السبت، نوفمبر 24، 2012

نحن لا نُخرِّب..نحن نَبني !

نورالدين اليزيد 

الحادث المؤسف واللامسؤول الذي شهدته العاصمة العلمية فاس في الأسبوع الماضي، الناتج عن انقلاب قطار يقل ركابا أبرياء، بعدما تعرضت السكة الحديدية لعملية تخريب من طرف أشخاص هم مواطنون رغم كل ما فعلوه، يجعلنا نطرح السؤال المؤرق؛ على من تقع مسؤولية مثل هكذا تصرفات غير مسؤولة يقوم بها مواطنون من لحمنا ودمنا، وتهدد أمن مواطنين آخرين يمشون تحت سقف نفس السماء ويستنشقون نفس الهواء؟
الأكيد أن أول ما يتبادر إلى الذهن هو وجود خلل في تركيبة مجتمعنا تجعل الواحد منه يتجرد فجأة من كل وطنيته بل ومن كل آدميته ويقترف أفعالا أقل ما يمكن أن توصف بها أنها "عدائية"؛ وهو الخلل الذي ينبغي من كل مكونات المجتمع البحث عنه والتحري في مسبباته، والأهم من ذلك البحث عن الوصفات العلاجية لاستئصاله، وهي لعمري ما تسمى المسؤولية والأدوار المنوطة بمنظمات المجتمع المدني وإطارات الأحزاب والنقابات، وكذا هيئات الإعلام بمختلف ألوانها، علاوة على المؤسسات التربوية ومؤسسات إعادة الإدماج (السجون)، وقبل هذا وذاك مسؤولية الأسرة التي وحدها مؤسسة لا يضاهي مسؤوليتها فيما يمكن أن يصدر من أحد أفرادها إلا مدى رعاية هذه الأسرة من قِبل الأسرة الكبيرة، وهي المجتمع ككل وتفاعل الطرفين فيما بينهما بدل إحداث قطيعة وخصام وتنافر.
إن الأمر يصبح أكثر خطورة ويستحق من كل الجهات أكثر من مجرد وقفة للتعبير عن الأسف والتلويح بتنزيل أشد العقوبات على الفاعلين، خاصة عندما يتعلق الأمر بوقوف أحداث (قاصرين) وراء الأعمال الإجرامية كما هو الشأن بالنسبة للعمل التخريبي للسكك الحديدية الذي كاد أن يودي بأرواح العشرات من الأبرياء لولا ألطاف المولى عز وجل.
والبحث عن الوسائل القمينة بمحاربة مثل هكذا أفعال إجرامية وانحرافات لبعض أفراد المجتمع لا تحتاج إلى كثير من الإمكانيات أو الرهان على التوجه إلى الخبرات الأجنبية واستيراد ما توصلت إليه من طرق علاج لمثل هذه القلاقل والأمراض المجتمعية، بل إن الوصفات العلاجية لا يمكن لمجتمع عريق وله من المبادئ والأخلاق والسبق في التشييد والعمران، كالمغرب، أن يعدمها، بل فقط علينا أن ننفض الغبار على بعض ما جادت به المؤسسات الدستورية الموجودة، والالتفات قليلا إلى تراثنا المعرفي والحضاري، وإيجاد الحيز له داخل منظوماتنا الإعلامية والتربوية؛
وحتى نبتعد عن ما يشبه "لغة الخشب" أو التجريد نحيل على تقرير تربوي وعلمي رصين أصدره مطلع هذه السنة فقط المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهو المؤسسة الدستورية الاستشارية التي تمد مختلف الفاعلين وأصحاب القرار ببلادنا بتوصيات من شأنها إدماج كافة أفراد المجتمع في دورة تنمية هذا المجتمع، وحمايتهم من الإقصاء والتهميش.
ومن بين ما جاء في تلك التوصيات، التي تحمل عنوانا بارزا وذا دلالات رمزية مهمة هو "إدماج الشباب عن طريق الثقافة"، الدعوة إلى إعادة النظر في المؤسسات التكوينية والتربوية والترفيهية، حتى تصبح قادرة على الاستجابة وبشكل كاف لمتطلبات وحاجيات الشاب المغربي ولاسيما منهم اليافعين الذين لم يصلوا بعد سن الحلم. بالإضافة إلى إنشاء نماذج مؤسسات ترفيهية تتجاوز مجرد بناء الجدران، إلى تشييد وبناء مؤسسات اجتماعية وإصلاحية وترفيهية تتوفر على الأطر اللازمة لمواكبة وتتبع مختلف مرتادي أو زوار تلك المؤسسات، مع تقديم العناية الخاصة إلى الشباب المنتمين إلى أسر معوزة، وهذا هو أكبر التحديات؛ على اعتبار أن الأبحاث المتخصصة في جميع العلوم السوسيولوجية والسيكولوجية والإجرامية، تنبه إلى ما يمكن أن يخلفه عوز الأسر وفقرها للحاجة وتهميشها، من تأثيرات سلبية على نفسية الأطفال، فلا يكون غير الانحراف وسيلة لمحاولة خروجهم من وضعية الفاقة والحرمان.
إن مختلف التوصيات التي صاغها خبراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي من مختلف المشارب، وغيرها من التوصيات والتحذيرات التي مافتئت تطلقها بعض المنظمات المدنية والإعلامية النزيهة في رسالتها التوعوية، لا يمكن أن يكون لها تأثير فاعل وإيجابي على مجتمعنا المبني على القيم الدينية الداعية إلى البناء وليس إلى الهدم وإلى التسامح وليس إلى الكراهية، والمشبع بتراثه الغني بالتشييد والعمران، ما لم تجد الآذان الصاغية من طرف مختلف الفاعلين السياسيين والحقوقيين والتربويين والإعلاميين، الذين عليهم أن لا يتنصلوا من مسؤولياتهم الإصلاحية بدعوى "عدم الإختصاص"، فكل أفراد المجتمع يتقاسمون هَمّ ومسؤولية بناء الوطن، كل من موقعه، لأن أمتنا أمة بناء وليست أمة هدم.                            

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق