السبت، نوفمبر 24، 2012

عن (المقاصّة) وأشياء أخرى..

نورالدين اليزيد

لاشك أن النقاش العام الذي ما تزال بلادنا تعيشه منذ تقديم مشروع قانون المالية للسنة المقبلة أمام البرلمان، والمتعلق بإجراءات عملية جاء بها أول مشروع قانون مالي للحكومة الجديدة، وفي ظل الدستور الجديد، وهي الإجراءات التي تمهد للشروع في إصلاح صندوق الدعم (المقاصة)، هو نقاش إيجابي وضروري وحتمي، كان علينا أن نخوض فيه منذ زمن مادام يتعلق بآلاف الملايير من السنتيمات، التي تصرف بقصد دعم منتوجات ومواد حيوية، إلا أن المستفيد الأكبر كان دائما هي المقاولات والطبقة الميسورة، بينما بقيت جيوب الطبقة المعوزة بعيدة عن الاستفادة من الدعم، بسبب عدم التمييز بين هذا وذاك في توزيعه.
الحديث اليوم عن الرفع من قيمة الضريبة على بعض الأجور المرتفعة، وكذا خفض الدعم الموجه إلى العديد من المواد والأدوات، المستعملة لدى المقاولات والشركات الكبرى لإنتاج وصناعة منتوجاتها، ينبغي أن يقابل بروح وطنية عالية، وبانخراط جميع مكونات المجتمع، السياسية منها والاقتصادية والمدنية، في إطار مواطَنة واحدة، لا تقبل المزايدة أو الاستغلال والوصولية.
صحيح أن البعض يرى في الإجراءات التي جاءت بها الحكومة الحالية في مشروع القانون المالي الجديد مسّا بمصالحها، وهو ما ذهب إليه ليس فقط أرباب العمل بل – ويا للعجب- حتى بعض نواب الأمة الذين رفضوا أي اقتراب من أجورهم، لكن يبقى عذر هذه الحكومة، والتي يشفع لها إقدامها على تلك الإجراءات، هو أن العائدات ستؤول إلى صندوق دعم التضامن الموجه بالأساس إلى الفقراء؛ معنى ذلك أن الغاية تبرر الوسيلة التي تتوخى محاربة الهشاشة الاجتماعية والإقصاء والعوز في إطار تضامني يفرضه علينا الواجب الشرعي والأخلاقي قبل الإكراهات الاقتصادية التي تعصف بالعالم، والتي جعلت بلدانا تعيش في الرفاه والازدهار تُقدم على إجراءات تقشفية وتخفض من الأجور العليا لموظفيها وترشد نفقاتها مع اهتمام خاص بذوي الدخل المنفض أو معدميه.
ويبدو أن السلطات العليا بالبلاد التي تدخلت في الوقت المناسب لإخماد صراع غير مُجد بدت بوادره تلوح في الأفق، بين الحكومة وممثلي أرباب العمل، تؤكد مرة أخرى مدى اهتمامها بدعم الطبقات المعوزة وقربها منها وانشغالها بهمومها، وهو ما سمح للحكومة بالمضي قدما في إجراءاتها القاضية بتنمية صندوق التضامن بالموازاة مع ترشيد نفقات صندوق المقاصة وإصلاحه لاسيما على مستوى إيجاد أدوات رقابة وتتبع لما يقدمه من دعم.      
هذه الإجراءات، ومن باب الإنصاف، لا ينبغي أن تخدم هذه الجهة دون تلك من مكونات الوطن؛ وكلنا يعرف مدى أهمية الدور الريادي والحاسم في تنمية البلاد الذي يقوم به المستثمرون الوطنيون قبل الأجانب، وإن كانت هناك بعض النقائص في عمل البعض ليس هذا مجال لذكرها. ومن هنا كان لزاما على الحكومة أن لا تنزل تلك الإجراءات دفعة واحدة، وأن تحفظ لكل الفاعلين مصالحهم تماما كما يجب أن تحفظ مصالح المكونات الأخرى من المجتمع.
وفي خضم هذا النقاش ربما يختلط على البعض الأمر أو يجعله هو مختلطا وملتبسا، لاسيما عندما نكون بصدد مقاربة كالتي نعيشها هذه الأيام؛ وهي أن هناك حكومة جاءت من صناديق الاقتراع، وتريد الوصول إلى تحقيق ما لم يتم تحقيقه منذ حصول المغرب على الاستقلال، وهو جعل المواطن الفقير يحصل على مقابل مادي يعينه على تربية أبنائه وعلى باقي متطلبات الحياة الأخرى؛ وبالمقابل هناك طرف يشكك في هذا التوجه ويذهب إلى حد اتهام الحكومة الحالية بمحاولة استغلال هذا الجانب الاجتماعي بقصد الرفع من أسهمها في بورصة السياسة !
نكاد نجزم أن مسألة دعم الفقراء هي سيرورة تاريخية بدأنا نلمسها واقعا منذ تولي جلالة الملك محمد السادس العرش، ليتم التأسيس والتقعيد له بالمبادرة الإستراتيجية التي تستهدف الطبقات المعوزة(المبادرة الوطنية للتنمية البشرية)، وليتطور أكثر هذا الدعم بإعطاء جلالته تعليماته لتخصيص دعم طبي (رميد) أو المساعدة الطبية، وهي الخدمة التي باتت توفر للفقراء التطبيب والاستشفاء بمختلف المؤسسات الصحية، وليتبع ذلك برنامج "تيسير" الذي يهدف إلى محاربة الأمية والهدر المدرسي في صفوف المواطنين؛
إن كل هذا الدعم الاجتماعي لا ينبغي أن ينظر إليه على أنه برنامج هذا الفريق أو ذاك، ولكنه برنامج أمة بدأته بخطوات، فانتقلت إلى مبادرات، وهي اليوم بصدد فقط تجميع كل هذه المبادرات ومأسستها، ومن تم بات من اللازم إنشاء قطب اجتماعي يرعى هذا الدعم ويصونه.    
         

مغربي وأفتخر..


نورالدين اليزيد
فليأذن لي باستعمال هذه العبارة بعضُ الشباب الفيسبوكي (من يرتادون كثيرا الموقع الاجتماعي الشهير فيسبوك)، الذين أطلقوا العنوان أعلاه على إحدى مجموعاتهم الفيسبوكية، التي وصل عدد أعضائها مؤخرا، وبالموازاة مع احتفال الشعب المغربي بالذكرى السابع والثلاثين لانطلاق المسيرة الخضراء، إلى 350 ألف عضو، وهو الرقم/المعادلة الذي جعل المغرب يسترجع أقاليمه الجنوبية بطريقة حضارية لفتت انتباه العالم.
المجموعة الفيسبوكية التي يقف من وراء تأسيسها على الموقع العملاق شاب انضم إليه شباب مافتئوا يؤكدون لمن يحتاج إلى ذلك غيرتهم على هذا الوطن، استطاعت أن تجذب إليها اهتمام جانب من الصحافة العربية والدولية، بالنظر أولا إلى الصدفة الغريبة التي جعلت عدد أعضائها يصل إلى عدد المشاركين والمشاركات في ملحمة المسيرة الخضراء، وفي يوم الاحتفال بالذكرى. وثانيا لأن هناك شبابا مغاربة يستطيعون بما أتيح لهم من أدوات وإمكانيات بسيطة فقط أن يثبتوا أنهم يخدمون هذه البلاد ويُعرّفون بقضاياها المصيرية ويدافعون عليها، ولو افتراضيا، دون انتظار مكرمة من أحد ولا جزاء أو شكورا.           
ولا شك أن استعارة العنوان أعلاه بقدر ما يترجمها شعور بضرورة الانخراط مع هؤلاء الشباب في الاحتفاء برموز وطننا وتخليد ذكرى عزيزة على قلوبنا، بقدر ما هي دعوة أخرى أيضا للتأمل فيما يقوم به مسؤولونا لفائدة البلاد والعباد؛ وهو ما يجعلنا نستقرأ بعمق دلالات تلك العبارة (مغربي وأفتخر !)، وما إذا كان كل واحد منا يحس حقيقة بالفخر بما أنه مغربي !
برأينا المتواضع الذي عليه أن يفتخر بكونه مغربيا، هو عموما وبكلمة واحدة من يريد الخير لهذا المغرب، وبعدها يأتي الجزاء ويأتي المقابل، وإن كان مثقال حبة من خردل، لأن مجرد أن يعيش المواطن في وطنه الآمن والفسيح، هو خير جزاء ويستحق الذود عن حدود هذا الوطن والافتخار به !
الذي من حقه أن يفتخر بهذا الوطن هو من لا تطاوعه نفسه مد يده إلى مال الوطن دون موجب شرع أو قانون، مستغلا بذلك منصبا معينا أو علاقة بذي سلطان !
والذي عليه أن يفتخر بمغربيته هو من يهب كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وكلما نادى الوطن بالتضامن مع الإخوة والأخوات والأبناء المعوزين والمعوزات في المناطق النائية والمهمشة؛ والانخراط فعليا وليس فقط من باب الرياء، في الحملات الاجتماعية التضامنية التي يطلقها هذا الوطن !
والذي تنطبق عليه جملة "مغربي وأفتخر.." هو من لا تسول له نفسه المس بحرمة نفس ومال وأمن من يسكن تحت سماء هذا الوطن، سواء بالفعل الآثم، أو القول الجارح؛ وهو من يبدي الاستعداد اللازم لمساعدة الذي هو في حاجة إلى مساعدة !
ويحق لمن يضع رأسه على مخدة سريره وقبل أن ينام يستحضر ما قدّم وما أخّر لجاره ولزميله ولأهله ووطنه، ثم يعد نفسه بأن يتدارك في الغد تقصيرا أو تجاوزا في حق هذا أو ذاك، يحق لهذا أن يقول أنا "مغربي وأفتخر" !
إنه من السهل علينا أن نحس بالفخر إزاء هذا الوطن، فقط علينا أن نحسن تعاملنا مع محيطنا، وأن نمارس "الحكامة" الحق، وليست الخطاب والشعار المبتذل، مع ذواتنا أولا قبل مطالبتنا بممارستها في علاقاتنا مع الآخرين، لأن ذلك وحده القمين بأن نكون أهلا للثقة وللفخر.                              

رسائل إلى من يهمهم الأمر..


نورالدين اليزيد
المتتبع لخُطب صاحب الجلالة الملك محمد السادس منذ 9 مارس من السنة الماضية، حينما أعطى جلالته الانطلاقة الرسمية لورش كبير من الإصلاحات السياسية والدستورية ببلادنا، سيستشف بكل يسر مدى حرص جلالته على الانخراط الشخصي في دينامية التغيير والإصلاح على كافة المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ولم يخرج الخطاب الملكي يوم الثلاثاء الماضي (6 نونبر) بمناسبة احتفال المغرب بالذكرى الـ37 لانطلاق المسيرة الخضراء، عن هذه القاعدة التي كرسها جلالة الملك، والتي جعلت كل المغاربة يتطلعون بشغف إلى هذه المناسبة الوطنية أو تلك الدينية، لمعرفة ما يحمله جلالته من جديد؛ سواء بخصوص الأوضاع السياسية ببلادنا، والتي من أبرز معالمها أن كان المغرب سباقا في المنطقة إلى تداول السلطة بين الأغلبية والمعارضة، في إطار ما يسمى التناوب الحكومي الذي تم التأسيس له منذ حوالي عقد ونصف. أو بخصوص الأوضاع الاجتماعية، بحيث يشهد الجميع على الدور الحاسم للمؤسسة الملكية في هذا الجانب، سواء بخصوص المبادرة الإستراتيجية التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس سنة 2005، والمسماة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أو فيما يتعلق بالحملة الوطنية للتضامن التي تشرف عليها مؤسسة محمد الخامس للتضامن منذ 15 سنة، والتي باتت سلوكا مؤسسا للمغاربة يتجدد كل سنة ويعكس مدى تجدر ثقافة وسلوك التضامن لدى المغاربة كأمة لها مقوماتها الدينية والقيمية الراسخة.
هذه الإشارات القوية من المؤسسة الملكية نابعة بدون شك من إيمان بلادنا بأن لا عودة إلى الوراء في مسار الإصلاحات وورش بناء المغرب الحديث، القائم على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتنميته، وهو ما فتئ جلالة الملك يؤكد عليه، في كل المناسبات، وأعاد التذكير به في خطاب يوم الثلاثاء عندما قال جلالته؛ "وذلكم هو التوجه القويم الذي أجمع عليه الشعب المغربي٬ من خلال انخراطه الواسع في المسار الإصلاحي٬ الذي نقوده٬ مؤكدا ثقته الكبيرة في مؤسساته الوطنية٬ وتوجهاته الاستراتيجية. وهو ما تجلى في مختلف الإصلاحات العميقة٬ والمنجزات الكبرى التي راكمتها بلادنا٬ ومن بينها تكريس التداول الديمقراطي بين الأغلبية والمعارضة٬ الذي عرفه المغرب منذ سنة 1997، وذلك في إطار ممارسة سياسية طبيعية٬ وفي سياق حركية دائمة٬ وتوجه مستقبلي واضح الرؤية٬ سواء بالنسبة للمواطنين٬ أو لشركاء بلادنا٬ دولا ومجموعات".
هذا التوجه القويم، كما قال جلالة الملك، يبدو أن العديد من المسؤولين والسياسيين بالخصوص، لم يتأقلموا معه بعد، ولازلنا نرى كيف أن العديد ممن لهم مسؤولية الإشراف على منصب معين أو إدارة منظمة سياسية أو سوسيواجتماعية، ما يزالون يعيشون زمن غير هذا الزمن الجديد حيث تنخرط أعلى سلطة بالبلاد في التجسيد الفعلي لمواطنة القرب؛ وذلك إيمانا منها بأنه وحدهما الإخلاص في العمل ونكران الذات، الكفيلان بالوصول ببلادنا إلى مرتبة تنموية تليق بتاريخها العريق. ولعلها الرسالة الرسائل التي أراد جلالة الملك توجيهها في الخطاب الأخير إلى جهات بعينها حين قال؛ "وفي هذا الصدد٬ نهيب بجميع الفاعلين والمسؤولين في مختلف المؤسسات٬ ليكونوا في مستوى الأمانة الملقاة على عاتقهم. فعلاوة على السلطتين التنفيذية والقضائية٬ فإننا ندعو جميع الهيآت المنتخبة٬ بمختلف مستوياتها٬ إلى الالتزام الدائم بالمفهوم الجديد للسلطة٬ بكل أبعاده. فالمنتخب يجب أن يكون في خدمة المواطن٬ وأن يرقى إلى مستوى الثقة التي وضعها فيه٬ بعيدا عن أي اعتبارات شخصية أو فئوية ضيقة". انتهى كلام جلالة الملك، فهل وصلت الرسالة؟

حديث عن التضحية !

نورالدين اليزيد

من حسن حظنا نحن –المسلمين- أننا نحتفل بمناسبة دينية كعيد الأضحى المليئة بالدلالات والمعاني النبيلة التي تذكر الإنسان عموما والمسلم خصوصا والمغربي على وجه الأخص، بما ومن يستطيع الإنسان أن يضحي به من أجل إرضاء الخالق عز وجل.
ولن نخوض، هاهنا، في قصص القرآن الكريم التي جعلها الله سبحانه وتعالى آيات لبني البشر يهتدي بها في حياته، ليُرضي نفسه التي لها عليه حق، ويرضي أمته، ويكسب رضى ربه الكريم؛ لكننا نقف وقفة تأمل لطرح السؤال المؤرق للناس منذ أن وجدوا على هذه البسيطة، والذي يخشون طرحه في كثير من الحالات لأن لا جواب لكثيرين عليه، وهو الآتي؛  هل نستطيع أن نضحي؟
بكل تأكيد سيتهرب المرء من مجرد عقد مقاربة ومقارنة بسيطة بين ما ومن كان يضحي به الأنبياءُ والرسلُ الكرام، وما يمكن للإنسان العادي أن يفديه لقاء مسعى أو لقضاء حاجة مهما كانت دينية أو دنيوية، لكن كل واحد منا يقدر أن يقدم شيئا مهما كان ضئيلا ويسيرا فإن من شأنه أن يغير حال أشخاص كثيرين من سيء إلى أحسن.
حديثي هنا عن ما يمكن لنا أن نقدمه لهذا الوطن الذي هو في أمس الحاجة إلى البذل والعطاء والتضحية ونكران الذات، والمساهمة في تقدم بلادنا ورُقيها، لاسيما في هذه الظرفية الحساسة التي تجتازها أمتنا العربية والإسلامية، والتي جعلت المواطن في كثير من البلدان يخرج إلى الشوارع لرفع الظلم الذي حل به من حكامه؛ ورأينا ولازلنا نرى كيف أن البعض من هؤلاء الذين تولوا مسؤولية ولاية أمر شعوبهم لم يترددوا في التنكيل بهم وقتلهم، بعكس بعض الحكام الذين أقبروا الفتنة وهي في مهدها واستجابوا لنداء شعوبهم، فانخرط الجميع في البناء بدل الهدم، والتنمية بدل الإقصاء والتهميش، والديمقراطية بدل الاستبداد والطغيان.
ولاشك أننا كمغاربة فخورين باستثنائيتنا التي ننفرد بها على مر العصور، وتبلورت وبدت واضحة هذه الاستثنائية خلال فصول "الربيع العربي" التي اجتاحت المنطقة، حيث رأى العالم بأم عينه كيف بادرت السلطات العليا بالبلاد، وعلى رأسها جلالة الملك محمد السادس، إلى إحداث رجة في مشاريع مختلفة كانت موجودة أصلا ببلادنا، وهو ما يشهد به العالم، وإن كان بعض تلك المشاريع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كان يمشي ببطء وهو ما يجعل، وهذا طبيعي، المواطن يطالب بتسريعها وتفعيل أجرأتها.
الأحداث الاجتماعية والسياسية الأخيرة التي عرفها العالم العربي أكدت، بما لا يدع مجالا للشك أيضا، على أن الشعب المغربي قادر ليس فقط على تقديم النموذج في الدفاع عن مقدسات هذه البلاد الوطنية والدينية، ولكن وهذا هو الأهم قادر كذلك على الحفاظ على هذه الثوابت بما يملكه من غال ونفيس، وهو ما نراه حتى قبل انطلاق موجات الربيع العربي، من خلال انخراط كل المغاربة في مساعدة المعوز منهم، سواء عبر الصدقات والتبرعات العفوية، أو عبر الإقبال المنقطع النظير، الذي نلمسه سنويا في مختلف المؤسسات التسويقية والبنكية والخدماتية، على المساهمة في صناديق مخصصة لجمع التبرعات توضع في مداخل تلك المؤسسات، وشراء شارات "مؤسسة محمد الخامس للضامن".
إنها التضحية التي أبان عنها المغاربة في العديد من المناسبات، خارجيا كذلك، في إطار التضامن الإنساني، حيث يسارع المغرب إلى إرسال مساعدات إلى هذا البلد أو ذاك بمجرد طلب استثغاثة؛ وكم كانت الصور الأخيرة التي تناقلتها القنوات التلفزية ووكالات الأنباء الدولية لجلالة الملك، وهو يزور مخيمات اللاجئين السورين بالأردن ويقدم لهم مساعدات طبية واجتماعية، معبرة عن مدى قدرة الإنسان المغربي على التضحية والبذل عندما تستدعي الحاجة إلى ذلك.
إن المعاني التي تحبل بها مناسبة عيد الأضحى المبارك ينبغي أن لا تمر عابرة لاسيما على البعض من مسؤولينا ومواطنينا ممن لا يريدون إيجاد الجواب الكافي والشافي للسؤال الذين طرحناه حول التضحية؛ وعلى الفرد منا أن يتحلى بالجرأة اللازمة لذلك، وإلا فلا مكان له بيننا نحن الأمة التي تُضحي..
وكل عام وأنتم بخير.              
             

من حقنا أن نفرح !


نورالدين اليزيد
المتتبع لأجواء الفرحة العارمة التي اجتاحت كامل التراب الوطني، يوم السبت الماضي، بعد انتهاء مباراة المغرب والموزمبيق المؤهلة لنهائيات كأس إفريقيا للسنة المقبلة، لا شك أنه وقف على حقيقة لا غبار عليها وواضحة كوضوح الشمس في كبد السماء بيوم صيفي، وهي أن الشعب المغربي شعب في حاجة إلى من يفرحه ويرسم البسمة على محياه، فلتدم أفراحنا وليتكرر انتصار يوم السبت !
لن نخوض في التأسيس العقائدي والفلسفي والسوسيولوجي لفِعل الفرح، فهذا ما لا نستطيع إعطاءه حقه في هذا المقام، ويمكن لمن يريد التفصيل فيه الاطلاع على ما يُكتب ويُقدم في الندوات والكتب من طرف فقهاء الدين والمجالات العلمية الأخرى، لكن من حقنا أن نقف عند بعض مسببات هذا الفرح الذي عشناه نهاية الأسبوع الماضي.
بالرجوع إلى المباراة الرياضية الأخيرة التي كانت مناسبة لانطلاق فرح ساد كل ربوع مملكتنا السعيدة، نجد أنها لم تكن غير مباراة كرة قدم عادية لإقصائيات لن تؤدي إلا إلى بطولة إفريقية شاركنا فيها العديد من المرات، لكن يحتفظ لنا التاريخ بأننا كنا في المستوى في مناسبتين فقط؛ الأولى عندما تمكن جيل السبعينات من الظفر باللقب سنة 1976، والمناسبة الثانية عندما استطاع الفريق الوطني الوصول إلى المباراة النهائية سنة 2004، رفقة الإطار الوطني بادو الزاكي؛ ولذلك فإن كثيرين من لهم ذاكرة قوية لا يستطيعون التغلب على منطق المقارنة الذي تفرضه المعطيات التاريخية، والتي تخلص إلى أن لا جدوى من فرح إذا كان سيغطي فقط إخفاقات البعض وتهاونه، ولن يستمر طويلا.
حديثي هنا يسائل الذين كانوا السبب في منعنا من الفرح طيلة أشهر، وربما طيلة سنوات، إذا أخذنا بعين الاعتبار آخِر إنجاز كروي وقعنا فيه على بصمة واضحة في كرة القدم على المستوى الإفريقي، على الأقل؛ بحيث منذ ذلك الوقت، أي تحديدا منذ أزيد من ثمان سنوات، لم يعرف الفريق الوطني لكرة القدم إلا المزيد من التأرجح في مراتب متواضعة جدا على سلم ترتيب البلدان الذي يصدره الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).
إن المتتبع للشأن الكروي ببلادنا وللشأن الرياضي عموما طرح أكثر من سؤال، قبل أيام فقط، على الجهات المسؤولة، بل وتم التداول في البرلمان بخصوص الوضع الرياضي "المتأزم" الذي آلت إليه الأمور في هذا القطاع الحيوي الذي يستهدف الشباب بالدرجة الأولى، خاصة بعد الخيبات التي جناها أبطالنا بالأولمبياد الأخير، إلا أن كل تلك الأسئلة ظلت معلقة وتنتظر الجواب الذي يبدو أنه ما يزال عالقا وإن كان تم تقديم جزء يسير منه، على شكل إقالة مدرب أجنبي من مهامه.
المشكلة ليست في إقالة المدرب البلجيكي الجنسية الذي جيء به بأجر "خيالي" وصل النقاش بشأنه إلى قبة البرلمان، حيث طالب نواب بالكشف عنه دون أن يستطيعوا إلى ذلك سبيلا، بحجة تنصيص بنود العقد مع هذا المدرب على عدم الإفصاح بذلك. وليست المشكلة كذلك في تحقيق التأهيل إلى هذه البطولة الإفريقية أو الأولمبية أو العالمية، ولكنها مشكلة هي أعمق وأخطر بكثير من إجراء رتوشات إصلاحية في هذه الجامعة الرياضية أو تلك؛ إنها مشكلة عدم انصياع البعض للواجب الوطني وللقانون ولأسمى القوانين في البلاد وهو الدستور، الذي ينص حرفيا على ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، وعلى الشفافية، والمروؤة، والكفاءة، وغيرها من الضمانات التي أقرها وألزم توفرها هذا الدستور في من يفترض أنه سيتولى أمور تسيير مرافقنا العامة، ولاسيما منها مرفق الرياضة الذي يخاطب ويستهدف الفئة الحيوية بالمجتمع، وهي فئة الشباب.
إن المأمول في مسؤولينا عن القطاع الرياضي ليس أن يتواروا خلف انتصار مؤقت لشبابنا، أو أن يُخطف هذا الانتصار من طرف الذين يريدون الاغتنام وإبقاء الوضع على ما هو عليه بأعطابه وعيوبه وتشوهاته، ولكن نأمل أن يتحلى بعض المسؤولين بالشجاعة والروح الرياضية الواجبة في المشتغلين في القطاع، ويتركوا المكان للرجل المناسب، فوحدها خطة "الرجل المناسب في المكان المناسب" هي القادرة على جعلنا نفرح باستمرار كجمهور يحب وطنه؛ وليس معنى ذلك أننا نطالب فرقنا الرياضية بتحقيق الانتصارات تلو الأخرى،  فهذا ما لا تستطيعه حتى أعتى الفرق الرياضية في العالم، ولكننا نريد فقط تسييرا وتدبيرا محكما لقطاعنا الرياضي، ويتولاه أشخاص لهم الدراية والخبرة الكافيتين، وقبل هذا وذاك لهم حس وطني حقيقي غير مزيف، وهذا ما سيكون له التأثير الإيجابي –بكل تأكيد- على الشباب، أولا، الذين سيجدون مجالات مرحبة بإبداعاتهم، وثانيا من شأن كل ذلك أن يعطي صورة حسنة لوطننا في مصاف الأوطان المتقدمة، وقتها سنفرح كثيرا..وهذا حقنا !        

       

في انتظار إنشاء المجلس الاستشاري للشباب..


نورالدين اليزيد 
هذه الأيام كثرت تحركات بعض مسؤولي الأحزاب، لاسيما منها المشاركة في الحكومة، بعدد من جهات المملكة، يخاطبون بالخصوص الفئات الشابة ويحثونهم على ضرورة الانخراط في العمل السياسي، وهو ما لا يمكن إلا التنويه به، على اعتبار أن من بين أبرز المهام الدستورية للمنظمات الحزبية هو تأطير المواطن، وتأهيله ليصبح قادرا على التعاطي مع واجباته وحقوقه على أكمل وجه.
لكن يبدو أن هناك دوافع أخرى تجعل البعض يقوم بزيارات مكوكية إلى مختلف المدن المغربية، من أجل ليس فقط دعوة هؤلاء الشباب إلى الانضمام إلى هذا الحزب أو ذاك، أو الانخراط في استقطاب المزيد من المنخرطين بتلك الأحزاب، ولكن أيضا بغرض توزيع الوعود المعسولة لأجل التوظيف، وليس هناك أحسن من تقديم الوعود ذات اليمين وذات الشمال، لإيجاد مقعد داخل المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجهوي، الذي نص على تأسيسه دستور سنة 2011.
إن الأمر يصبح أخطر عندما يسمح بعض السياسيين لأنفسهم، كما تسرب من خلال لقاءات حزبية بمدن عدة، بأن يدوسوا على القانون ويتجاوزا حدود اللباقة السياسية والأخلاقية، فيعدوا هذا الشاب أو ذاك بأن يجدوا له موطئ قدم في مؤسسة دستورية لم تر النور بعد، ولا صدرت بشأنها قوانين تنظيمية تشرح طريقة تعيين أعضائها؛ وهو ما يلقي بالمسؤولية أولا على الجهة الوصية بقطاع الشباب، التي ينبغي لها أن تتحرك لتبدد الضبابية التي يتعمد سياسيون خلقها من أجل حاجات انتخابية في أنفسهم، ونفس المسؤولية ملقاة أيضا على مصالح وزارة الداخلية التي ينبغي لها التحري في تلك اللقاءات "المشبوهة" ورفع تقارير تنبيهية وتحذيرية للأحزاب المتورط "مناضلوها" في هكذا أفعال. هذا عدا عن بعض أحزابنا السياسية التي ينبغي لها التحلي بروح المواطنة والابتعاد عن بث التشويش في صفوف المواطنين بدعوى "توظيف" الشباب بهذه المؤسسة أو بتلك.        
صحيح أن القاعدة الشبابية المغربية التي تصل إلى 16 مليون شاب على الأقل، تصبح مثيرة للشهية للأحزاب السياسية، مهما كان موقعها داخل الرقعة السياسية ببلادنا، وهو ما يجعلها، وهذا شيء طبيعي، لا تتردد في التسابق من أجل كسب ود هؤلاء الشباب استعدادا للاستحقاقات الانتخابية، وخاصة منها الانتخابات الجماعية المنتظر إجراؤها في الآجال القريبة، لكن الشيء غير الطبيعي أو أن يركب البعض على مؤسسات دستورية لتحقيق هذا الاستقطاب.
لقد أعلنت وزارة الشباب والرياضة، قبل أسابيع، عن إطلاقها لحوار وطني يروم إشراك أزيد من 35 ألف شاب فيه عبر كافة ربوع المملكة، من أجل التوصل إلى تصور موضوعي وعملي لهذا المجلس المرتقب تأسيسه، وهو التصور الذي يجب أن يتجاوز كل الحسابات الضيقة، ويتسع لكل شرائح المجتمع المغربي، المنفتح بطبيعة الحال على المناضلين السياسيين، والفاعلين الجمعويين والاقتصاديين والرياضيين، وعلى المواطنين الذين احتفظوا لأنفسهم بمسافة بين هذا وذاك لاعتبارات لها ما يبررها؛ بحيث نجد على رأسها الاعتبار العلمي الذي يأخذ الوقت الوفير، ثم الاعتبارات الاجتماعية التي تجعل العديد من الشباب يكرس كل وقته من أجل البحث عن لقمة العيش.           
إننا ونحن ننتظر، كشباب، التفعيل الديمقراطي لمقتضيات الدستور نتساءل أولا عن مصير الحوار الوطني الذي أطلقته وزارة الشباب والرياضة، وعما إذا كان كافيا لمواجهة حملات البعض الذين بالإضافة إلى الزيارات الميدانية التي يقومون بها، من أجل توسيع قاعدة منخرطيهم ومؤيديهم، فإنهم أصبحوا يستعملون المواقع الاجتماعية على الشبكة العنكبوتية، تحت يافطة جمعيات وصفحات إلكترونية، تروج للمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، لجلب المزيد من الشباب؛ الذين يتم إخبارهم بإقامة ندوات أو فعاليات حول موضوع المجلس، وليتم إخبارهم بعدها بأن الحزب "الفلاني" مثلا يقدم "شراكته" بقصد التعاون.
هذا الواقع يفرض علينا جميعا التحلي بالمسؤولية والشفافية والمساواة، بقصد التوصل إلى تنزيل ديمقراطي ونزيه لمقتضيات الدستور المتعلقة بهذه المؤسسة الدستورية، التي ينبغي أن تكون معايير اختيار أعضائها صارمة وتحترم شروط الكفاءة والعلم والمقدرة على الترافع على قضايا الشباب.

الدّخول الدراسي الجديد..

نورالدين اليزيد

كما يحلو للعديد من العاملين في المجال السياسي والاجتماعي والإعلامي ببلادنا ترديد كلمتي "الدخول..والجديد" تتوسطهما كلمة حربائية، تختلف بحسب الناطق؛ فتجد هذا يتحدث عن "الدخول السياسي الجديد"، وذاك يردد "الدخول الاجتماعي الجديد"، وآخر ينعت دخوله بما يراه والقطاع أو المجال المشتغل فيه، أو الذي يريد فقط التعليق عليه من باب الفضول؛
فكاتب هذه السطور هو الآخر يأبى إلا أن يركب موجة هذه "الموضة" ويسمي "دخوله" الذي يريد التعليق عليه بـ"الدخول الدراسي الجديد"، ويقصد به الدخولين المدرسي والجامعي، حيث فتحت مختلف المؤسسات التعليمية ببلادنا، وكذا التكوينية والتدريبية في المجال المهني، أبوابها وسط جدل كبير يدعو لأكثر من مجرد وقفة، بل إلى إجابات واضحة حول مآل ما سمي بالبرنامج الإستعجالي لإصلاح منظومة التكوين والتعليم بمملكتنا السعيدة، والذي استمر طيلة الأربع سنوات المنقضية (2009/2012).
ولن يجد المرء -للتحذير- أكثر وأخطر مما صرح به، في الصيف الماضي، السيد محمد الوفا الوزير المكلف بالتربية الوطنية، من أرقام تقرع ناقوس الخطر على واقع تعليمنا وتكويننا التربوي والمهني، وتحذر كل مكونات المجتمع إلى مآل هذا القطاع الذي ما أحوجه إلى مكاشفة حقيقية ونيات صادقة للدفع به إلى مصاف الأنظمة التعليمية المتطورة للبلدان والأمم المتقدمة؛ فليس أدل على خطورة الوضع بتعليمنا من أن عددا من الأكاديميات المنتشرة في ربوع المملكة لم تنجز سوى 5 بالمائة من المدارس، كما حددها لها البرنامج الاستعجالي، كما أن 31.4 بالمائة من الثانويات بلغت فيها نسبة الاكتظاظ فوق 40 تلميذا، وهي نسب "مقلقة"  بحسب تعبير السيد الوزير.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إن السيد الوفا يزيد من تعرية واقع تعليمنا، وفي نفس الآن، إماطة اللثام عن بعض الذين أُسندت إليهم مهمة إصلاح التعليم من خلال البرنامج المذكور، فيؤكد أن من الأسباب التي أدت إلى فشل البرنامج الاستعجالي هو وجود "عدد كبير من النقائص" به؛ يُجمل أبرزها في غياب مقاربة تشاركية في تنفيذ مشاريع البرنامج، وغياب مقاربة تعاقدية، وكذا عدم استقرار الساهرين على مشاريع البرنامج على تدبير المصالح المالية بشكل جيد.
إلا أن الخطير في الأمر  والذي يبدو كان له الدور الأكبر في عدم وصول البرنامج الإستعجالي إلى تحقيق أهدافه ومراميه، هو "غياب تام للافتحاص" الواجب للصفقات التي تفوق كلفتها 5 ملايين درهم، علاوة على غياب تام لتقارير انتهاء تنفيذ الصفقات التي تفوق كلفتها 1 مليون درهم"، بحسب كلام السيد الوزير.
هاهنا تبرز المسؤولية كاملة وتتبدى الجهات المسؤولة عن فشل مثل هكذا برنامج إستراتيجي، تبددت على إثره بالإضافة إلى أموال عمومية وسنوات دراسية أربع، الآلاف من طموحات أطفالنا وشبابنا، الذين بسبب عدم مسؤولية البعض من الساهرين على إصلاح تعليمنا ومراكز تكويننا، يفقد العديد من أبنائنا حقه في مقعد وفصل دراسي؛ وهاكم مزيدا من الأرقام الذي أدلى بها السيد  الوزير نهاية الموسم الدراسي السابق؛ عدد المنقطعين عن الدراسة في الإعدادي تجاوز 10.80 بالمائة، وعلى مستوى التعليم الابتدائي وصلت نسبة المنقطعين إلى 3.1 بالمائة. أما فيما يخص نسب الاكتظاظ ما فوق 40 تلميذا بالقسم، فقد سجل التعليم الابتدائي نسبة بلغت 7.9 بالمائة، وفي الإعدادي بلغ 14.4 بالمائة، بينما تجاوزت هذه النسبة 31.4 بالتعليم الثانوي.
إن هذه الوضعية المتدهورة للتعليم هي التي جعلت جلالة الملك محمد السادس يخصص حيزا هاما من خطاب ذكرى "ثورة الملك والشعب"، في 20 غشت الماضي، لهذا القطاع، ويدعو بكل وضوح إلى ضرورة رسم خارطة طريق جديدة قمينة بتجاوز العثرات السابقة؛ إذ برأي جلالته فإنه "يتعين الانكباب الجاد على هذه المنظومة التربوية التي تسائلنا اليوم، إذ لا ينبغي أن تضمن فقط حق الولوج العادل والمُنصف القائم على المساواة إلى المدرسة والجامعة لجميع أبنائنا، وإنما يتعين أن تخولهم أيضا الحق في الاستفادة في تعليم موفور الجدوى والجاذبية، وملائم للحياة التي تنتظرهم"، قبل أن يضيف  جلالة الملك أن "الأمر لا يتعلق في سياق الإصلاح المنشود بتغيير البرامج أو إضافة مواد أو حذف أخرى، وإنما المطلوب هو التغيير الذي يمس منطق التكوين وأهدافه".
إن هذه المكاشفة لا ينبغي أن تعفي البعض ومنهم فاعلون سياسيون وجمعويون وإعلام وأولياء أمور، من ضرورة الانخراط الجاد في إصلاح منظومة التعليم، كلّ من موقعه؛ كما أنها نفسها هي المكاشفة التي يجب أن يتحلى بها من أوكلت له مهمة الإصلاح ولم يستطع إلى ذلك سبيلا، وهي نفس المكاشفة أيضا والجرأة التي ينبغي لذوي الاختصاص أن يتمتعوا بها من أجل تحريك فرق التفتيش والتدقيق في المال العام، احتراما لمقتضيات الدستور التي تربط المسؤولية بالمحاسبة..إنه "الدخول الدستوري الجديد" !                

نحن لا نُخرِّب..نحن نَبني !

نورالدين اليزيد 

الحادث المؤسف واللامسؤول الذي شهدته العاصمة العلمية فاس في الأسبوع الماضي، الناتج عن انقلاب قطار يقل ركابا أبرياء، بعدما تعرضت السكة الحديدية لعملية تخريب من طرف أشخاص هم مواطنون رغم كل ما فعلوه، يجعلنا نطرح السؤال المؤرق؛ على من تقع مسؤولية مثل هكذا تصرفات غير مسؤولة يقوم بها مواطنون من لحمنا ودمنا، وتهدد أمن مواطنين آخرين يمشون تحت سقف نفس السماء ويستنشقون نفس الهواء؟
الأكيد أن أول ما يتبادر إلى الذهن هو وجود خلل في تركيبة مجتمعنا تجعل الواحد منه يتجرد فجأة من كل وطنيته بل ومن كل آدميته ويقترف أفعالا أقل ما يمكن أن توصف بها أنها "عدائية"؛ وهو الخلل الذي ينبغي من كل مكونات المجتمع البحث عنه والتحري في مسبباته، والأهم من ذلك البحث عن الوصفات العلاجية لاستئصاله، وهي لعمري ما تسمى المسؤولية والأدوار المنوطة بمنظمات المجتمع المدني وإطارات الأحزاب والنقابات، وكذا هيئات الإعلام بمختلف ألوانها، علاوة على المؤسسات التربوية ومؤسسات إعادة الإدماج (السجون)، وقبل هذا وذاك مسؤولية الأسرة التي وحدها مؤسسة لا يضاهي مسؤوليتها فيما يمكن أن يصدر من أحد أفرادها إلا مدى رعاية هذه الأسرة من قِبل الأسرة الكبيرة، وهي المجتمع ككل وتفاعل الطرفين فيما بينهما بدل إحداث قطيعة وخصام وتنافر.
إن الأمر يصبح أكثر خطورة ويستحق من كل الجهات أكثر من مجرد وقفة للتعبير عن الأسف والتلويح بتنزيل أشد العقوبات على الفاعلين، خاصة عندما يتعلق الأمر بوقوف أحداث (قاصرين) وراء الأعمال الإجرامية كما هو الشأن بالنسبة للعمل التخريبي للسكك الحديدية الذي كاد أن يودي بأرواح العشرات من الأبرياء لولا ألطاف المولى عز وجل.
والبحث عن الوسائل القمينة بمحاربة مثل هكذا أفعال إجرامية وانحرافات لبعض أفراد المجتمع لا تحتاج إلى كثير من الإمكانيات أو الرهان على التوجه إلى الخبرات الأجنبية واستيراد ما توصلت إليه من طرق علاج لمثل هذه القلاقل والأمراض المجتمعية، بل إن الوصفات العلاجية لا يمكن لمجتمع عريق وله من المبادئ والأخلاق والسبق في التشييد والعمران، كالمغرب، أن يعدمها، بل فقط علينا أن ننفض الغبار على بعض ما جادت به المؤسسات الدستورية الموجودة، والالتفات قليلا إلى تراثنا المعرفي والحضاري، وإيجاد الحيز له داخل منظوماتنا الإعلامية والتربوية؛
وحتى نبتعد عن ما يشبه "لغة الخشب" أو التجريد نحيل على تقرير تربوي وعلمي رصين أصدره مطلع هذه السنة فقط المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهو المؤسسة الدستورية الاستشارية التي تمد مختلف الفاعلين وأصحاب القرار ببلادنا بتوصيات من شأنها إدماج كافة أفراد المجتمع في دورة تنمية هذا المجتمع، وحمايتهم من الإقصاء والتهميش.
ومن بين ما جاء في تلك التوصيات، التي تحمل عنوانا بارزا وذا دلالات رمزية مهمة هو "إدماج الشباب عن طريق الثقافة"، الدعوة إلى إعادة النظر في المؤسسات التكوينية والتربوية والترفيهية، حتى تصبح قادرة على الاستجابة وبشكل كاف لمتطلبات وحاجيات الشاب المغربي ولاسيما منهم اليافعين الذين لم يصلوا بعد سن الحلم. بالإضافة إلى إنشاء نماذج مؤسسات ترفيهية تتجاوز مجرد بناء الجدران، إلى تشييد وبناء مؤسسات اجتماعية وإصلاحية وترفيهية تتوفر على الأطر اللازمة لمواكبة وتتبع مختلف مرتادي أو زوار تلك المؤسسات، مع تقديم العناية الخاصة إلى الشباب المنتمين إلى أسر معوزة، وهذا هو أكبر التحديات؛ على اعتبار أن الأبحاث المتخصصة في جميع العلوم السوسيولوجية والسيكولوجية والإجرامية، تنبه إلى ما يمكن أن يخلفه عوز الأسر وفقرها للحاجة وتهميشها، من تأثيرات سلبية على نفسية الأطفال، فلا يكون غير الانحراف وسيلة لمحاولة خروجهم من وضعية الفاقة والحرمان.
إن مختلف التوصيات التي صاغها خبراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي من مختلف المشارب، وغيرها من التوصيات والتحذيرات التي مافتئت تطلقها بعض المنظمات المدنية والإعلامية النزيهة في رسالتها التوعوية، لا يمكن أن يكون لها تأثير فاعل وإيجابي على مجتمعنا المبني على القيم الدينية الداعية إلى البناء وليس إلى الهدم وإلى التسامح وليس إلى الكراهية، والمشبع بتراثه الغني بالتشييد والعمران، ما لم تجد الآذان الصاغية من طرف مختلف الفاعلين السياسيين والحقوقيين والتربويين والإعلاميين، الذين عليهم أن لا يتنصلوا من مسؤولياتهم الإصلاحية بدعوى "عدم الإختصاص"، فكل أفراد المجتمع يتقاسمون هَمّ ومسؤولية بناء الوطن، كل من موقعه، لأن أمتنا أمة بناء وليست أمة هدم.                            

عيد العرش وتجديد النخب

نورالدين اليزيد 

ليس من باب الصدفة أن يتطلع الشباب المغربي، كل سنة، إلى الاحتفاء بذكرى عيد العرش المجيد وانتظار ما سيحمله الخطاب الملكي من إشارات تخص هذه الفئة من مجتمعنا، بحيث أضحت الذكرى واحدة من المواعيد التي مافتئت فيها السلطات العليا بالبلاد تؤكد على ضرورة إدماج الشاب المغربي في الحياة العامة وتسليمه مشعل المسؤولية.
وإذا كانت مختلف المناسبات الوطنية التي يلقي فيها ملك البلاد خطابا إلى الأمة اعتُبرت موعدا تاريخيا للشعب المغربي مع ملوكه العلويين، لمَا مثلته بالإضافة إلى تجديد البيعة والولاء، من إعلانٍ عن مشاريع تنموية تهم كافة شرائح المجتمع، فإن ذكرى عيد العرش على عهد جلالة الملك محمد السادس، باتت واحدة من أكثر المواعيد التي يترقبها الشباب المغربي بشغف وشوق، بالنظر إلى كونها أصبحت تحمل معها البشرى تلو الأخرى فيما يتعلق بحياة شبابنا، وهو الرهان الذي ما لم تقدر مختلف الحكومات المتعاقبة على كسبه. بل إن انتظارات هؤلاء الشباب الذين يبدو أنهم في خصام مؤقت مع السياسيين بسبب احتكار هؤلاء لمختلف المسؤوليات والمناصب، ورفضهم تجديد النخب، أصبحت كبيرة لاسيما بعد المعطى الجديد الذي حمله الدستور الجديد والذي دعا إلى إنشاء هيئة دستورية خاصة بفئة الشباب والعمل الجمعوي.              
وفي خطابه السامي بمناسبة مرور 13 سنة على اعتلائه العرش أبَى جلالة الملك، من جديد، إلا أن يرسل إشارات قوية إلى من يهمهم الأمر، من أجل تفعيل مقتضيات الدستور وإدماج الشباب في مختلف مناحي الحياة. بل إن جلالته ربط مسألة كسب رهان إنجاح تنزيل الدستور الجديد وتفعيله على أرض الواقع، بالإضافة إلى أمور أخرى، بضرورة "فسح المجال لتجديد النخب٬ والمشاركة الواسعة والمكثفة للنساء والشباب٬ وفتح الآفاق أمام المواطنات والمواطنين المؤهلين٬ المتحلين بروح المسؤولية والنزاهة".
إن مسألة تجديد النخب التي ما فتئت أعلى سلطة بالبلاد تدعو مختلف السياسيين القابضين على كراسيهم بيد من حديد، إلى الأخذ بها والامتثال لطبيعة وسُنة الحياة القاضية بالتداول وتناوب الأدوار والمسؤوليات، تعني في المقام الأول إتاحة الفرصة للنسيج الوطني الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، من أجل تجديد دمائه وتبديل الدماء القديمة بأخرى جديدة حتى لا يصيب، لا سامح الله، تصلبُ الشرايين هذا النسيج/الجسد، وتتعطل بالتالي وظيفته الحركية وقدرته على الاستمرارية والحياة.
ويبدو أن الكثير من السياسيين والمسؤولين الذين يتولون مهام المسؤولية داخل أجهزة مختلف المنظمات الحقوقية والمهنية والسوسيواقتصادية، بحسب ما تنقله وسائل الإعلام بشكل يكاد يكون يوميا، لا يريدون أن يفهموا أن هذا الزمن هو زمن آخر، وأن لا مجال هنا لمزيد من تضييع الوقت، وتعطيل عجلة التقدم والإقلاع التنموي الذي نصبو إليه جميعا.
لكن ورغم كل هذا التردد الذي يبديه البعض من أجل القبول بمبدإ التداول على المسؤولية أو على الأقل تقاسمها مع النخب الأخرى، سواء تعلق الأمر بعنصر المرأة أو بفئة الشباب، إلا أن المرء لا يسعه إلا أن يكون متفائلا، لاسيما عندما ينظر إلى هذا الاهتمام المتواصل الذي تبديه أعلى السلطات في البلاد بفئة الشباب، وإلى هذا التنصيص الدستوري الصريح على تخصيص هيئة خاصة بالشباب والعمل الجمعوي هي "المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي"؛ ولذلك وجب علينا أن نكون فقط، نحن الشباب، في مستوى المسؤولية التي تنتظرنا ونتطلع إليها، فليس هناك مجال للتقاعس أو التخلي عن حماسة لطالما واجهْنا بها كل متشبث بكرسيه. إنه امتحان يتطلب منا أن نكون مسلحين بما يلزم من صبر ومروءة وحب لهذا الوطن لكسب الرهان، ووحده النجاح في القدرة على رفع التحدي واستلام مشعل المسؤولية هو ما يضمن لنا أن نكون عند مستوى من وضعوا فينا ثقتهم، وعند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان.              

شبابنا والصيف..

نورالدين اليزيد
بكل تأكيد كلنا نستقبل العطلة الصيفية بفرح كبير، صغارنا وكبارنا، بعد سنة من المثابرة والكد والجد، كل في مجال عمله أو دراسته، وهو ما يستحق منا استغلال هذه العطلة أحسن استغلال بما يتماشى وأخلاقنا كمغاربة أولا، وثانيا بما يخدم مستقبل دراستنا أو عملنا أو لنقل حياتنا بصفة عامة، مما يجعل هذه العطلة بقدر ما تكون فرصة للاستجمام والراحة، بقدر ما ينبغي أن تكون كذلك، ومن الضروري، مناسبة للتأمل فيما قمنا به سابقا وفيما يجب أن نقوم به لاحقا ومستقبلا.
ويبدو أننا خلال السنة الدراسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي ودعناها، تميزت بكثير من الأحداث إن وطنيا أو إقليميا ودوليا، والتي جعلت المغرب والمغاربة في وسط موجة من الرياح العاتية التي ضربت المنطقة العربية، وغيرت أنظمة ظلت لعقود مترددة في ركوب قاطرة الديموقراطية، التي امتطاها المغرب وإن ظلت بعض شروط امتطائه لها معطلة؛ لكن يبدو أن تلك الأحداث فرضت على مسؤولينا التحلي بكثير من الواقعية والجدية، فأبى هؤلاء إلا أن يستجيبوا للمطالب الشعبية ويحدثوا ثورة إصلاحات تكللت بالاستفتاء على دستور جديد اعتبره المتتبعون راديكاليا في مضامينه، ليتلو ذلك إجراء انتخابات حرة ونزيهة حملت حزبا معارضا وذا توجه إسلامي إلى رئاسة الحكومة.
ولا يحتاج المرء إلى كبير عناء ليستكشف مدى الدور الريادي الذي قام به الشباب المغربي في خضم هذه الأحداث، والتي وإن كانت أبانت عن وجود شباب مغربي متفاعل مع محيطه الوطني والإقليمي والدولي والإنساني، إلا أن مختلف الأحداث العالمية والاحتجاجات الاجتماعية التي شهدناها بداية من خريف سنة 2010، والتي ما تزال متواصلة إلى يومنا هذا في بعض البلدان العربية والأوروبية الجارة، أكدت أيضا أن الشاب المغربي ملتزم إلى حد الإيمان بضرورة الانخراط الإيجابي والفاعل في مسيرة بناء هذا الوطن، والذود عن مقدساته، وهو ما جعل هذا الشاب (ونقصد أيضا النصف الآخر المؤنث من المجتمع) يساهم بشكل إيجابي في التغيير الجذري الذي دعت إليه أعلى السلطات بالبلاد وانخرطت فيه كل مكونات المجتمع، خاصة عندما أولى الدستور الجديد عناية خاصة بهذه الفئة المجتمعية الشبابية، ونصّ على إنشاء مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي تكون مهمته الأساسية هي إدماج الشباب في المجتمع من خلال تتبع مختلف قضايا واهتمامات شبابنا التربوية والسياسية والاجتماعية.
وكم يثلج صدر المتتبع مواصلة شباب طموح لمسيرة العمل الجمعوي حتى وإن تعلق الأمر بحلول عطلة الصيف حيث يفضل غالبية الناس تجميد إن لم نقل ترك كل الأنشطة إلى ما بعد هذه العطلة، حيث من خلال لقاءات أجريناها مع عدد من الشباب المنخرط جمعويا، اطلعنا على مدى الحماسة والطموح اللتين يغمران هؤلاء وهم يستعدون أو شرعوا في تنظيم لقاءات مع أقرانهم في مختلف مدن مملكتنا؛ ومن ذلك لقاءات تتعلق بتنظيم رحلات تخييمية للأطفال والشباب، في إطار اتحادات وجمعيات للمخيمات، كما من تلك الانشطة ما يتعلق بمواصلة مناقشة برامج تم البدء فيها خلال الموسم المنقضي، تماما كملا وقنا على ذلك لدى منتدى الشباب المغربي، صاحب مبادرة "الحكومة الشبابية الموازية"، والذي أخبرنا رئيسه أنه أعلن عن عقد لقاءات موسعة مع فعاليات جمعوية وسياسية مختلفة عبر أرجاء الوطن، من أجل تحيين وجمع المزيد من المقترحات الشبابية في أفق الترافع عليها أمام الحكومة.
إنها العطلة الصيفية التي ينبغي أن يتجاوز استمتاعنا بها مجرد ارتياد هذا الشاطئ أو تلك الغابة أو ذاك الجبل أو تلكم الصحراء، إلى ما أسمى من ذلك وهو قراءة متأنية لواقعنا، نحن المغاربة جميعا أولياء أمور ومسؤولين وسياسيين وفاعلين سياسيين وإعلاميين واقتصاديين وجمعويين، بحيث نتمكن من رصد أوجه القصور في أدوارنا المختلفة، والاستعداد لتجاوز ذاك في أيامنا المقبلة، في أفق تحقيق تنمية مستدامة تدمج كل أبناء هذا المجتمع، وبخاصة أولائك الشباب الذين أفنوا زهرة عمرهم في التحصيل العلمي وهم اليوم، وبعدما حصلوا على كبريات الشواهد، ما يزالون في طور البحث عن شغل يضمن لهم كرامتهم، ولا يعرفون بعد شيئا اسمه العطلة الصيفية، فهل حان الوقت للنظر في ملفات هؤلاء؟                       

باحثون شباب يبدعون..

نورالدين اليزيد
تابعت مؤخرا، كإعلامي وطالب علم -باهتمام كبير- إحدى المبادرات الأكاديمية غير المسبوقة على مستوى الجامعة المغربية، وعلى صعيد جل الجامعات العربية باستثناء الجامعة المصرية، وهي المبادرة التي أراد لها مُبدعوها، مشكورين، الانتقال بالطالب من مجرد أداة تلقي واستقبال لبرامج تعليمية، إلى أداة فاعلة وتفاعلية مع محيطه الاجتماعي والسياسي.
الأمر يتعلق بمحاكاة طلبة ماستر العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا (جامعة محمد الخامس السويسي)، لنموذج قمة لمؤتمر منظمة التعاون الإسلامي كإطار "أنموذج دولي لمحاكاة" أو ما يسمى اختصارا (آدَمَت).
وكم يجد المرء نفسه مشدوها أمام قدرة طلبة الماستر (غالبيتهم من المغاربة طبعا مع وجود بعض الإخوة والأخوات من دول عربية وإفريقية)، على تقمص دور فاعلين سياسيين، في المرافعة من أجل القضايا المصيرية لأزيد من مليار مسلم، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بقضية من حجم وقيمة قضية القدس واحتلال فلسطين.
لقد كان موضوع "المحاكاة"، وهو بالمناسبة أيضا موضوع مادة التداريب البحثية لطلبة السنة ثانية ماستر، هو الترافع عن القدس في علاقتها بمحيطها الإقليمي والدولي، وانطلاقا من قراءة حقوقية وفكرية وسياسية لواقع هذه المدينة السليبة، التي ما تزال تتعرض -للأسف الشديد- لمزيد من سياسات التهويد وطمس معالمها العربية والإسلامية. وقد أبان الطلبة عن علو كعبهم في تمثيل دور ممثلي مختلف الدول الإسلامية، لكن ذاك التمثيل المشرف الذي يعري عن حقيقة واقعنا المنغمس في الصراعات الجانبية، بينما لا يستطيع حكامنا تقديم إجابات شافية وكافية على إشكالات أمتنا ولاسيما احتلال القدس الذي يتمادى الاحتلال الإسرائيلي في تعميقه وتكريسه بينما نقف متفرجين على ذلك.
"أنموذج المحاكاة" هذا بقدر ما أبان عن أن هناك طرقا وقنوات أخرى للتعريف بقضايا أمتنا المصيرية، بعيدا عن تلك الأساليب البيروقراطية الموغلة في الملل والبروتوكول، والتي تصاحبها في الغالب لغة المجاملات وتسمية الأمور بغير مسمياتها، بقدر ما جعلتنا ننتبه إلى أن هؤلاء الشباب لا تعوزهم الإمكانيات الذاتية ولا العلمية لحمل مشعل التحرر والذود عن مقدسات الأمة، وأن فكرة كون معظم الشباب العربي والإسلامي، هو شباب يلهث وراء الكماليات وتقليد الشباب الغربي ناسيا هموم شعبه، هي فكرة لا تمت للواقع بصلة، ويكفي هذا الشباب فخرا أنه يعطي هذه الأيام لشباب الأمم الأخرى الدروس تلو الأخرى في النضال الديمقراطي، حيث نزل في مختلف الشوارع العربية وبصدور عارية يطالب بحقه في العيش الكريم والحر ومحاربة الاستبداد والظلم.          
هذا الموقف الأكاديمي المتماهي والمنسجم مع أهم القضايا العربية، وهي قضية فلسطين والقدس تحديدا، بالإضافة إلى أنه أبان عن أن الأستاذ والباحث الأكاديمي مطالب بالانخراط بقوة في مجتمعه ومحيطه، وهو ما كان محط تنويه خاص بهذا المؤتمر المجسد من طرف طلبة ماستر كلية حقوق سلا، فإنه عكس أيضا انشغال فئة الشباب بمثل هكذا قضايا ومواكبته للأحداث المجتمعية سواء كانت إنسانية أو اجتماعية وسياسية، وهو ما يعتبر تكذيبا على أرضا الواقع للمُضلّلين ودعاة التيئيس، الذين بمزاعم اتهام الشباب بالعزوف عن قضايا أمتهم يريدون اغتصاب الأدوار الطلائعية حتى وإن كانوا غير أهل لها.
إن المبادرة التي أطلقتها كلية الحقوق بسلا، إدارة وأساتذة وطلبة باحثين، مؤخرا والتي عرفت حضورا بارزا لأعضاء من السلك الدبلوماسي بالرباط، علاوة على أساتذة باحثين ومدراء مؤسسات أكاديمية، تحتاج إلى مزيد من الرعاية والدعم، والتعميم أكثر على مستوى باقي المؤسسات التعليمية الجامعية الأخرى، وهو ما سيمكن الطالب الباحث، بدون شك، من اكتساب أدوات أخرى للبحث بعيدا عن تلك الأدوات والأساليب التقليدية المستعملة في التحصيل العلمي، التي وإن كانت ما تزال ضرورية بالنسبة لحياة الطالب التعليمية، إلا أنها في أمس الحاجة إلى طرق بيداغوجية تفاعلية قمينة بجعل هذا الطالب يمتلك زمام الانخراط بحق في هموم محيطه المجتمعي وقضاياه المختلفة، بعيدا عن النظرة التي تختزل التعليم في مجرد جسر يوصل إلى وظيفة.                                   

نحو تنمية محلية حقيقية..


نورالدين اليزيد

في الحقيقة لا يمكن للمرء وهو يتابع احتجاجات شباب مغربي في مدن وقرى مغربية عدة، خرجوا إلى الشوارع وقاسمهم المشترك هو الاستفادة من اندماج اجتماعي حقيقي بهذا الوطن الأم، إلا أن يعبر عن تضامنه اللامشروط مع هذه الفئة الحيوية من مجتمعنا المغربي الضاربة جذوره في أعماق التاريخ.
وهذا التضامن الذي نُبديه، نحن الكائنين ها هنا بهذه المدن الكبيرة ومنها عاصمة مملكتنا، وإن كانت هي الأخرى مدن تحتاج إلى كثير من الجهد لإدماج كل ساكنتها، نابع (التضامن) من إيماننا القوي بأن مسألة التنمية لا تُختزل في مجرد عناوين برامج سياسية لأحزاب ترفعها كلما حلت مناسبة انتخابية معينة، ولا هي بعض مشاريع تنجزها هذه الحكومة أو تلك تكتسي الطابع الظرفي وتفتقد إلى رؤية عميقة؛ ولكن التنمية التي يريدها الشعب المغربي وضمنه القاعدة العريضة من الفئات الشابة، هي تلك المبنية على تصور مستقبلي طويل المدى أو على الأقل متوسط المدى، يتيح لكل فئات المجتمع الانخراط بحق في مسار تنمية بلادنا وتحسين وضعها على مؤشرات سلم التنمية العالمي.
صحيح أننا قبل شهرين فقط، وتحديدا في 18 ماي الماضي، احتفلنا بمرور سبع سنوات على مبادرة تنموية رائدة، أطلقها جلالة الملك محمد السادس، وحققت أرقاما مهمة في مجال محاربة الهشاشة الاجتماعية، وتحسين ظروف عيش المواطن ولاسيما بالعالم القروي، وكذا في خلق فرص كثيرة للتشغيل الذاتي، لكن طبيعة هذه المبادرة التي أطلقها ملك البلاد هي في حاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى خطة عمل، أو لنقل إلى إستراتيجية حكومية طموحة، تتماشى والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقها الملك في سنة 2005، وتؤكد بحق على أن هذه الحكومة تحمل مطالب المواطن على محمل الجد، وحتى يحظى السياسي ببلادنا كذلك، وهذا هو الأهم، بالمصداقية التي شابتها الكثير من الشوائب طيلة سنوات خلت.
والحديث عن السياسي وعن الأحزاب السياسية تحديدا وحصرا، يجعلنا نعيد التذكير بذاك الدور الدستوري الهام والخطير في نفس الآن، الذي تتمتع به المنظمات السياسية استنادا إلى روح أسمى قانون بالبلاد، وهو دور "تأطير" المواطن، والذي تكرس بشكل كبير مع مجيء الدستور الجديد المُصوّت عليه بشبه إجماع المواطنين المغاربة في صيف السنة الماضية، خاصة عندما دعا هذا الدستور إلى إعطاء أهمية قصوى للشباب، في سابقة هي الأولى من نوعها ليس فقط على المستوى الوطني، ولكن أيضا حتى على المستوى الإقليمي والدولي، وذلك عندما خصص هذا الدستور حصة من المقاعد (كوطا) للشباب في الانتخابات البرلمانية، وكذا وهذا هو الأكثر أهمية عندما دعا إلى إنشاء هيئة استشارية خاصة بالشباب هي "المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي"، يكون من مهامها العمل والتشاور من أجل خلق سبل إدماج هذه الفئة الحيوية في المجتمع.
المسؤولية إذن ملقاة على أحزابنا وزعمائها وقياداتها وكذلك على باقي مكونات النسيج المدني والمهني لتجاوز تلك النظرة الضيقة للعمل الحزبي أو النقابي أو الحقوقي، وتبني رؤية شمولية لعمل تأطير المنتسبين لهذه المنظمات، في أفق التوصل مع الحكومة بطبيعة الحال إلى خارطة طريق ترسم بوضوح مستقبل بلادنا، وتترفع عن كل الحسابات الضيقة؛ فبلادنا اليوم ما أحوجها إلى نكران ذات سياسييها، بالخصوص، للسير قدما إلى الأمام لاسيما بعدما كسبنا رهان امتحان موجة "الربيع العربي" التي عصفت بدول تجاورنا.
إن الشاهد على توفر هذه الروح لدى سياسيينا، لن يكون بأي حال من الأحوال، هو خروج إعلامي لوزراءٍ بعد زمن من تقلد المسؤولية، من أجل سرد أرقام لا تكاد تُعد بسهولة، ولكن الشاهد على مصداقية سياسيينا سيكون هو قدرتهم على جعل المواطنين لا يخرجون زُمرا زُمرا إلى الشوارع للتظاهر، من أجل المطالبة بشغل أو تحسين أوضاع، على الأقل ليس بهذه الكثافة التي تطالعنا بها صحفنا الوطنية يوميا.
إنها نفس الدعوة الموجهة إلى أحزابنا السياسية أيضا للعمل بحزم مع مرشحيهم لخوض الانتخابات المحلية المقبلة، ليختاروا المرشح المناسب في المكان المناسب، ويكون قادرا على تقديم القوة الاقتراحية لخلق تنمية محلية حقيقية تستجيب لطموحات وتطلعات المواطنين في الدواوير والأحياء الشعبية.