الخميس، يناير 19، 2012

أيها الإسلاميون... ماذا أنتم فاعلون بنا؟

واجب الترحيب بكم، يسبق ضرورة الخوف منكم. وهو خوف بأسباب راجحة.. واجب الاعتراف بقوتكم، يترافق مع احترام الديموقراطية التي أنصفنكم، وهو احترام ملزم لكم ولا مفر منه.. واجب التنويه بإرثكم النضالي، يتزامن مع التنبيه إلى ارثكم العنفي أحياناً، والمتملق والانتهازي أحياناً.. واجب احترام بلوغكم مرتبة السلطة، يتزامن مع التحذير من تحولكم إلى تسلط باسم الله والدين وأنبيائه.
واجب القبول بكم في السلطة، أساساً أم شريكاً، يفرض علينا كمدنيين، انقياء من أي تبعية دينية أو طائفية أو مذهبية أو فقهية، ان نعارضكم بالوسائل الديموقراطية، وبلغة سياسية، لا تستند إلى موروث ديني، بل تتأسس على قضايا إنسانية، ومصالح وطنية، وحقوق اجتماعية وفردية، أقرتها شرائع وضعية. فنحن، لا نشبهكم، ولا نتشبه بكم، في استدراج عروض قوى السماء، في معارك الحسم ونضالات الميادين.. نحن العراة، سلاحنا مستل من تجارب هذه الأمة، والتجارب الإنسانية التي كرست الحرية والعدالة والخبز وحقوق الإنسان، وخصوصاً حقوق المرأة في مساواتها المطلقة مع الرجل... أنتم، حاضركم، من ماضيكم، بنسبة مغالية. نحن، حاضرنا من مستقبلنا، لأنه ماضينا القادم.
واجب القبول بكم في السلطة يفرض علينا إذاً ان نسألكم: ماذا أنتم فاعلون بنا؟
للتذكير: جئتم الثورة، بعدما اكتمل نصاب حضورها المليوني الحاسم في الميادين. فاتحة الميادين، قادها قادمون من وجع الاستبداد والحرمان والظلم والمهانة والنفي والإلغاء.. جئتم، بعدما اعتلى الجيل المدني الديموقراطي منصة المواجهة، وبعدما أقدم على فضيلة الاستشهاد.. جئتم بعدما حطم جيل يبشر بالتغيير، حاجز الخوف المزمن، حارس الاستبداد العربي.
كنتم مرابطين في مواقع الخوف من.. وهذا حقكم. وربما كانت حكمة منكم، بسبب ما ذقتموه من ظلم وما تعرضتم له في زمن الاستبداد. لكن جيل الشباب الديموقراطي المؤمن بجدارته كإنسان ومواطن حر، اقتحم التاريخ المقفل على الجبن والتخاذل والتسوية، فخلع الأبواب، ودعا الجميع لدخوله. تمنعتم في البداية، ومن خرج من شبابكم للدفاع عن المتظاهرين في الميادين، لم يخرج بقرار أو إذن أو فتوى منكم. اندفع شبابكم، كما شهد عديد من المراقبين، بنخوة وشهامة وأخوة، فاضت من إنسانيتهم ووطنيتهم والتزامهم.
جئتم في الوقت الذي يناسبكم، وهذا حقكم، ولا يناقشكم فيه إلا مغرض وكاره.. أكرر: لا منّة ولا تبخيساً. جئتم، بعدما سمح الأوان لكم، بأن تعلنوا حضوركم من دون هويتكم الدينية، إذ، في ذلك الزمن الصاعد، التزم الجميع بأن يكون الشعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، أو «ارحل». يومها لم تحضر شعارات حزبية أو دينية أو طائفية..
لقد صنع جيل الميادين، معجزة التوحد والتعدد، التماثل والاختلاف. ولكم كان ذا دلالة وطنية، لها واقعها ورمزيتها. حدث ذلك، بعد جريمة تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية. الميدان، ساحة يطمئن إليها «معذبو الأرض»، وان الثورة هي ثورة الجميع.. حدث كل ذلك، إلى ان تم استحضار الشيخ يوسف القرضاوي لاعتلاء منصة الانتهاز..
ولقد خاف كثيرون، لأن سلاح الدين عندما يجيء، يبتر ويفرق. ولقد فعل فعله..
انكم مخيفون، تحضرون، فيحضر معكم تاريخ، ولد في «السقيفة»، و«الفتنة الكبرى»، ومعركة «الجمل»، ومعركة «صفين»، ومعارك التسنن والتشيّع التي عادت لتذر قرونها المتعددة، من مضيق هرمز إلى مضيق جبل طارق..
تاريخ يختنق مذهبياً بين مضيقين.
خرجتم كجماعة عن الجماعة في الميادين. والخروج هذا ليس من الإيمان السياسي.. لقد انتهزتم فرصة التفرد، ونسجتم علاقات غير واضحة، ذات الغاز مبهمة مع السلطة والعسكر وصوبتكم أشرعتكم في ممرات الرياح الدولية المؤاتية.. أرسلتم إشارات سابقة لأوانها، كي ينظر الخارج إليكم، بعين القبول، تمهيداً لتبرئتكم مما يراه الغرب مسيئاً فيكم، ماضياً وحاضراً.
والثورة يا«أخوان»، لم تندلع لسلوك هذا المسار: الاستئثار بالدين والدنيا في الداخل، والاتجار بالاثنين في الخارج.
فضلتم منطق الغلبة على منطق الحوار، قلتم هذه فرصتنا قد جاءت، ولقد جاءت، فماذا أنتم فاعلون بنا؟ ماذا أنتم فاعلون، مع الدَّين الكبير الذي في رقابكم، لجيل الشباب، جيل الثورة، مفجر عصر الاستبداد، وصاحب «الفاتح» من الحرية؟
أي تلفيق هذا الذي تدسونه في خطابكم الملتبس: «دولة مدنية بمرجعية إسلامية؟». أي تناقض في مواقفكم ومسالك قياداتكم؟ أنتم مع الديموقراطية ولكن.. مع الحرية ولكن.. مع السياحة ولكن.. مع احترام الأقليات ولكن.. إن لكن، هي لازمة خطابكم السياسي الملتبس.
أنتم مع الديموقراطية وتزوّرونها، تقولون: نحن الأكثرية. صناديق الاقتراع أصدق 
إنباء من الجميع. نحن فزنا.. هذا صحيح. لكن فوزكم ليس ديموقراطيا، لأنكم إسلاميون. ولو كنتم مسيحيين كأكثرية فازت لقلنا: فزتم لأنكم مسيحيون. أنتم تغرفون من رأسمال لم تساهموا في تكديسه بالجهد والتعب والإقناع. جمهوركم جاهز، لأنه مؤمن. والإيمان فضيلة من فضائل الروح. أنتم تستدرجون المؤمن، بمخزونه الروحي، إلى ميدان يعرف فيه إيمانه سياسياً، بعصبية مستعمية، لا تقيم أوزانا متساوية في تعاملها مع من هم من دين آخر أو مذهب آخر.
أنتم يا «أخوان»، أكثرية دائمة، بلا تعب ولا نضال. وعليه، أنتم مزورون للانتخابات الديموقراطية.
ان الاكثريات الدينية ستبقى اكثريات إلى أبد غير قريب. الاكثرية والأقلية مفهومان سياسيان. دخلا الحياة، بعد الثورة الفرنسية، وبعد ممارسة الديموقراطية، وبعدما باتت الحياة السياسية حاضنة لتيارات وأحزاب (لا دين لها) تتنافس بالسياسة.
اننا نخاف منكم، لأن استقواءكم بموروثكم الديني وميراثكم الشعبي لأهل العقيدة، يجعلكم أقرب إلى الاستبداد. والاستبداد الديني أشد وطأة من استبداد الطغاة. ان العصبية الدينية والطائفية تغتال الديموقراطية في مهدها. ولا حرية ولا ديموقراطية مع أحزاب ناشئة على الرابطة الدينية الموروثة، جيلاً بعد جيل.
نخاف منكم، لأنكم لن تساووا بين المواطنين. كل كلام تطميني يحتاج إلى برهان. وبراهين التاريخ دافقة، وهي ضد ادعائكم أنكم تؤمنون بالمساواة. يكفي ان تعرفوا شعور وموقف المسيحي من دستور بلده إذا نص على ان دين الدولة الإسلام. يكفي ان تعرفوا موقفه من اعتماد التشريع الإسلامي مصدراً للتشريع المدني. يكفي ان تعرفوا شعور وموقف من هو من دينكم وليس على مذهبكم.. عندها ستجدون أنكم استحضرتكم لغة الكراهية.. نحن في لبنان، ذقنا طعم التمييز الطائفي، علماً بأن دستورنا لا دين له، وعلماً بأن المحاكم الشرعية تلجأ إلى النصوص الدينية.. هذه روشتة لا تشفي. لأن مجرد الحضور الديني في المجال السياسي، استحضار لجهنم. ومثال على ذلك، في أيام عاشوراء. انه لمعيب التذكير بأن السُّنة ليسو يزيداً.
لن تساووا بين المواطنين أبداً. فمن هو منكم، فله الأفضلية (لبنان نموذجاً، كل طائفي معلق بكرعوبه السياسي). من هو منكم دينيا ومذهبيا، يحمِه تشريع مناسب. وإذا عز التشريع، فإن القرابة الدينية هي بطاقة عبوره إلى مناصب الدولة وإدراتها وقواتها المسلحة ومواقع القرار فيها ومطارح المصالح كذلك.. المواطن الحافّ سيجد نفسه بلا حماية ولا ضمانة ولا حوافز، وإذا حصل عليها، جاءته منة من الأكثرية، التي توزع الحصص، كصكوك غفران، تصرف في جنة السياسة ونعيم المحاصصة.
ان الحزب الديني في السلطة، ولو تزيا باسم مدني (مللا كذبة!) هو دكتاتورية مقنّعة، أو ديموقراطية لها أنياب اشد فتكاً من الحكم الفردي.. لا يستطيع الحزب الديني أن يساوي بين أفراده وأتباعه وبين الآخرين الذين ليسوا على مذهبه. (الأحداث الطائفية في مصر، خير نموذج على الحماية التي يتلقاها المجرمون.. أحداث لبنان القديمة والراهنة خير دليل على كيفية حماية الطوائف للمرتكبين والزعران واللصوص).
ربما لم تتنبهوا إلى ان الثورة الديموقراطية العربية التي اندلعت على أيدي جيل من الشباب، لم تكن ثورة من أجل استلام السلطة. انها ثورة تختلف عن الثورة الفرنسية وعن ثورة لينين وعن ثورة الخميني، وتختلف عن الانقلابات العسكرية العربية ذات السمعة السيئة، التي تحولت إلى دكتاتوريات بنسب عالية. وربما لم تتنبهوا إلى ان العملية الديموقراطية ليست بريئة من إنجاب دكتاتوريات مجرمة. هتلر لم يغتصب السلطة بالقوة. اغتصب ألمانيا بالقوة والتفرد، بعد انتخابات ديموقراطية.. حتى أوروبا الراهنة، التي ترفل بأثواب ديموقراطية زاهية، لم تعد تحتمل السلطات المالية وجماعات الضغط الدولية فيها، اللجوء إلى استفتاء شعبي أو انتخابات حرة، لتقرير سياسات مالية محددة.
يا«أخوان». انكم ستظلمون ولو عدلتم. وتجدون التبرير والتفسير لإظهار ظلمكم على انه عدل إلهي. إذا أُحرجتم في أمر، تلجأون إلى المنزّل والنص والسيرة والاجتهاد للتبرير. فيما يكون الصح ساطع كنور قذفه الواقع في الصدر، لا شك فيه، ولا يأتيه نقص في أي وجه من وجوهه.
الثورة التي أوصلتكم إلى ما أنتم فيه، شبابها لا يزالون في الساحات والميادين. ليسوا أصحاب سلطة، بل أصحاب قضايا. وهذه القضايا معلنة: بناء نظام سياسي ديموقراطي عن جد، لا أسبقية فيه لأحد، بسبب انتمائه. نظام سياسي يصون الحقوق، والحقوق مدنية، يقرها قانون مدني. نظام سياسي يساوي بين الناس أمام القانون وفي فرص العمل وفي العطاءات وفي الواجبات. نظام سياسي عصري جداً، يتساوى فيه الرجل مع المرأة، مساواة تامة. ولا يحق لأي رجل، أكانت مرتبته دينية أم سياسية أم فقهية، ان يقرر حقوق المرأة وحده. المرأة صاحبة حقوق ولها وحدها حق إقرارها وتحقيقها. يلزم ان تنتهي خرافة القوامة الذكورية، على 150 مليون امرأة في العالم العربي.
ربما لم تنتبهوا الى ان جيل الثورة هذا، مرابط عند قضاياه، وليس طامحاً الى تسلم السلطة. السلطة للشعب. فإذا انحاز فريق عنها، واحتسب لنفسه صفة التمثيل، لما يترسمل به من محمولات دينية مبرمة، تؤيدها عامة مؤمنة وطيبة وذات ميول عصبية وانفصالية.. إذا انحاز فريق عنها، فإنه سيواجَه بثورة ثانية لتصحيح الثورة.. ثورة في الثورة، لمَ لا. وها هي الميادين حبلى بمواعيد العودة إلى النضال.
الذين خرجوا على الظلم مرة، وكسروا حاجز الخوف إلى الأبد، سيخرجون كل مرة، يواجه فيها الشعب ظلماً.
هل سألتم أنفسكم عن مطالب هؤلاء الشباب؟
هل تسألون غداً، أي نوع من الحرية المقيّدة سيرفضون؟
هل تسألون عن موقفهم من رجال الدين عندما يصبحون في السلطة أو أعوانا للسلطة.
أنتم سيوف الحلال والحرام. وستجهدون الجهاد السيئ في إلزام الناس بمنطقكم، ومن يخالفه، سيحذف أو يهان أو ينبذ، تماماً كما كانت تفعل أنظمة الاستبداد الشيوعية، وكما كانت تمارس أنظمة الاستبداد العربية. الحلال، هو ان تقول نعم لإملاءات رجال الدين أو لرجال المخابرات أو للصوص السلطة. الحرام، ان تقول لا. (يمكن قراءة خطاب فاكلاف هافل إلى غوستاف هوساك، الذي شرح فيه عملية تفريغ الإنسان من إنسانيته من خلال تخييره بين قيم السلطة وقيم الأخلاق). ان حرصكم على الصغائر (الأمور الصغيرة) لا يوازيه حرص مناسب على القضايا الكبرى. هذه القضايا ليست مدار اهتمام. إلى أي نظام اقتصادي ستنتمون؟ ما موقفكم من اقتصاد السوق؟ من الاستثمارات الأجنبية؟ من المضاربات المالية والمصرفية والعقارية؟ أي عدالة اجتماعية ستوفرون؟ أي استقلال ستمارسون؟
قولوا لنا من هم أعداؤكم، هل أميركا صديق أم شر لا بد منه، أم رجس من قبل إسرائيل فاجتنبوه، أم ماذا؟
اننا قلقون من ميوعة وإبهام إزاء فلسطين.
قيل لنا، انه من الحكمة السياسية ان لا نستعدي على الثورة، دولاً غربية. فلماذا استعداء قوى عربية ثورية؟ لماذا هذا الجفاء مع المقاومة الإسلامية في لبنان؟ لماذا هذه النزعة المناوئة لإيران الإسلامية؟ ولماذا هذا السعي إلى خطب ود تركيا، وإلى قبول الهبات السعودية والقطرية؟ ان صناديقكم امتلأت مراراً من أموال خليجية. فاحتسبوا.
اننا نخاف منكم أيها الإسلاميون، لأنكم مذهبيون جداً. لأنكم سنة وشيعة، وكخطين متوازيين، لم تلتقيا ولن.. العراق نموذج ولبنان نموذج وكلام الغنوشي عن الشيعة نموذج، واحتضانه حماس من دون حزب الله نموذج، وإغفال الأزهر للمرجعية الشيعية نموذج.. فما بالكم بالأقباط في مصر، والمسيحيين في العراق ولبنان ومن تبقى من جماعات دينية إسلامية ومسيحية؟
اننا نخاف منكم، لأنكم عابرون للحدود الوطنية، ليس ببطاقة مرور سياسية عروبية جامعة، بل ببطاقات ائتمان مذهبية. لهذا، تتدفق أموال الغاز السياسي بغزارة، وهي أموال محروسة ببوارج وقواعد أميركية، مدعومة بالرضى الإسرائيلي، الذي يمثله «شايلوك» الدولي.
لا شيء يطمئن حتى الآن.. تتساهلون في العظائم، وتستبسلون في الصغائر.
وتحكموننا، باسم دين، لا علاقة لكم به ولا علاقة له بكم، إلا بالقشور. فأي رسالة، تُجتث منها قيمها، تصبح نصاً صنميا، وسوطاً مضطهِداً وعصا بيد السلطة، وتبقى رسالة رسولية؟ ان كنت مخطئاً في خوفي، فالعلاج معروف: بددوا خوفنا منكم.
أيها الإسلاميون.. لن تأخذونا إلى السماء، نأمل ألا تسوقونا إلى جحيم الاستبداد الديني.
nsayegh@assafir.com
عن السفير اللبنانية

الثلاثاء، يناير 17، 2012

الموت يكتم صوت سُلطان "لوتار" الرائع رويشة


أُعلن اليوم الثلاثاء عن وفاة المغني الشعبي، بالعربية والأمازيغية، محمد رويشة عن سن تناهز 62 سنة بعد معاناة مع أزمة مرضية حادة تطلبت دخوله إلى المستشفى الذي تلقى فيه علاجات قبل أن يغادره مؤخرا بعد استشفائه قليلا، قبل أن يسلم الروح هذا اليوم وهو بمنزله بمدينة خنيفرة.
ويعتبر رويشة الرجل العصامي الذي طور آلة لوتار (الآلة الشعبية البسيطة المغربية الأصل) بحيث أضاف إليها خيوطا وأصبحت في عهده تتوفر على أكثر من ثلاثة خيوط، (يعتبر) واحدا من الفنانين المغاربة الذين يكاد لا يختلف عنهم اثنان حول أصالتهم وقدراتهم على التعريف بالتراث المغربي والأغنية الشعبية تحديدا.
وبرحيل الفنان الكبير محمد رويشة، بعد صراع ومعاناة مع المرض، يكون المشهد الفني الوطني عامة، والأغنيتان الأمازيغية والشعبية على وجه الخصوص، فقدا تجربة غنائية متفردة استنفرت مكنون الذات في أشواقها الوجدانية والروحية.
فقد اختطفت يد المنون محمد رويشة بينما كان يتم الاستعداد لتنظيم سهرة تكريمية له، إلى جانب موحا الحسين أشيبان الملقب بـ"المايسترو"، يوم 24 يناير الجاري بالمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط.
وكان الراحل رويشة غادر سرير المرض مؤخرا بمستشفى الشيخ زايد بالرباط عائدا إلى مسقط رأسه خنيفرة، حيث تحسنت حالته الصحية، إلا أنه أحسّ بمتاعب صحّية صباح اليوم قبل أن يتم نقله إلى المستشفى، لكنه أسلم الروح إلى باريها قبل الوصول إليه.
ولد الفنان محمد رويشة سنة 1950 بمدينة خنيفرة (الأطلس المتوسط)، وقضى مرحلة التمدرس بين الكتاب والمدرسة إلى غاية 1961، حيث كان له ميل إلى الفن وممارسته تلقائيا.
وعبر الاحتكاك ببعض الأسماء، خاصة الأستاذ محمد العلوي لاعب فريق شباب خنيفرة الذي شجعنه ورافقه إلى الرباط وقدمه إلى القسم الأمازيغي بالإذاعة الوطنية، حيث اكتشفت موهبته ليسجل أول شريط له بالدار البيضاء سنة 1964. وفي سنة 1980 غنى الراحل على خشبة مسرح محمد الخامس بالرباط.
كان الراحل رويشة فنانا أصيلا، صوتا مفعما بالأحاسيس الرائعة، متشبثا بأصالته المغربية الأمازيغية، ومُعتزا بلغتيه، الأمازيغية والعربية، اللتين أبدع في توظيفهما في أعمال غنائية متنوعة، بأحاسيس مرهفة، وموسيقى أصيلة، وكان حضوره في المشهد الفني الوطني متميزا ووازنا، من خلال ألحانه العذبة الرائقة، وكلماته الرقيقة والعميقة، المختارة بعناية، وأغانيه، التي وسمها بالحب والطيبة، وأداها بعفوية وصدق.
امتاز الراحل رويشة في أدائه الموسيقي بالمزج بين ألوان محلية ووطنية وذلك في قالب لا يخرج عن المقام الأطلسي الذي يعتمد على "ربع نوتة" وهو بذلك يبقى وفيا لمعنى اسمه "روي شا" والذي يعني بالأمازيغية "اخلط شيئا" وهو مزج فني لا يستطيع إتقانه إلا من كانت له أذن موسيقية مرهفة كالفنان الراحل محمد رويشة.
وطبع الراحل محمد رويشة حياته بتواضع وطيبة وخلق، قل نظيرهما، إذ يعيش صاحب الجلباب الصوفي في منزل متواضع، مكون من طابقين في حي شعبي بمدينة خنيفرة، ويتميز عازف "لوتار" بين أبناء مدينته بإنسانيته وعفويته، وابتسامته الدائمة، التي لا تفارق محياه.
تكشفت موهبة رويشة باكرا. لم يقو على مغالبة هوسه بالموسيقى فأغلق دونه باب الدراسة رغم شهادة مدرسيه له بالتفوق. أما حين تنبأ له عميد الموسيقى الأمازيغية حمو اليزيد، ذات يوم، بمستقبل واعد، حين سمعه يدندن على "لوتار"، فقد عرف الشاب محمد رويشة أن طريق المجد له اسم واحد: الاجتهاد.
ومن بين الإبداعات التي بصم بها الراحل محمد رويشة ربرتواره الغنائي "شحال من ليلة وليلة"، "يا مجمع المؤمنين"، "قولوا لميمتي"، "أيورينو"، "الحبيبة بيني وبينك دارو الحدود" ورائعته ذائعة الصيت "إناس إناس".
وكان الراحل خص وكالة المغرب العربي للأنباء مؤخرا بتصريح عبر الهاتف بعث من خلاله قبلات الامتنان والشوق "لكل المغاربة الذين عبروا عن حبهم له، شيوخا وشبابا. لن أنسى الدموع التي سالت في عيون أحباء لا أعرفهم".
وسيوارى الفقيد، الذي خلف أربعة أبناء، الثرى يوم الأربعاء 18 يناير الجاري بمسقط رأسه (مدينة خنيفرة) بعد صلاة الظهر.
أطلس أنفو-ومع

الثلاثاء، يناير 03، 2012

الملك يعين أول حكومة ملتحية "قزّمت" الحضور النسائي وأقصت تمثيلية الصحراء

أخيرا وبعد مخاض استمر شهرا ونيف استقبل الملك محمد السادس اليوم الثلاثاء بالقصر الملكي بالرباط أعضاء أول "حكومة ملتحية" يقودها أمين عام الحزب الإسلامي الذي ارتضى النضال من أجل "أيديولوجيته" الإسلامية، من داخل المؤسسات بعكس جماعة العدل والإحسان التي فضلت "حروب" الشوارع وسياسة لي أذرع المخزن.

واستقبل الملك في البداية عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة (الوزير الأول في الدساتير القديمة)، الذي كان الملك عينه قبل نحو شهر ومباشرة بعد الإعلان عن نتائج انتخابات 25 نونبر، التي حصل فيها حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى متبوعا بحزب الاستقلال، أهم حليف له في الحكومة الجديدة. بعد ذلك تقدم للسلام على الملك محمد السادس باقي أعضاء الحكومة المكونة من إتلاف رباعي ضم إلى جانب العدالة والتنمية، كلا من حزب الاستقلال، وحزب الحركة الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية.

وجاءت تشكيلة الحكومة التي أدت القسم أمام ملك البلاد على الشكل التالي؛ عبد الإله بنكيران: رئيس الحكومة، عبد الله بها: وزير الدولة، محند العنصر: وزير الداخلية، سعد الدين العثماني: وزير الشؤون الخارجية والتعاون، مصطفى الرميد: وزير العدل والحريات، أحمد التوفيق: وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، إدريس الضحاك: الأمين العام للحكومة، نزار بركة: وزير الاقتصاد والمالية، نبيل بنعبد الله: وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة، عزيز أخنوش: وزير الفلاحة والصيد البحري، محمد الوفا: وزير التربية الوطنية، لحسن الداودي: وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، محمد أوزين: وزير الشباب والرياضة، عزيز رباح: وزير التجهيز والنقل، الحسين الوردي: وزير الصحة، مصطفى الخلفي: وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، فؤاد الدويري: وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، عبد الواحد سهيل: وزير التشغيل والتكوين المهني، عبد القادر اعمارة: وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، لحسن حداد: وزير السياحة، بسيمة الحقاوي: وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، محمد الأمين الصبيحي: وزير الثقافة، عبد الصمد قيوح: وزير الصناعة التقليدية، الحبيب الشوباني: الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، عبد اللطيف لوديي: الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف معزوز: الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالمغاربة المقيمين في الخارج، الشرقي الضريس: الوزير امنتدب لدى وزير الداخلية، يوسف العمراني: الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون، محمد نجيب بوليف: الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، عبد العظيم الكروج: الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، وإدريس الأزمي الإدريسي: الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية।

ما يعاب على الحكومة الجديدة التي جاءت بعد "ربيع عربي" طالب بعديد من المطالب كالديمقراطية ومحاربة الفساد والمساواة بين الجنسين، وهو ما سارع دستور فاتح يوليو إلى التفاعل معه وتخصيص فصل يحمل أكثر من مدلول هو الفصل 9، الذي دعا إلى احترام مبدإ المساواة، ما يعني أنها ضمانة دستورية، (ما يعاب) هو أن تمثيلية النساء كانت خجولة جدا، ولم ترق إلى ما كان النسيج النسائي يصبو إليه، بحيث اكتفت حكومة بنكيران، التي تضم حزب التقدم والاشتراكية أحد أبرز الداعين إلى المساواة بين الجنسين، بمنح حقيبة وحيدة وواحدة لإمرأة تنتمي إلى حزب المصباح، وهي بسيمة الحقاوي التي ستدير وزارة المرأة والأسرة والتضامن الاجتماعي. إنها "خيبة" أمل ستكون أولى الأوراق التي سيستغلها بدون شك الرافضون لتوجهات الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة، والذي ستكون له أيضا تداعيات ليس فقط على المستوى الوطني، ولكن حتى على صعيد علاقات المغرب مع دول ومكونات المنتظم الدولي، الذين لا يخفون توجسهم من تولي الإسلاميين مقاليد الحكم بالمغرب.

ثاني أبرز ميزة ميزت حكومة بنكيران هو "إقصاء" تمثيلية الصحراء في الحكومة الجديدة، بحيث يبدو أن القصر "لم يقتنع" بالعنصرين اللذين تضمنتهما لائحة بنكيران؛ وهما ولد الرشيد من حزب الاستقلال، وكجمولة بنت أبي عن التقدم والإشتراكية.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن الإسمين الصحراويين اللذين تم اقتراحهما هما ضمن "لائحة سوداء" لن تخول لهما تبوء مناصب سامية؛ وفي حين تؤكد المعطيات أن ولد الرشيد بات من الذين لا يلقون ترحيبا حتى من لدن أبناء الصحراء نظرا إلى "تسلط" آل الرشيد على أهالي الصحراء، فإن المصادر ذاتها تشير إلى أن محيط القصر يحتفظ بتحفظه على كجمولة، الانفصالية السابقة، التي وقفت مواقف "يشوبها الغموض" خاصة إزاء قضية الانفصالية أميناتو حيضر التي أحرجت المغرب كثيرا أمام المنتظم الدولي.

إلا أن هذا المعطى (عدم الأهلية-إن تم التسليم بذلك-) لم يكن ليحول دون تدخل القصر بطرقه المختلفة، من أجل البحث عن بروفايل صحراوي يتم إدماجه بالحكومة الحالية، حتى ولو تطلب الأمر السير على غرار ما تم فعله مع وزير الفلاحة التجمعي، عبد العزيز أخنوش، الذي طُلب منه تقديم الاستقالة من حزب التجمع الوطني للأحرار، عشية انضمامه إلى "الحكومة الملتحية" تحت عباءة "المستقل". فهل غياب تمثيلية الصحراويين سيكون له انعكاسه في مستقبل الأيام، الذي ينتظر تنزيل الدستور الجديد، وقبله تنزيل الجهوية المتقدمة التي تمنح أقاليم الصحراء حكما ذاتيا في هذا الإطار؟


نورالدين اليزيد