الثلاثاء، فبراير 16، 2010

المواطنون بسهل الغرب أصبحوا يتحاشون طلب الغيث خوفا من الدمار

يستعصي على منكوبي فيضانات منطقة الغرب تذكر ليالي الأسبوع الثاني من شهر فبراير الماضي، حين اتحدت عدة وديان وأنهار وضربت المنطقة في فيضانات اعتبرت سابقة من نوعها منذ ستينيات القرن الماضي، مما خلف تشريد الآلاف من الساكنة وجرف العشرات من الآلاف من الأراضي الفلاحية، وانتفاضة عدد من الغاضبين على عدم توصلهم بالمؤن والمساعدات

كابوس فيضانات السنة الماضية ما يزال جاثما على ساكنة المنطقة

منطقة الغرب: نورالدين اليزيد

لا يريد ساكنة سهل الغرب الخصب تذكر الأسبوع الثاني من شهر فبراير من السنة الماضية حين ثارت وديان بهت بسيدي سليمان والردم بسيدي قاسم والفكرون بسيدي يحيى وكل من نهري سبو وورغة اللذين يعبران المنطقة ويستقبلان مياه الوديان السالفة الذكر، مما أدى إلى فيضانات لم يشهد لها مثيلا الجيل الحالي من مواليد قبائل جهة الغرب اشراردة بني احسن، ووحدهم شيوخ هذه المنطقة من يتذكر مثل هذه الفيضانت في ستينيات القرن الماضي.
غير أن الأمطار التي هطلت هذه السنة وفي السنة الماضية، باتت تقض مضجع الساكنة وبعدما كان انتظار الغيث في الموروث الثقافي لقبائل بني احسان يعني الاستعداد لمواسم الحصاد وتنصيب الخيام وإقامة الأعراس، أصبح تلبد السماء بالغيوم، خاصة في مثل هذه الأيام الشتوية، نذير كوابيس تبدأ بـ"الديـﮚة" أو "الحملة"، وهما مرادفان للفيضان في العرف المحلي، لتنتهي بتدمير البيوت وجرف الحقول ونفوق رؤوس الماشية، في الوقت الذي يرى فيه الساكنة أن مساعدات الدولة سواء تلك التي قدمت في السنة الماضية أو هذه السنة غير كافية مقارنة بحجم الخسائر التي أحدثتها السيول.

كابوس السنة الماضية ما يزال جاثما!

على صورة الدمار والسيول الجارفة استيقظ الساكنة ليلة الثامن من فبراير من السنة الماضية، ليقضي العديد منهم ليلتهم تلك وليال أخريات في العراء؛ حيث بوسط مدينة سيدي سليمان فوجئ ساكنة أحياء أولاد الغازي والغلالتة والزهانة وأولاد مالك والوركة وغيرها، باجتياح مياه وادي بهت لبيوتهم فجأة، وما هي إلا دقائق معدودات حتى جرفت العشرات من المنازل والممتلكات، وهو ما أدى إلى تشريد العشرات من الأسر الذين اضطرت السلطات إلى إيوائهم بكنيسة بوسط المدينة تعود على حقبة الاستعمار وكذا بمخازن تابعة لوحدات تلفيف الحوامض بالمدينة، قبل أن يتم إحصاء حوالي 240 أسرة دمرت منازلهم بالكامل فاستحقوا بقعا أرضية بتجزئة الخير، في ما عبر آخرون عن عدم رضاهم من "إقصائهم" من الاستفادة متهمين السلطات، في تصريحات لـ"المساء"، بالتلاعب في وضع اللوائح، وهو ما أكدته أيضا مصادر من خلية شكلت في السنة الماضية من فعاليات سياسية وجمعوية بالمدينة ووقفت عند حالات لأسر "يُرثى لها"، وما تزال منذ السنة الماضية تعيش في أشباه أكواخ، دونما حصولها على أية مساعدة، في الوقت الذي ينظرون فيه إلى السماء بعين لا تكاد تنام خوفا من فيضان الوادي الذي ما يزالون يجاورونه في مساكنهم.
غير بعيد عن مدينة سيدي سليمان، وفي قرية الحسناوي التابعة لجماعة العبيات القروية، تبدو الصورة أكثر قتامة لدى المواطنين هناك، حيث "كلشي مشا العام اللي فات أو هاذ العام"، يقول محمد رحو، وهو شاب في الثلاثينيات من عمره، ويشتغل مساعد سائق سيارة للنقل المزدوج، والدمار طال حتى الطرق فلم يعد بإمكان السيارات المرور بسلام عبرها، مضيفا أن ستة هكتارات مزروعة بالقمح، وهو كل ما تملكه أسرته، جرفتها سيول نهر سبو قبل أسبوعين، لتنضاف الخسارة على نكبة السنة الماضية، ولم نتلق أية مساعدة من الدولة، يقول محمد الذي أضاف أن شاحنات محملة بالشعير والمواد الغذائية أرسلها "سيدنا" إلينا، لكنهم لا يوزعونها علينا، قبل أن يتهم ممثل السلطة المحلية "القايد" باستعمال أساليب تعود إلى سنوات الاستعمار، على حد تعبيره، عند مطالبته بالمساعدات، ليتساءل مستنكرا كيف يعقل أن يخاطب هذا القائد رجلا كهلا بقوله "سير تقـ..." فقط لأنه التجأ إلى السلطات لتقييده ضمن لوائح المستفيدين من بقع أرضية نتيجة انهيار منازلهم في فيضانات السنة الماضية.

المنكوبون.. بكاء وتذمر

حالات عدة قابلتها "المساء" أكدت أن لا شيء تغير في معاملة بعض رجال السلطة مع منكوبي فيضانات المنطقة، الذين وجدوا أنفسهم ضحية الطبيعة والسلطة، وهو ما عبر عنه العطار الصغير، بعبارته "واش احنا ماشي مسلمين"، وكان يقصد حرمانه هو وأسرته من الاستفادة من المساعدات إلا من خيمة وقارورة زيت ونزر قليل من الدقيق والسكر وهي كميات لا تكفي لأسبوع، مضيفا أنه اضطر للبقاء في منزله الآيل للسقوط لأنه حرم من الاستفادة من بقعة أرضية على غرار جيرانه الذين هدمت منازلهم في السنة الماضية؛ العطار ألح على "المساء" أن تذكر اسمه كاملا وتأخذ صورة له ولأبنائه الثلاثة من داخل بيته الذي تهدم جزؤه الأكبر بينما ما تبقى من جذران بات متداعيا، وتحدث إلى "المساء" باكيا من غضب نهر سبو الذي ضربت سيوله منزله مرتين في السنة الماضية وهذه السنة، ومشتكيا من ظلم ذوي السلطة الذين أرجعوه خائبا ولم ينل ما ناله جيرانه من بقعة أرضية ومبلغ مالي وصل إلى 15 ألف درهم تسلمها أرباب 36 أسرة على دفعتين، راجيا أن يلتفت إليه المسؤولون وينقذوه وعائلته من تشرد بات وشيكا.
وبأحد الغرف الملحقة بمسجد القرية تسكن منذ مدة سكينة، الأم لثلاثة أبناء، غير المتزوجة والتي وجدت "اجماعة" أرفق بها من السلطات عندما أسكنوها هذه الغرفة ويحاولون الآن جاهدين إعادة بناء مسكنها الذي دمره فيضان السنة الماضية في الوقت الذي يعيلها ساكنة القرية سواء في ما يتعلق بالمأكل أو المشرب والكسوة أيضا. وبالمحاذاة مع المسجد توجد المدرسة الابتدائية الوحيدة التي تهدمت أسوارها فيما استحوذت بحيرة مائية على ساحتها حيث كان يلعب التلاميذ في ما بين الحصص الدراسية، رغم أن انحسار مياه نهر سبو حدث قبل أيام، بينما بدت حجراتها مهجورة بسبب انقطاع الدراسة بها قبل أزيد من شهر نتيجة الفيضانات، حيث هجرها الإداريون والأساتذة والتلاميذ إلى إشعار قد يأتي في وقت لاحق، عندما يصحو الجو في الغالب، كما أخبرنا بذلك أحد الأساتذة الذي يأتي من مدينة سيدي سليمان للتدريس بها.
في قرية الحسناوي كما في دواوير أخرى مثل التعاونية والسحايميين والحميديين ولكبارتة وغيرها، كانت علامات الحسرة والتذمر بادية على وجوه كل الذين التقتهم "المساء"، والذين من شدة ترقبهم لقدوم مسؤولين يحملون إليهم بشرى تقديم مساعدة، كانوا يظنون أننا من هؤلاء أتينا لهذا الغرض وعندما يعلمون بالمهمة الصحافية يرجون منا إبلاغ أصواتهم هذه المبحوحة التي لا يسمعها حتى أولائك المنتخبون، الذين يأتون إليهم في المواسم الانتخابية فقط طمعا في أصواتهم لكن اليوم لا يظهر لهم أثر، يقول إدريس بوعبيد، الناشط الجمعوي في تعاونية فلاحية بالمنطقة الذي صرخ بصوت عال متسائلا "كيفاش غادي يدير الفلاح الدرويش واش البالا ديال التبن وصلت لـ 600 ريال"، مضيفا أن معظم الفلاحين الصغار على ذمتهم قروض صغرى تتراوح ما بين 5 آلاف درهم و30 ألف درهم، وهم اليوم مهددون من مؤسسات القروض الصغرى بالمتابعة القضائية أو حجز ما لديهم من متاع رغم بخص ثمنه، ونافيا في رده على سؤال "المساء" حول المساعدات المقدمة من طرف الدولة بقوله "ماشفنا والو..شفنا غير العسكر أو اجادارميا تيجيو يخلعونا".

هدوء..قد يسبق العاصفة!

بنواحي سيدي يحيى قد يبدو الوضع مختلفا بعض الشيء، حيث أقيم مخيم "المنزه" وسط غابة المعمورة بعيدا عن مدينة القنيطرة بنحو 13 كيلومترا لإيواء ساكنة عدة دواوير تضرروا نتيجة فيضانات نهر سبو بسبب الأمطار الأخيرة، وخاصة الأكثر تضررا كدوار أولاد عامر وتعاونية اليوسفية التابعة لجماعة المكرن القروية ودوار شراكة وتعاونية السلام وغيرها، لكن بمجرد حلول كل وافد جديد بالمخيم يباغته المقيمون فيه بالسؤال حول أسباب الزيارة وعما إذا كان يمثل السلطات في مهمة معينة كإبلاغهم بمنح مساكن أو غير ذلك.
وفي ناحية أخرى من منطقة الغرب، وغير بعيد عن جماعة لعبيات وبجماعة الخنيشات القروية التابعة لإقليم سيدي قاسم تطالعك وجوه تحمل قسماتها الكثير من الأسئلة الحذرة، حول ما إذا كانت بداية فيضانات هذه السنة ستحمل ما حملته السنة الماضية من خراب، أدى إلى قيام مظاهرات عارمة من طرف ساكنة غاضبة جراء فيضانات نهري سبو وورغة، والتي أدت إلى تدمير وجرف العشرات من المنازل بعدد من الدواوير التابعة للجماعة، فبدت دواوير كأولاد سلام واكميحات وأولاد برحيل وأولاد بوعزة والكبارة وأولاد صابون وأولاد بوعزة والشبيرات وصنيدقات شبه معزولة عن بعضها بسبب المياه. وفي ظل تأخر وصول المساعدات للمنكوبين خرج أزيد من 600 متظاهر إلى الشارع الرئيسي للجماعة، احتجاجا على عدم توصلهم بالمساعدات الغذائية والأغطية، وهي الاحتجاجات التي أدت إلى انفلات أمني نجم عنه تحطيم واجهات محلات تجارية وبنكية ومرافق عمومية واعتقال العشرات من الشباب الذين تمت إحالة البعض منهم على المحكمة، وكان رد حكومة عباس الفاسي بالإضافة إلى تدخل عناصر الدرك الملكي والقوات المساعدة، هو تعليق وزير الداخلية السابق، شكيب بنموسى، تقديم مختلف المساعدات التي كان تم الشروع في توزيعها على صعيد الجماعة القروية الخنيشات لفائدة المتضررين من جراء السيول، قبل أن تبدي الوزارة "رفضها" لما وصفته أعمال "الشغب غير المبررة" حيث "منذ بدء الاضطرابات الجوية استفاد سكان جماعة الخنيشات من دعم لوجيستيكي هام مكن من إجلاء وإيواء نحو 600 شخص انهارت منازلهم بشكل كامل"، يقول بلاغ وزارة الداخلية على عهد بنموسى.
غير أن ''انتفاضة'' الغاضبين بجماعة الخنيشات، كما أسماها فاعلون جمعويون بالمنطقة، تكررت بمدينة سيدي سليمان هذه المرة وفي نفس الفترة، أي في الأسبوع الثاني من شهر فبراير من السنة الماضية، حين قام شباب غاضب من عدة دواوير من نواحي المدينة كالرزاكلة والعوابد وأولاد الحيرش بمسيرة في اتجاه بلدية المدينة قاطعين أزيد من عشر كيلومترات مشيا على الأقدام احتجاجا على عدم استفادتهم من المساعدات نتيجة نكبتهم جراء فيضان وادي بهت؛ إنها الاحتجاجات التي ما تزال أسبابها قائمة، تقول مصادر جمعوية كانت قريبة طيلة السنة الماضية وهذه السنة من منكوبي الفيضانات بالمنطقة، ما لم تكن هناك سياسة حكومية ناجعة لإمداد المناطق المنكوبة بالمساعدات الضرورية، وقبلها بنهج سياسة وقائية تفاديا لخسائر فادحة على كافة المستويات
.