السبت، فبراير 19، 2011

هل حان موسم عودة اليهود إلى وطنهم الأصلي المغرب؟

تذهب بعض التقديرات إلى أن خُمس المهاجرين المغاربة هم من الديانة اليهودية، الذين يأتون إلى المغرب في رحلات سياحية لزيارة أضرحة أولياء اليهود، ومنهم من يفضل البقاء بالمغرب، بلده الأصلي، في حين يرجع آخرون من حيث أتوا، وخاصة من إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا، في انتظار العودة مرة أخرى قد تكون نهائية لأنهم يحبون هذا الوطن، ويقدمون الولاء لملكه حتى وإن كانوا يحملون جنسيات دول الاستقبال، إلا أن هذا الوطن لا يبادلهم الحب نفسه، رغم أنهم مستعدون لتقديم إمكاناتهم المادية والعلمية من أجل تنميته

مغاربة إسرائيل يُقَدمون فُروض الطاعة والولاء للملك

لم يتمالك جاكي كادوش، رئيس الطائفة اليهودية بمراكش، نفسَه وهو يقدم ولاء الطائفة اليهودية لعرش الملك محمد السادس، قبل سنتين على الأقل، بمناسبة احتفالات المغاربة بهذه الذكرى، بعدما ترافقت كلماته المتحشرجة بنبرات الألم الممزوج بالحنين إلى الوطن الأصل، المغرب، الذي ترنو إليه نفوس مليون مغربي يهودي مهاجر، ينتظرون فقط "قرارا سياسيا" للعودة، مما قد يساهم في تنمية هذا البلد الذي ما أحوجه إلى كل طيوره المغردة في بلاد المهجر، خاصة عندما يتعلق الأمر بفئة مهاجرة متكونة من أطر ورجال أعمال، يحظون بمكانة خاصة ببلاد الاستقبال.

المواطن المغربي كادوش لم يُخف، في ذات المناسبة، تأثره الشديد بالعودة المتواترة للعديد من المغاربة اليهود إلى المغرب، على الأقل في المدينة الحمراء، التي يمثل الطائفة اليهودية بها، مما مكنه ذلك من رصد تلك العودة عن كثب إلى المدينة، حيث فرص الاستثمار والعيش الهادئ متوافرة بشكل يغري حتى غير المغاربة، بالأحرى بالنسبة إلى مواطنين يهود مازالوا يفتخرون بانتسابهم لهذا الوطن الذي احتضنهم منذ ما يربو عن ثلاثة آلاف سنة. إنها رغبة للعودة لا يقابلها، للأسف، كما يعبر عن ذلك مصدر يهودي، إلا غياب تام لدى المسؤولين المغاربة لأي اعتبار لمليون يهودي مغربي مهاجر، ينتظرون فقط "إشارة" واضحة من لدن أصحاب القرار، في الوقت الذي دشن فيه العديد من هؤلاء اليهود المغاربة عودتهم إلى وطنهم الأصلي، تارة من باب السياحة، وتارة أخرى عن طريق شراء منازل قديمة، تكون في الغالب بمدن عُرفت قديما بإيوائها لليهود، واتخاذها مسكنا دائما لهم.

استعداد..هجرة عكسية

تكشف مصادر مطلعة عن أن عشرات الآلاف من اليهود القادمين من دول مختلفة كأمريكا وأوروبا وكندا وإسرائيل، يزورون المغرب سنويا، غالبيتهم من أصول مغربية، يأتون لزيارة المقابر والبِيع اليهودية المنتشرة في مدن مغربية عدة، ولذلك فقد ارتأت الطائفة اليهودية بعاصمة النخيل إنشاء مركز يهودي بالمدينة، سيكون الأول من نوعه بالمغرب، وسيهتم بالتعريف بالتراث اليهودي بهذا البلد، وتقديم المساعدة والتوجيه لليهود الذين ينوون الإقامة الدائمة به.

هذا الاهتمام الذي يبديه اليهود المغاربة الذين ما يزالون يقيمون إلى جانب إخوانهم المسلمين، لم يأت من فراغ، تقول المصادر، ولكن "إشارات قوية" مصدرها من السلطات العليا بالبلاد، قد تكون من وراء تزايد هذا "النشاط" اليهودي، من أجل الاستعداد لاستقبال المزيد من ذوي الأصول المغربية من اليهود. وفي هذا السياق تُحيل المصادر على آخر تلك الإشارات التي وردت على لسان الملك محمد السادس، في رسالته الموجهة إلى المشاركين في معرض المغرب المنظم من طرف المتحف اليهودي بلندن، والتي تلاها المستشار الملك، أندري أزولاي، قبل أسابيع وتحديدا في منتصف نونبر من السنة الماضية، حين أشار الملك إلى أن ما وصفها "غريزة المحافظة على روح الوحدة والوئام، ظلت تؤكد دائما استعداد ورغبة كل المسلمين واليهود معا، لتجسيد حس وطني راسخ، بلغت أصداؤه، اليوم كما بالأمس كل القارات"، مضيفا أنه "في أوروبا والأميركيتين، كما في الشرق الأوسط، ووصولا إلى أفريقيا وآسيا، مَن مِنا لم تتح له الفرصة، ولو مرة واحدة في حياته، للقاء والاستماع، وتقاسم إحساس وسعادة واعتزاز كل هؤلاء الذين ما فتئوا جيلا بعد جيل، وهم كثيرون، يحافظون وينقلون تراثهم وتقاليدهم، وتعلقهم المتين بالمغرب، عرشا ووطنا"، في إشارة إلى اليهود المغاربة المنتشرين في بقاع المعمور.

وبالنسبة للملك محمد السادس فإن ما يصرح به "ليس موجها للاستهلاك، أو من باب الخطابة، وإنما هو نابع من المعيش اليومي لمئات الآلاف من مواطنينا، الذين قاوموا النسيان، بإرادة قوية وقناعة راسخة"، قبل أن يؤكد الملك أن مبادرة معرض لندن لن تكون الأخيرة للاحتفاء باليهود المغاربة، بل "في غضون أسابيع قليلة من الآن، ستقام تظاهرات مماثلة وتلقائية، في كل من نيويورك وباريس وجنيف، تحكي كلها عن حيوية واستمرارية وقوة مجتمعنا المتعدد الروافد، الراسخ الهوية، المتين البنيان، الذي لا تنال منه عوادي الزمان، واختلاف المكان".

مغاربة إسرائيل والولاء للملك

تشير المعطيات المتوفرة إلى أن اليهود المغاربة المتواجدين بالدولة الإسرائيلية حاليا يعتبرون ثاني أكبر جالية في إسرائيل، ويصل عددهم نحو مليون شخص، ويأتون مباشرة بعد الجالية اليهودية الروسية التي تمثل أول جالية يهودية بالدولة العبرية. وما يميز الجالية اليهودية بهذه الدولة هو أن أفرادها ما يزالون يقدمون "فروض الولاء والطاعة" لملك المغرب، في مختلف المناسبات الوطنية والدينية أيضا، التي يحتفل بها المغاربة. كما تتميز الجالية المغربية بإسرائيل، وهذا ما يثير إعجاب باقي الإسرائيليين من الأصول الأخرى المختلفة، بتماسكها وتكتلها وحفاظها على مختلف التقاليد والعادات التي يحتفظ بها اليهود الذين لم يبرحوا المغرب، على قِلتهم، وهو ما يُعزيه المتتبعون إلى أن قنوات الاتصال بالمغرب ظلت مفتوحة عبر التاريخ، حيث يقوم الآلاف من الإسرائيليين من أصول مغربية، ومنهم مسؤولون بارزون بالدولة اليهودية، بزيارة المغرب سنويا، بل إن الأمر يعتبر أكثر من مجرد زيارات سياحة أو زيارات عائلية، عندما لا يخفي الآلاف من الإسرائيليين إحساسهم وحبهم للمغرب، إلى درجة أنهم يعتبرون ملك المغرب ملكا عليهم هم أيضا، ويحترمونه تماما كما يحترمه باقي المغاربة، ويضعون صورته في بيوتهم وأماكن عملهم ومحلاتهم التجارية. ولا يتردد اليهود من أصول مغربية في تقديم طلبات إلى السلطات الإسرائيلية لتسمية ساحات عمومية وشوارع بأسماء ملوك مغاربة، تماما كما حدث مع الراحل الحسن الثاني، حيث تكشف مصادر أنه مباشرة بعد وفاة الملك الحسن الثاني، تلقت السلطات المحلية الإسرائيلية طلبات عدة لتسمية ساحات وشوارع باسم الملك الراحل، فكانت أن تمت الاستجابة للبعض منها، وأعطيت الإشارة لإطلاق اسم الحسن الثاني على ست ساحات عمومية، وهو ما حصل فعلا.

وإذا كان رئيس الطائفة اليهودية بمراكش انبرى إلى الظفر ببقعة أرضية أمدته بها السلطات المحلية -دون مشاكل وفي وقت قياسي- من أجل بناء مركز كبير يعتبر الأكبر من نوعه، من أجل مساعدة وتوجيه اليهود الراغبين في زيارة المغرب، سواء من أجل السياحة أو الاستقرار بصفة دائمة، وكذا لترميم والعناية بزُهاء 14 مقبرة يهودية تاريخية، فإنه في الآونة الأخيرة ارتفعت أصوات الطائفة اليهودية الداعية إلى الاعتراف بهم كمُكون أساسي داخل بنيان الأمة المغربية، وإلى"عدم طمس" دورهم التاريخي في الدولة المغربية منذ قرون طويلة، بل و"بتنقيح المقررات الدراسية التي تتجاهل هذا الدور"، كما يرى ذلك شمعون ليفي الكاتب العام للطائفة اليهودية بالدار البيضاء وعضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، في تصريحات منسوبة إليه، داعيا إلى "مواجهة الأفكار العدائية والإقصائية" ضد اليهود المغاربة من خلال تربية النشء المغربي، وإعداد مراجع دراسية ومقررات لتلاميذ الطور الابتدائي والإعدادي والثانوي تكون منقحة.

إلا أن هذا "التوجس" الذي أبداه هذا المغربي اليهودي لا يعكس بأي حال من الأحوال "تخوفا" يمكن أن يؤثر على رغبة العديد من اليهود في الاستقرار بالمغرب، حيث يعود المسؤول اليهودي نفسه ليؤكد في نفس التصريحات، بأنه على الرغم من الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، "فلا زالت الأقلية اليهودية المغربية بجميع تنظيماتها التقليدية المكونة من آلاف اليهود، متشبثة بمغربيتها، متمسكة ببلدها المغرب، الذي يعتبر البلد العربي الوحيد الذي تتعايش فوق أرضه طائفتان، يشكل تكاملهما محركا للتقدم، وانسجامهما دعامة لتلميع صورة المملكة التي حفظت، منذ قرون، للأقلية اليهودية حقوقها وحرياتها ومقدساتها".

العودة من أجل التنمية

هذا الإعجاب "المنقطع النظير"، تصف مصادرنا، بات يسود كل ممثلي اليهود من أصول مغربية، سواء في إسرائيل أو في "الشتات"، وهو ما يجعل عودة اليهود إلى المغرب، تكتسي طابع الرغبة في المساهمة في بناء الوطن وتنميته، أكثر منها فقط مجرد القيام بزيارة لمحطة سياحية تغري الزائرين من كل حدب وصوب. هذه الرغبة عبر عنها شمعون ليفي صراحة في إحدى تصريحاته الصحفية، عندما كان بصدد توجيه نوع من "العتاب" إلى المسؤولين المغاربة الذين "يتحاشون" الحديث عن الجالية اليهودية المقيمة بالخارج، التي تزور المغرب سنويا بالآلاف، حيث بالنظر إلى أن المغرب ذي التعداد السكاني الذي يتجاوز الـ35 مليون نسمة، يوجد منهم 5 ملايين بالمهجر، ومن هؤلاء مليون مهاجر مغربي، حسب ليفي، الذي أشار إلى أن المسؤولين المغاربة في الوقت الذي لا يدعون فيه فرصة تمر دون التنويه بالمغاربة المسلمين المهاجرين، فإنهم لا يكلفون أنفسهم عناء فعل ذلك مع المهاجرين اليهود، الذين يزورون بلدهم المغرب، ثم يعودون من حيث أتوا.

المسؤول المغربي اليهودي لا يكتفي بتنبيه السلطات المغربية إلى "غياب الاهتمام" اللازم إزاء شريحة مهمة من الجالية المغربية بالخارج، أي اليهودية، بل إنه يدعو إلى ضرورة اتخاذ "قرار حاسم"، من خلال البحث عن اليهود المغاربة و"خلق الظروف" المواتية لتسهيل عودتهم، وخاصة بالنسبة لأولائك أصحاب رؤوس الأموال وذوي الكفاءات العالية، وتوفير أجواء الاستثمار الملائمة لاستقطاب إمكانياتهم، لكن المشكل هو أن كل هذه الإمكانيات والتحفيزات، يضيف ليفي، توجه فقط إلى المهاجرين المسلمين، مع العلم أن اليهود من أصول مغربية، ينتظرون فقط الفرصة لكي يُلبوا الدعوة، بحسب المسؤول المغربي اليهودي.

الأرضية إذن موجودة؛ وطن شاسع يتسع للجميع، وجو ديمقراطي غير موجود في دول المنطقة، ورؤوس اموال وكفاءات مهاجرة تريد فقط الإشارة أو القرار السياسي الذي طال انتظاره، تقول المصادر؛ التي أشارت إلى أن مناسبة الأعياد الدينية اليهودية وغيرها من المناسبات وخاصة منها زيارة أضرحة رجال الدين اليهود المعروفين تاريخيا بالمغرب، تعتبر دليلا على "الرغبة الأكيدة" لهؤلاء في العودة والمساهمة في بناء المغرب كدولة يتمتع فيها اليهود بنفس الحقوق والواجبات. ويشهد التاريخ بأنهم انخرطوا مبكرا في بناء الدولة المغربية المستقلة، حيث مارسوا حقهم في التصويت كأحد الحقوق السياسية التي يمنحها لهم دستور المملكة، وتقلد طلبتهم اليهود الذين درسوا في الجامعات المغربية مناصب إدارية ووزارية هامة، بقي فقط على المغرب أن يعمل على حماية هذه المكتسبات، من جهة بِعدم تحديد هوية البلد بناء على اعتبارات دينية وثقافية، كإضفاء صفة البلد "الإسلامي أو العربي" على الدستور، ومن جهة أخرى بالتسريع بإجراء الاتصالات بمختلف ممثلي اليهود بالعالم، وطرح إمكانية العودة لديهم.

عودة اليهود..أي قرار؟

مصادر من صفوف اليهود المغاربة ومتتبعون يرون أن على المغرب تجاوز تلك النظرة الضيقة التي يغلب عليها طابع "المراهنة الظرفية" على ورقة اليهود المغاربة، بحيث يتعامل معها بحسب الظروف الإقليمية والعربية، وخاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. والكل يتذكر "الإقصاء" غير المبرر الذي سلكه الحسن الثاني إزاء هذه الشريحة من المغاربة، عندما نهج سياسة "اللامبالاة" نحو الآلاف من المغاربة اليهود، أثناء احتفالات الشعب المغربي بعيد العرش، مباشرة بعد الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1967، إلى أن أدرك "عدم صواب" قراره الإقصائي ذاك، واستأنف دعوة ممثلي الطائفة اليهودية إلى مختلف احتفالات الشعب المغربي، في منتصف سبعينيات القرن الماضي. على المغرب الرسمي أولا، وثانيا الشعبي والمدني، تقول المصادر، أن "يدرك" جيدا أهمية وأبعاد الدور التاريخي الذي لعبه اليهود كمواطنين مغاربة كاملي المواطنة، وتكمن بالخصوص هذه الأهمية، في هذه المرحلة الراهنة الحساسة من تاريخ المغرب، الذي تترصده فيه تحديات إقليمية تستهدف وحدته الترابية وسيادته، وتجلت في "أبشع" صورها، لمَّا تكالبت عليه قوى إقليمية في الأيام القليلة الماضية، وما تزال، تعاكس وحدته الترابية عبر إثارة المزيد من القلاقل في أقاليمه الجنوبية الصحراوية، وتغيير الحقائق، مستغلة بذلك الآلة الإعلامية، في أخبث صورها، ولا أدل على ذلك من استعمال صور أطفال فلسطين ضحايا قمع الآلة الصهيونية، كأبناء أسر صحراوية والزعم بأن السلطات المغربية تعتدي على الأطفال. إن الظرفية تقتضي بحق دعم المغرب ومساندته من طرف كل أبنائه، وفي مقدمتهم اليهود المغاربة، أي تلك الأقلية الدينية التي عاشت لقرون ولازالت تعيش إلى جانب أغلبية مسلمة، متمتعة بجميع حقوقها وحرياتها الأساسية بالمغرب، وعلى رأسها، بطبيعة الحال حرية العقيدة التي تظل "السر الجوهري والأساسي" وراء تعلق اليهود بهذا الوطن.

ويصر مصدر يهودي على القول بضرورة حاجة كل من المغرب واليهود إلى بعضهم البعض؛ فاليهود بحاجة إلى مغربهم، والمغرب في حاجة إلى كل مواطنيه بمن فيهم اليهود، لمواصلة مسيرة التنمية في إطار برنامج تعليمي يضع نصب أعينه جميع مكونات التركيبة الثقافية المغربية. وليس ذلك على المغرب بعزيز بالنظر إلى أنه بلغ "حدا من النضج في مشروعه المجتمعي"، يقول المستشار الملكي أندري أزولاي في إحدى تصريحاته، لدرجة صار معها من الممكن حاليا إجراء نقاش إيجابي، غير صدامي، حول المساهمة اليهودية فيه، وأنه يجب "التحرك" كي يسترد مغاربة الغد تاريخهم الحقيقي.

تشير تقديرات بعض المهنيين في المجال السياحي إلى أن توافد اليهود المغاربة، في السنوات الأخيرة، على المغرب بات ملحوظا ولا يمكن إخفاؤه، حتى ولو اضطرت السلطات الرسمية إلى ذلك بالنظر إلى "الإكراهات" الإقليمية ومسار السلام الذي تدور جولاته بين كل من الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي السنتين الأخيرتين فقط، قدرت بعض الإحصائيات عدد الوافدين من اليهود المغاربة إلى بلدهم الأصلين من كل من إسرائيل وفرنسا والأمريكيتين، بأكثر من 200 ألف يهودي سنويا، حجوا إلى وطنهم الأصلي من أجل إقامة احتفالاتهم الدينية في المعابد والأضرحة اليهودية المنتشرة في مدن المملكة.

وتلعب الفدرالية المغربية ليهود العالم دورا هاما في محاولة إعادة الاعتبار لليهود المغاربة المقيمين في إسرائيل، على الخصوص، من خلال ترتيب بعض اللقاءات والندوات لشخصيات إسرائيلية في المغرب، كان آخرها تريب زيارة الوزيرة الإسرائيلية السابقة ورئيسة حزب "كاديما" المعارض، تسيبي ليفني، لطنجة في السنة الماضية. وقبلها في سنة 2009، كشفت وثيقة مؤرخة نشرت مؤخرا على موقع "ويكيليكس" الشهير عن أن مشاركة الوفد الإسرائيلي في اجتماعات عقدت في الرباط، بمناسبة المبادرة الشاملة لمكافحة الإرهاب النووي، مثّلت فرصة لإعادة إحياء التواصل بين كل من المغرب وإسرائيل. وتحدثت البرقية الدبلوماسية التي وجهها مسؤولو السفارة الأمريكية بالرباط، إلى رؤسائهم في الخارجية الأمريكية، عن تعمّد أحد ممثلي وزارة الخارجية المغربية اصطحاب مسؤولة الوفد الإسرائيلي لتناول الغذاء، وتقديمها بنفسه إلى السفيرين الروسي والفرنسي، ليُظهر المسؤول أمامهما "مدى ترحيب المغرب بالحضور الإسرائيلي".

التحركات الرسمية من الجانبين ليست إلا الصورة السطحية لحركة "تنقل" متواصلة ما بين المغرب وإسرائيل ليهود مغاربة، هاجسهم تجاوز حضور احتفالات "الهيلولة" ومواسم أولياء اليهود المنتشرة أضرحتهم في هذه المدينة المغربية أو تلك، بل إن المسألة باتت تتعلق باقتناء أراض فلاحية وعقارات لتشييد منازل والاستثمار فيها، خاصة في مدن عرفت تاريخيا باستقطابها لليهود، كتطوان والجديدة والصويرة وآسفي وتارودانت وغيرها، التي ما تزال بناياتها القديمة تشهد على التواجد اليهودي بها، وما أحياء "الملاّح" وبعض المدارس العتيقة والمقابر إلا نماذج حية على تجدر هذه الطائفة اليهودية بوطنها المغرب. وفي مدينة كالصويرة، التي ينظم فيها مستشار الملك، أندري أزولاي، واحدا من أبرز المهرجانات العالمية، أصبح من غير اللافت لدى سكان المدينة انتشار "ملكيات" خاصة هنا وهناك ليهود فضلوا الاستقرار والاستثمار في "موغادور"، وهو ما جعل السلطات، حسب مصادر جمعوية بالمدينة تلجأ في السنوات الأخيرة إلى إعادة رسم خارطة جديدة لساكنة المدينة، تتماشى والإقبال المتزايد لليهود على اختيار هذه المدينة للاستقرار الدائم بها، حيث اضطرت السلطات إلى إعادة إسكان أزيد من 400 أسرة يهودية بحي الملاح، في مقابل نقل أزيد من 500 أسرة مسلمة إلى مساكن جاهزة، مقابل أثمنة تفضيلية لا تتعدى 30 ألف درهم في إطار مشاريع الحكومة المتعلقة بمدن بدون صفيح. وتهدف خطة السلطات إلى بناء مساكن لليهود على الطراز الأندلسي لإحياء هذا التراث بمدينة الصويرة التي كانت في خمسينيات القرن الماضي، تأوي لوحدها أزيد من 17 ألف يهودي، في ذات الوقت تسعى سلطات المدينة إلى تأهيل البنية التحتية لاستقبال المزيد من الوافدين الجدد/القدماء على البلاد، وعلى الصويرة تحديدا.

++++++++++++++++++++

اليهود المغاربة يشكلون سدس اليهود الموجودين بالعالم

في ظل غياب إحصائيات رسمية جديدة تحدد العدد الإجمالي لليهود المتواجدين بين ظهرانينا، سواء بشكل دائم أو مؤقت، تشير بعض المعطيات إلى أن عدد اليهود المغاربة الدائمي الإقامة بالمغرب لا يتعدى بضعة آلاف، بينما تؤكد تقديرات أخرى أن العدد في تقدم مستمر بسبب التزايد المتلاحق لهجرة اليهود من أصول مغربية، من مختلف بلدان العالم صوب المغرب.

وبحسب أرقام غير مؤكدة فإن هناك حوالي 700 ألف يهودي في العالم يحمل الجنسية المغربية معظمهم من كبار السن، وحوالي مليونين من يهود العالم هم من أصول مغربية،أي أن سدس يهود العالم الذين يصل عددهم إلى 12 مليون هم ذوو أصول مغربية.

ويتركز معظم اليهود المغاربة، خصوصا، في مدن فاس والدار البيضاء والجديدة والصويرة وتطوان وتارودانت. ويشتغلون في غالبيتهم بالأعمال الحرة والتجارة، وخاصة في قطاعات اقتصادية ذات أهمية خاصة كالذهب وقطاع السيارات والقطاع السياحي.

ويختلف موقف المؤرخين حول أصول اليهود المغاربة ما بين كونهم من بني إسرائيل (أي أبناء سيدنا يعقوب)، وبين كونهم هم أمازيغ مغاربة تحولوا عبر التاريخ إلى اليهودية، وه ما يعرف في الأوساط الإسرائيلية بـ"يوداي نكوشكوش"، أي يهود الكسكس، نسبة إلى أنهم يحملون عددا كبيرا من العادات المغربية كباقي أهل البلاد من المسلمين.

وتاريخيا انخرط اليهود المغاربة في كافة مجالات الحياة العامة، ولم تكون هناك فوارق بينهم وبين المغاربة المسلمين، حيث ظهر في الساحة الفنية العديد من الفنانين اليهود، خصوصا في النصف الأول من القرن الماضي، كملك الأغنية الشعبية آنذاك، حايم بوطبول، والفنان الكوميدي الحالي الشهير، جاد المالح، الذي حصل مؤخرا على جائزة الشخصية الأكثر شعبية في فرنسا. كما أن مهرجان كناوة الذي ينظم في مدينة الصويرة يمول من طرف رجل الأعمال اليهودي ومستشار الملك الاقتصادي أندري أزولاي.

وبحكم مكانتهم الاجتماعية المتميزة داخل المجتمع المغربي، فقد تقلد اليهود عدة مراكز حساسة، كوزارة الخارجية ما بين 1956 إلى 1960، ووزارة التعليم ما بين 1956 و1963، ومنصب رئيس الديوان الملكي ما بين 1965 حتى 1985، ومنصب مستشار ملكي سامي ما بين 1963 حتى اليوم، ووظيفة أستاذ للملك الحسن الثاني حيث درسه أحد اليهود لفترة ثلاث سنوات، ومنصب ممثل المغرب في الأمم المتحدة الذي تقلده أحد المغاربة اليهود ما بين 1957 حتى1967.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق