الخميس، مارس 17، 2011

إستراتيجية محاربة الأمية ببلادنا تحتاج إلى خارطة طريق جديد

في الاحتفال باليوم العالمي لمحاربة الأمية للسنة المنصرمة، الذي يوافق الثامن من شتنبر من كل سنة، قدم المغرب حصيلته في الجهود المبذولة لمحاربة الأمية ودعم التربية غير النظامية، ضمن إستراتيجية وطنية مندمجة تضع تأهيل العنصر البشري في صلب اهتمامها، وتهدف إلى تقليص النسبة العامة للأمية، إلى أقل من 20 بالمائة في أفق السنة المنصرمة، على أن يتم التوصل إلى المحو شبه التام لهذه الآفة في أفق سنة 2015

نورالدين اليزيد

"المجلس الأعلى للتعليم حدد نقائصها وأوصى بالمزيد من الجهد"

تشير الأرقام الرسمية إلى أن المجهودات التي يقوم بها مختلف المتدخلين، من قطاعات التربية والتكوين وأرباب العمل والمنتخبون وأعضاء المجتمع المدني، أدت إلى نتائج لا يمكن إلا التنويه بها، خاصة عندما تشير إلى خفض نسبة الأمية من 43 بالمائة، سنة 2004، حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى، إلى حوالي 30 بالمائة سنة 2010، حسب آخر التقديرات.

استراتيجية طموحة

ارتفع عدد المستفيدين من برامج محو الأمية من 180 ألف مستفيد ومستفيدة، سنة 1998-1999، إلى 286 ألف خلال موسم 2002-2003، ليصل إلى أكثر من 702 ألف مستفيد ومستفيدة في الموسم 2009-2010. وخلال السبع سنوات الأخيرة (2003-2010)، بلغ عدد المستفيدين من برامج محو الأمية أكثر من 4.5 ملايين شخص، وهو أكثر من ضعف العدد المتراكم خلال عشرين سنة، ما بين 1982 و2002، والذي لم يتجاوز المليوني مستفيد. وتمثل النساء أكثر من 80 بالمائة من مجموع المستفيدين، بينما سكان الوسط القروي يمثلون نصف الأعداد الإجمالية المسجلة.

وتتركز أهداف إستراتيجية الوزارة، بالخصوص، حول محو أمية النساء وإدماجهن سوسيو-اقتصاديا، بواسطة مجموعة من البرامج التي تعتبر خارطة طريق للقضاء على هذه الآفة، التي تؤثر على سير المغرب نحو تنمية شاملة ومندمجة. ومن تلك البرامج مشروع "محو الأمية من أجل استقلالية النساء: تعزيز القدرات الوطنية لتنمية مستدامة"، في إطار مبادرة "القرائية من أجل التمكين"، التي أطلقتها منظمة اليونسكو سنة 2005، بهدف دعم مشاريع محو الأمية الموجهة أساسا للنساء، والهادفة إلى تعزيز استقلاليتهن.

أما على مستوى المناهج التعليمية، فقد تم إدراج مجموعة من المضامين والمفاهيم المساهمة في الرقي بالعنصر النسوي ضمن المقررات المعتمدة، كالتغذية وتربية الأطفال والتربية البيئية والقانونية والمدنية وحقوق المرأة والطفل والصحة الإنجابية. كما تم إعداد كتيب حول مدونة الأسرة مبسط وموجه إلى النساء المستفيدات من دروس محو الأمية، وكُتيب حول الإدماج السوسيو - اقتصادي للنساء. ومن أجل تجاوز التباين الواضح بين نسبة الأمية بين الرجال (26 بالمائة) والنساء (40 بالمائة)، فإن الوزارة تعمل على إعطاء الأولوية في برامجها للعنصر النسوي، بوضع برامج مندمجة بتعاون مع الجمعيات الفاعلة في هذا المجال، وكذا مع بعض الشركاء الآخرين كالتعاون الوطني.

مشروع مجتمعي

بالنظر إلى أن محاربة الأمية تعتبر رهان مجتمع، ولا تعني فقط مختلف القطاعات الحكومية، فإن الإحصائيات تشير إلى تزايد مساهمة باقي المتدخلين في مجال محاربة الأمية، حيث تشير وضعية الموسم 2009- 2010، إلى أن عدد المسجلين للاستفادة من محاربة الأمية، بلغ 702 ألف و488 شخصا، موزعين حسب المتدخلين على الجمعيات بـ338 ألف و940 (48.2 بالمائة)، والقطاعات الحكومية بـ290 ألف و182 (41.3 بالمائة)، والتربية الوطنية بـ70 ألف و56 ( 10 بالمائة)، والمقاولات بـ 3310 (0.5 بالمائة). وبلغ عدد المراكز المحتضنة لبرامج محو الأمية 15 ألف و640 مركزا تابعا لمختلف المتدخلين، فيما أشرف على تكوين المستفيدات والمستفيدين 17 ألف و600 مكونة ومكونا.
وقد أثمرت روح العمل الجماعية التي أبدتها كل فعاليات المجتمع، من مسؤولين وجمعويين ومقاولين، المساهمة في إعادة الأمل لمن فاتتهم فرص التعلم، وهو ما تجلى بالخصوص في القضاء على الأمية لدى ما يفوق 3 ملايين مستفيد ومستفيدة، فيما لا تزال الجهود متواصلة لإنجاح هذا الورش المجتمعي الكبير، انسجاما مع روح وأهداف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2005، إيمانا من جلالته بأهمية التأهيل المندمج والمتكامل للمواطن المغربي، بغية تمكينه من مسايرة ركب التنمية والتحديث الذي تنهجه المملكة.

تشخيص..وتوصيات

في رأيه الذي أدلى به بعنوان "واقع برامج التربية غير النظامية ومحاربة الأمية وآفاقها"، في دورته العادية ليوليوز سنة 2009، قدم المجلس الأعلى للتعليم تشخيصا دقيقا لنتائج تطبيق إستراتيجية الحكومة لمحاربة آفة الأمية، وأوصى بـ"مداخل استشرافية" لهذه البرامج، استنادا إلى أعمال خبرة ودراسة وبحث، وتشاور مع مختلف القطاعات والمتدخلين في المجال مع استلهام التجارب الدولية في هذا الصدد. وتهدف هذه المداخل، التي أوصى بها المجلس، إلى التسريع بوتيرة إعادة الإدماج الفعلي لمئات الآلاف من الأطفال قبل 15 سنة من العمر، الموجودين خارج المنظومة التربوية، وفي الوقت نفسه تمكين فئات المجتمع، التي تعاني الأمية، من المعارف والكفايات الأساسية، المرتبطة على الخصوص بالقراءة والكتابة والحساب.

فعلى مستوى التربية غير النظامية، فإنه يستفاد من المعطيات الإحصائية لسنة 2009، أنه يوجد ما يقارب 940 ألف طفل وطفلة خارج المدرسة، بعد أن كان العدد يفوق المليون سنة 2004. وأما العدد الإجمالي للمنقطعين عن الدراسة في سلكي الابتدائي والثانوي الإعدادي فقد بلغ خلال موسم 2007/2008 ما يفوق 340 ألفا، حسب المجلس، وهو مؤشر سلبي يعكس محدودية قدرة المنظومة التربوية، على الاحتفاظ بجميع الأطفال في المدرسة. وهناك أسباب أساسية، في رأي المجلس الأعلى للتعليم، للوصول إلى تلك الوضعية، ومنها عدم التطبيق التام لمقتضيات القانون 00-04 المتعلق بإلزامية التعليم؛ الفشل الدراسي؛ محدودية الدعم البيداغوجي والاجتماعي؛ الطرد من المدرسة، افتقار بعض المؤسسات التعليمية للداخليات، صعوبة بعض الأسر في تغطية تكاليف تمدرس أبنائها؛ ضعف إسهام شركاء المدرسة في دعمها وتيسير إنجاز مهامها. كما أن أهم الثغرات التي ما تزال تعترض برامج التربية غير النظامية، غياب خريطة جهوية ومحلية لرصد الأطفال غير الممدرسين، ومحدودية استقطابهم، وعدم ملاءمة مكتسباتهم الدراسية لمستلزمات إعادة الإدماج في المدرسة، وغير ذلك.

وعلى مستوى محاربة الأمية، فإن المجلس يرى أن وتيرة محاربتها "بطيئة ودون مستوى الأهداف المتوخاة"، حيث رغم انخفاض نسبة الأمية من 47.7 بالمائة سنة 2004، لدى الفئة العمرية 15 سنة فما فوق، إلى ما يقارب 43 بالمائة سنة 2006، وانخفاضها أيضا بالنسبة للفئة العمرية 10 سنوات فما فوق من 43 بالمائة سنة 2004 إلى 38.5 بالمائة سنة 2006، ما تزال الأعداد المطلقة مرتفعة، إذ تبلغ حوالي 8.8 ملايين من الأميين من الفئة العمرية 15 سنة فما فوق. كما أن التفاوت في نسب الأمية يظل قائما على مستوى النوع بمعدل 52 بالمائة بين النساء، مقابل ما يناهز 34 بالمائة لدى الرجال، وعلى مستوى الوسط بنسبة 61 بالمائة بالوسط القروي، مقابل 30 بالمائة بالوسط الحضري.

ومن أجل استدراك تمدرس الأطفال الذين فاتتهم فرصة الدراسة، ولـ"تعبئة مجتمعية حازمة وأكثر نجاعة" لمحاربة الأمية أيضا، يوصي المجلس بعدد من التوصيات منها؛ على مستوى التربية غير النظامية، إنجاز إحصاء شامل، يتم على أساسه اعتماد خريطة تحين باستمرار للأطفال الموجودين خارج المدرسة، حسب النوع والسن والوسط، وتجفيف منابع عدم التمدرس، وإرساء برنامج وطني لتعليم أولي جيد لفائدة الأطفال بين 4و5 سنوات، وغير ذلك. أما على مستوى محاربة الأمية، فيدعو المجلس إلى تخصيص العشرية المقبلة 2010/2020، للتعبئة المجتمعية اليومية من أجل القضاء على الأمية، بإطلاق برنامج عمل وطني شامل، بمقاربة لا متمركزة ولامركزية. كما يوصي بتبني إستراتيجية مندمجة، ذات أهداف كمية ونوعية، وحكامة جيدة.

إعادة النظر

يبدو أن الوزارة المعنية أخذت توصيات المجلس الأعلى للتعليم بعين الاعتبار، وهي تعيد صياغة إستراتيجيتها في مجال محاربة الأمية، حيث أعلن وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، أحمد اخشيشن، نهاية السنة المنصرمة عن إحداث الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، التي تهدف إلى "إعطاء نفس جديد لإنجاز برامج مكثفة في مجال محاربة الأمية، لتحسين مؤشرات التنمية البشرية بالبلاد"، والتي تأتي في إطار تفعيل الدعامة الثانية من الميثاق الوطني للتربية والتكوين، التي تنص على التعبئة الوطنية لتحقيق المحو الشبه التام للأمية في أفق عام 2015. هذا بالإضافة إلى أن الوزير أعلن أيضا، أنه في إطار تنفيذ الإستراتيجية الوطنية، في مجال محاربة الأمية، عن اقتراح برامج عمل على الحكومة، تهدف إلى محاربة الأمية في أفق القضاء عليها، والبحث عن الموارد لتمويل البرامج المسطرة وتطوير التعاون الدولي الثنائي ومتعدد الأطراف.

وبخصوص "الآفاق المستقبلية" للوزارة، فإنها تتركز على أربعة محاور،بحسب الوزير، تهم رفع وتيرة الإنجاز بهدف تقليص نسبة الأمية إلى 10 بالمائة سنة 2015، و5بالمائة في أفق عام 2020، والقضاء على الأمية لدى الفئة العمرية ما بين 15 و24 في أفق سنة 2015، وتقليص نسبة الأمية لدى الفئة النشيطة إلى حوالي 10 بالمائة في أفق سنة 2015.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق