الأحد، مارس 06، 2011

اَلعلوي..أو القاضي الذي يكرَه الصحافة

نورالدين اليزيد

هذه المقالة نشرت في عدد من المواقع في ماي 2008، وفوجئت بأحد المواقع ينشرها مؤخرا، فأردت إعادة نشرها في موقع صاحبها، لتكون بالمناسبة ذكرى لمن يحتاج إلى تذكير..

سيتوجه نظره إلى مكتبه الكائن بالمحكمة الابتدائية بالرباط، صبيحةَ ما بعد نُطقه بحكم آخر- لن يكون الأخير- ضد صحافي آخر أو صحيفة أخرى، وسيسأله الإنسان القارئ بداخله، وهو يلج مكتبه وقد تراءت له مجموعة صُحف فوقه تنتظره كي يتصفحَها ليرى فقط ما إذا كانت تحوي بين صفحاتها تعقيبا على أحكامه، سيسأله ذاك السؤال المؤرق للإنسان القارئ بداخله، والمصفِّق للإنسان القاضي المنتشي بوشاح التسلط على السلطة الرابعة؛ أيَّ إنجاز هذا الذي حققته يا محمد العلوي في حربك على جيش من "الإرهابيين" أبوا إلا أن تكون "طلقاتُهم النارية" من حِبر؟! وسيرتعش قليلا ثم سيتظاهر ببطولة مُزيفة وشجاعة لا تشبهها إلا شجاعة الراكب على حصان من قصب، ثم يجيب، كما أجاب من قبل، "إني أجتهد...وإنه يجب إسكات أفواه الصحافيين".

هكذا هو حال القاضي محمد العلوي الذي بات اسمُه ذائع الصيت عبر ربوع العالم بعدما تناقلت اسمَه وكالاتُ الأنباء والصحفُ العالمية، عندما أصدر مرة أخرى حكما ضد الصحافة والصحافيين المغاربة، وهو الحكم الذي يبدو، من دون أدنى ريب، أنه يسعى إلى إخراس صوت تأكد للذين يوعِزون لهذا القاضي الذي بهكذا أحكام، بأنه صوتٌ يغرد خارج السرب الذي يقودون، وبأنه صوت كذلك يصدح بنبرة غير تلك النبرات المستهجنة المرددة للأسطوانات المشروخة من قبيل "العام زين"!!

وكم يجد المرء نفسه أمام مفارقة عجيبة لهذه "الإنجازات" التي باتت حكرا على "أجمل بلد في العالم"، وهو يرى أسماء مثل القاضي الفرنسي باتريك راماييل والقاضي الاسباني غارثون بالتزار، اللذين نقشا اسمهما بمداد ناصع في سجل تاريخ القضاء العالمي لقدرتهما، غير المجادل فيها، على مقاربة ملفات جد حساسة، وفي سعيهما الحثيث على تأدية رسالة العدالة على أكمل وجه، فكانا يستحقان بحق تبوؤهما ذاك في المنابر العالمية، في الوقت ذاته الذي قفز فيه اسم العلوي إلى واجهة الأحداث بعدما أصدر حكما آخر ضد الصحافة الوطنية، وهو الحكم الذي طال هذه المرة مدير يومية "المساء"، والذي (الحكم) ضرب كل الأرقام القياسية، ليس على الصعيد الوطني وحسب ولكن ربما على المستوى الدولي أيضا لضخامة المبلغ المحكوم على اليومية الأكثر انتشارا بالمغرب بتأديته.

وكم يجد الطالب بجامعة الحقوق والمتتبعُ المغربي، على حد سواء، إن آجلا أو عاجلا، أنفسَهم في حيرة من أمرٍ عندما سينبشون في الخزانة القانونية والذاكرة الحقوقية للمغاربة، فيجدون أن الذي تجاوز ذكرُه الحدودَ الوطنية من رجال القانون والمشتغلين فيه ليس إلا رجلا مناسِبا ليس لكُرسي القضاء، لكن لا أخاله إلا لكرسي بداخل دهاليز زمن الرصاص ذاك الغابر من غير رجعة، والذي ما فتئ العلوي القاضي والذين يدور في فلكهم يُذكروننا به في مناسبات عدة. والأخطر في الأمر أن هؤلاء الذين يريدون الرجوع بالمغرب إلى السنوات الخوالي غير المأسوف عنها، يستغلون جهاز القضاء الذي تصدر فيه الأحكام والقرارات باسم الملك، فيُحمِّلون بتلك القرارات والأحكام الملكَ ما لا طاقة له به، وهو الملك الذي ما فتئ يُرسل عبر كل خطبه تقريبا الرسائلَ تلو الأخرى من أجل إصلاح جهاز القضاء، وعدم جعله مطية للُوبي الفساد للتغطية على جرائمهم في حق المجتمع، بخلق خصوم غير واقعيين للنظام، وبالتالي الانتقام من هؤلاء الذين يقفون في وجه جشعهم، من خلال تنصيب محاكم باتت أشبه بمحاكم التفتيش في القرون الوسطى، وبتلفيق التهم من قبيل المس بالمقدسات التي شملت حتى الأحجار كما في شأن أحد الأحكام المحكوم بها على الصحافي علي المرابط، والذي طُرد من العمل بمهنة اختارها انطلاقا من إيمانه بحقه الدستوري، ولكن القاضي محمد العلوي رأى ، بحسب اجتهاده، أن عليه عدم مزاولة مهنة صحافي لمدة عشر سنوات نتيجة حكم قضائي يعتبر ربما الأغرب في العالم.

إنه لَمِن المفارقة حقّا أن لا تحظى أسماء عدد من الحقوقيين ورجال القانون من طينة فقيه القانون أحمد الخمليشي والنقيبين عبد الرحيم الجامعي وعبد الرحمان بن عمرو، الذين تشهد لهم رفوف المحاكم وخزانات الجامعات بمرافعاتهم واجتهاداتهم وأبحاثهم التي تُدرس في الكراسي الجامعية للطلبة، أن لا تحظى مثل هذه الأسماء بحظوة هذه الأضواء التي سُلطت هذه الأيام على اسم مبني للمجهول، لم يعرفه، إلا علي المرابط، الذي يتذكره تماما كما يتذكر الضحية جلاده، ويصفه بأنه شخص قصير ذو شارب وكان يرتعد حين كان سنة 2005 يهم بإصدار الحكم ضد المرابط بحرمانه من الكتابة الصحفية لمدة عقد من الزمان. وهو ذات الشخص أيضا القصير قِصر مدى رؤيته لمستقبل المغرب، والذي باغته النقيب الجامعي ذات مرافعة قائلا له بأن من ورائه من يوعز إليه بالأحكام، ولم تكن له الجرأة الكافية حتى لتحريك المسطرة ضد النقيب بتهمة التجريح، وتجاهل الأمر كأنه لم يسمع شيئا، ربما لأن منازلتَه لفقيه قانوني من عيار الجامعي كانت ستجُر عليه خيبات لا قبل له بها. إنه نفس الشخص الذي لن ينسى صورته أبدا الصحافي أبو بكر الجامعي مدير نشر "لوجوغنال إيبدو"، والذي حكم عليه بتأدية أكثر من 300 مليون سنتيم لفائدة مدير المركز الأوروبي للدراسات السياسية الكائن مقره ببلجيكا، فلم يكن بوسع الجامعي الصحافي إلا أن يحمل حقيبته ويتجه قبلة الولايات المتحدة خوفا على مؤسسة صحافية، تشغل العديد من الأشخاص المُعيلين لعائلاتهم، من التوقف والإفلاس. إنه القاضي العلوي، الذي لن ينساه كذلك صاحب عمود "شوف تشوف"، الذي سيكون مجبرا، في حال لم تسُد روحُ العدالة في مرحلة استئنافية قادمة، على ضرورة توفير مبلغ يتجاوز 600 مليون سنتيم، حتى يضمن ليومية "المساء" الاستمرارية، إلا أنها استمرارية سيكتنفها المزيد من الحذر والخوف أحيانا بكل تأكيد، في مغرب يأبى فيه القاضي إلاّ أن ينبطح أمام السلطة في صورة عارية ليس كمثلها إلا الصورُ العارية لأولائك القضاة الذين انبطحوا من قبل على سرير رقية أبو علي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق