الأحد، يوليو 03، 2011

صحافتنا وصحافتهم..ما الفرق؟

وأنا أجمع أغراضي بغرفتي بالفندق ذاك الكائن بمدينة 6 أكتوبر بضواحي العاصمة المصرية القاهرة، مستعدا للعودة إلى الوطن بعد الانتهاء من دورة تدريبية في مجال مهنتنا، كانت رائعة بكل المقاييس، تزاحمت الأفكار برأسي ومعها أسئلة كثيرة كانت وما تزال وستبقى إلى إشعار لاحق تؤرق بال كل غيور على الشأن الصحافي ببلادنا، وعلى البلاد والعباد بهذه الأرض الطيبة.

الدورة التي نظمها المركز الدولي للصحفيين في الفترة ما بين 25يونيو وفاتح يوليو، بمقر جامعة الأهرام الكندية بالقاهرة، جعلتني كصحفي مهني أقف عند فارقين شاسعين في المجال الصحافي في كل من المغرب ومصر؛

الفارق الأول يتجلى في الطابع المؤسسي الذي وصلت إليه الصحافة المصرية المكتوبة؛ بحيث أن جامعة الأهرام الكندية ليست إلا مؤسسة خرجت من نفس رحم الإستراتيجية الخلاقة التي أنجبت جريدة الأهرام المصرية، وما أدراك ما الجرائد، بغض النظر عن العيوب والاتهامات التي ألصقت بهذه المؤسسة الإعلامية الرائدة بسبب ممارسات النظام الديكتاتوري البائد، الذي حاول تدجين الشعب والمؤسسات لأجل إشباع نهمه وأسرته وحاشيته، قبل أن تطيح به الثورة الشعبية ويُرمى به في السجن الذي كان يملأ به خصومه السياسيين لأزيد من ثلاثة عقود.

زيارتي اليومية لهذه الجامعة، حيث تلقينا دروسا مكثفة في الصحافة على أيدي أساتذة أمريكيين ومصريين وأردنيين مقتدرين، جعلتني أقف عن كثب على مدى تخلف صحافتنا المغربية، التي ما تزال أسيرة الطابع الشخصاني لأصحابها، وبعيدة كل البعد –اللهم بعض الاستثناء رغم ما له من عيوب- عن الصحافة المؤسساتية. وهو ما يجعل مدراء الجرائد حتى الأكثر شيوعا إن لم تكن الأولى انتشارا ببلادنا، هم الآمرون والناهون بجرائدهم تلك الأشبه بضيعات إقطاع القرون الوسطى. ولعل تصرفات معظم مدراء صحفنا المزاجية والبعيدة كل البعد عن منطق المؤسسة الإعلامية الخاضعة لأخلاق المهنة وشروط ومقومات المقاولة، تعتبر أبرز مثال عن سوء فهم كثيرين منا لمهنة "المتاعب". هؤلاء وبعكس ما لمسته في قاهرة المعز حيث العديد من الجرائد أسست مؤسسات أكاديمية للبحث والدراسة، فإنهم يجعلون، للأسف، إستراتيجية -إن سلمنا جدلا بوجودها- جرائدهم في تحقيق مآرب شخصية –اقتصادية تحديدا- وبعدها فليأتي الطوفان. وهذا ما يجعل الصحافيين والعاملين بهذه "الضيعات" المسماة ظلما وعدوانا "جرائد"، على كف عفريت، ويجعل مصيرهم مرهونا بمدى تماشيهم وخط "تحرير" تلك الجرائد، التي تذوب فيها كل حدود التحرير في حمأة الموالاة لهذه الجهة الاقتصادية أو السياسية أو غيرهما.

إنها ميوعة خطوط التحرير التي أسس لها بعض مدراء تحرير صحافتنا إرضاء لنزواتهم الشخصية إلى درجة خلع كل الملابس لتبدو سوءاتهم أمام الملء بشكل مفضوح.

الفارق الثاني يكمن في مدى إطلاع رؤساء التحرير بأرض الكنانة على أسرار مهنتهم، وهنا لا سبيل للمقارنة مع معظم رؤساء تحرير صحافتنا المكتوبة، والذين إن لم يكونوا يلخصوا رئاسة التحرير في الوشاية بطاقم تحرير المؤسسة لدى المدير و"أصحاب الحال"، فإن هذه الرئاسة تعني لديهم إعادة قراءة، إن كانوا يفعلون، ما يكتبه المحررون. وأما بالنسبة للزملاء بمصر فإن رئاسة التحرير عندهم هي الإطلاع على آخر وسائل "الميلتيميديا" واستعمالها في نقل الخبر، ودعم المحرر في استعمال تلك الوسائل، وهو ما يصبح السبب الرئيس في عقد دورات تدريبية منتظمة للمحرر والمراسل، على حد سواء. إلى جانب تلقينه لمبادئ القانون وشروط نقل الخبر بحيادية ودون تحيز.

إن هذه المناسبة جعلتني أعرف، وعن كثب ولأول مرة، أن رؤساء التحرير هم صحافيون قبل أن يكونوا ذوي مهمة إدارية تخولهم تقسيم وتوزيع العمل وتقديم الدعم والمشورة للمحررين والمراسلين. وليست رئاسة التحرير هي ترقب دعوة من هذه الجهة أو تلك لأجل حضور حفل باذخ أو سفر في أصقاع الدنيا لحضور مؤتمر لن يستفيد منه حتى الموجهة له الدعوة (مهنيا أقصد). وحتما ليست رئاسة التحرير هي ممارسة "القوادة" بكل تجلياتها، كما يفعل العديدون.

وأما النزر القليل من رؤساء التحرير ببلادنا ممن يحاولون جاهدين مقاومة محاولات البعض تعهير مهنتنا التي ارتضيناها، والذين يعضون على مبادئ المهنة بالنواجذ حتى ولو عوقبوا بورقة الإشهار القاتلة، فإني أوجه لهم تحية إكبار وتقدير لأنهم باقون ما بقيت ذرة مهنية في عروقهم. والعابثون بنا نحن قبيلة الصحافيين وبالمهنة مصيرهم مزبلة الذكرى، إن كانت للذكرى مزابل.

هناك تعليقان (2):

  1. غير معرف14/7/11 22:10

    إوا ياسيدي تنفعك الزيارة ،وعلى سلامتك سلامي الحار لاسرتك الصغيرة.... الحسين السلاوي

    ردحذف
  2. الله يسلمك ابا الحسين

    ردحذف