الجمعة، ديسمبر 17، 2010

بعض أسرار صدَّام كما ترويها عشيقته اليونانية


تؤكد اليونانية باريسولا (ماريا) لامبسوس، في كتابها الصادر في السويد بعنوان "أنا – امرأة صدام"، أنها تعرفت على صدام حسين عندما كانت في سن 16 عاما، ولكنها لم تكن مستعدة لهذا اللقاء.

وتروي باريسولا في اعترافاتها، التي نشرت مجلة "أوغونيوك" الروسية، مقتطفات منها (وستصدر الترجمة الروسية للكتاب قريبا)، أنها لم تكن حسناء لكنها لم تخلو من الفتنة بعينيها اللوزتين وبقدها الممشوق وبياض بشرتها الملساء وشعرها الأشقر الذي يتهدل حتى الخصر. وقد وصفها أحد الأقارب في حديث مع أطفالها بقوله:- حين تمشي أمكم في الشارع يترك الجميع في بغداد أعمالهم ويأتون للتطلع إليها!

وحسب قولها: فهذا حق.. إذ أنني لم أكن أمشي بل أتهادى راقصة. وكنت بكامل كياني أشع نورا من السعادة.. وكانت لدينا فيللا ممتازة ذات حديقة رائعة في خيرة أحياء بغداد. وكان لدينا طباخ وخدم. وكان السائق يأخذنا بسيارة فاخرة إلى المدرسة أو إلى النادي الأهلي حيث تتمتع عائلتنا بعضوية امتياز فيه.. وكان والدي يلتقي وجهاء البلاد الذين يبدون له التكريم والاحترام. وكانت تقطن في جوارنا خيرة العائلات العراقية واغلبها من العائلات المسيحية مثلنا. ولم أكن أفقه شيئا في السياسة وأعتبر نفسي "أوروبية" لأن عائلتي تنتمي إلى الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية. ولم يكن الفارق بيني وبين صدام حسين كبيرا جدا في الواقع. وكان آنذاك في سن 30 عاما. بيد ان فرق السن لم يمارس دورا كبيرا مثل دور الاختلاف في أصولنا. فقد ولد صدام في عائلة فقيرة ببلدة قريبة من مدينة تكريت في شمال بغداد. وتوفي والده قبل ولادته نفسه. وتزوجت أمه مرة أخرى وأمضى صدام فترة كبيرة من طفولته في كنف عمه في بغداد. وكان صدام يعرف قسوة الحياة ويصبو دوما للانتقام لقاء إساءات الماضي.

التعارف

كانت والدتي تسمح لي أحيانا بزيارة الجيران من المسيحيين الأرمن. وكان أسم أحد الجيران حارث الخياط الذي كان يزود أفراد الطبقة الراقية بالبدلات التي تحمل اسمه. وكان حارث بالذات يعرف ولع صدام بالفتيات الصغيرات، ولربما كانت إحدى مهامه انتقاء الصبايا الجميلات له. وقد توفرت كافة المسوغات لدى حارث لأداء مثل هذه الخدمات إلى الرجل الذي سيحكم العراق مستقبلا. وكنت بمثابة هدية جديدة إلى الديكتاتور القادم في ذلك المساء.

وعندما كنت أرقص مع حارث في الصالون وتنورتي منشورة مثل زهرة، وأنا مغرقة في الضحك دخل ثلاثة رجال. ووجه أحدهم إلي أنظاره فورا. كان أنيق الملبس – ببدلة زرقاء وقميص ناصع البياض. إنه صدام حسين. وكان أول ما جذب اهتمامي فيه هو عيناه المتألقتان مثل المعدن المصقول. وقلت له : عيناك مثل عين وحش مفترس..إن نظراتك باردة. وأثارت صراحتي البهجة لديه ربما لأنه اعتاد على أن الجميع حوله يخافونه. وقتئذ أمسك بيدي وأخذ يدور بي في أرجاء الغرفة حتى ضمني إلى صدره. وقال لي : عيناك ساحرتان. وأجلسني إلى جانبه.

هناك عادات في العالم العربي لها مغزاها يجب مراعاتها لمعرفة ما يجري في واقع الحال. مثلا إننا كنا نأكل السمك "المسكوف" الذي جرى اصطياده في نهر دجلة وتم طهيه بمهارة وباستخدام أصناف التوابل التي يعرفها العراقيون فقط. فهناك في سمكة الشبوط قطعة من اللحم تحت الرأس تعتبر عادة الألذ مذاقا وطراوة. وعندما تقدم لك قطعة اللحم هذه فهذا دليل على التكريم الكبير. وقد اقتطع صدام قطعة اللحم هذه وقال لي: افتحي فمك!. وبهذا أعطى إشارة إلى الحاضرين بأنني امرأته. إلى الأبد. والآن عرفت كيف كان وولداه فيما بعد يستحوذون على الفتيات الشابات والجميلات. والفرق الوحيد بينه وبينهم هو أن علاقتنا لم تتوقف واستمرت. وكان صدام حسين الرجل الأول في العراق لكنه لم يرغب بالزواج من غير مسلمة أولا . وثانيا أن عائلتي لم تكن لتوافق على ذلك أبدا. وثالثا أنه كان متزوجا. علما أنني لم أرغب أبدا في الزواج من صدام، وكنت حتى أشفق على زوجته ساجدة.

كان صدام يقول لي: إنك ستكونين لي إلى الأبد .. وسأقتلك قبل أن افترق معك.

الحب

إن صدام الذي ولد في ضواحي تكريت كان يحلم بأن يصبح شبيها بالارستقراطي الانكليزي. وهكذا حدث أن عشقت صدام حسين. وكان يروضني كما تروض الجياد الفتية. واستخدم معي أسلوب الترغيب والتهديد… السوط والكعكة. فتارة يقربني إليه وتارة يبعدني عنه. وهكذا روضني على أن أتحسس وجوده دائما في حياتي . ولم أكن أهتم بشيء آخر غير حب صدام. علما بأنه لم يعرقل مجريات حياتي. وكان يردد: – أنا معك دائما أينما كنت. يجب أن تعرفي أنني أرى وأعرف كل شيء.

وكان ذلك كافيا بالنسبة لي أنا الصبية العاشقة. واعتبرت أقواله هذه بمثابة اعتراف بالحب. وأنا سعيدة حتى الآن لكوني فقدت بكارتي في مثل هذه الظروف الرومانسية. وأنا أعجب حتى الآن كيف كنت أشعر بمثل هذه الأحاسيس اللذيذة مع رجل معروف بقسوته.

وبعد أعوام كنت أتطلع إلى صدام وهو نائم. كان وجهه ينم عن الإجهاد والتعب. والسلاح عند رأسه. وحتى في النوم لم يكن يستطيع التخلي عن وضع التوتر: إن المخاوف والشكوك كانت تحول دون نومه بهدوء.

وعندما كنت أنظر إليه أعجب: "يا ترى هل إنه نفس الرجل ذاك؟ كيف يمكن ذلك؟".

لقد أصبح من الصعوبة بمكان مواصلة حياتي العادية بعد كل ما حدث. وكان من الصعب أن أخفي سرا أول عشق لي في حياتي، ناهيك عن كوني كنت التقي صدام سرا وأمارس معه الجنس. وأنا نفسي لا أدري كيف كنت استطيع ذلك. ربما لم يكن لدي مخرج آخر فحسب. وما كانت عائلتي لتغفر لي هذا لأنها كانت تعتبر صدام حسين رجلا غير متعلم، كما لا تشاركه أفكاره السياسية ولا أساليبه. إن غضب والدي كان سيعني نهايتي.

إنني أردت في سن 16 عاما القيام بمغامرات. وكنت أنجذب إلى الرغبة المحرمة. وكان كل شيء في صدام يثيرني – فحولته وقوته وخطورته. بينما كان تجذبه إلي الأرومة الطيبة والتربية والشعور بالكرامة. وكان صدام حسين دائما يحلم بامتلاك ما يفتقده.

بعد الزواج . الملاحقة

كان غالبا ما تذاع عبر التلفزيون خطب صدام حسين التي يتحدث فيها عن التغييرات الجديدة في الدولة. وفي أحد الأيام أذيع كشف الأثرياء العراقيين الذين صودرت ممتلكاتهم وأراضيهم لصالح الدولة. وكان في طليعة الكشف اسم زوجي سيروب اسكندريان. وجمد الدم في عروقي لدى سماع ذلك. لماذا زوجي بالذات؟ وفي الرقم1. فهناك أشخاص آخرون أكثر غنى ولديهم قطع أراض أوسع؟ وعندما أنهى صدام خطبه انهالت المكالمات الهاتفية على البيت. وتم الاتفاق على إجراء لقاءات ومناقشة ما يجب عمله. وحلت الاقتراحات محل الاحتجاجات. وأدركت في أعماق روحي بما يجري. أنني سألت نفسي مرارا: كم ستدوم سعادتي؟ إنني لم استطع نسيان تعبير عيني صدام حين قال لي : إنني سأرصد حركاتك أينما تكونين. لا تأملي في أنني سأنسى أنك ملكي.

بعد مصادرة الممتلكات لم تصبح عائلة سيروب من أغنى العوائل وأكثرها قوة في البلاد. ولم يستطع زوجي التسليم بهذا الواقع القاسي ووجد الملاذ للترويح عن النفس في لعب القمار واحتساء الكحول. وكان الهدف التالي لهجوم صدام هو بيتي. ففي أحد الأيام أعلنوا فحسب أن بيتنا لم يعد ملكا لنا.

لئن كانت لدي سابقا بعض الشكوك بصدد نوايا صدام فأنها تبددت الآن. إن صدام حسين لا يهدأ حتى يقضي على كل ما هو عزيز لدي. في البداية صادر ثروتنا والآن حان دور بيتنا. ومن ثم وجهت الضربة الثالثة. وكنا عادة نتناول الشاي في الساعة الخامسة مساء وفي الوقت ذاته نستقبل الضيوف. لهذا لم يدهش أحد حين دق جرس الباب في الساعة الخامسة. ودخل رجلان من حاشية صدام الذي كان يوم ذاك في منصب نائب رئيس الجمهورية. لكنهما كانا أيضا من أصدقاء زوجي منذ وقت بعيد. وقد استغل تقليد تناول الشاي في الساعة الخامسة من أجل زيارة بيتنا بعيدا عن الشبهات وحذرا زوجي بقولهما:

- غادر البلاد. فورا. سيأتي إليك في المساء رجال صدام.

- وأراد زوجي أن يتصل بأبي ليرجوه العناية بي لكن صديقي سيروب أقنعاه بعدم القيام بذلك.

وقال:

- يجب أن تكون لديك كدمات زرق. وأنت نفسك يجب أن تتصلي بالوالد. وعندما سيأتي قولي له أن زوجك ضربك ويجب عليه أن يأخذك.

فقلت: – اضربني .. اضربني بشدة.

وأنا أتذكر نظرات الفزع في عينيه عندما ضربني فسقطت على الأرض.

- أضربني مرة أخرى .. يجب عليك الإسراع في الذهاب.

إن البشر أقوى بكثير مما يعتقدون. وفي تلك اللحظة كنت أفكر فقط في أن حياة زوجي في خطر. عندما جاء أبي إلى البيت كانت أشعر بآلام في كل كياني. ولم أستطع الوقوف على قدمي وانخرطت في النحيب بلا توقف. بيد أن أشد ما كان يؤلمني هو أن حياتي لن تعود إلى سابق عهدها أبدا.

في الليل جاء رجال صدام حسين. إنهم لم يطرقوا الباب بل حطموه. هكذا كان حالهم دائما. لكنهم لم يجدوا ما كانوا يبحثون عنه. وفي وقت لاحق جاء آخرون وعلقوا لافتة كتب عليها إن البيت وما فيه أصبح ملكا للدولة العراقية. لكن باستثناء غرفة نومي وغرفة الأطفال، لأنه بموجب التقاليد العربية يحظر دخول الغرباء إلى غرف الحريم. وتعتبر هذه الغرف وما فيها ملكا للمرأة.

إنني أعرف الآن أن سيروب سافر إلى لبنان عبر سورية في سيارة. وفي بيروت قدم له الأرمن المساعدة. ورحبوا به لأن الأرمن شأنهم شأن أتباع القوميات الأخرى يقدمون المساعدة إلى أبناء جلدتهم. وقد فكرت في هذا الأمر كثيرا، فأنا يونانية ولدت في لبنان ومواطنة عراقية سابقة، أما الآن فأنا من رعايا السويد. لكن ألا يكفي المرء أن يكون مجرد إنسان كائن بمفرده؟

كنت أعيش في رعب دائم. وفي إحدى أمسيات آب/أغسطس القائظة والرطبة، توقفت سيارة أمام بيت والدي. كانت سيارة بيضاء من طراز أولدز موبيل. إن مثل هذه السيارات موجودة فقط لدى حاشية صدام حسين، ولم يكن بوسع أحد آخر اقتنائها. وطرق الحارس الشخصي لصدام الباب وقال لي: لدي أمر بأن أنقلك إلى القصر.

في تلك الليلة بقيت إلى جانب صدام. وكانت أول ليلة من بين عدة ليال قضيناها معا بعد الفراق.. وما أن رأيت صدام مجددا حتى انبثقت مشاعري السابقة إزاءه بقوة من جديد. وكنت أعرف في أعماقي أنني منذ لحظة اللقاء الأول سأكون مرتبطة به إلى الأبد. واحتقرت نفسي لأنني سمحت له بأن يغريني، ولكوني أصبحت عشيقة له. وحين تقيم المرأة في العراق علاقة مع عشيق فإنها تجلب العار ليس إلى نفسها فقط، بل وإلى عائلتها كلها. بينما أنا جددت العلاقة مع رجل جلب كل تلك المحن والآلام إلى زوجي، فهذا أمر لا يمكن قبوله عموما.

ولكن ما العمل؟ لقد كان لدي عشيق فعلا واسمه صدام. إن القلق والاحتقار والحقد والتوبة والوحدة والشهوة والرغبة ..والجاذبية الجنسية يمكن أن تتحول بيسر إلى رغبة طاغية ، بالأخص إذا ما جرى استمالتي إلى ما هو محرم ومخجل. كنت أعرف كل هذا ، بيد أن هذه المعرفة لم تجد نفعا. وتولد لدى شعور بأنني جلست في ثلاجة مدة ثلاثة أعوام وفجأة وضعت في موقد ملتهب. إنني تحولت من غلو إلى غلو أكبر، وكان مرسى الاستقرار الوحيد في البحر الهائج هو إدراك أنه لم يكن بوسعي أن أحيا بدون هذا الرجل. ولا يهم أن يكون طيبا أم شريرا – فلم يمارس هذا أي دور بالنسبة لي.

وقلت له:- ما حاجتك إلي؟ ولماذا لا تتركني وشأني؟

كان بوسعي أن ألقي عليه مثل هذه الأسئلة حين كان صدام في مزاج رائق، ويأتينا الجواب كما يلي: – أنت زهرتي التي اقتطفتها والتي هي ملكي.

أو كان يقول:- لأنني لا أستطيع أن أحيا بدونك يا شقراء. ستكونين معي دائما.

لقد وجب علي دوما أن ألتزم الحذر. وأن أحدس مزاج صدام بغية عدم استثارة غضبه. وتحضرني في الذاكرة كيف تحدثت مرة أمامه عن النساء الأخريات في حياته، واللواتي كنت لا أشك في وجودهن. جلس صدام عندئذ في مقعده بينما واصلت الثرثرة بلا توقف، وفجأة أخرج مسدسه وأطلق النار في السقف. وقد ارتعبت وفكرت بأنني سأموت. وأطلق النار مرة أخرى وثالثة.

- صه ، أغلقي فمك يا شقراء.

كلا ، لم يمنعني أحد من هذا الكلام رسميا. لكنني كنت أعرف أن صدام يعلم بكل شيء، فقد وضعت أجهزة التنصت في كل مكان تقريبا. وكان رجال أجهزة الأمن يتلقون عبرها جميع أقوالنا. وعندما كان يزورنا الضيوف نلجأ أحيانا إلى لغة الإشارات والإيماءات. وبهذه الصورة أيضا كنا نتحدث مع الأطفال حول الأمور الهامة. وأصبح ذلك بسرعة بمثابة عادة لدينا وجزءا من حياتنا اليومية، شأنه شأن جميع فظائع نظام صدام حسين.

كان صدام حسين يعرف حق المعرفة أن ولديه لن يقفا ضده أبدا. كما أنهما بدورهما كانا يعرفان بأنهما إذا فعلا ذلك فسوف يقتلهما. ولدى الرجوع إلى العادات العراقية يمكن ألا نعجب، لكون صدام حسين قد عينني في وظيفة مساعدة لابنه عدي في اللجنة الاولمبية العراقية، وتوليت مهام إدارة اللجنة طوال 10 أعوام.

لم أكن أعرف متى سيتم اللقاء القادم بيننا. وكان يعجب صدام أن يبدو شخصا يصعب التنبؤ مسبقا بأفعاله. وأن يظهر العطف والحنان ويقدم الهدايا في يوم، وفي اليوم الآخر يمارس الجنس البدائي بفظاظة.

لقد كان صدام رجلا قوي الشخصية. حتى حين يكون لوحده معي. لكن في بعض اللحظات تصيبه نوبات ضعف لن أنساها أبدا. وكانت هناك أمسيات استلقى فيها صدام إلى جانبي ورأسه على ركبتي. وبدا كالطفل تماما.

إنني لن أعرف أبدا سبب تعلق صدام بي بشدة. ربما أنه اعتاد فحسب على وجودي. وكنت أشغل مكانة خاصة في حياته، لكنني لم أستطع مناقشة هذا الأمر معه أو مع أي شخص آخر. وكنت أحتل مكانة خاصة في حاشيته. ولم أكن من أقرباء صدام. ولم أكن مسلمة، ولم تربطني أية رابطة بحزب البعث، ولم يوجد أحد يدافع عني ويحميني. وأيامذاك تولدت لدي عادة التحدث إلى القمر. وكنت في الأمسيات، حين ينام الأطفال، وترتكب في بغداد الأفعال الشنيعة السوداء، أجلس في حديقتي وكأنها من حدائق الجنة، ويحيط بي جدار عال، أتحدث إلى القمر عن همومي وحياتي. وكان القمر يبدو أحيانا غاضبا وحزينا وحتى مبتهجا، لكنه لم يمل أبدا من الإصغاء إلى أحاديثي.

وحدث مرة في المساء وبعد تناول العشاء أن جلست مع صدام في الشرفة المطلة على نهر دجلة وبيدي قدح النبيذ، فقال صدام فجأة إنه يريد أن أبلغه بما يفعله ابنه الأكبر عدي. لكنني رفضت. إنني لم استطع التجسس على الابن بموجب أمر من أبيه.

وقد غير صدام خطته قليلا فوجب علي لاحقا أن أقدم التقارير، ليس إلى الدكتاتور بل إلى جهاز المخابرات. وعمليا لم يوجد أي فرق في ذلك. لكنني من الناحية النفسية كنت مرتاحة أكثر. وكان لدي اسمان مستعاران هما "ليلي" و"أم أمين". لا ريب في أن رجال المخابرات كانوا يراقبونني ويكتبون بدورهم التقارير عني، بغية أن يتأكد صدام من صحة المعلومات التي أقدمها.

ولدنا …

لم أكن أخطط لأكون حبلى، ولكنني عندما علمت ذلك لم أدهش، إذ أنني كنت أعاني من التهاب الغدة الدرقية ومنعني الأطباء من تناول حبوب منع الحمل. وما كان بالمستطاع القيام بعملية إجهاض بدون إبلاغ صدام، كما أنني لم أرغب في قتل طفلي القادم. وبعد تردد طويل اخترت لحظة مناسبة وأخبرت صدام بالحقيقة كاملة. فتغيرت سحنة صدام كليا وقال: إذا رغبت، يا براي، في التخلص من الطفل فاعتبري نفسك في عداد الأموات.

وقرر صدام أنه لا يجوز لامرأة حامل أن تحيا بدون زوج، فزوجوني على الفور من رجل اختاره صدام بنفسه. وظهر أن زوجي من النوع الذي لا يبالي بشيء، وكان لا يهتم بشأني البتة. وكان يعبد في هذه الدنيا شخصا واحدا هو صدام حسين. وكان عمله يتضمن بين أمور أخرى رصد حركاتي وإبلاغ صدام بكل شيء عني. وكان ينال مقابل عمله الطعام اللذيذ والملابس الأنيقة وارتياد الحفلات في الأمسيات.

سمح صدام لي ولابنتي ( من الزواج الأول) بالسفر إلى اليونان لفترة من الوقت. وبموجب الرواية الرسمية فإنني كنت أسافر إلى هناك مع زوجي في إجازة، لكن بعد فترة قصيرة تم استدعاؤه إلى العراق فبقيت وحدي في أثينا من أجل أن ألد الطفل.

شعرت ببهجة بالغة لدى السفر إلى اليونان. وكنت في سن 26 عاما، وأنتظر الطفل الثالث، وراودتني الآمال في أن تصبح حياتي في نهاية المطاف طبيعية. وبعد مولد ابني قسطنطين حصلت على وظيفة في شركة خطوط الشرق الأوسط الجوية. كنت أعمل وأساعد ابنتي في مراجعة الدروس وأعنى بابني. وكنت آمل في أعماقي أن ينسى صدام حسين وجودي.

حين جاءت سيارة السفارة لأخذي كنت في ملابس الخروج وجاهزة للمعركة. لقد كان معي ابني الصغير الذي لم يوجد من اتركه معه. وسلمني السفير مظروفا بصمت. ففتحته وقرأت فيه الأسطر التالية: "يجب أن تعود باريسولا لامبسوس وأطفالها الثلاثة إلى بغداد في غضون ثلاثة أيام، اعتبارا من التاريخ المذكور أدناه". فأصبت بصدمة. وارتجفت ركبتاي. وفي بغداد سلموني جواز سفر عراقيا مما جعلني أبدي دهشتي. فبأي مناسبة أصبحت مواطنة عراقية الآن؟ وأين جواز سفري اليوناني؟ وتطلعت إلى الصورة في جواز السفر بصمت. فمن أنا؟ ومن أصبحت؟ هل يعقل أن هذه المرأة هي أنا؟

المصيبة

اغتصب ابنتي عدي الابن الأكبر لصدام. وعندما روت لي ليزا ما جرى، سجدت أمامها واحتضنتها كطفل، فهي كانت طفلة حقا آنذاك.

- ماذا سأعمل ؟ خبريني ، ماذا سأعمل ؟ هل أقتله؟ أنت تودين أن أقتله؟ خبريني يا ليزا؟

لكن ليزا لزمت الصمت. وكانت على مدى عدة أسابيع تجلس في المقعد دون أن تتفوه بكلمة. ورفضت ارتياد المدرسة. وكنت احتضنها وأقبلها طوال الوقت رغبة مني في أن أمحى آثار يدي عدي القاسيتين من على جسدها.

وقلت لها وأنا أغمرها بالقبل :- ستحبين ! وستتزوجين الرجل الذي تحبين! وسيكون كل شيء على ما يرام! ستنسين كل شيء.

كانت ليزا في سن 16 عاما، وشعرت بأن التأريخ يعيد نفسه وتتكرر القصة. ولم أبلغ صدام بما حدث إلا بعد نصف عام. وبعد مضي عدة ساعات وضع عدي وراء القضبان في السجن. بدون محاكمة وتحقيق. لكن أفرج عنه بعد فترة قريبة بلا ريب. وكنت أعرف أن عدي لن يغفر لي ذلك. وبالرغم من ذلك فقد أفلح في توجيه الضربة بصورة مفاجئة.

كنت عائدة إلى البيت من المتجر. وعندما دخلت غرفة الاستقبال وجدت أفراد حماية عدي. وقد اقتادوا الأطفال والخدم إلى زاوية الغرفة. وعندما شاهدوني أمروا الأطفال بعدم التحرك. اقتادني الرجال الأشداء إلى الصالون وأغلقوا الباب. وبعد ذلك أخرجوا الهراوات الكهربائية وبدأوا بضربي. واعتقدت أنني سأموت. ولم يتبق جزء من جسمي لم يمسه الضرب. وسقطت على الأرض بينما واصلوا ضربي.

أنا أعرف فقط أن أحدا ما هتف إلى صديقتي التي استدعت الطبيب. كانت الكدمات تغطي جسمي كله. ومضت عدة أشهر قبل أن استعيد عافيتي.

ولم أخبر صدام بأي شيء حول الاعتداء علي. في أغلب الظن أنه كان يعرف سببه.

التحذير الأخير

لقد عاش صدام في عالمه الدموي المظلم، وهو يغوص أعمق فأعمق في لجة الجنون. وكان لديه أعداء كثيرون. ولم يكن يغفر لأحد الإساءات وينتقم لكل واحدة منها، وحتى لأقل هفوة بريئة. وكان يتراءى له في كل مكان شبح الخيانة. وفي كل يوم كان الأفراد يلقون مصرعهم في ظروف غامضة. وأصبح الموت جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية. وفي إحدى المرات نظر صدام إلي بعينين متعبتين وقال:

- يجب علينا أن نضع حد للأمر يا شقراء.

فسألته وأنا أحاول إخفاء جزعي:- كيف ؟

- لا أعرف. يجب علي أن أفكر مليا. لكنني أعرف شيئا واحدا بدقة هو أنه لن يمسك أي رجل آخر.

كانت تلك أول إشارة تبعث على القلق. وقد ألمح لي صدام في وقت ما بجلاء بأنني اعتبر ملكا له. والآن أعلن بجلاء أيضا أن الموت بانتظاري. لكنه لم يقل متى. لقد حان الوقت لكي أهرب أنا من العراق أيضا.

كان اللقاء الأخير مع صدام عاديا تماما مثل غيره من اللقاءات السابقة. فبعد تناول العشاء عدنا إلى غرفة مكتب صدام التي رتبت كغرفة مكتبة.

- باري ، أنت تغيرت.

فتظاهرت بأنني لم أفهم شيئا. وابتسمت لصدام وقلت له بلهجة لطيفة:

- أنت الذي تغيرت يا حبيبي! أنت تغيرت ولست أنا !

وتجاهل صدام أقوالي.

- أنا أرى كل شيء. أنت لست باري التي كانت سابقا. كم مرة قلت لك لا تتغيري؟ ويجب أن تبقي كما كنت سابقا.

- أنا أحبك يا حبيبي! أحبك كالسابق.

- أنت كاذبة! ما العمل معك؟

وبالرغم من هذا الحوار الباعث على الخوف، فإننا رقدنا في الفراش كما لو لم يحدث شيء، وكالعادة كان مسدس صدام موضوعا في مقدمة السرير. وفي الصباح ودعته وتوجهت إلى مكان عملي. ولم أر صدام بعد هذا . وحتى بعد حديثي من القناة الفضائية الأمريكية (أي-بي-سي)، لم يحاول صدام الاتصال بي. كما لم يعلق عليه. لكنه شاهده. لا ريب في هذا أبدا.

إنني كنت أعرف جيدا بأنني يجب.. أن أهرب.

عن دنيا الوطن

* * *

لقد أطلق الأمريكيون على باريسولا لامبسوس، لدى خروجها من العراق لاحقا اسما مستعارا هو "ماريا"، الذي تعرف به الآن في السويد، حيث تعيش تحت حماية أجهزة الأمن وبالاسم المستعار. أما اسم باريسولا فهو من طيات الماضي. لكن صاحبته تعيش في السويد . إنها موجودة فعلا. وقد رفضت إطلاق تسمية "عشيقة" صدام على كتاب ذكرياتها، باعتباره يمثل إهانة لها، فقد كان هدفها هو سرد الأحداث الواقعية كما هي بلا رتوش.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق