الأحد، أبريل 25، 2010

حكومة الفاسي "الاجتماعية" تواصل بيع أراضي "صوديا" و"سوجيطا"

تفويت أراضي الشركتين تم بـ"مقابل مادي" لا يتلاءم وجودة هذه الأراضي، وهو ما شكل إحراجا حتى بالنسبة للأحزاب السياسية التي تصف نفسها بـ"الوطنية"، والتي سرعان ما أعرض إعلامها الحزبي عن الخوض في موضوع الكشف عن أسماء المستفيدين عندما اتضح أن قيادييهم استفادوا أيضا.

نورالدين اليزيد

من المتوقع أن تتخلى الدولة، خلال هذه السنة عن 20 ألف هكتار أخرى من الأراضي، ضمنها أراضي تخضع لدائرة الأملاك المخزنية، في إطار شطر ثالث من مسلسل تفويت الضيعات الفلاحية النموذجية، التابعة للشركتين الفلاحيتين الوطنيتين "صوديا" و"سوجيطا"، بالرغم من أن مسلسل التفويت، في شطريه الأول والثاني، لم يفض إلى تحقيق الأهداف والمرامي المرسومة له، بقدر ما مكن مجموعة من الأشخاص، لا علاقة لهم بالفلاحة، من بسط النفوذ على أراضي شاسعة، وتحويلها إلى منتجعات لقضاء عطلة نهاية الأسبوع و تربية الخيول، من دون أدنى التزام بدفتر التحملات ولا احترام لحقوق العمال.
وعندما شرعت الحكومة في تفويت أراضي الشركتين الفلاحيتين، في سنة 2006، في إطار عقود كراء طويلة الأمد تناهز نصف قرن من الزمن، تلقى حزب الحركة الشعبية، سيلا من الانتقادات حول طريقة تدبير تفويت حوالي 44 ألف هكتار إلى مستثمرين خواص.
غير أن رد فعل الفريق الحركي بالغرفة الثانية على المحتجين على استفادة رئيس الحزب، المحجوبي أحرضان، نجل امحند العنصر، الأمين العام، كان عنيفا، وذلك من خلال الدعوة إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، تقوم بدراسة وفحص ملفات المستفيدين، الذين ينتمون إلى مختلف أطياف اليمين واليسار والوسط ... أخرس الألسن، لكن الدعوة إلى إنشاء لجنة تحقيق برلمانية سرعان ما تلاشت ليرفع بين ممثلي الأمة أصواتهم بالدعوة فقط إلى الكشف على الأقل عن لائحة بأسماء المستفيدين، الذين وصل عددهم خلال الجزء الأول من العملية، إلى 174 منهم فقط 14 بالمائة من الأجانب، بينما الباقي كانوا قياديين سياسيين ومسؤولين كبارا ونوابا برلمانيين ورجال أعمال مقربين من أصحاب القرار، أغلبهم اختفى وراء شركات.


السياسيون محرجون

ولم تحرك الجهات المسؤولة عن عمليتي التفويت ساكنا، واكتفت بالقول فقط إن العملية مرت باحترام تام للمساطر والإجراءات القانونية، بينما خرج وقتها وزير الفلاحة الحركي، امحند العنصر، يلوح بالكشف عن أسماء المستفيدين، في ما يشبه "الدفاع عن النفس" أمام الهجوم الإعلامي الذي تعرض له الحركيون المستفيدون، قبل أن يتراجع في تصريحات صحفية عن ذلك، معللا موقفه بالقول "ليس من حقي أن أتحدث عن الأسماء انطلاقا من انتمائها السياسي لأن هذا لم يكن شرطا من الشروط".
والواقع أن العنصر، كان يلمح إلى رغبته في عدم إثارة الأسماء تجنبا لـ"الإحراج"، على اعتبار أن زعماء سياسيين ومسؤولين كبارا وضباط سامون في الجيش أو أنجالهم كانوا من بين المحظوظين الذين نالوا قسطهم من تفويت الضيعات الفلاحية التابعة للدولة، حتى خارج عمليات تفويت الشركتين المذكورتين، وبدون مقابل مادي، على عكس تفويت أراضي "صوديا" و"سوجيطا" الذي تم بـ"مقابل مادي" لا يتلاءم مع قيمةَ وجودة الضيعات موضوع التفويت، وهو ما كان يشكل إحراجا أيضا حتى بالنسبة للأحزاب السياسية التي تصف نفسها بـ"الوطنية"، والتي سرعان ما أعرض إعلامها الحزبي عن الخوض في الموضوع عندما اتضح أن قياديين حزبيين من هؤلاء هم بين السياسيين المستفيدين أيضا، من أصل 11 بالمائة من مجموع الذين فُوتت لهم الأراضي، واضعين اليد على أزيد من 5 آلاف هكتار من الأراضي.
في مقابل ذلك بقي في الجهة المعارضة لأكبر عملية تفويت لأراضي الدولة الخصبة، ممثلو العمال الزراعيين والنشطاء المدنيون، حيث نُظمت احتجاجات بالموازاة مع الشروع في التفويت، وبخاصة ضد البدء في عملية تفويت الشطر الثاني من الشركتين، عندما اعتبر ممثلو العمال الزراعيين أن التفويت تم دون التسوية القبلية للمشاكل الاجتماعية التي يتخبط فيها العمال والمستخدمون بالشركتين، وعدم قيام الحكومة بتقييم "موضوعي وعملي" لنتائج الشطر الأول، من شأنه أن يفضي إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع حد لما أسمته نقابات عمالية بـ"الخروقات الخطيرة"، التي مست دفاتر التحملات في شقيها الاستثماري والاجتماعي، مما أثر بشكل سلبي على حقوق العمال وطرد المئات منهم و"الاستهتار بقانون الشغل ومعاداة العمل النقابي".
وهو نفس الموقف المناوئ للعملية الذي تبنته أطراف من المجتمع المدني، حين راسل المنسق الوطني للسكرتارية الوطنية لهيئة حماية المال العام، محمد مسكاوي، وزير الفلاحة، عزيز أخنوش، عشية البدء في تفويت الشطر الثاني، الذي هم أزيد من 38 ألف من الأراضي الفلاحية، وُزعت على 121 مستثمرا، مطالبا بـ"نشر لائحة المستفدين من أراضي صوديا وسوجيطا والكشف عن مدى احترام المستفيدين لشروط دفتر التحملات في العمليات السابقة ومساهمتهم في التنمية الفلاحية"، ومنتقدا أيضا عملية تفويت الشطر الثاني من أراضي "صوديا" و"سوجيطا"، من طرف الدولة، في الوقت الذي كان عليها استغلال ذلك في "مخطط المغرب الأخضر" ترك أراضي الجموع والأحباس بيد صغار الفلاحين.
وفي ظل غياب أي تقييم شامل لعملية التفويت بشطريه الأول والثاني، وعدم التزام العديد من الملاكين الجدد بمقتضيات دفتر التحملات، مما أدى إلى طرد جماعي للعمال في حالات معينة وحدوث "كوارث اجتماعية"، يصعب القول بنجاح هذه الخطوة، رغم أن المسؤولين ما فتئوا يصرحون بنجاعتها.


الرغبة في التخلص من عبء

وبرأي مصادر مطلعة فإن المسألة تتعلق فقط بإقدام الدولة على التخلص من الشركتين، عبر وضع مخطط تصفية، ينص من بين ما ينص عليه، على إعادة توجيه مهمة "سوجيطا" نحو إنتاج البذور المختارة على مساحة إجمالية تقدر بـ 41 ألف هكتار، وتفويت أزيد من 52 ألف هكتار للمستثمرين الخواص، بشكل تدريجي على مدى ثلاث سنوات، ثم تفويت وعاء عقاري يقدر بـ 30 ألف و649 هكتارا، منها أزيد من 6 آلاف هكتار توجد في المدارات الحضرية للدولة، سيتم بيعها لتمويل مخطط التصفية، في الوقت الذي ينص فيه "المخطط الاجتماعي"، الموقع بتاريخ 29 أكتوبر سنة 2003 بين الدولة والمركزيات النقابية الأربع: الفيدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل، على نظام للتعويض عن المغادرة يهم 3 آلاف و 170 عاملا، وهو ما لا يمثل سوى 21 بالمائة من مجموع أجراء الشركتين، الذي يبلغ تحديدا 15 ألف و20 عاملا.
وهو ما دفع المركزيات النقابية، الموقعة على "مخطط التصفية الاجتماعي"، إلى القيام بإضرابات احتجاجا على ما وصفته بـ"الواقع الاجتماعي المتردي"، للأجراء في الضيعات المفوتة، وإلى دعوة الدولة إلى القيام بتقييم موضوعي لنتائج تفويت أراضي "صوديا" و"سوجيطا"، وإلى السهر على تتبع التزامات المستفيدين، بل وفسخ العقود مع المخالفين وتفعيل لجنة متابعة الجانب الاجتماعي، بالإضافة إلى تبني إجراءات عملية لتمكين المستخدمين والعمال من 3000 هكتار من أراضي "صوديا" و"سوجيطا"، الواقعة بالمدارات الحضرية المطروحة للبيع، وذلك من أجل إقامة مشاريع سكنية لفائدة العاملين بهاتين الشركتين.


مطالب العمال الزراعيين

ويعيب ممثلو عمال الشركتين المفوتتين إلى القطاع الخاص، على المسؤولين، عدم إجراء تسوية قبلية للمشاكل التي كانت قائمة بالشركتين في علاقتهما بالعمال، كما تنتقد جميع النقابات، بما فيها تلك الموقعة على "اتفاق التصفية الاجتماعية" مع الحكومة، الانتقال إلى تفويت الشطر الثاني دون إجراء تقييم موضوعي وعلمي لنتائج الشطر الأول، من شأنه أن يفضي إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع حد لـ"الخروقات الخطيرة"، لبنود دفاتر التحملات في شقيها الاستثماري والاجتماعي، مما شجع المستفيدين من عقود الشراكة في الشطر الأول، على "انتهاك حقوق العمال وطرد المئات منهم والاستهتار بقانون الشغل ومعاداة العمل النقابي".
وتطالب النقابات بضمان الاستقرار في العمل، وذلك عبر ترسيم جميع العمال المتوفرين على الشروط القانونية للترسيم المنصوص عليها في مدونة الشغل، واعتبار جميع العمال الذين قضوا أكثر من عشر سنوات من العمل الفعلي بالشركتين، عمالا رسميين لحمايتهم من الطرد، وحتى لا تتكرر المآسي الاجتماعية التي شهدها تفويت الشطر الأول، وإلزام المستثمرين بترسيم سنوي للعمال المؤقتين، والتزامهم بحق الأولوية في العمل بالنسبة للمؤقتين المرتبطين بالضيعات، والذي تضمنه مدونة الشغل، والحرص على احترام مبدأ الطوعية في المغادرة بالنسبة للمستخدمين، وضمان الاستقرار الاجتماعي لغير الراغبين فيها، ومأسسة اللجنة الوطنية لتتبع المشاريع المفوتة، وكذا اللجنة المشتركة الخاصة بالقضايا الاجتماعية، وغيرها من المطالب التي تتهم النقاباتُ المالكين الجدد بعدم احترامها كما تنص على ذلك دفاتر التحملات، في ظل غياب رقابة صارمة من طرف الدولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق