الأحد، مارس 28، 2010

هل أصبح المغرب بوابة الحملات "الصليبية" المعاصرة؟

نورالدين اليزيد
إلى أي حد يعتبر الإجراء الحكومي الأخير القاضي بترحيل 27 شخصا بتهمة ضلوعهم في أعمال تبشيرية/تنصيرية من بينهم 16 كانوا ينشطون في منطقة عين اللوح ويحملون جنسيات مختلفة، كافيا لوضع حد لهذه الظاهرة؟ وهل بات المغرب يشكل بوابة مفضلة للصليبيين الجدد؟ أسئلة يستعصي حتى على المختصين إيجاد جواب عنها، بالنظر إلى أن عمليات التبشير ظلت حاضرة بالمغرب منذ سنوات خلت، وتجدرت في سنوات الاحتلال قبل أن تجد لها المرتع الخصب في ظل الانفتاح الذي يشهده المغرب في هذه الأزمنة.
ورغم أن الظاهرة لم تثر كبير اهتمام لدى المسؤولين المغاربة كما لدى عامة الناس في السابق، وإن كان علماء المغرب في الماضي أثاروا انتباه أولياء الأمر، في ظل الاحتلال الفرنسي، إلى المبشرين الذين احتموا بالمستعمر من أجل نشر النصرانية، غير أن تزايد تنامي هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، واستغلال المنصرين لوسائل التكنولوجيا الحديثة في استقطاب الفئات المستهدفة، والتي تركز على الشباب بالخصوص، كما تنقل ذلك مصادر مختلفة، مستغلين العوز الاجتماعي لشرائح واسعة من المجتمع، جعل المسؤولين يقرعون ناقوس الخطر، وكانت البداية من تحت قبة البرلمان حين سأل نواب الأمة، قبل سنتين على الأقل، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، عن الإجراءات الحكومية المتبعة للوقوف في وجه هذه الحملات التبشيرية التي باتت خطرة على معتقد المغاربة، وهو ما قلل منه التوفيق وقتها، في إجابته عن سؤال النائب البرلماني، مؤكدا أن تزايد عمليات التنصير في المغرب وإقبال المغاربة على المسيحية "أمر مبالغ فيه وغير صحيح". وهو ما يقول عكسه اليوم الناطق الرسمي للحكومة، خالد الناصري، مباشرة بعد اجتماع الحكومة، في الأسبوع الماضي، وتدارس مشكل طرد المبشرين الـ 27، حين أعلن أن تحريات وزارة الداخلية أدت إلى معاينة "تصرفات يقوم بها مجموعة من الأجانب المخالفة للقانون، باعتبارها تدخل ضمن استغلال هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأشخاص معوزين والأخطر استغلال براءة أطفال في سن مبكرة، حيث أكبرهم لا يتجاوز عشر سنوات، من أجل إخراجهم من دينهم وتنصيرهم، تحت غطاء الأعمال الخيرية، من خلال الإشراف على ميتم يحتضن 33 طفلا، منهم 22 من الذكور و11 إناثا، ويشرف عليه 16 شخصا، يقول الناصري، الذي زاد موضحا أن نسبة التأطير التي وصلت إلى مؤطر واحد لكل طفلين، خير برهان على أن الأمر لم يكن يدخل ضمن أعمال البر الصادق".
وبرأي وزير الأوقاف الذي كان يدلي بشهادته أمام نواب الأمة، حين إثارة الموضوع بالبرلمان، فإن مسألة التنصير بالمغرب توجد تحت مراقبة السلطات العمومية، تنفيذا للضوابط والقوانين الجاري بها العمل، وهو ما "تجند الوزارة من أجله علماء عبر كل ربوع المملكة، لمحاربة كل ظواهر الانحراف المحتمل في الدين ومعالجتها بالأسلوب الحكيم والمناسب".

علماء المغرب والتبشير!

لم يغفل علماء المغرب، طيلة التاريخ، الحرص على مراقبة الأمن الروحي للمغاربة، وظلوا يتابعون عن كثب ما رأوه "أخطارا محدقة" بعقيدة المغاربة، راصدين ظاهرة المبشرين الذين كانوا يستغلون أوضاع المغرب الاجتماعية والسياسية، في أوقات مختلفة، من أجل محاولة زعزعة هذه العقيدة، وهو ما كان هؤلاء العلماء لا يترددون في إيصاله إلى الحاكم بهدف اتخاذ ما يلزم.
وتحثُّ رسالة أصدرها المجلس الأعلى لرابطة علماء المغرب، إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إبان الاستعمار، علال الفاسي، على ضرورة قيام السلطات الوصية بعمل حاسم إزاء "الاستفزاز" الذي يواجه به المبشرون المسيحيون والبهائيون المواطنين المغاربة ودين الدولة الرسمي.
وجاء في الرسالة التي تنقلها الكتب التاريخية، "أن الشعب المغربي المسلم بذل جهودا عظيمة في سبيل توحيد عقيدته، حتى تسلَم من كثير من النحل والشيع التي ابتليت بها بعض البلاد الأخرى، كما عمل على توحيد أحكام المعاملات حتى توحدت الإجراءات القانونية الإسلامية في المحاكم الشرعية، ولكن بعد وقوع "سيبة" الاحتلال الأجنبي الظالم، لهذه البلاد الإسلامية وسن قوانين لم يعرفها الإسلام، فخولفت كثير من أحكامه وأعرافه وآدابه، وكان من أثر بث سمومه في الوسط المغربي نزعة الدعوة لحرية الأديان، أي إباحة اعتناق أي دين يشاءه الشخص، حتى يجوز في عرف هذه النزعة أن يرتد المسلم عن دينه فلا يلام".
و" أنه اتباعا لهذا التيار جاء الصليبيون الذين غيروا دين المسيح من التوحيد إلى الوثنية، من فرنسا وانجترا وغيرهما، تقول الرسالة، فوجدوا الميدان خصبا لنشر دعوة الصليب وذلك بمساعدة الفرنسيين المحتلين، حتى أصدروا لهذه البلية الظهير البربري المشهور، فأرادوا بالجملة والجماعات لا باستدراج الأفراد، واتخذوا المركز الرئيسي لدعوة الصليبية وسط القبائل المسلمة بتيمومليلين، حيث يعقدون مؤتمرات عدوانهم، ولكن المغاربة برغم ضغط الاحتلال قاموا ضد مشروعهم لتنصير المسلمين، فكانت الانتفاضة الكبرى التي نتجت عنها الحركات الوطنية الصادقة حتى أدرك المغرب استقلاله.
وفي رسالة أخرى يلفت علماء المغرب انتباه وزير الأوقاف، علال الفاسي، إلى بعض العمالات التي تمثل الحكومة الإسلامية في تهيئة "نويل"، في حفلات عيد الميلاد، مؤكدين أنه "يؤسفنا إعطاء محلين بمعرض الدار البيضاء لموزعي وبائعي أناجيل التبشير الصليبي، هذا بالإضافة إلى مراكز الدعوة اليهودية والصليبية والبهائية التي تتستر تحت اسم التجارة أو التوظيف في بعض المصالح أو التطبيب والتعريض أو التعليم في المدارس أو التعليم، لبعض الصناعات مثل الخياطة وتفصيل الملابس فضلا عن مراكز التبشير التي أخذت تتجدد وتنتشر في كثير من أنحاء المغرب".
كل هذه العوامل جعلت علماء المغرب المشاركين في المؤتمر المنعقد في الرباط يومي 18/19 سنة 1960، يقررون ضمن الملتمسات التي قدمها ولاة الأمور، لفتَ نظر المسؤولين إلى الخطة التبشيرية التي تقوم بها المسيحية في مختلف نواحي المغرب، ولذلك رأت رابطة علماء المغرب "أن تُقدم طلب تغيير هذا الخطر العظيم لمعاليكم، تقول رسالة الرابطة إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، بصفتكم وزير الدولة المكلف بالشؤون الإسلامية، من طرف أمير المؤمنين...راجية اتخاذ الإجراءات اللازمة لجعل حد لهذا العدوان الصليبي".
وكان الرد الرسمي وقتها من وزير الأوقاف حينذاك، علال الفاسي، حين أعلن في بلاغ لوزارته أن الحكومة المغربية، وبأمر من أمير المؤمنين، أعلنت حربها على إغلاق المراكز المشبوه في أنشطتها، وهو ما جعل الرابطة تقدم على جرد لمراكز تنشط في التبشير، وأرفقت رسالتها إلى الوزير بلائحة تتكون من أسماء تلك المراكز، وبأسماء الكتب والنشرات التي توزعها تلك المراكز.