مع بنكيران إلى أبعد مدى بخصوص مؤشر مناخ الأعمال هذا؛ بحيث في الوقت الذي أقام فيه الدنيا ولم يقعدها بهذا "الخبر السار"، لم يخبرنا بجدوى هذا التصنيف إذا كنا جئنا متأخرين بعشر درجات خلف تونس التي تعيش منذ أزيد من ثلاث سنوات على إيقاع عدم استقرار سياسي واقتصادي وأمني..كما لم يخبرنا لماذا لم نكن ضمن قائمة دول كتاجيكستان وبنين وتوغو وكوت ديفوار والسنغال وترينيداد وتوباغو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأذربيجان، وأيرلندا والإمارات العربية المتحدة، التي صنفها المؤشر من بين الاقتصادات الأكثر تحسّناً في 2014/2013، في المجالات التي يرصدها تقرير ممارسة أنشطة الأعمال، وهي التي نفذت 40 إصلاحا تنظيميا لتسهيل القيام بأعمال تجارية، ولذلك اعتُبرت هي الدول الأكثر تحسّنا في هذا التصنيف..ولم يخبرنا السيد رئيس الحكومة بالسّر وراء تأخرنا في مجال الإصلاحات في هذا الشأن عن بلد كمصر، ما يزال يعيش اقتصادها الكثير من الصعاب، لكنها استطاعت الجهة المصدرة لهذا التقرير أن تحصي لدى أرض الكنانة قيامَها بأكبر عدد من الإصلاحات في المنطقة، بينما الإصلاحات التي قام بها المغرب لا تتجاوز 19 إصلاحا.
السيد رئيس الحكومة ! الشعب المغربي لا يسرّه ولا يفرح لتقرير أو تصنيف صادر عن جهة دولية مالية، لأنه يعلم مسبقا أن في الأمر أهدافا أخرى أكثر أهمية بالنسبة لتلك الجهات، وهي التمهيد لمنح ائتمانات وقروض لتلك الدول المستهدفة؛ وليس غريبا أن تصدر تصريحات عن مسؤولين من تلك الجهات المانحة للقروض، يوما قبل صدور التقرير، تؤكد استعدادها لمضاعفة القروض للمغرب !
الشعب المغربي أثقل كاهلَه غلاءُ الأسعار، وقهره انتظارٌ قاتِل لمستقبل غامض، وأعْيتُه وعودُ مسؤولين لا يوفون بها، فلا تسره ولا تفرحه إلا استقالة هؤلاء المسؤولين غير الملتزمين بما يعدون به، وأن يرحلوا عنه...ومِنهم وأولُّهم رئيسُ الحكومة السيد عبد الإله بنكيران !

 nourelyazid@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق