الخميس، مايو 28، 2009


اعتبر نجيب الوزاني الأمين العام لحزب العهد الديمقراطي في حواره مع "المساء" أن خروجهم من الأصالة والمعاصرة جاء بعد اكتشافهم أن هاجس الهيمنة هو المسيطر داخل حزب "التراكتور"، مقرا بأن مشاركة حزب العهد الديمقراطي في الانتخابات المقبلة ستكون متوسطة ولكن أولوية الحزب ستتمحور حول تقديم مرشح نوعي بعيدا عن هاجس العدد

عاد للتذكير بخروجهم من حزب فؤاد عالي الهمة متهما إياه بالرغبة في الهيمنة
الوزاني يتهم بعض الأحزاب باستغلال ورقة الإصلاحات السياسية عشية الانتخابات

حاوره: نورالدين اليزيد

بعد تجربة الاندماج الفاشلة مع حزب الأصالة والمعاصرة، والتي أدت إلى خروجكم منه والعودة إلى حزب العهد، في صيغة جديدة، كيف يستعد حزبكم الذي تأسس فقط قبل أسابيع للاستحقاقات المقبلة؟

فعلا ليس سهلا أن يستعد حزبنا الجديد للانتخابات المقبلة، وذلك راجع إلى التجربة الفاشلة التي مررنا بها، ولكن مع ذلك أستطيع القول أن استعدادات حزب العهد الديمقراطي، بدأت بالموازاة مع التحضير للمؤتمر التأسيسي منذ مدة طويلة نوعا ما، بحيث شرعنا في عقد لقاءات ومشاورات سواء مع الإخوة الذين كانوا ينتمون إلى حزب العهد سابقا، أو مع أسماء أخرى عبرت عن رغبتها في ركوب تجربة حزب العهد الديمقراطي، وكان ذلك في عدد من المناطق المغربية القروية منها والحضرية للبحث في معايير المرشحين الذين ينوون الترشح بلون حزبنا، إن على مستوى الدوائر القروية التي ستخوض انتخابات فردية، أو في ما يتعلق بالدوائر التي ستجري فيها الانتخابات بنظام اللوائح. ولازلنا بالحزب نعقد سلسلة من اللقاءات التشاورية، خاصة في المدن الكبرى، حيث قمنا بزيارة عدد من الجهات والأقاليم؛ منها مدينة مراكش وطنجة والدار البيضاء والحسيمة والناظور وغيرها من المدن، بحيث يبدو للمتتبع أننا نقوم بدورنا المتواضع في الاستعداد للاستحقاقات المقبلة، تماما كما يقوم بذلك غيرنا من الأحزاب من أجل خوض الانتخابات من موقعنا الجديد والمتواضع على كل حال، ولكن الذي نحن فخورون به.

من خلال تقييمكم الأولي، هل تستطيع إعطاء صورة عن حجم تغطية الدوائر الانتخابية من طرف حزبكم؟

في الحقيقة يمكن أن نؤكد أن تواجد مرشحينا على مستوى التمثيلية بالدوائر الانتخابية سيكون متواضعا بدون شك، أي أننا لن نستطيع تغطية عدد كبير من المناطق، وهذا شيء طبيعي بالنظر إلى حجم المشاكل التي عانيناها جراء التجربة الاندماجية السابقة، لكن يمكن القول أن تواجدنا لن يكون هزيلا وبالمقابل فلن يكون قويا أيضا، ونستطيع تحديد درجة تواجدنا في مرتبة المتوسط، وهذا راجع كما أسلفت لما أخذته منا التجربة الاندماجية الفاشلة من وقت وجهد كبيرين، إلا أن كل هذا لا يجعلنا نتخوف على مستقبل حزبنا، بل على العكس من ذلك فإننا متفائلون ونسعى إلى أن نكون ممثلين على صعيد أكبر عدد ممكن من الجماعات المحلية، سواء داخل المعارضة أو في صفوف الأغلبيات، حيث يصبح من حقنا أن نطمح إلى الظفر برئاسة بعض الجماعات.

هل يُفهم من هذا أن المشاركة في الاستحقاقات المقبلة بالنسبة لحزبكم ستكون فقط بهدف إعادة ما ضاع منكم نتيجة عملية الاندماج الفاشلة؟

أكيد وكما لا يخفى على أحد بذلنا مجهودا كبيرا في تلك التجربة وسيكون مطلوبا منا، كما ذكرتم، إعادة ما ضاع منا من مجهود وإمكانات، وسيكون ذلك أحد أهم الأهداف المسطرة من طرف الحزب الجديد، هذا من جهة، لكن من جهة أخرى سنعمل على بلورة المبادئ التي تخص الحزب، ولن نمنح التزكية إلا لمن يؤمن بها وليس لكل من هب أو ذب ويريد فقط تزكية من هذا الحزب أو ذاك، ولذلك لن نكون قَطعا حزبا احتياطيا للأحزاب الأخرى بإمكان من يشاء أن يستبدلنا بحزب آخر وقت ما شاء. إننا سنحاول، وهذا ما تدارسناه بداخل الحزب، أن نحقق نقلة نوعية على درب اختيار المرشح النوعي الذي باستطاعته الالتزام أخلاقيا وسياسيا مع الحزب، ومن هذا المنطلق نكون حققنا هدفا آخر أيضا، ألا وهو محاربة ما بات يعرف بظاهرة الترحال السياسي من حزب لآخر، وهي الظاهرة التي باتت للأسف متفشية بشكل كبير وخطير جدا، ما يستدعي من الجميع وقفة تأملية للبحث عن السبل الكفيلة بمحاربتها، خاصة عندما يتعلق الأمر بترحال نواب برلمانيين من أحزاب عريقة إلى صفوف أخرى جديدة تحت مغريات شتى، ما يثير الاستغراب حول الأسباب الكامنة وراء ذلك، ليُطرح معه سؤال كبير أمام المتتبعين السياسيين.

هل تقصد بالأحزاب الجديدة حزب الأصالة والمعاصرة الذي أغراك أنت أيضا كأمين عام لحزب وفضلت التخلي عن حزبك مقابل الاندماج فيه؟

أكيد أن المشكل مطروح وهو يتجاوز هذا الشخص أو ذاك، فالساحة السياسية تعرف انتقالات كبرى لبرلمانيين وقياديين حزبيين وأعضاء مكاتب سياسية، وأحيانا تطال هذه الانتقالات لتشمل حتى أحزاب عريقة ولها جذور تاريخية، وهو ما تطالعنا به الصحف يوما بعد يوم، عندما تنقل أسماء سياسيين وبرلمانيين ينتمون لأحزاب، انضموا فجأة إلى الحزب الجديد(الأصالة والمعاصرة)، والذي جاء، ليس ليخدم المشهد الحزبي والسياسي عموما ببلادنا، كما أُعلن في مرحلة تأسيسه، بقدر ما بات يمثل النكوص والرجوع إلى الوراء بالتجربة الديمقراطية المغربية. ومن خلال تجربتنا الفاشلة في الاندماج مع هذا الحزب، استطعنا بالمقابل استغلال ما هو إيجابي في التجربة، حيث تمكنا من القيام بما يشبه الغربلة الطبيعية، وتمت معرفة الأشخاص ذوي المواقف الضعيفة، في مقابل الوصول إلى معرفة حقيقية بالأشخاص الذين يتوفرون على مواقف مشجعة ومبادئ تستطيع السير قدما بتجربتنا الفتية الجديدة داخل حزب العهد الديمقراطي. ولذلك فإننا متفائلون أن تجربتنا الجديدة ستكون أحسن على المستوى النوعي للأحزاب، وفي ما يتعلق كذلك بالوسائل والمعايير المعتمدة في اختيار المنتخبين، وهنا أود التذكير بأن العدد ليس هو هاجس حزبنا حاليا بقدر ما نركز على مسألة الكيف، سواء على صعيد اختيار من يمثل الحزب أو على مستوى الأجهزة التنظيمية للحزب.

أعود إلى حزب الأصالة والمعاصرة، لأسأل لماذا فضلتم هذا الحزب من أجل الاندماج قبل أن تنسحبوا منه؟

أولا نريد لفت الانتباه لمن يحتاج إلى ذلك، بأن حزب الأصالة والمعاصرة لا وجود له حاليا من الناحية القانونية، وهذا ما نشير إليه للأسف في كل المناسبات ولا أحد يصدق، بحيث أن هذا الحزب نحن من دعونا إلى تأسيسه كمشروع في البداية، حين اجتمعت خمسة أحزاب وتدارست في ما بينها لتخلص إلى إنشاء حزب سياسي يشملها جميعها، بحيث لم يكن قائما في السابق، إذن الأمر لا يتعلق بحزب كان موجودا والتحقنا به بقدر ما يتعلق بتأسيس من لدن خمسة مكونات حزبية، ولكن حين أدركنا أن ليس هناك رغبة في العمل الجماعي، وأن هاجس الهيمنة هو المسيطر تراجعنا وانسحبنا. صحيح أن فكرة القطبية وتجميع القوى تخدم المشهد السياسي الوطني إلى حد كبير، إلا أن الطريقة التي كانت تدار بها الأمور هي التي كانت محط خلاف ولم نتفق معهم عليها، والمسألة لم تكن تتعلق برغبتنا في معانقة مناصب أو درجات على مستوى الحزب، بالعكس فالأحزاب المندمجة تخلت عن قيادتها لأحزابها ومواقعها بها من أجل المشروع، رغبة منا في إصلاح المشهد السياسي، ولكن لاحظنا وتبين لنا بعد نقاش طويل، أن الأمور سارت في اتجاه غير الاتجاه المتفق بشأنه، فكان لا بد لنا أن ننسحب من مشروع ليست لنا فيه مساهمة. وبإمكان المتتبع أن يلاحظ اليوم أن الكيفية التي تدار بها الأمور داخل حزب الأصالة والمعاصرة هي غير سليمة، وهو ما تترجمه طريقة استقطاب أعضاء برلمانيين من أحزاب أخرى، وأحيانا يكونون قياديين بأحزابهم، كما هو الشأن بالنسبة لقياديين بحزب التقدم والاشتراكية، الذين استقطبهم حزب الأصالة والمعاصرة، وهو ما لا يمت بأية صلة بالرغبة في إصلاح المشهد الحزبي ببلادنا بقدر ما يساعد على التفتيت وزرع بذور الشك في صفوف الأحزاب.

هناك من يتهم حزب الأصالة والمعاصرة بأنه يسعى إلى نسف بعض الأحزاب بعينها، هل تشاطرون هذا الرأي؟

طبعا هذا أمر لا غبار عليه، ويبدو جليا وواضحا من خلال استقطاب هذا الحزب لكل هذه الأسماء وفي أوقات متقاربة، أنه يسعى إلى ضرب أحزاب معينة في العمق، من خلال محاولة دعوة مناضليها للالتحاق به، وهنا يجب التذكير أيضا أننا عندما بدأنا من خلال المشروع الاستعداد لإنشاء الحزب، كان هدفنا يتمحور ويصب في اتجاه استقطاب قوى سياسية جديدة وفئات الشباب غير المتحزب ومكونات المجتمع المدني، وكان الخطاب السائد في أوساطنا كفاعلين هو مخاطبة العزوف، ومحاولة استمالة تلك الـ75 بالمائة من المصوتين الذين لم يدلوا بصوتهم، أما إذا كان الأمر يتعلق فقط بالاقتصار على الـ 37 بالمائة فقط، وأن يظل هذا يخطف لذاك منتخبيه ومؤيديه، فإن من شأن هذا الحزب الجديد أن لا يشجع المواطن المغربي على المشاركة في الانتخابات، بقدر ما سيكون داعيا له إلى الاشمئزاز من العملية السياسية برمتها، وهذا ما لا يخدم الوطن.

مؤخرا تم تداول نسب مئوية منسوبة إلى وزارة الداخلية، قبل أن تنفيها الأخيرة، أشارت إلى احتمال حصول حزب "التراكتور" على حصة مهمة من المقاعد الجماعية، كيف تنظر إلى مثل هذه التسريبات؟

على ما يبدو فإن الأمر يتعلق بضجة إعلامية فقط، وهذا شيء منتظر من طرف جهات تسعى إلى الحصول على مقاعد بأي ثمن وإلى تحقيق انتصارات، ما يجعلها تلجأ إلى مثل هذه السبل، لكن الحديث عن استطلاعات للرأي، هذا كلام آخر، مع العلم أن استقراء آراء المواطنين يحتاج إلى إمكانيات وأدوات اشتغال كما هو متعارف عليه في البلدان التي تأخذ بنظام استطلاعات الرأي، بينما عندنا في المغرب لا زال هذا النظام غير منظم ولا يخضع لمعايير علمية تمنحه المصداقية اللازمة. وبالمناسبة فإني لا أعتقد أن وزير الداخلية له تحيز لهذا الحزب أو لآخر، وما يعرف عن شكيب بنموسى أنه رجل معقول ومحايد، وهذا ما تشهد به كل الأحزاب السياسية، هذا بالإضافة إلى أنه ليس من مصلحة وزارة الداخلية أن تصدر عنها مثل هذه الأمور، ويبقى ذلك مجرد تأويلات نقلتها الصحف.

من خلال اتصالكم بالمواطن هل تلمسون استعدادا لديه لمشاركة مكثفة في الاستحقاقات المقبلة بعكس انتخابات 2007؟

الملاحظ من خلال لقاءاتنا مع المواطنين أننا سجلنا حماسا كبيرا لدى مواطني العالم القروي للمشاركة في الانتخابات، ما يشير إلى إمكانية ارتفاع نسب المشاركة بالبوادي، ولكن بالمدن لا أعتقد أن المشاركة ستكون مرتفعة، اللهم إذا ما تم استغلال اللوائح الانتخابية الجديدة المنقحة بكيفية إيجابية من طرف ممثلي الأحزاب، وعموما هناك احتمال ارتفاع نسب المشاركة مقارنة مع الانتخابات الجماعية السابقة. ولا يمكننا أن نقوم بتقييم حول نسب المشاركة في الاستحقاقات المقبلة لنقول أنها كانت أقل أو أكثر من نسب المشاركة في انتخابات سنة 2007، لأنه علينا انتظار الانتخابات النيابية لسنة 2012 حتى يمكننا أن نقارن ونقيس نسبة المشاركة.

هل بإمكان وعْد المواطن بالقيام بإصلاحات دستورية وسياسية أن يشجعه على الذهاب إلى صناديق الاقتراع؟

أظن أن ورقة الإصلاحات الدستورية والسياسية أصبحت ورقة تستعملها بعض الأحزاب كلما اقتربنا من استحقاق وطني، وباعتقادي الشخصي أن الظرفية الحالية للمغرب تؤكد على عدم أولوية مثل هذه الدعوات بالقيام بالإصلاحات الدستورية والسياسية، لأن الشعب المغربي هو في حاجة اليوم، أكثر من أي وقت سابق، إلى إصلاحات تنموية واجتماعية. وتبقى الإصلاحات الدستورية أولوية هي الأخرى لكن ستأتي في وقتها عندما يتم توافق بين مختلف القوى والفعاليات السياسية من جهة وباتفاق مع الملك من جهة أخرى.

في حوار مع الباحث الاقتصادي عمر الكتاني

يجب على الدولة نهج سياسة تقشفية وتشجيع الاستثمار الذي يخدم المجتمع

هل صحيح أن حصيلة الاستثمارات في ظل الحكومة الحالية كانت إيجابية، كما جاء على لسان الوزير الأول ؟

إيجابية على أي صعيد؟ هذا كلام عام لا يُؤخذ به، لأنه إذا كان معدل النمو ببعض الدول الأسيوية فقط هو 30 بالمائة من الدخل الوطني، بينما عندنا لا يتجاوز 6 إلى سبعة بالمائة، مع شرط نزول الأمطار، فعن أي نمو في الاستثمارات يتحدث الوزير الأول وحكومته، إذا كان المغرب لازال يخرج سنويا 100 ألف حامل للشهادات دون أن تتاح لهم إمكانية الاندماج العملي. أنا أستغرب حديث المسؤولين المغاربة بمثل هذا الكلام، في الوقت الذي لم نصل فيه حتى إلى مستوى بعض الدول السائرة في طريق النوم، كالسودان مثلا التي حققت 11 بالمائة من نسبة النمو، رغم أنها تعتبر في مصاف الدول الفقيرة، لذلك يجب على المسؤولين التحلي ببعض الموضوعية.

جاء في التصريح الأخير للوزير الأول أيضا أن انعكاسات الأزمة المالية كانت محدودة على الاقتصاد الوطني ألا ترون، كخبراء اقتصاديين، نفس ما تذهب إليه الحكومة؟

لا يستطيع أحد نفي التأثير السلبي للأزمة المالية العالمية على مختلف مكونات الاقتصاد الوطني، خاصة في السنتين المواليتين، وذلك راجع بالأساس إلى ارتباط الاقتصاد المغربي بشكل كبير بالاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية المشتركة، التي يقر الجميع أنها تأثرت بفعل الأزمة المالية العالمية، ولذلك فإنه من الطبيعي أن يتأثر اقتصادنا الوطني وعلى صعيد مختلف القطاعات. ولذلك فإنه من اللازم على المسؤولين المغاربة إعادة النظر في نظام الاقتصاد، وفي عدد من الأمور، ومن ذلك بالأساس إعادة النظر في نظام الخوصصة الذي يعول على عائدات ريعية جراء تفويت المؤسسات العمومية للخواص، كما ينبغي عدم الاعتماد بشك كبير على ريع النظام الضريبي، للحفاظ على التوازنات المالية من هنا لا بد من نهج سياسة تقشفية من لدن الحكومة والحد من تبذير المال العام، وتشجيع نوع من الاستثمار الاجتماعي الكفيل بالمساهمة في تنمية البلاد على كافة الأصعدة اجتماعيا واقتصاديا، لا أن يكون هناك استثمار يحافظ على مسافة بينه وبين المجتمع، ويضع نصب أعينه فقط الربح المادي.

ما هي الوسائل الكفيلة بجلب استثمارات تخدم الاقتصاد الوطني بشكل فعال؟

هناك لازمة تقول بالارتباط الوثيق بين ما هو سياسي واقتصادي، لذلك فإن أي حديث عن تطور اقتصادي لا بد أن تواكبه عملية إصلاح شاملة للمجال السياسي في بلدنا، والتي أصبحت مطروحة بشكل أكثر إلحاحا. لذلك فإن الضرورة تقتضي الإسراع بإصلاحات سياسية قمينة بتشجيع الاستثمار الإيجابي القادر على إحداث تغيير في اتجاه تطور المجتمع، لا بشكل ينعكس سلبا على الوطن. كما أن الحديث عن تشجيع الاستثمار لا يستقيم في ظل قضاء لا يواكب التطور الذي يشهده العالم في ظل العولمة واجتياز الحدود، وهو القضاء الذي يجب أن يكون قضاء مستقلا وقادرا على لعب دوره كاملا في التنمية، بدل ترك الآلاف من الملفات في رفوف المحاكم دون البث فيها. كما أن إصلاح التعليم يصبح الأولوية الأكثر إلحاحا خاصة على ضوء مقارنة بلدنا ببلدان أخرى قريبة منا، على مستوى جودة وحجم إمكانيات التعليم، بحيث في الوقت الذي نتفاجأ فيه مثلا بوجود 64 جامعة ببلد كالسودان و50 جامعة بالجارة الجزائر، فإننا لا نتوفر إلا على 15 جامعة بالمغرب لثلاثين مليون نسمة، وهو شيء غير معقول.

السبت، مايو 16، 2009

حول الإصلاحات السياسية بالمغرب

المطالبة بالإصلاحات الدستورية دعوة لإصلاح المشهد السياسي أم ورقة انتخابية!


نورالدين اليزيد

كثُر الحديث عن الدعوة إلى إصلاحات دستورية تكون ممهدة لإصلاح مؤسساتي وسياسي شامل على الساحة الوطنية، لتجاوز المرحلة الحالية التي أُطلق عليها مرحلة "انتقال ديمقراطي"، وهي المرحلة التي بدأت مباشرة بعد تعيين الكاتب العام الأول للاتحاد الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي وزيرا أولا سنة 1998، في إطار توافق بين القصر والمعارضة على التداول على السلطة.
بيد أن المرحلة الانتقالية التي كان يعول عليها المغاربة من أجل بناء مغرب يتوفر على مؤسسات دستورية تحظى بسلطات مستقلة، ما لبثت تمتد ولا يعرف أحد متى ستنتهي وإن كانت بدايتها أسست لها حكومة تناوب ترَأس نسختها الأولى الاتحاديون بعدما صوتوا على تعديل الدستور سنة 1996، رغم شُح تلك التعديلات التي لم تمس بجوهر الفصل 19 المخول للملك صلاحيات تنفيذية واسعة، وهو ما يُفقد العمل الحكومي سلطة اتخاذ القرار والمبادرة، يقول متتبعون للشأن السياسي الوطني.
ويضرب هؤلاء نماذج صارخة تبرز الدور المحوري للملك في عمل الجهاز التنفيذي على حساب باقي أعضاء الحكومة، ومنهم الوزير الأول والذين تصبح أدوارهم مجرد تنفيذ لـ"التعليمات المولوية" وليس تنفيذا لبرامجهم السياسية التي وعدوا بها الناخب المغربي؛ ويذكر هؤلاء بحدث "الإنذار" الذي ميز السنة الأولى من عمر حكومة عباس الفاسي، حين أراد الأخير إلحاق وكالات التنمية الاجتماعية التابعة مباشرة له، إلى صهره نزار البركة الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالشؤون الاقتصادية والعامة، فكان رد القصر الملكي سريعا وصارما عندما أصدر ظهيرا ينص على عودة الوضع إلى ما كان عليه، ما جعل الفاسي يصرح بأن ما أقدم عليه كان "خطأ" فتدخل الملك لإصلاحه.
هكذا، وبمبرر الصلاحيات التي يضمنها الدستور للملك، يتخلى رئيس حزب، جانبا، عن أحد أهم محاور برنامجه الانتخابي الذي وعد به الناخب، والمتمثل بالأساس في الإصلاح بكل تجلياته الإدارية والسياسية والدستورية. ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة لحليف الاستقلال في الحكومة والكتلة الديمقراطية، التي من بين أهم مبررات وجودها العمل على بناء مغرب قوي بمؤسساته الدستورية، حزب الاتحاد الاشتراكي الذي يبدو أن الرجة التي أحدثتها نتائج انتخابات شتنبر 2007، في صفوف مناضليه جعلت القيادة الاتحادية تدعو في مؤتمرها الثامن، في السنة الماضية، إلى ضرورة القيام بإصلاحات سياسية جذرية ومنها أساسا ضرورة أن يسود الملِك ولا يحكم، أو ما يطلق عليه في القانون الدستوري والعلوم السياسية بـ"الملكية البرلمانية"، وهي الدعوة التي اعتبرها حتى الحلفاء في الحكومة بل ومن داخل الكتلة نفسها، كلاما إنشائيا ومزايدة سياسية لا تقدم ولا تؤخر، مستدلين على ذلك بأن عبد الواحد الراضي الذي وعد قبل المؤتمر الثامن لحزبه بتقديم استقالته، في حالة فوزه بالكتابة العامة للحزب، من أجل التحضير لإصلاح شمولي داخل بيته الاتحادي استعدادا للإصلاحات الجذرية على الساحة، سرعان ما ارتد على كلامه بمجرد ما حظي بـ"الثقة المولوية" حين استقبله الملك رافضا إعفاءه من مهامه كوزير للعدل.
ويبرز جليا من خلال هذين المَثلين لحزبين "وطنيين"، ظل المواطن المغربي يعول عليهما كثيرا لسنين طويلة بقصد رسم معالم مغرب ديمقراطي تحظى فيه السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية بما يلزم من استقلالية، أن مسألة الإصلاحات في أدبيات الأحزاب المغربية مطبوعة بالسطحية ويغلب عليها الطابع الفرجوي وتصلح فقط لتأثيث المهرجانات الحزبية من قبيل المؤتمرات والاستعداد لخوض الاستحقاقات الوطنية، في الوقت الذي تتطلب فيه عملية، من قبيل الدعوة إلى إصلاح دستوري أو سياسي، إلى إرادة قوية لأجرأتها وتفعيلها وعدم الاكتفاء بترديدها في المناسبات.
ويأبى جانب من المحللين إلا أن يصفوا المرحلة التي نعيشها، خاصة بعد العزوف الخطير للناخبين في استحقاقات سنة 2007، بأنها فترة خواء سياسي عكسه فقدان الثقة لدى المواطن في المؤسسات وفي الأحزاب، التي ترفض تداول الأجيال على تسيير دواليب شأنها الحزبي، وليس أدل على ذلك من "البيعة" الثالثة التي هيأ لها عباس الفاسي مناضليه في مؤتمر الحزب الخامس عشر بداية السنة الجارية، ما يجعل أي قول برغبة مثل هؤلاء القادة الحزبيين في القيام بإصلاحات، مجرد لغو ليس بإمكانه ملأ ذاك الخواء المتحدث عنه.

لن أفاجأ إذا حظي المغرب باهتمام أوباما


عامر: طرح قضايا المهاجرين على طاولة المفاوضات لبنة أساسية في الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي


لم يستبعد محمد عامر، الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالجالية المغربية بالخارج، تأثيرَ الأزمة المالية العالمية على عائدات المهاجرين المغاربة في الشهور المقبلة، مشيرا إلى أن الحكومة المغربية تتابع باهتمام كبير مسألة التعويضات التي اقترحتها اسبانيا على المهاجرين لمغادرتها. وأضاف عامر في حوار خص به الجريدة الأولى على كون عمل المتدخلين في مجال الجالية يسوده الانسجام والتكامل، مؤكدا على ضرورة الأخذ بالدبلوماسية الموازية للتعريف بقضايا المغرب


هناك تقارير تشير إلى انخفاض عائدات المهاجرين المغاربة بالخارج في الثلاثة أشهر الأخيرة، هل يمكن أن تؤكد الوزارة المكلفة بالجالية ذلك؟


لحد الآن تؤكد تقارير مكتب الصرف المغربي أنه لم تسجل هذه التحويلات أية تراجعات؛ ذلك أن آخر تقرير لدينا يؤكد أن تحويلات الجالية المغربية بالخارج مستقرة في الستة أشهر الأولى من السنة الماضية، حيث بلغت هذه التحويلات 46 مليون درهم و214 ألف درهم. مقابل 46 مليون درهم و198 ألف درهم مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2007. لكن بالرغم من غياب معطيات ودراسات دقيقة حول هذه التأثيرات على المستوى الدولي خلال السنوات المقبلة، من غير المستبعد أن تؤثر وضعية الأزمة الدولية على حجم هذه التحويلات في الشهور المقبلة والمؤشرات الموجودة لحد الساعة تؤكد ذلك؛ فالأزمة المالية نتج عنها انكماش للاقتصاد العالمي، غير أن عُمقها وتجلياتها تبقى صعبة الضبط. كما أن تأثيراتها يمكن أن تختلف من منطقة جغرافية إلى أخرى وكذا حسب القطاعات الإنتاجية. لذلك غالبا ما يكون العمال المهاجرون أول ضحايا فقدان الشغل وقد يفكر البعض في العودة إلى بلدانهم الأصلية.
إذن ما هي الإجراءات التي تعتزم الحكومة القيام بها في هذا الشأن؟
في هذا الإطار تتابع الوزارة عن كثبٍ هذا الموضوع، ونسعى من خلال محادثاتنا مع مختلف شركائنا على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف الإحاطة بمختلف الجوانب التي يمكن أن تنير وتحدد الجوانب التي تعني شؤون وقضايا المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج. ولهذا وحتى نتمكن من الإحاطة بتداعيات هذه الأزمة العالمية على أوضاعنا، فإننا نعتزم تنظيم لقاء دولي خلال الأسابيع المقبلة للتفكير في هذه الوضعية الجديدة، من خلال دعوة عدد من الخبراء الاقتصاديين والباحثين المغاربة والدوليين والفاعلين الاقتصاديين وجمعيات المجتمع المدني العاملة في مجال الجالية، لتعميق البحث والدراسة والإحاطة بكل المعطيات العلمية. كل ذلك بهدف البحث في الصيغ والاقتراحات الكفيلة بمواجهة كل تداعيات الأزمة ووضع سياسات مندمجة ومتكاملة لتدبير قضايا الهجرة بكل أبعادها، من أجل حماية حقوق المهاجرين أخذا بعين الاعتبار حاجياتهم وتطلعاتهم، وكذا من أجل تدعيم الأدوار الإيجابية للهجرة.


أقدمت اسبانيا في الآونة الأخيرة على اقتراح تعويضات مادية للمهاجرين الراغبين في مغادرة اسبانيا. كيف تتابع الحكومة المغربية هذه المسألة مع مسؤولي الجارة الشمالية؟


بالفعل فالوزارة تتابع عن كثب هذا الموضوع، خاصة فيما يتعلق بالإجراءات والقوانين المتخذة من طرف دول الاستقبال لفائدة أو ضد مصالح وأفراد جاليتنا المقيمة بهذه الدول. وفي حالة إسبانيا تابعت ممثلياتُنا الدبلوماسية الموضوع بكثير من الاهتمام. وفي هذا الصدد قام سفير صاحب الجلالة منذ البداية إلى جانب وزير الشغل والهجرة الإسباني المكلف بهذا الملف، وقبل صدور القرار، بالاطلاع على مضمون المشروع آنذاك بهدف إخبار وطمأنة العمال المغاربة بإسبانيا. وخلال هذه اللقاءات أكد المسؤولون الإسبان على أن العودة ستكون حرة وطوعية ومرتبطة برغبة وقناعة المعنيين بالأمر الذين تتوفر فيهم الشروط. وبالرغم من العدد الهائل من العاطلين الذي خلفته الأزمة العالمية إلا أن أغلب أفراد الجالية لم يستجيبوا لسياسة العودة الطوعية التي اعتمدتها إسبانيا وفضلوا البقاء بهذا البلد. وهذا ما كشفت عنه استطلاعات للرأي أجرتها إحدى الجمعيات المغربية، حيث أظهرت أن 85 بالمائة من المستجوبين رفضوا المقترح. وكانت القنصليات المغربية قد فتحت سجلات لإحصاء المرشحين الراغبين في العودة، لكنها لم تسجل إلا أعدادا قليلة. وسجلنا أن أغلب المغاربة العاطلين عن العمل هناك يكتفون في الوقت الراهن بالتعويضات عن البطالة أو يحاولون تغيير مجال عملهم كالالتجاء للعمل في القطاع الفلاحي الإسباني الذي يبقى من المجالات التي لم تتأثر بهذه الأزمة. وللإشارة فقط فإن المغرب يعد من بين 20 دولة خارج الاتحاد الأوروبي، الذين تربطهم اتفاقيات مع إسبانيا خاصة في مجال الضمان الاجتماعي مما يمكن من حماية حقوق جاليتنا هنا.


أُثيرت مؤخرا مسألة الجنسية المزدوجة للمقيمين الأجانب في بعض الدول الأوروبية خاصة فيما يتعلق بتقلد مناصب عمومية في الدول المستقبِلة. كيف تتعامل الحكومة مع هذا المُعطى؟


أضحت ازدواجية الجنسية أمرا واقعيا، خصوصا بعد تلاحق الجيلين الثاني والثالث من أبناء المغاربة المقيمين بالخارج. والحكومة المغربية تتبنى مقاربة شمولية في التعاطي مع هذه الثنائية؛ بحيث نسعى إلى تبني موقف يدافع عن المواطنة المزدوجة لأبناء الجالية المغربية المقيمين بالخارج. وهنا نشير إلى الموقف الصارم الذي عبر عنه المغرب بخصوص ما راج حول محاولة تجريد المغاربة من جنسيتهم المغربية بهولندا. فهؤلاء يظلون مواطنين مغاربة رغم حملهم جنسية بلد الإقامة التي تجعلهم سواسية في الواجبات والحقوق مع مواطني ذاك البلد وبالمغرب أيضا. وهو ما جعلهم يلِجون تدبير الشأن العام المحلي وبرلمانات كل من بلجيكا وهولندا، ونجاحهم في تحمل مسؤوليات حكومية بعدة دول أخرى.


أقامت الدول الأوروبية معسكرات للمهاجرين غير الشرعيين تُنتهك فيها حقوق الإنسان، كما تنقل ذلك تقارير مختلفة. في ظل الوضع المتقدم الذي حظي به المغرب هل سبق أن فاتحت الحكومة نظراءها الأوروبيين في هذا الموضوع؟


الوزارة لم تتوصل بأية تقارير تشير إلى وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في مراكز تجميع المهاجرين غير القانونيين بأوربا. فمهمة هذه المراكز هي إيواء المهاجرين غير القانونيين قبل عرضهم على المحاكم المختصة أو قبل صدور قرار بترحيلهم بحسب قوانين البلدان المستقبلة. وفي حالة وقوفنا على أية تجاوزات فإننا نُعلِم السلطات المختصة في هذه الدول عن طريق وزارة الخارجية والتعاون، انطلاقا من مقاربة جديدة تتوخى التدخل السريع والفعال عبر المتابعة ومواكبة وتسهيل عودة المهاجرين المغاربة إذا ما صدرت بحقهم قرارات بالترحيل. كما نعمل مع جمعيات المجتمع المدني، للوقوف على الخروقات ومحاولة رصدها لكي يتم طرحها على طاولة المفاوضات مع الدول الأوربية في إطار حوار بناء ومسؤول، وهذا ما يعتبر اللبنة الأساسية للوضع المتقدم الذي حظي به المغرب مؤخرا مع الاتحاد الأوربي.


نريد أن نعرف ما هي الإجراءات التي تقوم بها الحكومة في هذا الصدد؟


أشير في هذا الإطار إلى أن الجمعيات المدنية في الدول الأوربية تقوم حاليا بحملة حق النظر داخل مراكز الاعتقال، وذلك طوال الفترة الممتدة ما بين 14 و30 من الشهر الجاري. كما كانت هناك جلسة استماع في البرلمان الأوربي في ستراسبورغ حول هذه الحملة يوم 14 يناير، بغرض الاستماع إلى تدخلات ممثلي البلدان التي أطلقت فيها تلك الحملة. وتمحورت تلك المداخلات حول درجة تعبئة هذه المراكز وإشكاليات الولوج إليها، خاصة في بلدان إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وتركيا وبلجيكا. وفي 30 يناير سيتم تنظيم يوم خاص بـحق النظر داخل مراكز الاعتقال عبر زيارات يقوم بها نواب برلمانيون وطنيون ودوليون لهذه المراكز. كما نود الإشارة هنا إلى أن إشكالية الهجرة تعتبر من أهم المواضيع المطروحة للتفاوض في إطار الوضع المتقدم للمغرب مع الاتحاد الأوربي، خاصة فيما يتعلق بمراكز إيواء القاصرين ومراكز تجميع المهاجرين عموما وشروط اعتقالهم ومدى احترام هذه المراكز للمواثيق الدولية والاتفاقيات الثنائية. وكذا فيما يتعلق باتفاقية إعادة استقبال المهاجرين المغاربة وغير المغاربة الذين هاجروا إلى الدول الأوربية عبر المغرب حسب زعم هذه الدول.


هناك فعاليات مهاجرة تجمع تواقيع لِحث البيت الأبيض على أن يكون أول بلد مسلم يزوره الرئيس الأمريكي المنتخب هو المغرب. هل هناك تنسيق مع هذه الفعاليات؟


كما يعلم الجميع تربط المغرب والولايات المتحدة علاقات تاريخية عريقة، حيث كان المغرب أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة. وتربطنا بهذا البلد علاقات تعاون تشمل العديد من القطاعات والميادين، تُوِّجت باتفاقية التبادل الحر بين البلدين، بالإضافة إلى الموقع الجيوستراتيجي لبلدنا والتوجهات السياسية الواقعية والمتوازنة للمغرب. كلها عوامل تجعلني شخصيا لا أُفاجأ إذا كانت بلادنا محط اهتمام المسؤولين الأمريكيين وعلى رأسهم الرئيس أوبام.


إلى أي حد إذن يمكن استغلال ما يسمى الدبلوماسية الشعبية كلُوبي، إنْ صحَّت العبارة، في التعريف بقضايا المغرب؟


بكل تأكيد الدبلوماسية الموازية لها دور مهم في اتجاه التعريف بقضايانا الوطنية وتحسيس الحكومات والرأي العام بالدول الأخرى. وعلى رأس تلك القضية طبعا هناك قضية وحدتنا الترابية. ومواطنونا بالخارج متشبثون ببلدهم الأصلي وبثوابته الوطنية وهم دائما سباقون إلى مناصرة كل قضايا المغرب في جميع المنتديات والمحافل. لذا فالحكومة المغربية والوزارة المكلفة بالمغاربة بالخارج، على الخصوص، تشجع وتدعم كل هذه المبادرات، بل وتتفاعل بشكل إيجابي مع كل الطلبات التي تتلقاها في هذا الاتجاه من طرف المغاربة المقيمين بالخارج.


بخصوص هذا الموضوع هناك مِن مُمثلي الجالية المغربية بالخارج مَن يشتكون مِما يسمونه التهميش الذي يطالهم بحيث لا يتم اللجوء إليهم إلا عندما تريد جهات رسمية تحريكهم من أجل قضية الصحراء. هل هذا صحيح؟


أريد أن أوضح بداية أن قضية الصحراء هي قضية كل المغاربة سواء كانوا بالداخل أو بالخارج؛ فهي قضية مركزية بالنسبة للشعب المغربي بل هي أحد ثوابت ومرتكزات الأمة. والمغرب فخور بما تقوم به الجالية من تعبئة ودفاع عن القضية الوطنية الأولى انطلاقا من حبها لوطنها وإيمانها بقدسية القضية. ومن جهة أخرى فإن الحكومة المغربية ومن خلال الوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج تبدل مجهودات جبارة للإحاطة والعناية بقضايا مواطنينا بالخارج وإدماجهم في التحولات السياسية والاقتصادية والثقافية التي يعرفها المغرب مند عقد من الزمن. لذلك نحرص على أن يمارس المغاربة القاطنون بالخارج مواطنتهم كاملة وأن يساهموا في المشروع الديمقراطي والتنموي والحداثي الذي يرعاه جلالة الملك. ويتجلى كل ذلك من خلال تمكين مواطني المهجر من حق المشاركة السياسية وإقامة مجلس خاص بالجالية المغربية يشتغل تحت الرئاسة الفعلية لملك البلاد.


ماهي إستراتيجية الحكومة إذن لإدماج المهاجرين في هذا المشروع المجتمعي؟


بالفعل هناك مخطط استراتيجي استلهمته الحكومة، وعلى رأسها وزارتنا، من الرغبة الملكية التي تقوم على أساس وضع تصور شامل بتنسيق وتكامل مع مختلف الأطراف المعنية كوزارة الشؤون الخارجية والتعاون ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة القاطنين بالخارج ومجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج. ويمكن تلخيص بعض محاور إستراتيجية الوزارة فيما يلي؛ هناك المحافظة على الهوية الوطنية واللغوية والدينية والثقافية والحضارية للأجيال الجديدة لمواطني المهجر وتقوية وترسيخ ارتباطهم بوطنهم الأم، بتدريس اللغة العربية والتعريف بالحضارة المغربية، بما يتطلبه ذلك من توفير للشروط المادية واللوجيستيكية. بالإضافة إلى المشروع الطموح الذي أطلقته الوزارة، والذي يخص إنشاء مراكز ثقافية ببعض دول المهجر. وهنا أذكر أننا لأول مرة في تاريخ الهجرة المغربية شرعنا في إنجاز خمسة مراكز بكل من اسبانيا وفرنسا وبلجيكا وكندا وليبيا. كما تهدف إستراتيجية الوزارة إلى تحقيق الإدماج الكلي والفعلي للمهاجرين في تدبير الشأن العام، وإلى توفير الإمكانيات الكفيلة بتأطير وجلب جيل جديد من المستثمرين، والعمل على تشجيع إخواننا بالخارج على ممارسة مواطنتهم الكاملة بدول الاستقبال وتسهيل اندماجهم. ثم هناك المحور المتعلق بالدفاع عن مصالح المهاجرين وصون كرامتهم والنهوض بحقوقهم الإنسانية والاجتماعية سواء ببلدان الاستقبال أو ببلدهم الأصلي، حيث أصبحت الوزارة تتوفر على قسم خاص لتظلمات هؤلاء المهاجرين، كما أن هناك قاضيا ملحقا بالوزارة يساهم بشكل فعال في الإرشاد القانوني وتبسيط المساطر لهؤلاء. وعموما فإن المقاربة التشاركية التي تبنتها الوزارة من خلال الإنصات في عين المكان لمواطنينا بالخارج هي أبرز سيمات إستراتيجية عملنا.


هناك من ينظر إلى وجود تداخل بين الجهات المكلفة بالجالية، خاصة بين الحكومة والمجلس الأعلى للجالية. هل يتعلق الأمر بتكامل في الأدوار أم أن هناك اختلافا في المهام؟


إن قضايا الجالية تهم كل القطاعات الحكومية والقطاعات الوزارية، حيث تصبح مهمتنا أفقية سواء في القضايا الثقافية أو في ما يتعلق بالتأطير الديني والاستثمار والتعليم والمصالح الإدارية والقضاء. فمسؤوليتنا الأكبر إذن في الوزارة تكمن في التنسيق بين مختلف هذه المؤسسات والوزارات والعمل على مواكبة عملها. أما في ما يخص مجلس الجالية المغربية بالخارج الذي أنشئ بقرار ملكي، فقد تمكنتُ شخصيا، بعد عمل تشاوري واستشاري واسع ومتميز، من الاطلاع على جزء من أشغاله لتحضير الرأي الذي طلبه منه صاحب الجلالة. واليوم يعتبر هذا المجلس قوة اقتراحية سيساهم في كل ما يهم قضايا الجالية والدفاع عن حقوقها داخل الوطن وخارجه. يمكن القول إذن أن الهندسة المؤسساتية الموجودة تتجلى في وزارة لها مهام سياسية والتنسيق والمساهمة في وضع السياسات، إلى جانب فرقاء آخرين، وتعبئة الموارد المالية. ثم هناك مجلس الجالية الذي يشكل قوة اقتراحية واستشارية، بجانب جلالة الملك. بالإضافة إلى مؤسسة الحسن الثاني التي تقوم بتنفيذ وإنجاز عدد من الأوراش على أرض الواقع. خلاصة القول إذن هي أن هذه المؤسسات الثلاث تعمل بشكل متكامل في ما بينها في أفق واحد منسجم ومندمج. وشخصيا أرى أن هناك تفهما وتجاوبا كبيرين واستعدادا للعمل المشترك من طرف كافة الفرقاء، هذا دون أن ننسى الإشارة إلى أن هناك مؤسسات ووزارات أخرى تتدخل هي أيضا في مجال عملنا كوزارة التعليم ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة الخارجية.

الولاءُ للإمبراطورية التُّركْعُثمانية

نورالدين اليزيد

لم يتقبل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مقاطعة الصحافي المشرف على تسيير جلسة من جلسات ملتقى دافوس الاقتصادي، عندما انبرى رئيس الوزراء التركي إلى محاولة الرد على كلمة شيمون بيريز وكذا على الذين صفقوا له كثيرا، وهي الكلمة التي حاول فيها بيريز تبرير الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة وسياسة الأرض المحروقة التي نهجتها الصهيونية، قبل ذلك، لإبادة شعب فلسطين بعد عام ونصف العام من حصار تجويعي قضى فيه الحرث والنسل. وقرر أردوغان الانسحاب مِن على المنصة لكن ليس قبل أن يوجه كلمات رغم قِلّتها فإنها كانت أدلَّ من كل الكلام الذي قاله بيريز في مدة تعدّت العشرين دقيقة. فرغم مناوشات الصحافي، مُسَير الجلسة، الذي يبدو أنه فطِن منذ الوهلة الأولى لجسامة كلام أردوغان، إلا أن حفيد السلطان عبد الحميد العثماني الذي قاد الإمبراطورية العثمانية في زمن تكالُب القوى عليها وكان رافضا إقامة دولة لليهود على الأرض العربية، أبى إلا أن يُسارع في تمرير ذاك اللوم الشديد اللهجة الذي أربك الرئيس الإسرائيلي، فبدا الأخير حائرا بين أن يزيل السماعتين اللتين تحملان إليه كلام أردوغان الصادِم المترجم فوريا، وبين أن يستمر في السماع رغم شدة وقْع الكلمات، التي نزلت على رئيس اليهود كالصواعق؛ نظرا لكونها هي المرة الأولى، بعد محرقة النازية لأجدادهم، حيث لم يستطع حتى زعماء الدول الكبرى في العالم على مجرد توجيه لوم بسيط في حضور رؤساء وحكام الدولة العبرية رغم عديد المجازر والمحارق التي ارتكبوها منذ تأسيس دولتهم على أنقاض بلاد فلسطين، وفي تلك الصورة أكثر من قراءة لما يشكله اليهود من قوى ضغط عالمية تشرف على الاجتماعات والندوات والمؤتمرات العالمية برمتها، حتى وإن اختلفت دواعيها ما بين اجتماعية واقتصادية وسياسية.
الصدمة لم تُفاجئ بيريز وحده والحاضرين بقاعة الاجتماعات بمنتجع دافوس السويسرية، ولكن صدَمتْ كذلك ولِحد الطامّة الكبرى ملايينَ العرب الذين تابعوا الحدث البارز والمشرِّف، هذه الأيام، الذي وقَّعه هذا الرجل بأحرف قلائل، في هذا الزمن الجبان حيث الرجال قلائل! ولتأتي السلوى والعزاء في الجرح الموغِر الذي خلفته الآلة الحربية الصهيونية عندما خطفت أرواح أكثر من 1350 فلسطينيا والآلاف من الجرحى أكثرهم سيُرافقه الجرح والإعاقة مدى حياته؛ لقد صُدم العرب في تلك الصورة المرتجفة التي بدا عليها عمرو موسى الأمين العام لجامعةٍ يُقال عنها أنها عربية، وهو يقوم مرتعدا ليُصافح أردوغان مهنئا إياه على كلمته وهو يودع ونهائيا وأبدا هذا الملتقى الاقتصادي، كما خاطب الحاضرين قائلا؛ فبدا موسى كالأبله وهو لا يعرف ماذا بوسعه أن يفعل أمام هذا الهرم التركي الذي تسري في عروقه، بكل تأكيد، دم غير تلك التي تجري في عروق موسى والذين يمثلهم من الحكام العرب، وإن كان موسى يعرف شيئا واحدا ووحيدا هو الالتزام بالأدب مع جليسه شيمون بيريز كما يُملى عليه، والذي يظهر أن موسى كادت المفاجأة أن تنسيه المطلوب منه على المنصة لولا تدخُّل الأمين العام للأمم المتحدة مُنبِّها إياه بالجلوس، وهو ما فعله أمين عام نادي حكام العرب في الحال.
ستكون صدمة العرب ذات وجهين؛ أولهما قاتم غير ذي نضارة ويعني أن الحكام الجاثمين على صدورهم يفتقدون إلى شجاعة مثل شجاعة رئيس الوزراء التركي، وثانيهما وجه ساطع بالأمل والإشراق يشي بغد أحسن حالا من هذه الأيام الحالكة التي نحياها اليوم، وهو الغد الذي سيَسحب فيه رجال من طينة رجب طيب أردوغان البساط من تحت أقدام هؤلاء الحكام الذين من كثرة جلوسهم على الكراسي يبدو أنهم أُصيبوا بمرض فقدان الرجولة، والله أعلم.
قد يقول قائل أن الرئيس التركي بموقفه هذا الرافض لسياسة إسرائيل بالمنطقة، يريد اللعب على وترين حساسين؛ الرد على التلكؤ الأوروبي بعدم قبول عضوية تركيا باتحادهم لحد الآن، في الوقت الذي سارع فيه الأوروبيون إلى تخويل بلدان أوروبا الشرقية ذاك الانتماء، ثم رغبة تركيا في إحياء زعامتها الإقليمية التي فقدتها بداية القرن الماضي، خاصة في ظل بوادر إعادة صياغة شرق أوسط جديد لم تكتمل ملامحه بعدَ الذي جرى في العراق وما يجري من تحرش بإيران الشيعية. ولكن ذلك لم يمنع من القول أن الرجل في كلتي الحالتين توفر على الشجاعة الكافية، لقول كلمة(لا) للجبروت الصهيوني وهو، لعمري، ما يعجز قوله حتى رئيس أعظم دولة في العالم خشية أن يعصف به اللوبي الإسرائيلي فيصُد في وجهه أبواب البيت الأبيض.
لقد أكد هذا الرجل الذي ينحدر من سلالة العثمانيين، ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، عندما ذكر بني يهود أن الدولة العثمانية في سالف الأيام هي من آوتْهُم حينما كانوا منبوذين بأوروبا والعالم، أنه يتوفر على كل مواصفات الزعيم الحقيقي، التي أولها المروؤة، وهو ما يجعله يتوفر على كافة الحظوظ في الظفر بقيادة وولاء شعوب هذا العالم العربي إذا ما نُظمت انتخابات حرة ونزيهة يكون خصومه فيها حكامُنا الحاليون، كما علَّق أحد المُكتوين بحال العرب المهين.

منطقة الغرب المنكوبة تصارع قدرها وسط بحر من المياه


الفيضانات أتت على الممتلكات من زرع وبهيمة ومساكن

منطقة الغرب: نورالدين اليزيد

حتى وإن اختلفت التسميات ما بين النكبة والكارثة والأضرار، يبقى شيء واحد غير مختلف بشأنه، وهو أن واقع الحال يقول أن الآلاف من المواطنين المغاربة فقدوا منازلهم وزراعتهم ومواشيهم، لا لشيء، فقط لأن تلك
المنازل تدخل في عداد السكن غير اللائق وأن المياه الجارفة ما كانت لتجرف الذي جرفته لو تدخلت السلطات بنجاع

"هاد الشي ما كافيش...! ياك غير ديال سيدنا...علاش مايعطيوناش اللي يكفانا؟!" "احْنا راه معذبين..تنباتو غير في الخْلا..ما خصنا ماكْلا..باغيِين اخزاين باش ندّارْكو احنا أُوْلادنا!"،"ماشفتش ولادي..سيمَانا هاذي ..ماعرفتش فين مشاو..ما عندنا تيلفون ماعندنا والو..مشات ليا كْسيبتي أوفلاحتي..بقيت ربي كريم"! هكذا ترتفع أصواتهم عندما يرون ممثلا للإعلام لعلهم يبلغون، إلى الذين يهمهم الأمر، مطلبَهم في الغطاء وفي الخبز وفي تعويض يرونه من بات من المستحيلات لجسامة الخسارة.
فقدوا مساكنهم ومواشيهم من الأبقار والأغنام وزراعاتهم، بينما أفراد أسر العديد منهم توجهوا إلى أدغال غابة المعمورة أو إلى أقارب بمدن قريبة أو وبقرى لم تطلها سيول المياه الجارفة، ومنهم من لا يعرف، منذ أسبوع مرَّ على الكارثة الطبيعية التي ما تزال مستمرة، الوجهةَ التي ذهب إليها أفراد أسرته، برفقة آخرين من القرية التي يقطنون بنفس الدوار، في ما يشبه النزوح الجماعي إلى أماكن مجهولة قد تكون آمنة ريثما تهدأ غضبات واد الردم وواد بهت ونهر سبو، الذين ثارت ثورتهم هذه الأيام فأحالوا منطقة الغرب بحرا من المياه الغامرة التي أتت على الحرث والبناء والمواشي.
دواوير كالكبارتة بجماعة دار العسلوجي والحوافات والنويرات والخنيشات بإقليم سيدي قاسم، ودواوير أولاد موسى بن احسين والعوابد وأولاد احميد والنبيكات والبغايليين وأولاد الغازي وأولاد بروص والرزاكلة والمرادسة وشرقاوة بجماعة الصفافعة، وبجماعة القصيبية دواوير المركز وأولاد خيرة والشراوطة والغلالتة وأحياء أولاد مالك وأولاد الغازي وأولاد زيد، وغيرها من الدواوير والأحياء التابعة لدائرة سيدي سليمان أو لإقليم القنيطرة مباشرة، كلها تشكل خارطة بدت شبه مغمورة بالمياه نتيجة اتحاد الوادِيين الردم وبهت مع نهر سبو ليحولوا جزءا كبيرا من جهة الغرب شراردة بني احسان إلى منطقة منكوبة بحسب ما يراه أهل المنطقة والفاعلون المحليون، أو متضررة، بحسب ما تراه الجهات الرسمية.

واد بهت الجاف..يثور!

لم تكن الساعات الأولى، من فجر يوم الأربعاء الأول الماضي، هادئة كما تعوَّد سكان حي أولاد الغازي وأولاد مالك وأولاد زيد والدواوير المتواجدة نواحي مدينة سيدي سليمان والمحايدة لوادي بهت، وفي فترة وجيزة تسارعت الأحداث وارتفعت الحناجر منذرة بـ"الحملة" أو "الدِّيكة"؛ فواد بهت الذي انتعش طيلة فصل الشتاء بعد شبه جفاف، إلا من مياه واد الحار التي تُسكب فيه، طول السنة، ها هو اليوم يُذكِّر الساكنة بأيام ثوراته سنوات الستينات، كما يذكُر ذلك مُعمّْرو المدينة من الستينيين والسبعينيين، بسبب ارتفاع نسبة الماء لسد القنصرة المقيم عليه، وهي النسبة التي بلغت أزيد من مائة بالمائة.
بضعُ دقائق فقط كانت كافية لتصبح منازل طينية وأخرى بُنيت من قصدير وقصب وأعمدة وأحجار، كأن لم تكن، بينما الساكنة الذين كان معظمهم يغط في نوم الشتاء العميق ما لبثوا أن هرعوا متسابقين إلى أماكن نائية عن الضفاف المتاخمة للوادي، بعدما حملوا القليل من المتاع بما تسمح به لحظة المباغثة، في حين تعالت أصوات الأطفال كما المراهقين والنساء اللائي خُضن في عويل ولطم على الخدود جراء مصابهم الجلل وفقدان العديد منهم لمنازلهم ورزقهم الذي تعِبوا السنين كلها لتوفيره، فكانت تلك الليلة ليست كباقي الليالي خاصة بالنسبة للأطفال الذين صُدموا لهول الفاجعة في ذاك الليل الحالك، الذي سيظل موشوما في ذاكرتهم لاسيما بعد معاناتهم اللاحقة على هيجان الواد الطبيعي، ولكن هذه المرة بسبب ضعف المساعدات المقدمة إليهم، و أحيانا بسبب جحود مسؤولين ولا إنسانيتهم، حيث لم يترددوا في التهكم على ضحايا غضب الطبيعة.

"شنو جرا.. غِير الواد ادّاَ بْلادو"!

هكذا خاطب رئيس المجلس البلدي لمدينة سيدي سليمان قدور المشروحي، المعروف بسلاطة لسانه، يقول ساكنة المدينة المنكوبة، عندما خاطبته جموع غفيرة من قاطني حي أولاد الغازي، عن مصيرهم جراء مصابهم، والذين جرفت المياه مساكنهم البسيطة بساطة تفكيرهم الذي أوعز لهم ذات يوم من أيام الانتخابات على مثل هكذا ممثلين عنهم، يسخرون من ناخبيهم أيام الانتخابات كما أيام الضراء والكوارث، وهم الذين ما فتئوا يؤجلون مرارا تنفيذ مشروع محاربة السكن غير اللائق رغم وجود الوعاء العقاري منذ سنوات. ثم يذهب هذا المسؤول ليحل آخر وآخرين، ولكن هذه المرة من الإدارة الترابية، الذين عبروا للمواطنين عن عجزهم تقديم أكثر ما بوسعهم، فنقلوا العشرات من المتضررين وبحوزتهم بعض الأغطية، التي نجت من جرف سيول المياه، إلى ملحق كنيسة تعود للاستعمار الفرنسي، وآيلة للسقوط بفعل تقادمها، إلا أنها في هذه الأيام العصيبة، وبفضل بقاء سقفها قائما تمثل بالنسبة لهؤلاء مأوى أحسن بكثير من العراء والمبيت في برد قارس، حتى ولئن كان ملحق الكنيسة هذا لا يتوفر على مراحيض.
وبمحطة تلفيف الحوامض، كما كانت في السابق، قبل أن تتحول لمستودع كبير فارغ إلا من علب الحوامض البلاستيكية والقصديرية، ومن جرذان ظلت تعبث بزوايا فضاء المستودع، نزل ضيوف آخرون أتوا من حي أولاد مالك وبعض الدواوير القريبة من المدار الحضري، ليسكنوا مؤقتا هنالك على أمل أن يجدوا لهم سكنا يكون بديلا لمساكنهم البسيطة التي لم تصمد أمام عتو مياه واد بهت.
مر اليوم الأول ثم الثاني فالثالث، على الفيضانات وبينما يزيد وينقص مستوى المياه بواد بهت، يزيد عدد طالبي الالتحاق بالملجأين بينما الطاقة الاستيعابية والإمكانيات غير كافية لاستقبال أكثر من خمس مائة شخص، وهو العدد التقريبي من المستفيدين الذين استطاع المأويان السالفان استقبالهم، على المستوى الحضري للمدينة بينما في البوادي كانت الفيضانات ترسم صورا دراماتيكية أخرى لم تميز بين الإنسان والحيوان والزرع.

الإنسان والماشية..والأرض!

على مدى أزيد من ثلاثين كيلومترا، ومن حدود إقليم سيدي قاسم إلى جماعة عامر السفلية التابعة لإقليم القنيطرة، تبدو المياه على مرأى العين فُرشة واحدة اجتاحت البلاد والعباد إلا من شاءت الجغرافيا أن يكون مسكنه أو بستانه أو حقله جاء بربوة عالية. لكن واقع الحال يقول بأن القليلين هم من كانوا محظوظين وتجنبوا فيضة واد بهت، بينما الغالبية ذهبت مواشيهم ومزروعاتهم ومساكنهم أدراج المياه! "الوليدات ضاعوا..مستقبلهم ضاع" قال قائل من الذين تحدثوا إلى "المساء"، والمتحذر من دوار المويلحة بجماعة الصفافعة، قبل أن يتدخل آخر يبدو أنه أكثر ألما وهو ما تبديه عيناه المغرورقتين، فانبرى يقسم بأغلظ الأيمان، بأن سيول المياه الهائجة جرفت 36 رأسا من الماشية وهي كل ما كان يملك، بينما البغلة ما تزال محاصرة بالمياه ولا يستطيع إنقاذها، في غياب تام لرجال الوقاية الذين يمرون من أمامه بـ"الزدياك" متجهين إلى جماعة القصيبية التي يترأسها وزير العدل عبد الواحد الراضي، يقول المتحدث، وأما أسرته فقد ذهب بعضهم عند الأهل في مناطق آمنة، بينما ابنه البالغ من العمر اثنين وعشرين سنة ينزل بمستشفى المدينة بعد إصابة خطيرة في أول ليلة من الفيضانات عندما كان يساعد والده على إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
حالات أخرى تعجز الكلمات عن إيجاد الأوصاف لها، صادفتها المساء وهي تجول بين الدواوير، فمنهم من فقد أبقارا وأغناما ومنهم من تهدم منزله والكثيرون هم من بار زرعُهم، ليقطعوا كيلومترات عدة مغمورة بالمياه، حتى يصلوا إلى نقطة توزيع المساعدات الغذائية، وعندما يصلون يظلون طول النهار فقط بقصد التسجيل في لوائح المستفيدين، وقد لا يسعفهم طول الطوابير في نيل حصتهم والتي تختلف نوعيتها في ما إذا كانت معلبة بعلبة كارطونية مطبوعة بعلامة مؤسسة محمد الخامس للتضامن، أو ملفوفة في كيس بلاستيكي أسود ما يدل على أن مصدرها هم المحسنون. مساعدات يقول بشأنها الموجهة إليهم أنها لا تكفي لعشاء ليلة أسرة تتكون من ستة أفراد، بأحرى إن كانت الأسرة تتكون من أكثر من عشرة، والذين هم في أمس الحاجة إلى خيمة تَقيهم قساوة البرد وتجمع شمل أفراد أسر توزعوا على الجيران والأقارب في المدار الحضري لمدينة سيدي سليمان وبمدن مجاورة كسَلا وسوق الأربعاء الغرب والقنيطرة. غير أن كابوسا آخر سيظل جاثما على صدور هؤلاء الفلاحين البسطاء والعمال الزراعيين، حتى ولو عاد ت المياه إلى مجراها الطبيعي، وهي القروض الصغرى التي يحين وقت سدادها كل أسبوع، ما يجعلهم عاجزين على ردها وهو ما يهددهم بالمتابعة القضائية من طرف المؤسسات المانحة، ما يزيد الطين بلة.

غياب الممثلين..وسلطة عاجزة!

لم يتردد غالبية الذين تحدثوا إلى "المساء" في نعت ممثليهم على مستوى البرلمان والمجالس المحلية بأبشع النعوت، متهمين إياهم باللصوصية والخيانة وبأنهم يقبلون اللحا يوم الانتخابات، كما قال أحد الغاضبين، ولكنهم اليوم يختفون. وحدها السلطات وأعوانها تعمل في ظل ضعف إمكانياتها اللوجيستيكية والغذائية على إرضاء أكبر قدر من المنكوبين، في الوقت الذي يسجل فيه المتضررون غيابا لساسة الرباط الذين يرونهم على التلفزيون كل مساء يزورون مناطق مختلفة من المغرب، مما جعلهم يتساءلون عما إذا كان هؤلاء المسؤولون ينتظرون كوارث أكثر من كارثة فقدان المسكن والزرع والبهيمة، لكي ينزلوا إلى هذا الوحل الذي يغرقون فيه.
"ما بقاش فينا الحال..على قدر الله..بقا فينا علاش ماداوهاش فينا"، صاحت ميلودة الخمسينة، قبل أن تضيف، أن "حتى وْزير ما جا عندنا أو الراضي مشا غير عند حبابو"، لكن ميلودة لم تعلم، أنه نهاية الأسبوع حط بالمدينة وفد رسمي مصغر يرأسه وزير الداخلية شكيب بنموسى ويضم أحمد أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري والجنرال حسني بن سليمان، نقلتهم طائرة مروحية، بعدما جالت بهم في أجواء المنطقة المنكوبة، إلا أن غاضبين من المتضررين لم يتقبلوا زيارتهم غير المرغوب فيها على ما يبدو، فهتفوا في حضورهم، وأرغموهم على المغادرة في اتجاه الباشوية، بعدما رشقهم أحد الأشخاص بالطين المبلل، يقول أحد الذين تابعوا الحادث.

مسيرات..أمن!

كان الغضب باديا على الذين تحدثوا إلينا، وعلامات الحسرة والتذمر لا تحتاج إلى كبير عناء لاستجلائها. وعندما يتاح لهذا الشخص أو ذاك مجال الحديث، يختلط عليه العتاب بالشكوى لينتهي به الأمر إلى التضرع إلى ربه من أجل اللطف في قدره! ولكن هناك من المتضررين من لم يستطيعوا كتم غضبهم فسارعوا إلى القيام بمسيرات عفوية، تماما كما فعل شباب متحذرون من دوار الرزاكلة حين قطعوا مسافة أكثر من ثمانية كيلومترات سيرا على الأقدام في اتجاه مقر بلدية سيدي سليمان، يم الاثنين، حيث وقفوا احتجاجا على ضعف المساعدات والخدمات المقدمة إليهم، كما يقولون. ونفس الشيء، ولكن بحدة أكثر هذه المرة، وقع بالخنيشات بإقليم سيدي قاسم، يوم الثلاثاء، عندما فوجئ المواطنون بثمن الخبزة يرتفع بكيفية صاروخية، فاندفع العشرات من الشباب غاضبين في شكل زمر وطفقوا يكسرون واجهات بعض المحلات التجارية وبعض الوكالات البنكية، ما جعل قوات الدرك والقوات المساعدة تتدخل. وعلى مداخل مدينتي سيدي قاسم وسيدي سليمان وامام بعض الإدارات شوهدت ناقلات وشاحنات وسيارت تقل عناصر من الأمن والقوات المساعدة والجيش رابضة، ما يطرح السؤال حول جدوى حضور هذه القوات، الذي تفسره الجهات الرسمية باستعداد هؤلاء لتقديم العون والمساعدة للمتضررين، بينما فسره فاعلون سياسيون بأنه استعراض رمزي ورسالة إلى الذين يودون القيام باحتجاجات غاضبة، على شاكلة احتجاج الخنيشات.

فاعلون..حصيلة!

كانت خلية تتكون من بعض الفاعلين السياسيين وأفراد المكتب المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان تتأهب لعقد اجتماع من أجل تدارس وضع المتضررين ذاك اليوم، عندما التحقت بالاجتماع "المساء"، التي اطلعت عن كثب للدور النشيط الذي يقوم به هؤلاء الفاعلون بقصد التخفيف من عبء السلطات ومساعدة المتضررين؛ ووحدهم هؤلاء من فطنوا إلى حجم الكارثة، وأصدروا بيان إغاثة، في وقت سابق، معلنين فيه كون منطقة الغرب منطقة منكوبة، وهو ما استجاب له بعض ذوي النيات الحسنة، فبادروا إلى إرسال مساعدات غذائية وأخرى على شكل أغطية وأدوية. وبحسب مصادر من هؤلاء الفاعلين فإن حجم الكارثة خلف أكثر من ثلاثين ألف متضرر، على مستوى البوادي، بينما العدد فاق الألف متضرر على صعيد المدار الحضري لمدينة سيدي سليمان، في حين فاقت الأراضي الفلاحية التي أفسدتها سيول المياه الثمانين ألف هكتار، وأما عدد المنازل المنهارة فاللائحة مرشحة للارتفاع بسبب استمرار تهاويها كل يوم ومن المرتقب أن يصل العدد إلى المائات من البيوت التي دكتها المياه.

"نكبةٌ" رغما عن أنفِ الحكومة!


نورالدين اليزيد

من الصعب على المرء أن يجد الكلمات المناسبة لوصف الذي يحدث بمنطقة الغرب منذ أزيد من أسبوع على الكارثة الطبيعة التي عرّت على واقع بئيس لهذا الشعب المكلوم في منتخبيه ومسؤوليه، وهي الكارثة التي شردت الآلاف من المواطنين بعدما دكت منازلهم البسيطة البنيان، وبعدما أبادت الزرع والماشية، في ما يشبه الطوفان الذي لا يأتي إلا في النادر من السنوات!
ولكن من اليسير جدا على مسؤولينا القابعين ها هنا في الصالونات المكيفة في الرباط، أن يجدوا لِهكذا ظواهر طبيعة واجتماعية وسياسية، أوصافا مناسبة، يبدو أن قواميسهم المعدة خصيصا لمواجهة هذه الظروف الطارئة فقط، هي على أتم الاستعداد دائما وأبدا للمواكبة وللاستعراض عبر قنوات إعلام القطب "المتجمد"؛ لذلك سرعان ما يُنعت صحافيون يفضلون التغريد خارج السرب بأنهم تيئيسيون، وبأن المواطنين من أمثال الباعمرانيين الذين خرجوا منددين بتهريب ثروات بحرهم هم "مشاغبون" يهوون تخريب ممتلكات الخواص، ونفس الوصف أُطلق على "الخنيشاتيين"، نسبة إلى جماعة الخنيشات التي أحالت الفيضانات الأخيرة، التي ضربت منطقة الغرب، بيوتها إلى أطلال، وساكنتها إلى أشباح بسبب الجوع وجراء الصدمة التي رُزئوا بها نتيجة فُقدانهم لماشيتهم ولزراعتهم البسيطة. وحتى يمعن ساسة الرباط في إذلالهم، فقد باتوا ليلتهم، يوم الاثنين الماضي، على ثمن الخبزة بدرهم وعشرين، وأصبحوا على ثمن خرافي فاق الخمسة دراهم للخبزة الواحدة، بسبب المضاربين وأغنياء الحرب الذين استغلوا النكبة الطبيعية وحاولوا الاغتناء بسرعة، ولكن بمباركة الدولة، التي في الوقت الذي، كان عليها أن تحارب هؤلاء السماسرة، حشدت مختلف عناصر الأمن من المدن المجاورة، وهرعت لإخماد ما تحتفظ لها به الذاكرة، "السيبة".
إن الذي يحدث منذ أكثر من أسبوع بمنطقة الغرب بسبب الفيضانات، خاصة بالقرى ناحية مدينة سيدي سليمان، لا يحتاج إلى إذن من الجهات الرسمية لكي يُصنف ضمن خانة ما يطلق عليه وصفُ "النكبة"، مهما حاولت حكومتنا الاجتهاد في الإكثار من مساحيق التجميل التضليلية؛ ولكن قد نجد العُذر، كل العذر، للدولة وبخاصة لشكيب بنموسى وزير الداخلية المشرف على رسم الخارطة الترابية للبلاد، والذي يبدو أن لا تُراب بدا له عندما كان يُحلِّق في أجواء الغرب على متن الطائرة المروحية إلى جانب عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري، والجنرال حسني بنسليمان قائد الدرك الملكي الذي له من الضيعات النموذجية بالغرب ما لزميله عبد الواحد الراضي وزير العدل، أو عبد الواحد "الأراضي"، كما دأبت قبائل بني احسن على نعته تيمنا بالهكتارات من الأراضي التي يملكها بجماعة القصيبية القروية التي يترأسها، لكن فقط بالاسم، حيث لا يحضر لتسيير دواليبها إلا لِماما. فبدل التراب رأى هؤلاء الذين زاروا، عبر الجو فقط، المنطقة المنكوبة، حتى إذا ترجلوا آوتهم بلدية سيدي سليمان، خارطةً مترامية الأطراف من المياه التي تمتد من إقليم سيدي قاسم إلى إقليم القنيطرة، على مسافة يقدرها أهل المنطقة بأكثر من ثلاثين كيلومترا طولا وأكثر من نصف المسافة على مستوى العرض. وفي هذا البحر من المياه بدت لهؤلاء الزوار القادمين من الرباط، حركات تذب كأنها لأناس يندبون حظهم السيئ وقد تفرقت بأفراد أسرهم السبل، حيث منهم من آوى إلى ربوة تقيهم جرف السيول الغاضبة، ومنهم من تسابق إلى عون السلطة "المقدم" أو"الشيخ" لتسجيل اسمه للظفر بوجبة غذائية حقيرة لا تكفي لسد حتى رمق ليلة واحدة لأسرة من بضعة أفراد، بعدما يظل المستفيد المفترض من تلك الوجبة واقفا في الطابور طوال النهار، رغم اقتناعه بلا جدوى تلك المأونة، ولكنه العوز الذي يضرب بأطنابه في صفوف هؤلاء الذين تذكروا، فقط أثناء هذه المحنة الطبيعية، أن "صوتهم" الذي لا يُسمع اليوم، هو الذي جر عليهم الكارثة؛ فلا مياه الصرف الصحي، كما وعدوهم، أُنجِزت بشكل سليم لتفادي إرجاع نفاياتهم وحوائجهم التي يقضونها في المراحيض، ولا برنامج مدن بدون صفيح شملهم بشقق قادرة على أن تصمد أكثر في وجه المياه العاتية، ولا الدعم الفلاحي المفترى عليه سيعوض لهم ما دكته مياه الفياضانات من أراضي وما جرفته من رؤوس ماشية! وحده صوت عَلا في الكارثة ولم يُعلَ عليه، هو الحاجة إلى كل شيء؛ إلى الطعام والغذاء والمأوى والأمل. وهو ما لم يتوفر بالشكل الذي يعكسه حجم الدمار الذي عصف بالمنطقة وبساكنتها، والذي عكسته من جهة انتفاضة بعض الدواوير، بينما دواوير أخرى ما تزال تنتظر، وهي غارقة، لعل الذين يمدون العون يُوفون الكيل وينصبون الخيام لاتقاء قساوة البرد.
وستستمر الكارثة، حيث تبرز تقديرات أولية أن جل هؤلاء المنكوبين يعيشون ويحيون على القروض الصغرى التي تشير أولى المعطيات أن أصحابها لا يريدون تقديم حل يراعي وضعية المقترضين الإنسانية ما يشكل هاجسا يقظ مضجعهم غير الهانئ أصلا، أضف إلى ذلك التحذيرات الطبية من انتشار الأوبئة بسبب رؤوس الماشية التي نفقت، هذا مع الختم بما صدر عن وزارة الفلاحة بأنها بدأت في إحصاء الخسائر بقصد حث الفلاحين على بدائل زراعية، أليس هذا هو الضحك على الذقون؟ تلك نكبة أخرى!!

الأربعاء، مايو 13، 2009

أجمعوا على ضرورة دعم الطبقة الوسطى

باحثون يعتبرون الطبقة الوسطى صمام أمان لاستقرار وأمن المجتمع

نورالدين اليزيد

اختلف عدد من الأساتذة الباحثين، خلال ندوة دراسية، حول إمكانية وجود تعريف واحد وموحد لمفهوم الطبقة المتوسطة بالمغرب، وما إذا كانت فعلا هذه الطبقة موجودة في هرم التركيبة الاجتماعية للمجتمع المغربي، الذي عرف بالأساس سيطرة طبقة بورجوازية فاحشة وأخرى فقيرة، كرستها وضعية ما بعد الاستعمار التي سمحت بتطور اقتصاد الريع وبإصلاحات عدة في القطاع التعليمي لم تأت أكلها، لتظل الطبقة المتوسطة بالمغرب تعاني التهميش، هذا إذا لم تكن عرضة لمحاربتها من قبل أصحاب رؤوس المال الذين يتحالفون مع السياسيين لأجل نفس الغرض، يقول باحثون شاركوا في الندوة.
وكادت كل التدخلات أن تجمع على ضرورة وجود عناصر أساسية تؤطر كل تعريف للطبقة المتوسطة، وهي تقليص الفوارق السوسيو-اقتصادية بين شرائح المجتمع، وتقارب أنماط السلوك والعيش بين هذه الشرائح والنمو العددي للفئات السوسيو-مهنية المتوسطة.
واعتبر الباحث الجامعي والوزير السابق عبد الله الساعف أن الطبقة المتوسطة بالمغرب، هي تلك الطبقة التي لا تقبل أن تَستغِل أو تُستغَل، مشيرا إلى أن بعض الدراسات المقارنة بين التجربة المغربية ونظيرتها التونسية، لم تأخذ بعين الاعتبار بعد التطورات التي حدثت على التركيبة الاجتماعية المغربية منذ الاستقلال؛ حيث كانت الطبقة المتوسطة، في وقت من الأوقات، تمثل عدوا للدولة، قبل أن تعرف هذه الطبقة بعض الانتعاش، خاصة بعد سياسات الخوصصة ولبررة السوق، ولو أن إمكانية رقي بعض الفئات من المجتمع إلى الطبقة الوسطى ظلت محدودة لصعوبة الوصول إلى الرأس مال، ولكون موارد الأفراد المالية ظلت محدودة في ظل تجميد الأجور، مشيرا إلى أن الطبقة الوسطى طبقات، بحيث يمكن أن نجد طبقة وسطى سفلى وأخرى عليا، مع احتمال الصعود والنزول إلى الطبقة الغنية أو الفقيرة.
وشارك عدد كبير من الأساتذة الباحثين، في اليوم الدراسي المنظم يوم الأربعاء بالرباط، من طرف كل من رابطة الأساتذة الجامعيين الاستقلاليين والجمعية المغربية للعلوم السياسية.
وفي معرض تدخله نيابة عن الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالشؤون الاقتصادية والعامة نزار البركة، الذي اعتذر عن حضور الندوة، اكتفى مستشاره يونس السحيمي بالتذكير بخطاب العرش للسنة الماضية، الذي لفت إلى ضرورة العمل على وجود طبقة وسطى في المجتمع المغربي، للمساهمة في تطوره، لما لهذه الطبقة من قدرة على المبادرة والخلق، وهو ما استجاب له الوزير الأول على الفور من خلال خلق لجنة يرأسها شخصيا، مكلفة بالبحث في سبل تفعيل الخطاب الملكي، قبل أن يشير مستشار الوزير إلى بعض برامج الحكومة، ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي، ومن ذلك برنامج مقاولتي، الذي أكد على أنها ساهمت في توسيع حجم الفئات التي تتوفر على دخل قار.
واختلف المتدخلون، في الندوة التي حملت عنوان "الطبقة المتوسطة والسياسات العمومية بالمغرب"، حول تحديد الامتداد التاريخي للطبقة الوسطى بالمغرب، حيث في الوقت الذي أشارت فيه جل التدخلات إلى فترة بداية الاستقلال، حينها اعتبر أفراد الحركة الوطنية، النواة الأولى لهذه الطبقة بالمغرب، انبرى متدخلون آخرون إلى الرجوع إلى القرن الثامن عشر وقت كان الحسن الأول يحشد نخبة القوم والأعيان حوله لمساعدته على تسيير شؤون سلطنته، وكان هؤلاء يتكونون بالخصوص من رجال العلم وبعض الصناع التقليديين الكبار وكبار قواد جيشه.
إلى ذلك اعتبر عبد السلام المصباحي كاتب الدولة لدى وزير الإسكان والتنمية المجالية المكلف بالتنمية المجالية، أن للفئات الوسطى بالمجتمع المغربي مؤشرات سوسيو-اقتصادية تدل على وجودها ضمن باقي مكونات المجتمع الأخرى؛ حيث نجد أن هناك 2.4 مليون أسرة بالحواضر مداخيلها السنوية تتراوح ما بين 36 ألف و180ألف درهم؛ ومن هؤلاء نسبة تملك سكنا وتصل إلى 67 بالمائة، بينما 72 بالمائة تقطن بمساكن فردية، مع الاعتماد أساسا على الادخار الذاتي، بحيث أن نسبة التمويل البنكي هي ضعيفة عند المنعشين والأسر ولا تتجاوز24 بالمائة. وأشار كاتب الدولة، في مداخلته، إلى أن هدف الحكومة الاستراتيجي، في مجال السكن، هو دعم القدرة الشرائية لأسر الفئات الوسطى، وذلك بالتحكم في النفقات المرتبطة بالسكن حتى لا تتعدى عتبة 40 بالمائة من الدخل، وتكثيف وتنويع العرض السكني وإيجاد صيغ جديدة لولوج السكن.
في سياق ذلك تساءل الباحث الجامعي بجامعة محمد الخامس بالرباط، تاج الدين الحسيني، حول حدود التمييز بين هذه الطبقة أو تلك ضمن التركيبة الاجتماعية، ليشير إلى أن الدراسات تركز أحيانا في تحديد الدخل بالنسبة لهذه الفئة على مبلغ 6 آلاف إلى 10 آلاف درهم، وأحيانا أخرى تشير إلى ضرورة تحديد المبلغ في ما بين 14 إلى 18 ألف درهم كدخل شهري لتحديد المنتمين للطبقة الوسطى، مشيرا إلى أن سياسة التقويم الهيكلي التي اتبعتها الدولة، شكلت خطأ جسيما في حق كل طبقات المجتمع ومنها بالأساس الطبقة الوسطى، بالإضافة إلى أن ظهور "عناصر طفيلية" تشتغل بالخصوص في مجال التهريب والمخدرات والدعارة، شكلت هي الأخرى منافسة غير مشروعة لمزاحمة فئات المثقفين والنخبة على تمثيل طبقة وسطى، أضف إلى ذلك الخطر الداهم الذي تمثله القروض على هذه الفئة، داعيا إلى تدخل الدولة لحماية هذه الطبقات من جشع البنوك، قبل أن يخلص الحسيني إلى أن الطبقة الوسطى تشكل صمام أمام بالنسبة لاستقرار المجتمع وأمنه، محذرا من عطالة أصحاب الشواهد، التي قد تشكل خطرا محذقا بمستقبل البلاد
.