الخميس، نوفمبر 25، 2010

فشل الحوار الاجتماعي وتهديد النقابات بالنزول إلى الشارع

برأي المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية في مختلف القطاعات، فإن نتائج الحوار الاجتماعي لم ترْق إلى المطالب الجوهرية للطبقة العاملة، وبأن "قلْبها" طاولة الحوار مع طرفي الإنتاج الآخرين، الحكومة و"الباطرونا"، والنزول إلى الشارع في إضراب عام يوم ثالث نونبر، يأتي كرد فعل على عدم استجابة الوزير الأول لمطالبها، وكرد على "فشل" الجولات السابقة

اتهمت الوزير الأول بمغادرة طاولة الحوار وعدم الرد على مطالبها

المركزيات النقابية تبرر نزولها إلى الشارع بـ"فشل" جولات الحوار الاجتماعي

في تعليقهم على القرار المشترك لخوض الإضراب العام الإنذاري بقطاعات الوظيفة العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، يوم ثالث نونبر الجاري، اعتبر قياديو النقابات الأربع؛ الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، والفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد النقابي للموظفين المنضوي تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، أن هذا القرار يأتي نتيجة لتقييم مشترك بين المركزيات النقابية الأربع، للوضعية الاجتماعية، والذي أفضى إلى خلاصة هي "فشل" الحوار الاجتماعي، في جولة أبريل الماضية، وإلى أن نتائج هذا الحوار "لم ترقَ إلى الحد الأدنى"، من انتظارات الشغيلة".

وفي قراءة خاطفة لمسار جولات الحوار الاجتماعي الأخيرة، يبدو أن قرار نزول النقابات الأربع، الأكثر تمثيلية في عدد من القطاعات، إلى الشارع، لإبلاغ "من يهمهم الأمر"، بأن تهديدات النقابات السابقة، ليست مجرد ورقة ضغط، وإنما هي "تصرف نضالي" يترجم التصعيد الذي لطالما هددت به، هو قرار يأتي كرد فعل على عدم رد الوزير الأول، عباس الفاسي، على الرسالة المشتركة التي وجهتها إليه المركزيات الأربع، في شهر يونيو الماضي، على إثر توقف الوزير الأول عن مواصلة حضور لقاءات جولة أبريل. وهي الرسالة التي طالبت فيها المركزيات المرسِلة بعقد لقاء على مستوى الأمناء والكتاب العامين للمركزيات المذكورة، بعدما ظل الحوار الاجتماعي يراوح مكانه.

ويشير مصدر نقابي إلى أنه في الوقت الذي كان ممثلو النقابات ينتظرون من الحكومة الاستجابة لهذا الطلب، من أجل ضخ روح جديدة في الحوار الاجتماعي، تفاجأ هذه المركزيات، بموقف الحكومة و"استغرابها" من إجماع المركزيات على عدم حصول تقدم في الحوار الاجتماعي، كما فوجئ ممثلو الطبقة الشغيلة من جواب الحكومة، الذي جاء في شكل ما تعتبره "إنجازات"، وهو في الواقع، وفي غالبيته، ليس إلا "إجراءات" تهم سير جولات الحوار والمنهجية المتبعة فيه، بينما بقيت النقط العالقة بعيدة عن المعالجة.

الحكومة متفائلة

حسب الموقف الرسمي فإنه "لا يمكن التغاضي عن الاستجابات الهامة جدا التي قدمتها الحكومة على الصعيدين الاجتماعي والمالي"، كما صرح بذلك الناطق الرسمي باسم الحكومة، خالد الناصري، يوما واحدا بعد الندوة الصحفية التي نظمتها المركزيات النقابية لشرح خلفيات قرارها النزول إلى الشارع، قبل أن يضيف الممثل الحكومي، أن الحكومة الحالية باتت تنظم جولتين للحوار الاجتماعي سنويا، بدل جولة واحدة كما كان الأمر في عهد الحكومات السابقة.

تأكيد الحكومة على حسن نيتها وتكريس خطابها بكونها "حكومة اجتماعية"، جعل أعضاءها لا يتركون مناسبة إلا ويعددون فيها ما تم تحقيقه خلال مختلف جولات الحوار الاجتماعي، حيث تم تنفيذ مجموعة من المطالب التي كانت مدرجة ضمن جدول أعمال اللقاءات السابقة، والتي تعتبر ذات أولوية، إضافة إلى نقط أخرى لم تكن مدرجة، ومن ذلك موافقتها على إلغاء السلالم من 1 إلى 4 بداية من سنة 2010، وزيادة 20 بالمائة في نسبة الإيرادات عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، التي سيستفيد منها 100 ألف من الضحايا وذوي الحقوق، وإعفاء حوالي 500 ألف ملزم من الضريبة على الدخل و95 بالمائة من المتقاعدين، والرفع من حصيص الترقي من 22 إلى 28 بالمائة، وغيرها من النقط التي تمت الاستجابة لها.

لكن وفي ما يشبه تقديم شيك على بياض للمركزيات، لحثها على التخلي عن فكرة الإضراب الإنذاري، الذي حددت له 24 ساعة، قال الناصري، "إنه لا سبيل آخر سوى الجلوس إلى مائدة التفاوض ومناقشة الملفات بدقة، من أجل الخروج باستجابات معقولة وموضوعية، تحافظ على النسيج الاقتصادي والاجتماعي للبلاد وتنسجم مع الظرفية الراهنة".

ورغم ذلك فإن مختلف الجهات الرسمية تصر على إبداء الكثير من التفاؤل، حول ما تسميه "إنجازات" الحوار الاجتماعي، الذي خصصت له حكومة عباس الفاسي زهاء 19 مليار درهم ما بين سنتي 2008 و 2009، فقط، كما جاء على لسان وزير التشغيل والتكوين المهني، جمال أغماني، خلال برنامج تلفزيوني قُدم في وقت سابق، حيث أكد من جانبه على أن هناك "قضايا" أخرى "لا زالت تحظى باهتمام كبير، في إطار الحوار الاجتماعي، وتتمثل على الخصوص في توسيع سلة العلاجات، وتوسيع التعويضات العائلية لتشمل أجراء القطاع الفلاحي".

الفشل..عنوان الحوار الاجتماعي!

يورد ممثلو النقابات عدة مبررات يعتبرونها كانت من وراء وصول جولات الحوار الاجتماعي إلى الباب المسدود، وإلى "فشل" بيِّن، ومن ذلك أن الحوار لم ينفذ إلى مدارسة والاستجابة لجوهر المطالب النقابية، حيث رفضت الحكومة فتح الحوار بخصوص قضايا "جوهرية"، من قبيل؛ الرفع من الأجور، ومراجعة منظومة الترقية بما فيها إقرار ترقية استثنائية، وعدم تقديم أجوبة ومعطيات ملموسة، حول القضايا المشار إليها، بدعوى أنها لا تتوفر على كل المعطيات المرتبطة بالتحضير لمشروع قانون المالية برسم سنة 2011، والاكتفاء في لجنة القطاع الخاص بمجرد مناقشة مشروع التعويض عن فقدان الشغل، ومناقشة قضية المفاوضة الجماعية في القطاع الخاص، وعدم مواكبة الحوار بمختلف القطاعات للحوار المركزي وتصاعد الاحتقانات في عدد كبير من القطاعات العمومية، بالإضافة إلى استمرار استهداف الحريات النقابية في القطاع الخاص، وفي بعض المؤسسات العمومية والوظيفة العمومية، واستمرار عدم مصادقة الحكومة على اتفاقية 87 وعدم إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي.

ومن أجل الحفاظ على سلم اجتماعي دائم وتجنيب آلة الإنتاج أي توقف يضر بالاقتصاد الوطني، تطالب النقابات المذكورة، بالإضافة إلى المنظمة المغربية للشغل، التي أعلنت هي الأخرى خوض الإضراب الإنذاري الأخير رغم أنها لا تقاسم النقابات المذكورة طاولة الحوار مع الحكومة وممثلي أرباب العمل، مجموعة من الإجراءات ذات الأولوية القصوى، ومن ذلك إخراج قانون للإضراب يكفل هذا الحق للعمال ويلغي الفصل 288 من القانون الجنائي المسلط على رقاب المضربين، والرفع من الأحد الأدنى للأجر، الذي حددته المنظمة في 4000 درهم، وإعادة النظر في شروط الاستفادة من السكن الاجتماعي، بالنسبة للأجراء والموظفين والعمال، وإصلاح منظومة الأجور، والاستمرار في التخفيض من الضريبة على الدخل، والزيادة في المعاشات مع رفع الحد الأدنى للمعاش، ومراجعة نظام الترقية، وغيرها من المطالب، التي ما تزال عالقة رغم تداولها في مختلف محطات الحوار الاجتماعي.

++++++++++++++++++++++++++++

تتعدد أوجه التجربة الديمقراطية المغربية الفتية، وتبرز فكرة الحوار الاجتماعي، كواحدة من الأفكار التي مهَّد بها الملك الراحل الحسن الثاني، لفترة حكومة "التناوب التوافقي"، في منتصف تسعينيات القرن الماضي. إنه "الحوار" الذي يجمع فرقاء الإنتاج الثلاثة؛ "الباطرونا" والحكومة والنقابات، على مائدة واحدة من أجل الاتفاق على آليات الحفاظ على السلم الاجتماعي وضمان استمرار آلة الإنتاج في دورانها، دون استعمال ورقة الإضراب

الحوار الاجتماعي

عندما تنفرد التجربة المغربية بـ"العِصيان" والجلوس إلى طاولة الحوار في آن!

لا يختلف اثنان حول التجربة الرائدة التي ينفرد بها المغرب على مستوى التحاور مع ممثلي موظفي الإدارات العامة ومستخدمي القطاع الخاص، على غرار الدول الديمقراطية، من خلال ما يصطلح عليه بـ"الحوار الاجتماعي"، الذي يجمع ممثلي أبرز النقابات الممثلة في مختلف القطاعات الحيوية ببلادنا، مع المسؤولين بمختلف الإدارات، من أجل التدارس بشأن الملفات الاجتماعية للطبقة الشغيلة.

وتعززت تجربة الحوار الاجتماعي بالمغرب، في أواسط التسعينيات، وهي الحقبة الزمنية التي مهدت لانتقال المغرب إلى مرحلة التناوب التوافقي، حيث اتسمت ببروز بوادر انفتاح أكبر للإدارة اتجاه المواطنين عموما، والطبقات العاملة، على وجه التحديد، حيث تُوجت سلسلة من الاتصالات، بين الأطراف الثلاثة في الإنتاج، بالتوقيع على ثلاث اتفاقيات جماعية لتخفيف حدة التوتر بين كل من المركزيات النقابية والحكومة وأرباب العمل، والتقليص من الإضرابات، وهو ما بدت بعض نتائجه تظهر في مجالات مختلفة من الحياة العامة والخاصة للمواطن المغربي. إلا أن عددا من النقاط المتضمنة في جدول الحوار الاجتماعي، ما تزال "تستنفر" المركزيات النقابية وقواعدها، لتظل لافتات التظاهر مطوية في حقائب ممثلي هذه المركزيات، الذين يذهبون مع ذلك إلى جولات الحوار الاجتماعي.

ويظل مشروع القانون الخاص بتنظيم الإضراب أحد أبرز نقط الخلاف المعلقة في جدول أعمال الحوار الاجتماعي، في انتظار حصول "توافق وطني" بشأنه، كما يحلو للمسؤولين، وصف ذلك، وإلى أن يتم التخلي بصفة نهائية عن الفصول الجنائية، التي تجرم حق الإضراب، كما يؤكد على ذلك ممثلو الطبقة الشغيلة.

ورغم كل ما يعترض مسلسل الحوار الاجتماعي من مصاعب ومخاطر تهديد السلم الاجتماعي، خاصة عند بداية الدخول الاجتماعي في كل سنة، فإن التجربة المغربية تبقى رائدة، مقارنة مع باقي التجارب العربية الأخرى، بشهادة المتتبعين ومسؤولي المنظمات العاملة في المجال، إقليميا ودوليا، بالنظر إلى الآليات والمؤسسات، التي أصبحت تؤطر الحوار الاجتماعي في المغرب، واعتبارا كذلك للنتائج المحققة على أرض الواقع منذ 1996، تاريخ التوقيع على أول اتفاق ثلاثي، رغم أن ذلك لا يرقى إلى طموحات حتى المركزية النقابية التابعة لحزب الوزير الأول، والتي انخرطت هي الأخرى في الإضراب العام الأخير، في 3 نونبر من الشهر الجاري.

مع ذلك لا يمكن إلا التنويه ببعض محاسن هذا الحوار الاجتماعي، الذي ساهم إلى حد كبير في الحفاظ على السلم الاجتماعي، ومكّن من تحقيق تقدم في مجال حماية الحقوق الأساسية للأجراء، وتوسيع الحريات النقابية، والرفع من مستوى الحماية الاجتماعية للمأجورين والتغطية الصحية لهم، عدا عن مساهمة ذلك في تشجيع الاستثمار، وفتح دينامية جديدة في اتجاه تحديث التشريعات الوطنية الخاصة بقانون الشغل، وأبرز إنجاز في هذا السياق إخراج مدونة الشغل جديدة إلى حيز التنفيذ في 8 ماي سنة 2004.

التجربة المغربية في الحوار الاجتماعي، والتي ما فتئت النقابات تدعو إلى مأسستها، تستند في استمرارها وتطورها إلى ترسانة مهمة من القوانين والأجهزة الموازية، حيث يتوفر المغرب على عدد كبير من المؤسسات التي لها علاقة بمجال التشغيل والسياسات المهنية، كالمجلس الأعلى للاتفاقيات الجماعية، الذي أناط به المشرع مهام إصدار توصيات في مجال الاتفاقيات الجماعية ودراسة الترتيبات المهنية، قصد تحديد الترتيب التسلسلي للأجور، واللجنة المركزية للأسعار والأجور، والمجلس الاستشاري لطلب الشغل، والمجلس الاستشاري لمتابعة الحوار الاجتماعي، فضلا عن الإطار القانوني لضمان مشاركة ممثلى الأجراء في المؤسسات العمومية وشبه العمومية، وفي المجلس الإداري للضمان الاجتماعي، أو من خلال اللجن الإدارية المتساوية الأعضاء. هذا بالإضافة إلى أن تراكم تجارب جولات الحوار الاجتماعي جعلت الفرقاء يتفقون -من أجل تفعيل مقتضياته والحرص على متابعتها- على خلق آليات مواكبة لمختلف الجولات، كلجنة التحكيم، ولجنة البحث والمصالحة، وطنيا وإقليميا، ولجنة تتبع النزاعات الاجتماعية والوقاية منها، وتفعيل الحوار القطاعي.

قانون الإضراب..نقطة الخلاف الكبرى!

إذا كان قانون النقابات لا يكاد يجد معارضة تُذكر من طرف مختلف المركزيات النقابية التي تُجمع على ضرورة وجوده، فإن مشروع قانون الإضراب يعتبر أحد النقط الأكثر إثارة للجدل بين مختلف الفرقاء الاجتماعيين، خاصة بين ممثلي الأجراء و"الباطرونا"، التي لا تُخفي مصادر نقابية اتهامها بكون إصرارها على تضمين بنود ليست في صالح الشغيلة، قد يكون السببَ من وراء مغادرتها لجولات الحوار الاجتماعي. لكن رغم ذلك فإن الحكومة ما تزال تؤكد على أن مشروع هذا القانون "قد تم إعداده"، بالتشاور مع الأطراف الأخرى، كما صرح بذلك أغماني في ندوة تلفزيونية قُدمت في وقت سابق، وهو "مطروح الآن للنقاش" ضمن جدول أعمال الحوار الاجتماعي مع الشركاء الآخرين، من مركزيات نقابية وأرباب العمل، مسجلا أن هذا المشروع "يتضمن العديد من الإيجابيات" من قبيل اللجوء إلى القضاء لمعاينة سير الإضراب.

نفس التفاؤل بخصوص هذا القانون كان أبداه أغماني عشية احتفالات فاتح ماي، في جوابه عن سؤال لفريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس المستشارين، عندما أشار إلى أن "لقاءات ثلاثية للحوار بين الجهاز الحكومي واللامركزيات النقابية والكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب، "ستحسم" في التعديلات والملاحظات النهائية المقرر إدخالها على مشروع القانون التنظيمي الجديد لممارسة الحق في الإضراب، دون أن يحدد أجلا لهذا الحسم، رغم أن النقطة ظلت مطروحة في جدول أعمال الحوار الاجتماعي لسنة 2009. وهو ما جعل وزير التشغيل، على ما يبدو، يحاول طمأنة مستشاري البرلمان والنقابات، من خلال تأكيده على أن الحكومة تبنت "المقاربة نفسها التي اعتُمدت في مدونة الشغل، أي التوافق حول قانون تنظيمي للإضراب إقرارا للتوازنات في العلاقات المهنية".

غير أن ممثلي مختلف النقابات يعتبرون أن أي قانون جديد للإضراب لا يلغي الفصل 288، من القانون الجنائي، الذي يزج بالعديد من المضربين، في غياهب السجون، وما يترتب عن ذلك من فقدان للشغل، (يعتبرونه) قانونا بلا جدوى، على اعتبار أن الفصل "المشؤوم"، سيظل مسلطا على رقاب العمال، مما يتناقض مع كل القوانين الوطنية والدولية، التي تضمن الحق في الإضراب.

++++++++++++++++++++++++++++++++++

نقابيو التعليم يعتبرون مطالبهم لم تُحقق بعد

فشل الحوار الاجتماعي يرهن الفصول الدراسية لأجواء التوتر


لم يكن اللقاء "الودي" والعملي، في آن، والذي جمع بداية السنة الجارية وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، أحمد اخشيشن، وكاتبة الدولة في التعليم المدرسي، لطيفة عابدة، وبحضور مختلف مديريات الوزارة، مع ممثلي النقابات الأكثر تمثيلية في القطاع، (لم يكن) كافيا لإذابة الجليد الذي عمّر طويلا في الساحة التعليمية، على الأقل بعدما استمر الهجران بين مسؤولي القطاع وممثلي الشغيلة، أزيد من ثلاثة عشر شهرا.

وفي 29 يناير، تحديدا، من السنة الجارية، وبعد أزيد من سنة على آخر لقاء بين وزارة التربية الوطنية والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية (18 دجنبر 2008)، وبعد سلسلة من الإضرابات التي يعتبرها منفذوها أنها كانت ناجحة (29 أكتوبر2009 و9 و10 دجنبر 2009)، وهي الإضرابات التي خاضتها الشغيلة التعليمية المنضوية تحت لواء النقابات التعليمية الأربع؛ النقابة الوطنية للتعليم (ف.د.ش)، والجامعة الوطنية لموظفي التعليم (إ.و.ش.م)، والجامعة الحرة للتعليم (إ.ع.ش.م)، والجامعة الوطنية للتعليم (إ.م.ش)، والنقابة التعليمية (ل ك.د.ش)، انعقد لقاء "التنسيق والتواصل"، كما أسماه الوزير اخشيشن، الذي هنأ الفرقاء الاجتماعيين على "ثقة" الشغيلة التعليمية، على ما وصفها "تجديد التمثيلية واستمرارية المشروعية"، مذكرا في نفس اللقاء بأهمية تفعيل البرنامج الاستعجالي، وصياغة البرامج على المستويات الجهوية المصادق عليها في مختلف المجالس الإدارية للأكاديميات في تحقيق الإصلاح، وتقديم الاقتراحات والبدائل.

ورغم أن وزير التربية أقر في اللقاء نفسه بـ"مشروعية القضايا"، التي تناضل من أجلها النقابات، إلا أن هذه القضايا ما تزال تعرف "أخذا وردا"، من حيث تطبيقها، بالرغم من أن هناك اتفاقا مسبقا حولها، كما هو الشأن مثلا بالنسبة للتعويض عن العمل في المناطق النائية، هذا بالإضافة إلى "التنصل" التام للحكومة من مطالب أخرى، كالزيادة في الأجور ومسألة الترقيات.

ولا يكفي، حسب تصريحات مختلفة لنقابيين تعليميين، أن تتضمن أجندة الوزارة الوصية على القطاع، هي الأخرى نفس المطالب تقريبا التي يحملها ممثلو الشغيلة التعليمية إلى مكتب الوزير بباب الرواح، بل يجب أن تكون هناك إرادة حقيقية، لتحقيق مختلف المطالب، وتجنيب، بالتالي، المدرسة مزيدا من التوتر، التي هي في غنى عنه، إلا أن ذلك يبقى، للأسف، تقول مصادر نقابية، قائما ما دام أن لا شيء تحقق من مختلف القضايا المطروحة على طاولة الحوار الاجتماعي، حيث في الوقت الذي يشير فيه المسؤولون إلى ضرورة أجرأة اتفاق فاتح غشت 2007، مثلا، وإلى اعتماد الترقية بواسطة الشهادات الجامعية، وترسيم بعض أطر هيئة التدريس التي تم تعيينها بهذه الصفة قبل 13 فبراير 2003، تاريخ صدور النظام الأساسي، وتسوية وضعية الأعوان والموظفين الحاصلين على دبلوم تقنيين قبل 12 يناير 2006، وإنجاز الترقية بالاختيار بالنسبة للأعوان العموميين برسم سنة 2003 وإلى غاية 2008، والاستجابة لطلبات الانتقال الخاصة بالأطر والأعوان المشتركة حسب الإمكانيات المتوفرة، وغيرها من المطالب التي لا تتردد الوزارة في إدخالها ضمن خانة "الأولويات"، إلا أن "النتائج المحتشمة"، التي انتهت إليها جولة أبريل من الحوار الاجتماعي، لا تدعو إلى "التفاؤل"، تقول المصادر، لأن لائحة المطالب التي رُفعت إلى الوزير الأول، بقيت في رفوف مكتب هذا الأخير دون أن تعرف مقتضياتها وجهتها نحو التطبيق، ومن ذلك الرفع من قيمة التعويضات عن الأعباء الإدارية المخولة لأطر الإدارة التربوية، والرفع من نسبة الحصص الخاصة بالترقية في الدرجة إلى 25 بالمائة برسم سنوات 2008 و2009، ومن 25 إلى 28 بالمائة ابتداء من فاتح يناير 2010. بالإضافة إلى إعادة النظر في شبكة الأرقام الاستدلالية، وإحداث درجات جديدة (الدرجة الممتازة)، وخارج الدرجة، وإعادة النظر في تعويضات المنطقة، من خلال مراجعة التصنيف المالي لبعض الأقاليم، والزيادة في التعويضات النظامية، والزيادة في التعويضات التكميلية المخصصة لبعض الفئات من الموظفين ومراجعة التعويضات العائلية، وغيرها من المطالب التي ساهمت في "إفشال" الحوار الاجتماعي، وعودة "التوتر" إلى الفصول الدراسية.

إضرابات قطاع العدل تشل المحاكم

تواصل نقابات شغيلة قطاع العدل سلسة احتجاجاتها، التي قامت بها طيلة السنة الجارية، من خلال خوض إضرابات عدة، وتنظيم وقفات احتجاجية بكل محاكم المملكة، وتوجيه تظلمات فردية حول الوضعية الاجتماعية للموظفين والأعوان، إلى وزير العدل، مع الإبقاء على عريضة للتوقيعات، ودعوة المناضلين إلى التعبئة تحسبا لأسوأ الاحتمالات.

وتستنكر نقابات العدل مقترح الحكومة القاضي بمنح تعويضات لموظفي العدل من الحساب الخاص، متهمة الحكومة بإقصاء مشروع القانون الأساسي لهيئة كتابة الضبط، المتوافق على صيغته مع وزارة العدل، معتبرة في ذات السياق، أن المقترح المقدم من طرف الحكومة يعد "تلاعبا" بنص الخطاب الملكي، و"احتقارا" لتطلعات موظفي كتابة الضبط، وآمالهم التي خلقها نص الخطاب حول إصلاح قطاع العدل بالبلاد.

وتشير مصادر نقابية عدلية إلى أن تعاطي الحكومة مع ملف هيأة كتابة الضبط، محكوم باعتبارات سياسية، ما دامت الاعتمادات المالية متوفرة، بدليل العرض المقدم في إطار الحساب الخاص، وهو ما سيربط مصير شغيلة القطاع بحسابات ومصالح سياسية ضيقة، تهمل واقع القطاع والعاملين به ومتطلبات الإصلاح التي أعلنها الملك.

وبررت المصادر النقابية "تصعيد" الاحتجاجات، أمام أبواب المحاكم، بما وصفتها "حالة الاحتقان الاجتماعي"، الذي يعرفه القطاع، وبرفض وزارة العدل الاستجابة للمطالب المشروعة لموظفي العدل، والمؤيدة بنص الخطاب الملكي لـ20غشت 2009.

ذات المصادر أكدت على أن تلويح وزير العدل باقتطاع أيام الإضراب من أجور المُضربين، هو إجراء غير ديمقراطي، وغير دستوري، ويضرب في العمق أسس دولة الحق والقانون.

+++++++++++++++++++++

يرى عضو المكتب الوطني للاتحاد المغربي للشغل، محمد هاكش، أن لا فائدة من حضور اجتماعات الحوار الاجتماعي، في ظل غياب إرادة حقيقية لدى الحكومة للتطرق إلى القضايا الجوهرية العالقة، معتبرا في حوار مع "ما وراء الحدث"، أن أي قانون للإضراب لا بد أن يلغي الفصل 288 من القانون الجنائي، وأن يكون قانونا يقيد حق الإضراب لا أن يُكبله

اعتبر أن الزيادة في الأجور وتحسين الدخل أبرز النقط العالقة

هاكش: تعثر الحوار الاجتماعي يفتح الباب أمام التصعيد ويهدد السلم الاجتماعي

كيف ترى مستقبل جولات الحوار الاجتماعي، ولماذا لم يتمكن هذا الحوار من تجنيب المغرب احتقان الشارع؟

يمكن القول أن ما يجري حاليا بين النقابات وبين الحكومة لا يرقى إلى مستوى حوار اجتماعي حقيقي، على اعتبار أن الحوار الاجتماعي خُلق من أجل أن يسود جو الثقة بين الفرقاء الاجتماعيين، ولكي يسود السلم ويتم التوصل إلى حل مختلف الخلافات تفاديا لقيام العمال بالإضراب وتعطيل العملية الإنتاجية. لكن ما نلاحظه هو عكس كل ما أسلفت، حيث بالموازاة مع إجراء مختلف جولات الحوار الاجتماعي، نرى مختلف النقابات تُنظم إضرابات ومسيرات، هنا وهناك، مما يزيد في تأجيج أجواء التوتر الاجتماعي، ويجعل من الصعب القول، إن لم يكن من الخطإ، اعتبار الجو العام السائد سِلما اجتماعيا. لذلك فإن استمرار الحوار دون تحقيق مختلف مطالب المركزيات النقابية، ودون التوصل إلى حل كافة نقط الخلاف، من شأن ذلك كله أن يهدد السلم الاجتماعي، ويفتح الباب على مصراعيه للتصعيد.

ما موقف الاتحاد المغربي للشغل من قانون الإضراب المعروض للنقاش، وهل بالفعل يعتبر السبب الرئيسي وراء مقاطعتكم للحوار الاجتماعي؟

موقفنا من قانون الإضراب واضح، وقد سبق أن بيَّناه منذ عرض صيغة هذا القانون في سنة 2003، وهو أننا ضد كل قانون إضراب يكبل حقا من الحقوق التي تنص عليها كل القوانين الدولية والوطنية، بما في ذلك القانون الأسمى بالبلاد وهو الدستور. وفي هذا الإطار سبق لنقابتنا أن تقدمت باقتراحات جوهرية، ينبغي أن لا يخلو منها أي قانون إضراب يمكن تقديمه من طرف الجهات الرسمية. ومن تلك الاقتراحات، إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، الذي يعتبر سيفا مسلطا على رقاب المضربين، وهو بمثابة النص القائل "كل ما من شأنه..." الذي عانى منه المغاربة كثيرا. ونفس الشأن بالنسبة لهذا الفصل، الذي كان السبب وراء إدخال العديد من العمال إلى السجن، وإلى فقدان عملهم وتشريد أسرهم. كما اقترحنا كذلك، بالاتحاد المغربي للشغل، ضرورة المصادقة على اتفاقية 87 المتعلقة بالحريات النقابية، الصادرة عن منظمة العمل الدولية، وإلغاء كافة المقتضيات التي تعرقل ممارسة الحقوق النقابية، بحيث يصبح مشروع القانون الذي تقترحه وزارة التشغيل تقييدا لا تكبيلا للحق النقابي.

هل سيستمر الاتحاد المغربي للشغل في مقاطعة الحوار الاجتماعي؟ وإلى متى؟

إلى أن تتم الدعوة إلى حوار جاد ومسؤول، تُبدي فيه الحكومة الإرادة اللازمة، وتُعبر بالتالي عن حسن نيتها في التعاطي مع مطالبنا المشروعة بجدية، بخصوص مجموعة من القضايا الحيوية والملحة، ولاسيما منها ما يتعلق بمسألة تحسين الدخل لدى الطبقة الشغيلة، والتي تعتبر بالنسبة إلينا النقطة الأساسية التي جعلت الحوار مع الحكومة يتوقف، على اعتبار أننا لمسنا غياب نقاش موضوعي وحقيقي لدى الجانب الحكومي، الذي يتماطل في التعاطي مع مطالب ممثلي العمال، وخاصة في ما يتعلق بمطلب النظر في الأجور والعمل على احترام السُّلم المتحرك للأسعار والأجور مع رفع الحد الأدنى لهذه الأخيرة، وهو ما يمْكنه أن يساهم في تحسين دخل الطبقات العاملة، في ظل الارتفاع المدوي للأسعار وتعدد الضرائب وارتفاعها، وفي وقت يعي الجميع حجم الأسر ببلادنا والعدد الهائل لأفرادها، الذين يعيلهم في الغالب شخص واحد. وبالرغم من ذلك فإن التوجه الحكومي، للأسف، يسير نحو استغلال وتوظيف معطيات الظرفية الاقتصادية العالمية وآثارها على الاقتصاد الوطني، لتبرير تنصل هذه الحكومة من التزاماتها الاجتماعية، وما وعدت به النقابات بخصوص عدد من النقط، وهذا ما سيؤثر سلبا على الفئات العاملة، وعلى مصادر قُوتها اليومية.

الكثير من المتتبعين يعيبون على النقابين بأنهم لا يعطون للحكومة الفرصة، من أجل التقدم بسرعة في تحقيق مختلف المطالب، خاصة وأنها مافتئت تؤكد على استعدادها لمناقشة كل القضايا العالقة في جولات الحوار الاجتماعي. هل هذا صحيح؟

يمكن القول أن ما نعيشه اليوم يكاد يعطي الانطباع بأن المشغلين هم من يحترمون قانون الشغل بحذافيره، ووحدهم ممثلو العمال هم من يعبثون بالقوانين ولا يحترمونها، في حين أن كل المعطيات والأرقام تشير إلى أن مقتضيات قانون الشغل الحالي لا يتم تطبيقها إلا في حدود دنيا لا تتراوح بالكاد ما بين 30 إلى 40 بالمائة، لاسيما في ما يتعلق ببعض المقتضيات الضرورية والملحة بالنسبة للعمال كمقتضيات لجنة الصحة والسلامة، وهو ما يجعل حياة الآلاف من العمال مهددة في كل وقت وحين. بالإضافة إلى ذلك فإننا نسجل بكل أسف هذا التماطل الحاصل في تنفيذ ما التزمت به الحكومة خلال الجولات السابقة، لاسيما التعويض عن العمل بالمناطق النائية والصعبة، وكذا حذفَ السلاليم الدنيا، من 1 إلى 4، في الوظيفة العمومية والجماعات المحلية وغير ذلك. هذا بالإضافة إلى أن القانون الحالي وكل المذكرات والمراسيم الإدارية ما تزال تمنع بعض فئات الموظفين، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لموظفي ومستخدمي الجماعات المحلية، من ممارسة حقهم في الإضراب، بدعوى تعطيل مصلحة المواطنين، مما يصبح معه من الصعب إن لم نقل من المستحيل على هذه الفئة من الطبقة الشغيلة ممارسة أحد أبرز حقوقها.

هل سيستمر الاتحاد المغربي للشغل في مقاطعة لقاءات الحوار الاجتماعي التي غادرها على ضوء نتائج جولة أبريل الماضي؟

الرجوع إلى طاولة الحوار الاجتماعي بصيغته الحالية ليس له معنى، وفي ظل غياب إرادة حقيقية لدى الحكومة للتطرق إلى كل القضايا العالقة، وإبداء حسن النية اللازمة لإيجاد الحلول لها، يصبح حضور جولات الحوار الاجتماعي من دون جدوى، وعندما سنتأكد أن الحكومة أصبحت لديها رغبة واضحة وأكيدة للعمل على الرفع من الأجور وتحسين الدخل لدى الموظفين والأجراء، وقتها يمكننا الجلوس إلى طاولة الحوار من جديد. فما معنى أن تستمر الجولات دون الخوض في النقاط الجوهرية التي تهم الطبقة العاملة؟ الأكيد أن جميع النقابات متفقة على ذلك، والاتحاد المغربي للشغل من جهته، ومن منطلق مسؤولياتنا، فإننا نحرص على احترام التزامنا أمام الطبقة العاملة. ولذلك فإن أي عودة إلى الحوار يجب أن تكون من أجل مناقشة حقيقية وصريحة لكل المطالب، وليس فقط للاجتماع من أجل إصدار البيانات حول استمرار الحوار بين الفرقاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق